د. صبري محمد خليل خيري - ثورة الشباب العربي وضروره الانتقال من التفعيل التلقائى الى التفعيل المنظم

اولا: ملخص الدراسة :
تم تعطيل الاراده الشعبية العربية - على المستوى السياسي الرسمي - بعد تولي الرئيس السادات السلطة في مصر بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر عام 1970، وارتداده عن سياساته المجسدة - على وجه الاجمال لا التفصيل – للاراده الشعبية العربية وأهدافها فى الحريه والعداله الاجتماعيه والوحده . غير ان تعطيلها على هذا المستوى، قد فتح المجال أمام تفعيلها على مستوى آخر هو مستواها الشعبي . وتشمل هذه المرحلة مرحلتين من مراحل تفعيلها ، المرحلة الأولى هي مرحله التفعيل التلقائي ، والتي أخذت شكل رد فعل عاطفي- تلقائي/ مؤقت ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي، ومشاريع محاوله إلغاء الاراده الشعبية العربية" كمشروع الشرق الاوسط الجديد الامبريالى الصهيونى" ، والمذاهب التى يلزم منها ذلك– موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتيه لانصارها – " كمذهب التفسير السياسى للدين "المعبر عنه خطا بمصطلح الاسلام السياسى" - ومن اشكاله مذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء المحرمه- وقد جاءت الموجات الكميه لثوره الشباب العربى كامتداد لهذه المرحله ، وتشمل الموجات التاليه: الموجه الأولى: وتتمثل في سلسله الانتفاضات الشعبية العربية شبه المتزامنة ، التي كان طليعتها الشباب ، وكانت أداه الإعلام بها والتعبئة فيها الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيه ، والتي اندلعت شرارتها الأولى في تونس ، ومنها انتقلت إلى مصر ، والتي نجحت في إسقاط عدد من الانظمه العربية الاستبدادية سلميا ، وبأساليب التغيير السياسي الديموقراطى، قبل أن تنجح القوى والنظم العالميه والاقليميه والمحليه ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، في تحويل مسارها في دول عربية أخرى ، من المسار الجماهيري السلمي ، إلى مسار طائفي مسلح "دموي (سوريا، ليبيا،اليمن..)، بهدف تشويه صوره هذه الثورة الشعبية السلمية، ومن ثم منع انتقالها إلى دول أخرى– اى باستخدام هذه القوى والنظم لا لاسلوب الاسقاط العنيف- . الموجه الثانيه: الحراك الشعبي السلمي والذي طليعته الشباب أيضا، في العديد من الدول العربية كالسودان( ثوره 19 ديسمبر 2018) والجزائر، والحراك الشعبي المطلبي في المغرب وتونس والأردن ولبنان والعراق ... وقد نجحت هذه الموجه ايضا فى اسقاط عدد من النظم السياسية الاستبدادية سلميا وبأساليب التغيير السياسي الديمقراطي "نظامى عمر البشير وبوتفليقة" . لذا عملت ذات تعمل القوى والنظم العالمية والاقليميه والمحليه، ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، على إجهاض هذا الحراك الشعبى السلمى و إفراغه من مضمونه، من خلال العديد الاساليب ، واهمها اسلوب الهبوط الناعم ، والذى مضمونه ، اجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الاشخاص ، دون اى تغيير حقيقى للسياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه.. التى تتعارض مع أهداف الاراده الشعبيه العربيه. ونجاح الاراده الشعبيه العربيه فى الحفاظ على الانتصارات التى حققتها فى مرحلة التفعيل التلقائى- التى تعتبر الموجات الكميه لثورة الشباب العربى كامتداد لها – فضلا عن تحقيقها لمزيد من الانتصارات - يتوقف على ارتقائها الى مرحلة التفعيل القصدى- والتى ستمثل الموجات الكيفية لثورة الشباب العربى - وهذا الارتقاء لا يمكن ان يتحقق إلا بالالتزام بشروط التفعيل القصدي – والتي تمثل أيضا خصائص الموجه الكيفية من ثورة الشباب العربي- وأهمها:محاربة أنماط التفكير الخرافي والأسطوري والبدعى . والالتزام بأنماط التفكير العلمي والعقلاني – التي لا تتناقض مع الوعي- والفهم الصحيح للدين . وقيام الاراده الشعبية العربية بكل الخطوات الممكنة تجاه أهدافها في الوحدة و الحرية والعدالة الاجتماعية والحرية والأصالة والمعاصرة ،على المستوى الشعبي قبل المستوى الرسمي . والتمييز بين بين الديمقراطية والليبرالية. ورفع التعارض بين أنماط التغيير ( الإصلاح والثورة/ السلمية واستخدام القوة / استخدام القوة الذاتية والاستعانة بقوه خارجية)،وذلك بالالتزام بمفهوم المفاضلة.....

ثانيا: متن الدراسه التفصيلى:
مرحله التعطيل الارتدادى للاراده الشعبيه العربيه على المستوى الرسمى:
تم تعطيل الاراده الشعبية العربية - على المستوى السياسي الرسمى - بعد تولي الرئيس السادات السلطة في مصر بعد وفاه الزعيم جمال عبد الناصر عام 1970، وارتداده عن سياساته المجسدة- على وجه الاجمال لا التفصيل - للاراده الشعبية العربية وأهدافها فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة (بانتقاله من السعى لتحقيق التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية الى تطبيق النظام الرأسمالي الربوي وارتهان لمؤسساته الدولية ، تحت شعار "الانفتاح الاقتصادي" ، ومن مناهضة الاستعمار القديم والجديد " الامبريالي " الاستيطانى " الصهيونى" الى التبعية للغرب بقياده أمريكا " شعار 99 % من أوراق اللعب بيد امريكا ، والتطبيع مع الكيان الصهيونى " اتفاقية كامب ديفد"، ومن التضامن العربى الى القطيعه بين الشعوب العربيه وتنامى الشعوبية ) ، ثم سير العديد من النظم السياسية العربيه على خطة .
ذات مرحله تفعيل الاراده الشعبيه العربيه على المستوى الشعبى: غير ان هذا التعطيل للاراده الشعبيه العربيه على هذا المستوى ، فتح المجال أمام تفعيلها على مستوى آخر هو مستواها الشعبي. وفى ذات الوقت مهد الطريق امام انتقالها من مرحلة التفعيل الزعامي ، إلى مرحلة التفعيل الجماهيري ، والتي يدعمها تطور وسائل الإعلام الاتصال ، وظهور الخاصية التفاعلية للإعلام" ظهور مواقع ومنصات التواصل الاجتماعى" . وتشمل هذه المرحلة مرحلتين من مراحل تفعيلها :
مرحله التفعيل التلقائي"الموجات الكميه لثوره الشباب العربى ": المرحلة الأولى هي مرحلة التفعيل التلقائي ، والتي أخذت شكل رد فعل عاطفي- تلقائي/ مؤقت ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي، ومشاريع محاوله إلغاء الاراده الشعبية العربية" كمشروع الشرق الاوسط الجديد الامبريالي الصهيوني" ، والمذاهب التى يلزم منها ذلك– موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصارها – " كمذهب التفسير السياسى للدين "المعبر عنه خطأ بمصطلح الاسلام السياسي" - ومن اشكاله مذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء المحرمه-
من انتصارت الاراده الشعبيه العربيه فى هذه المرحلة : وقد حقق الاراده الشعبيه العربيه في هذه المرحلة الكثير من الانتصارات ، بدون أن يمثلها أو يعبر عنها أو يسعى لتحقيق أهدافها اى نظام سياسي معين، ومن هذه الانتصارات:

· الانتفاضات والثورات الشعبية السلمية ، ضد تطبيق العديد من انظمه العربية النظام الاقتصادي الراسمالى، تحت شعارات “الخصخصة والتحرير والانفتاح والإصلاح الاقتصادي" ،والتي تظهر كل فتره في هذه الأنظمة حتى الآن .ومن أهم هذه الثورات ثورات 21أكتوبر 1964 و 6ابريل 1985 فى السودان، و اللتان مثلتا مرحلة متقدمة من الموجة الأولى لثورة الشباب العربي.ولكن لم يكتب لهما الشهرة الكافية في الوطن العربي، لأسباب متعددة أهمها عدم تطور وسائل الاتصال والإعلام في تلك الفترة.

· تنامي المقاطعة الشعبية العربية للكيان الصهيوني ومناهضة التطبيع معه،والتي أضرت بالاقتصاد الاسرائيلى، وساهمت في الضغط – الاقتصادي – على الكيان الصهيوني، وتقديم دعم –معنوي- للشعب الفلسطيني .

· تنامي مظاهر التدين الشعبي ، وهي – في جوهرها – ظاهرة إيجابية ، لأنها تعبير “ديني” عن رفض الارادة الشعبية العربية لمظاهر التغريب والتخريب القيمى والاخلاقى، والتمرد على القيم الحضارية والدينية ، التي تلازم تطبيق النظام الاقتصادي الراسمالى. ولان بنيه التدين الشعبي العربي ، السائد لدى الشعوب العربية ، انه سني “طبقا لمذهب الشمول الشرعي لمصطلح أهل السنة” ، طبقا لأحد مذاهب أهل السنة الكلامية، مع غلبة للمذهب الاشعرى”عقديا”- وطبقا لأحد مذاهب أهل السنة الفقهية الأربعة (المالكي ،الشافعي، الحنفي، الحنبلي ) “فقهيا”، مع اثر عملي صوفي واضح عليه ، وهذه بنيه تعنى أن التدين الشعبي العربي يتسم بالاعتدال والوسطية والبعد عن الغلو والتطرف لأنه يستند إلى مذهب أهل السنة القائم على الضبط الشرعي لمفاهيم التكفير والقتال . والمطلوب هو الارتقاء بظاهرة تنامي التدين الشعبي من مرحلة رد الفعل العاطفي التلقائي إلى مرحلة الفعل العقلاني ، وترقيه الوعي الشعبي الديني، وتقديم الفهم الصحيح للدين،ومحاربه أنماط التفكير البدعى .. – وليس إلغائها كما يرى بعض أنصار التيار التغريبي- أما بعض المظاهر السلبية كالتدين الشكلي”المظهري والتظاهري “، والاتجار بالدين ، والتوظيف السياسي للدين كما في “مذهب التفسير السياسي للدين “الإسلام السياسي”…التي تزامنت في الظهور معها، فلا تعبر عن هذه الظاهرة وجوهرها ، بل هي محاولات لتوظيفها واستغلالها، لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية ضيقة.

· استمرار المقاومة الشعبية الفلسطينية لهضم الكيان الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني ، ممثلة في الانتفاضات الشعبية الفلسطينية الثالثة: انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987 والتي أجبرت الكيان الصهيوني على الاعتراف بالسلطة الفلسطينية . ثم انتفاضة الأقصى عام 2000, والتي أدت إلى تعاطف العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو ما أثمر اعتراف العديد من الدول بالسلطة الفلسطينية . ثم ثورة السكاكين 2015, والتي أربكت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل الكيان الإسرائيلي. ثم الإضراب العام في الاراضى الفلسطينية، المؤيد لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام في المعتقلات الاسرائيليه، والذي انتهى برضوخ سلطة الكيان الصهيوني لمطالبهم ثم المظاهرات الشعبية المناهضة لقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. والمظاهرات الشعبية ضد محاولات تهويد القدس.

· دحر المقاومة الوطنية اللبنانية للاعتداء الصهيوني على لبنان، والتي شملت أفراد وشخصيات و مؤسسات وكيانات وأحزاب وقوى لبنانية متعددة التوجهات الفكرية والسياسية والاجتماعية ، و نجحت في طرد الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان عام 2002.

· نجاح المقاومة الوطنية العراقية ، في توجيه ضربات قاصمة للاحتلال الأمريكي للعراق ، والهادف إلى الاستيلاء على احتياطي النفط الضخم في العراق، والقضاء على القوة العسكرية المتنامية للعراق، أدت إلى انسحاب الجيش الامريكى لاحقا- مع بقاء السلطة السياسية”الفعلية” للاحتلال الامريكى ، من خلال إبقاء الكيانات السياسية الطائفية المتعاونة معه في السلطة – قبل أن تعمل أمريكا وحلفائها في المنطقة، على تحويل الصراع من صراع بين محتل ومقاوم ، إلى صراع طائفي بين السنة والشيعة (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وغيره من مليشيات مسلحة سنية من جهة، والمليشيات الشيعية المسلحة من جهة أخرى).

· تنامي الوعي الشعبي العربي عامه،والوعي الشعبي الديني خاصة،بفضل جهود علماء مشهود لهم بالعلم ، بينوا الفهم الصحيح للدين، وابرزوا وسطية الإسلام وبعده عن الغلو والتطرف ، وظهور العديد من الاجتهادات في إطار الفكر الاسلامى المعاصر،والتي أكدت على عدم تناقض الإسلام كدين مع التفكير العلمي والعقلاني والتقدم والتطور الاجتماعي ، وضحت جوانب الاستنارة في التراث الفكري للعلماء المسلمين ..وقد ساهم في تنامي هذا الوعي الشعبي تطور وسائل الاتصال والإعلام في عصرنا.

· فشل مذهب محاوله نقض البنية الحضارية "العربيه – الاسلاميه " لشعوب الأمة العربيه ، والذي هو نتيجة فكريه تلزم منطقيا - وبصرف النظر عن النوايا الذاتية - من مذاهب متعددة مختلفة - إلى حد التناقض- ( مذاهب ليبراليه "علمانيه" او ماركسيه اوشعوبيه ” انفصاليه “ ومذاهب ينسبها أصحابها للدين ، كمذهب التفسير السياسي للدين "الإسلام السياسي"، ومذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة - وهو احد أشكال الاخير -) ، ومضمون هذه النتيجة هو محاوله نقض هذه البنية الحضارية ،من خلال محاوله إلغاء بعض علاقات انتمائها المتعددة- والتي تمثل هياكل هذه البنية الحضارية- ومنها علاقة الانتماء الاسلاميه ، كعلاقة انتماء ذات مضمون ديني - حضاري ، وعلاقة الانتماء العربية كعلاقة انتماء قومية ، ذات مضمون لغوي /ثقافي- غير عرقي. وتأخذ هذه المحاولة- المحكوم عليها بالفشل - أشكال عده منها تشويه الرموز" الوطنية والقومية والدينية والتاريخية..." للبنيه الحضارية للشخصية العربيه . وهذا المذهب يخدم – موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصاره - غايات مشروع الشرق الأوسط الجديد ” الامبريالي – الصهيوني” .

الموجات الكميه لثوره الشباب العربى كامتداد لهذه المرحلة: وقد جاءت الموجات الكميه لثورة الشباب العربى- فى مسارها الرئيسى- كامتداد " طبيعي" لمرحلة التفعيل التلقائي للارادة الشعبية العربية. و تشمل الموجات التاليه:
الموجه الأولى: وتتمثل في سلسلة الانتفاضات الشعبية العربية شبه المتزامنة ، التي كان طليعتها الشباب ، وكانت أداه الإعلام بها والتعبئة فيها الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيه ، والتي اندلعت شرارتها الأولى في تونس ( ثوره الياسمين 2011)، ومنها انتقلت إلى مصر ( ثوره 25 يناير 2011)، ومن ثم الى دول عربيه أخرى.
اسلوب الاسقاط العنيف: وقد نجحت هذه الموجه في إسقاط عدد من الأنظمة العربية الاستبدادية سلميا ،وبأساليب التغيير السياسي الديمقراطي(نظامى مبارك وبن على ) ، قبل أن تنجح القوى والنظم العالمية والاقليميه والمحلية ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، في تحويل مسارها في دول عربية أخرى ، من المسار الجماهيري السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح "دموي" (سوريا، ليبيا،اليمن..)، بهدف تشويه صورة هذه الثورة الشعبية السلمية، ومن ثم منع انتقالها إلى دول أخرى – اى باستخدام هذه القوى والنظم لاسلوب الإسقاط العنيف- وما كان ذلك ليتم لولا عدم اكتمال الشروط الذاتية للثورة فى تلك الدول- رغم توافر بعضها .
الموجه الثانيه: وتتمثل الحراك الشعبي السلمي والذي طليعته الشباب أيضا، في العديد من الدول العربية كالسودان( ثورة 19 ديسمبر 2018( ،والجزائر(الحراك الشعبي السلمي ضد ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة)، والحراك الشعبي المطلبي في المغرب وتونس والأردن ولبنان والعراق ...
اسلوب الهبوط الناعم: وقد نجحت هذه الموجه ايضا فى إسقاط عدد من النظم السياسية الاستبدادية سلميا وبأساليب التغيير السياسي الديمقراطي "نظامى عمر البشير وبوتفليقة" . لذا عملت ذات تعمل القوى والنظم العالمية والاقليميه والمحليه، ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، على إجهاض هذا الحراك الشعبى السلمى وافراغه من مضمونه، من خلال العديد الاساليب ، وأهمها اسلوب الهبوط الناعم ، والذى مضمونه ، اجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الاشخاص ، دون اى تغيير حقيقى السياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتاماعيه، التى تتعارض مع غايات الاراده الشعبيه العربيه ... اى ليصبح التغيير اقرب للتغيير الادارى"تغيير الاشخاص" منه التغيير السياسى" تغيير النظم السياسية" ، فضلا عن بعده عن - وفى ذات الوقت كمحصلة لغياب- التغيير البنيوي" الحضاري "الشامل ، الذي يشمل تغيير البنية الحضارية للمجتمعات التى تتضمن ، القواعد التى تنتج أنماط التفكير الذاتية ،والنظم الموضوعية. ويرجع ذلك للعديد من الاسباب اهمها انه رغم ان الشروط الذاتية لهذا الحراك الشعبى " الذي يمثل الموجة الثانية للموجات الكمية لثورة الشباب العربي" ، توافرت اكثر من توافرها للانتفاضات الشعبية "التى مثلت الموجه الاولى للموجات الكمية لثورة الشباب العربى " - ويدل على ذلك العديد من المؤشرات منها غلبة الطابع السلمى عليه - إلا أنه فى التحليل النهائى لم تكتمل هذه الشروط الذاتية.
مرحله التفعيل القصدى" الموجات الكيفيه لثوره الشباب العربى":ان نجاح الاراده الشعبيه العربيه فى الحفاظ على الانتصارات التى حققتها فى مرحلة التفعيل التلقائى- التى تعتبر الموجات الكميه لثورة الشباب العربى كامتداد لها –والتصدى للقوى والنظم ذات المصالح المتعارضة معها فى اجهاضها، وتحقيقها لمزيد من الانتصارات يتوقف على انتقالها الى مرحلة التفعيل القصدى، التى يجب ان تأخذ حركتها فيها شكل ارادى" قصدى" ، مضمونه فعل عقلاني- مستمر – منظم / مؤسساتي - والتى ستمثل الموجات الكيفية لثورة الشباب العربي ، لأنها تتضمن تغيير لشكلها التلقائى الى شكل ارادى-
شروط مرحله تفعيل مرحلة التفعيل القصدي :
وارتقاء الاراده الشعبية العربية إلى هذه المرحلة لا يتحقق إلا بالالتزام بشروط تفعيلها - والتي تمثل أيضا خصائص الموجات الكيفية لثورة الشباب العربى- ومن هذه الشروط:

· الارتقاء بالوعي الشعبي العربي”الديني ، السياسي ، الثقافي…”باعتبار أن الوعي شرط الاراده.

· محاربة أنماط التفكير الخرافي والأسطوري والبدعى ، والالتزام بأنماط التفكير العلمي والعقلاني – التي لا تتناقض مع الوعي- والفهم الصحيح للدين .

· توظيف الخاصية التفاعلية ، التي تميز هذه المرحلة من مراحل تطور وسائل الإعلام والاتصال، في الارتقاء الاراده الشعبية العربية، من مرحله التفعيل التلقائي إلى مرحله التفعيل القصدى،من خلال ترقية الوعي الشعبي وإتاحة الفرصة للارادة الشعبية للتعبير عن ذاتها ، و محاربة محاولات توظيفها لتعطيل الاراده الشعبية العربية من خلال الانحطاط بالوعي الشعبي ،وتزييف الاراده الشعبية .

· قيام الاراده الشعبية العربية بكل الخطوات الممكنة تجاه أهدافها في الوحدة و الحرية والعدالة الاجتماعية والحرية والأصالة والمعاصرة ،على المستوى الشعبي قبل المستوى الرسمي.

· تفعيل العمل الخيري والتطوعي ، لمنظمات المجتمع المدني العربي، في مجال غوث وأعانه وتوطين واستقبال اللاجئين من الدول العربية التي تعانى من صراعات مسلحة ، نتجت من تحويل القوى التي تقف وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد “الامبريالي الصهيوني” مسار ثوره الشباب العربي من المسار السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح. مع التأكيد على أن الحل الحل الوحيد لهذه الصراعات و، الآثار السلبية المترتبة عليها هو الحل السياسي السلمي . و أن الحل العسكري لن يؤدى إلا إلى إطالة أمد هذه الصراعات ، وبالتالي تضخم حجم الآثار السلبية المترتبة عليه.

· إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة “التفتيت “، مع ما يلزم من ذلك من زيادة احتمالات انزلاقه نحو الفوضى،يقتضى عدم السكوت عن هذا التردي ، أو محاوله إيقافه باستخدام العنف ضد النظام السياسي العربي ، بل العمل على إيقاف هذا التردي بأساليب سلميه، وذلك بضغط الاراده الشعبية العربية على النظام السياسي العربي بأجزائه المتعددة – بأساليب سلميه – بهدف دفعه نحو التوافق “المشاركة” ، والإصلاح ” التغيير السلمي التدريجي ” – بشرط بعدم اكتمال توافر الشروط الذاتية والموضوعية” للثورة في الجزء المعين، مع الالتزام بالسلمية حتى في الحالة الاخيرة.

· التمييز بين بين الديمقراطية والليبرالية: التمييز بين الليبرالية كفلسفة طبيعية - غير دينيه - على المستوى الوجودي، فردية على المستوى الاجتماعي. وكمنهج للمعرفة يستند إلى فكرة القانون الطبيعي” والتي مضمونها ان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة”، وكأسلوب شامل متكامل للحياة : راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ، علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة… والديمقراطية كنظام فني لضمان سلطة الشعب ضد استبداد الحكام . فالاخيره )الديموقراطية) وليست الأولى(الليبرالية) هي غاية أساسيه من غايات ثورة الشباب العربي- وكذا الاراده الشعبية العربية – ويترجم هذا التمييز بالدعوة إلى العمل على تخليص الديمقراطية من الليبرالية كفلسفة ومنهج وأسلوب حياة شامل (رأسمالي، فردي، علماني..) وذلك بالديمقراطية ذاتها لا بإلغاء الديمقراطية،اى بالاحتكام الى الشعب.

· رفع التعارض بين أنماط التغيير بالالتزام بمفهوم المفاضلة: الجمع بين أنماط التغيير المتعددة ، على وجه يرفع التعارض ” التناقض” بينها ، بالالتزام بمفهوم المفاضلة الذي أشارت إليه كثير من النصوص كقوله تعالى(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ...)(التوبة: 19) ، والذي قرره العلماء – اتساقا مع العلماء ، يقول الإمام الغزالي (وترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور) (الإحياء 3/403)، ومضمون المفهوم هو تقديم نمط تغيير معين على نمط تغيير أخر زمانيا وقيميا، وذلك باعتبار نمط التغيير الأول هو الأصل، وبالتالي الالتزام به ما دامت تتوافر إمكانية التزام به، بينما نمط التغيير الثاني هو الفرع،وبالتالي عدم الالتزام به إلا فى حالة عدم توافر إمكانية الالتزام بنمط التغيير الأول.

ا/ المفاضلة بين الإصلاح والثورة: ان تطبيق مفهوم المفاضلة على نمطي التغيير: الإصلاح والثورة، إنما يتحقق من خلال الجمع بينهما ، على وجه يرفع التعارض (التناقض) بينهما، من خلال تقديم الإصلاح على الثورة رمانيا وقيميا، وذلك باعتبار الإصلاح هو الأصل، وبالتالي الالتزام به ما دامت تتوافر إمكانية التزام به، بينما الثورة هي الفرع،وبالتالي فان الالتزام بها إلا يكون إلا فى حالة عدم توافر إمكانية الالتزام بالإصلاح.

ب/ المفاضلة بين السلمية واستخدام القوه: كما ان تطبيق مفهوم المفاضلة على نمطي الثورة: السلمية واستخدام القوه، إنما يتحقق من خلال الجمع بينهما،على وجه يرفع التعارض (التناقض) بينهما، من خلال تقديم الأساليب السلمية على استخدام القوة زمانيا وقيميا، وذلك باعتبار الأساليب السلمية هي الأصل، وبالتالي الالتزام بها ما دامت تتوافر إمكانية التزام بها، بينما استخدام القوة هو الفرع،وبالتالي فان الالتزام بها إلا يكون إلا فى حالة عدم توافر إمكانية الالتزام بالأساليب السلمية.

ج/المفاضلة بين استخدام القوه الذاتية والاستعانة بقوه خارجية: كما أن تطبيق مفهوم المفاضلة على نمطي استخدام القوة: استخدام القوة الذاتية والاستعانة بقوه خارجية ، إنما يتحقق من خلال تقديم استخدام القوة الذاتية على الاستعانة بقوه خارجية زمانيا وقيميا، وذلك باعتبار استخدام القوه الذاتية هو الأصل فى استخدام القوه ، وبالتالي الالتزام به ما دامت تتوافر إمكانية التزام به، بينما الاستعانة بقوه خارجية هو الفرع (الاستثناء المستند الى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، والمقيد بقاعدة "الضرورة تقدر بقدرها" ) ،وبالتالي فان الالتزام به إلا يكون إلا فى حالة عدم توافر أى إمكانية للالتزام باستخدام القوه الذاتية للحفاظ على الوجود.



د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الإسلامية في جامعة الخرطوم

[email protected]



الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى