رسالة من عبد الله ديدان الي عبد العزيز بركة ساكن

عزيزي عبد العزيز بركة ساكن:
ايها الجنقاوي الاصيل
صباح الخير
اكتب لك هذه الرسالة وانا جالس الي مكتبي منتعلا حذاءا جديدا اهداه لي صديق قادم من اقليم الناتال، انتعلهُ بزهو وفخر عظيمين ، ظناً مني بأن جدنا الاكبر ماديبا العظيم كان قد انتعله يوم ان نبت له جناحان في كل واحد منهما 27 ريشة سوداء،وهو خارج من جزيرة روبن متأبطا بقجة حريته العتيقة وعلي قلبه تركٌ حمامة. اكتب لك وانا ارشف قهوتي الصباحية المصنوعة من البن الحبشي المهرب بالحمير ، ارشفها باحساسٍ وطنيٍ اصيل وبيدي سيجارة برنجي مغشوشة، من النوع غير المختوم ،اجبد منها الانفاس بشق الانفس التي ضلت الطريق الي الموت بسلام.
عزيزي بركة:
اكتب لك هذه الرسالة علي هذا الاسفير آملاً ان تصل اليك خضراء وكأنها بطيخة جبلية وحيدة، فلا تقرأها بعدسات النظر، لان ذلك ما اخشاه وانا في تمام الاربعينيات من السّفهِ والانحلال.
اكتب لك بقلب مفعم باشياء رايتها في عيني صديقي حافظ حسين وهو يقرأ كتبك بتبتّل عسقلاني مجهول ، يمزمزها حرفا حرفا وكأنه يمزمز حليب نهديّ حبيبته الشاردة الخيال اوان حنين، وهو رجل مخبأ في برمة لم يدفنها احد بعد، اون كأس ما، شاطرني جنونه السري حين سرت حروفك في اضابيره ، فصاح معلناً انك بوذاه!
ثم رطن بكلام من مشتقات الوجد، وقال انه سيركب الف موجة ويسافر الي حيث دفنت انت سرّ الكتابة.
عزيزي بركة:
عالم عباس قديس قديم ، حملني ذات يوم ما الي القيامة وانا احتضن قلب حبيبتي
هذا زمانك ان تظل حبيس من تهوي
وبينكما علامة
ان تنبضا
وجدا
وتحراقا
ومسغبة
تمد جزورها عمقا الي يوم القيامة
صديقنا بابكر الوسيلة ، الدرويش الذي اوردته الحضرة موارد الصالحين، فصرخ مفزوعا
الفراشات تموت في حديقة المعاشات!
فلم يعره احد طرفة اذن، فجثم علي اوراقه ينخر عظام الحكمة بصبر عنكبوت ثمل.
صديقنا الصادق الرضي المنهمك الابدي في تنقية الشوائب العالقة علي افواهنا ، وزّع ذات يوم ثلاثين صورة للحبيبات وهن يلقّطن ابصارانا بملاقط الشبق واطراف الرموش، واحتفظ لكل واحد منّا بالاصل:
وعلي درجات الحريق
تكون السنابل آخذة
في الصعود الي تربة ناسفة
كيف يفترق العاشقان؟
ألم ينتحب عاطف خيري؟
يا وقفة بين جرح السما
وشهقة الارض البكر
ما كان دة ريد
وهو يعلمنا انه كان عشقا شيطانيا لا فكاك منه .
عزيزي بركة:
هذه وليمة الاصدقاء اذ يقتاتون التراب، يتمنطقون بسيور من الخيش، تحشوا جيوبهم قصاصات الاغاني المترعة بالرماد ، يصهلون كخيول مقدونية تجشمت ما يكفي من دروب عليها علامات من رؤوس لم تينع قط، اصدقاء المسافات الطويلة، يحفرون الارض كقرون ثيران الجاموس اوان الغضب ، ايها الاصدقاء :انتم فارعون كنهود بنات الدينكا، تلك النهود التي لن يعصِّرها رجل ولو انزلوه من السماء بحبال من برق مسربلا بدعوات الالهة، اقول لكم ذلك وانا موقن من ان ثمة وقت بيننا آت، وقت لاحتساء الخمر الكونية، ألم ترموا تيراب تمرها باياديكم النحيلة كرخاطيم الشيشة!
عزيزي بركة:
انا الآن هناك، في الجبل، وذلك الرجل ، اليس هو الارادة والامل مقترنان علي الجبين كحاجبي خرتيت مؤثّل؟ ساصعد معك فانا ايضا قد اضاعوا قنينتي ياصديق فضللت الحنين ، رسموا علي كاهلي طيور ابابيل انوءُ بحجارتها حزينا كطائر غرنوق ارمل، شطروا طريقي الي نصفين ، طريق الي النار وطريق الي المحرقة ، وانا لا اختار ايّ منهما ، لذلك ذهبت الي الجبل بكل احمالي ، اوزّع الدعوات ليوم ختاني القادم.
ايها الجنقاوي الاصيل:
انت تقول لنا الحياة بلهجة جبلية اصيلة ، ترسمها لنا علي اطراف طرحة الحبيبة كنقوش القُبل ساعة زقاق متآمر ، ألم اخبرك بانني قد حلمت قبل عشر ليال بانني اجالس ألم قشي من وراء ظهرك وبيننا خمسون مختارا من سدنة الاحلام وشاعر واحد يحكي لنا عن اقتباسات السر اناي كوليانق من مقدسات الدينكا المندثرة؟
حسنا يا صديقي ، لا تلمني علي ما فعلت ، فاحلامي ،انت من حرشّها علي السفور ومقارعة عثمان بشري كؤوس الصبر الممشط علي رأسة كقنابير حزن مستكين، لذلك دعتني ألم قشي لنسير جنبا الي جنب الي ذاك الجبل حيث المسيح يوزع حلوي الحياة بُرمة بُرمة ، وينير رافعة النهدين بمصباح عاشق غتيت من امثالي، انت تعرفني يا ايها الجنقاوي، لست من هواة الغرق ، لذلك امارس عشقي علي ظهر مركب خشبي يستعمله الشُلك لتطهير المك من اثام اسلافه الموروثة.
عزيزي بركة :
اكتب لك هذه الرسالة، من اجل ان اقول لك انني سعيد بما يكفي لجعل صديقتنا خنساء الطيب تطير بجناحي قمرية الي الضفة الخضراء، حيث تركت منديلها الابيض ذات رؤية ما علي غصن قلب طريح عشب، سعيد بقدر قناعات ناس نمّول ونحّول التومات، وهن بناتي، وهذان هما الاسمان الشعبيان لهما، فانا سعيد بقدر قناعتهن بنبوتي حين احكي لهن عن ظباء سحرية تسكب الحليب علي احلامهن ، فيظلن ينتظرنها كل ليلة في آخر ماتبقي كل ليلة من الليل.
ايها الجنقاوي العزيز:
شكرا علي مائدة الحياة العامرة التي شكلتها لنا ، وانت تنفث دخان غليون لايراه الا المضجعين علي مراقد الملكوت الذي لن يدخله جنجويد ابدا، شكرا يا صديق ، اليس من واجبي ان اشكرك؟
حسنا ، سأكتب لك مرة اخري حين البس قميصي المزركش بزهرات مفرهدات كدلاقين اشراقة مصطفي، تلك المرأة التي ركّت عصافيرها علي كل اغصان الفرح، فضج الكون بالزغاريد .....
سلام
عبد الله ديدان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى