نزار حسين راشد - قطار أمجد ناصر ورحيل سعدي يوسف:الراكب الأخير

"قطار أمجد ناصر ورحيل سعدي يوسف: الراكب الأخير"
في مقالته المعنونة "للريل وحمد" والمنشورة في العربي الجديد، ذَكَرنا الراحل أمجد ناصر أنا وعدنان وذكّرني بأيام الشباب قال: بسهولةٍ يستطيع نزار حسين، أحد أقدم أصدقائي الزرقاويين، بعث ذكرياتٍ سارّة في نفسي، خصوصاً عندما يتحدّث عن صداقتنا، هو وعدنان وأنا، في مدينة "تنتظر القطار"، ليس ذلك الذي كنا نراه يمر، مرةً، أو اثنتين، في الأسبوع قادماً من سورية، أبعد مكان تصل إليه دواليب هذا القطار التي صدئت من قلة الاستخدام، بل ربما قطار غودو. "انتهى الإقتباس" فهل بعد كل هذه السنوات لا نزال في انتظار القطار أم في انتظار جودو. التحق هو مطارداً أمله بالثورة الفلسطينية، في الوقت الذي ترجّلت منه أنا في المحطّة الأولى التي توقّف فيها، وافترقت الطرق، لتلتقي بعد بوحِهِ هذا ،بعد هذا الشوط الطويل في محطة"مكانك سر". الآن أقف أنا على رصيف الأمل ذاته الذي وقفنا عليه،وأصدّق أننا حققنا نصراً على إسرائيل في معركة "سيف القدس"،أصدّق ليس لأنني أريد أن أصدّق! ولكن لأنني يا أمجد أسمع صفّارة القطار من بعيد، ولأتأكّد أن سمعي لا يخدعني، وأنّ الأمر ليس خداع حواس،مما يعنّ للشعراء، أنحني وألصق سمعي بحديد السكّة فأسمع الضجيج ويقفز قلبي فرحاً، وأكاد أتلمّس جسد القطار، وأوقن أنه لن يطول الإنتظار، فأجلس متعلّلاً على حافّة السكّة مطمئنّاً إلى حضوره الوشيك. فلسطين ليست وحدها التي دخلت نفق المعاناة،فقد لحقتها العراق من بعد،وهكذا جمع الهمُّ قبل أن تجمع لندن بين أمجد وسعدي يوسف، سعدي الذي رجع إلى قومه غضبان أسفاً بعد احتلال بلده، فتخلّى عن لقب الشيوعي الأخير ليغني للموصل ودجلة،وتوفي بالأمس ربما قبل أن يتناهى إلى سمعه صفير القطار من ذلك البعد فرثيته بهذه القصيدة التي ربما يتداولها هو وأمجد في مقاعدهم في الآخرة حيث وضعتهم رسالة أبي العلاء والذي أظنّ أنه منحهم شهادة غفرانه جزاء حبّهم لأوطانهم وبغضهم لأعدائها الذين هم أعداء الله، لا فرق. نحن الذين سبقنا الإسلاميين في قواعد الثورة،فتعلمنا الدرس نفسه ربما من تشي غيفارا الذي قال ردّاً على سؤال أحد مقاتليه المعتقدين: نعم يا رفيقُ: من يموت دفاعاً عن وطنه يدخل في ملكوت الله. والآن نقول"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" فأين الخطيئة إذن؟ الخطيئة الوحيدة هي في إلقاء البندقية ونزعها من الكتف، فمنذ الكتاب الأبيض وحتى "كتاب "أوسلو الأسود،هذا ما جرّه علينا إلقاء السلاح،إلى أن امتشقناه مرّة أخرى وأنجزنا نصرنا الصغير الكبير! وإلى روح سعدي أقول: أنت لست الشيوعي الأخير وكيف يرضى المشاع من كان مثلك عربي الهوى والشجى والضمير كيف تكون شيوعياً وقد أوجعتك المنافي فاعتنقت العراق وحين أصبح العربي في خراسان "غريب الوجه واليد واللسان" سمعتك تنشد: ولْـتَـدَعْ مَـن خاننا يأكلْ طويلاً شـجرَ الزقّــومِ واثبُـتْ … لا تحاورْ : هذه الأرضُ لنا هذه الأرضُ لنا هذه الأرضُ لنا منذُ بَـرأْناها من الماءِ وأعلَـينا ، على مضطرَبٍ من طينِـها ، سقفَ السماء … بكيت على الموصل إذ دمّرتها أكفّ الوحوش خذ الحقّ مني: هذه الأرض لن تصير معبراً للجيوش يلومونك لأنهم لمحوا على زاوية فمّك طيف ابتسامة حين رأيت الجنود يعودون إلى واشنطن قافلة من نعوش يلومونك لأنك لم تبتهج بسماء لندن الرصاصية او ضباب نيويورك فحملت اكتئابك بين جنبيك منتظراً شمس دجلة كي تستحم عارياً من خطايا الذين قبّلوا يد الحاكم العسكري أنت لست الشيوعي وهذا اعترافك مسطّراً على ورق البردي الطالع على كف دجلة: سأستقيلُ اليومَ لا حزبٌ شــيوعيٌّ ، ولا هُم يحزَنون ! أنا ابنُ أرصفةٍ وأتربةٍ ومدرستي الشوارعُ والهتافُ ولَـسْــعةُ البارودِ إذ يغدو شــميماً ... يريدونك أن تحتفي على طريقتهم أن تأكل مما ذُبح على النُّصُبب أو تعيد صياغة البيان الشيوعي ولكنّك تحتفي بالنخيل الذي تلامس غُرّته الغيم ولا ينحني إلا قليلاً حتى تمر الرياح دون أن ينكسر فتحية أيها الوطنيّ العتيق ولا تبتئس بما يقولون فسوف تمر السّنون العجاف وسوف يحين أوان القطاف وحين يسّاقطُ النّخل تمراً لسوف نُغاث أو نعتصر!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى