وليد الهودلي - الاختلافات السياسية عندما تتحول الى جرائم انسانية في الواقع العربي

لا بد من التأكيد في البداية أنه لا عصمة في السياسة سواء كانت المرجعية وطنية او دينية أو قومية أو فصائلية أو عشائرية أو خليط من هذا وذاك .. وبالتالي فاننا في زمن سقطت فيه مصطلحات ومفاهيم كثيرة كانت تشكل عصا على المخالف لمن يدعي العصمة أو امتلاك الحقيقة أو الخبرة العميقة والحكمة الرشيدة فيجعل من هذا الادعاء سيفا مسلطا على رقاب المخالفين : فهذا كافر لانه خالف من يدعي امتلاك الحقيقة الدينية وذاك خائن لمن خالف من يمتلك الحقيقة الوطنية وذلك خارج عن الصف الوطني لمن يخالف من يمتلك وكالة الوحدة الوطنية، وذاك جاهل لمن يخالف العليم العلامة، وذاك مشعل فتنة طائفية لمن يخالف مدعي صمام أمان الفتن ما ظهر منها وما بطن .. الخ .
لم يعد أحد يعتقد أن السياسة معصومة ولا السياسيين معصومين فالكل يصيب ويخطىء لان السياسة على الغالب تقدير للمصالح ، فيها ما لا يختلف عليه وفيها ما يختلف عليه، ولكن مناكفة الخصوم تحاول دائما إظهار عورات وأخطاء من تناكفه أو تنافسه أو تعاديه في العمل السياسي ، والاصل ان على من لا توصف العلاقة بينهم على أنها علاقة عداء، مثل ابناء الوطن الواحد وابناء الامة الواحدة ان يبقى الخلاف السياسي في دائرة التنافس والمعارضة الايجابية والتي تعني أن نتعامل مع الخصم حالة إحسانه بقولنا له احسنت، وعندما يسيء نقول له اسأت ،ونبقى في دائرة التصحيح والتصويب، ونشكل حماية لمن بيده الحكم بحيث لا يتمادى في خطئه لعلمه المسبق بان هناك من يقف له بالمرصاد مصححا ومقوما على قاعدة ابو بكر الصديق : أعينوني ما أطعت الله فيكم وقوموني ما عصيت الله فيكم . وعلى هذا تعمل أغلب المعارضات السياسية في الدول الديمقراطية .
ولكن الامر عندنا في عالم العرب هذه الايام يختلف ، انتقل الخلاف من دائرة المنافسة الشريفة الى دوائر العداء والمناكفة وإشهار كل الاسلحة الممكنة المرخصة وغير المرخصة ، وعلى قاعدة التعميم والشيطنة، فلا يوجد اي خير عند الخصم بل هو شر مطلق ولا يمكن ان نوافق على شيء ونعارض أشياء ولا يمكن أن نعينه اذا اطاع الله فينا، بل علينا أن نلعن أساسه سواء عصى الله فينا ام أطاعه .. إنه الاستنزاف والاقصاء ومنابذته أشد أنواع العداء ومعاكسة الاية اشداء على الكفار رحماء بينهم ولأنه خالفنا في رأي لا يوجد له مكان في المشهد السياسي ولا يعط أدنى فرصة .. لقد كفر وخان وخاب وخسر وخرج من الصف وجاء بالفتنة وتحالف مع كل قوى الشر في العالم ..
شيء غير معقول ما نشهده من ممارسات سياسية مقيتة يقطر منها المشهد السياسي العربي دما أسودا يمتلىء حقدا وكراهية .. ذهبت الاخلاق والمروءة والدين والوطنية والاعراف الفصائلية والنخوات العشائرية حتى لو استطاع طرف ان يفني الاخر عن بكرة أبيه ما قصر قيد أنملة .. أهي داحس والغبراء من جديد ؟ لا والله بل هي أشد .. لا يجوز للاختلاف أن يتحول الى جرائم انسانية على قاعدة اذا خاصم فجر .. اعتبرنا في ثمانينات القرن الماضي بما جرى من حرب اهلية في لبنان وأصبح مصطلح لبننة مصطلحا عالميا ثم كانت العراق بعد ما جرى في افغانستان واليوم سوريا ومصر .. يتحول الاختلاف الى جرائم انسانية مريعة ويصبح الوطن المصطبغ بالدم فرجة للعالم الحر ووكالات الانباء .. إنها ثقافة لا بد لها من جهود جبارة يعمل عليها كل ذي لب وقلم ولسان، وإنها أعراف سياسية يجب أن تؤسس وتعمل بادىء ذي بدىء وقبل كل شيء على أدب الاختلاف الذي يجب ان لا يصل الى الجريمة والدماء ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى