أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٩٩ : ثمة ( دون كيشوت ) فلسطيني أو إسرائيلي

لم أكترث أمس كثيرا لقطف العنب الذي فقدته قدر اكتراثي لعدم انتباهي . جلست ظهرا في باب الساحة أتأمل الجالسين ونهايات الدول ونسيت ظرف العنب أو أنه سقط من يدي . من المؤكد أنه مر في باب الساحة جنود دول كثيرة ؛ من الفرنجة إلى العثمانيين فالإنجليز فالعراقيين فالأردنيين فالإسرائيليين .
من كان من بين هؤلاء يقوم بدور ( دون كيشوت ) أم تراهم كلهم مثلوا هذا الدور واندحروا وبقي سكان المدينة ؟
في الحروب الفلسطينية الإسرائيلية منذ ١٩٤٨ حتى الآن ثمة ( دون كيشوت ) أيضا ، وثمة ( سانشو بانزا ) يضحك على سيده . وربما نسأل :
- من هو ( سانشو بانزا ) المعاصر ؟
اختار إميل حبيبي لبطله سعيد أبي النحس المتشائل نهاية تبعث على الضحك ، تجسدت في موافقته الجلوس على الخازوق . هل كان سعيد حقيقة أم خيالا ؟
غرفة الإعدام في عكا التي حولتها دولة إسرائيل إلى متحف لا تذكر العرب إطلاقا ، حتى الذين شنقهم الإنجليز فيها ، ما جعل إميل حبيبي يبدي دهشته أمام المسؤولين لهذا ، وما جعله يتساءل :
- من يكون سعيد أبو النحس المتشائل هذا ؟
وأنهى روايته بتساؤل ثان هو :
" فكيف ستعثرون عليه ، يا سادة يا كرام ، دون أن تتعثروا به؟"
مشيرا إلى تساؤلات القادة الصهيونيين عن وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني وإنكارهم له .
خاض الفلسطينيون حتى الآن حروبا عديدة ولم ينجحوا في تحرير بلادهم ، وفي المقابل شنت دولة إسرائيل عليهم حروبا عديدة أيضا دون أن تهزم إرادتهم ، فلم يستسلموا ولم يرفعوا الأعلام البيض مقرين بالهزيمة النهائية .
هل يبدو الطرفان واهمين في حربهم التي لم تنته ؟
يخيل إلي أننا وهم معا لسنا مختلفين عن ( دون كيشوت ) ، فكلانا يعيش في الماضي يريد أن يبعثه من جديد . الإسرائيليون يريدون بعث الهيكل ودولة يهودية خالية من العرب ، والفلسطينيون ينتظرون اللحظة لرؤية السفن تقل ستة ملايين يهودي إلى أوروبا وأمريكا ، وأوروبا وأمريكا تضم في أراضيها مسلمين ويهودا ومسيحيين وبوذيين وهندوسا ولادينيين و... .
من منا ، نحن واليهود ، سيكون ( سيرفانتيس ) عصره ويكتب لنا عملا كلاسيكيا عن ( دون كيشوت ) المعاصر ؟
انتهت الممالك الصليبة وانتهت الإمبراطورية العثمانية وغربت شمس الإمبراطورية البريطانية وفقدت المملكة الأردنية الهاشمية نصف مملكتها وخرج جنود دولة إسرائيل من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة ولا شيء يبقى على حاله ، ومع ذلك تواصل إسرائيل الحرب من أجل دولة يهودية .
هل خطر ببالي أنني أنا هو ( دون كيشوت ) في علاقته بمحيطه ؟ أم أن محيطي هو ( دون كيشوت ) في تعامله معي ؟ ومن المؤكد أنني بعد سنة أو سنتين أو عشر سنوات سألقى مصير الدول والامبرطوريات . والفقرة الأخيرة هي من شر البلية حقا ، فمن أنا حتى أضع نفسي إلى جانب السابقين ؟
انتهت مباراة انجلترا وتشيكوسلوفكايا بفوز الإنجليز وتصدر مجموعاتهم . ترى هل أدرك الإنجليز أن الرياضة أجدى لهم من الاستعمار ؟ فمتى ستدرك إسرائيل هذا ؟
صباح الخير
خربشات
٢٣ حزيران ٢٠٢١




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى