- رسالة من عبد الرحمن منيف إلى يوسف فتح الله

- رسالة من د. عبد الرحمن منيف إلى يوسف فتح الله (رئيس رابطة حقوق الإنسان في الجزائر.. اغتيل في مكتبه عام 1993)

مهمة كبيرة و خطيرة , ليكن الله في عونك, ومع ذك تستحق المجازفة. لأن أهم مشكلة تواجه المنطقة العربية في الوقت الحاضر هي حقوق الإنسان . ما دامت هذه الحقوق غائبة , غير معترف بها , سيبقى الإنسان العربي مكبلاً , عاجزاً . وسيبقى الوطن بالتالي مجرد مساحات جغرافية خاوية , والبشر فيه مجرد أرقام تماثل الأشباح .وسيكون الحكام مهما بلغ بطشهم دمى خائفة , معزولة. مثيرة للسخرية وكل هذا يشكل خسارة للوطن .لأن وطناً بلا بشر أحرار لا يعني شيئاً هاماً في مقاييس الزمن الذي نعيشه .

أنت الآن تتصدى لمشكلة بالغة الأهمية وطبيعي ستُقابل بعدم الفهم , بالإنكار , وربما باضطهاد , خاصة من الأنظمة ,فالحاكم العربي اليوم لا يحتمل أية مناقشة , ولا يقبل أي رأي مختلف , فما بالك و أنت تحاول أن تنتزع منه شيئاً يعتبره حقاً خاصاً , أبدياً و مقدساً ؟

ليس هذا فقط , إن قسماً من الذين نذرت نفسك للدفاع عنهم , لاستخلاص حقوقهم , لن يفهمك .حتى الذين يفهمونك لن يستجيبوا بسهولة لدعوتك , وقد يبلغ الأمر ببعضهم لمعاداتك !

ستبقى , وربما لفترة طويلة في وضع لا تحسد عليه نتيجة الخوف و سوء الفهم و عدم إمكانية التواصل, خاصة و أن الذين ” أدمنوا” العبودية لا يدركون ماهية الحقوق التي تنادي بها .

العزيز يوسف

تتذكر الأحلام الكبيرة التي ملأت أيامنا منذ الخمسينات , لقد تبددت هذه الأحلام كلها , و أصبحنا الآن مثل -دون كيشوت- , نحارب أوهامنا خاصة بعد أن أنعزلنا عن الناس و بعد أن خارت قوانا .

العلة فينا , يا يوسف لأننا لم نفعل شيئاً صحيحاً في وقته , فعندما كانت الديمقراطية حلاً , وكانت بداياتها موجودة لم نفطن لأهمية هذا العلاج , ولم نؤيد هذا الحل .

كما أننا تخلينا عن الناس , ترفعنا, فقد كنا نعتبر أن الأمور واضحة ولا تحتاج إلى البراهين وهكذا ابتعدنا ثم أنعزلنا , إلى أن أكتشفنا متأخرين أننا لم نعد مفهومين .إن الناس و القضايا مثل مياه النهر:تتغير بإستمرار , وما لم يكن الإنسان قريباً من الناس فسوف يفقد التواص ويعجز عن الإقناع .

لم يقتصر الأمر على ذك , لم نتحرك في الوقت المناسب للدفاع عن الأمور الأساسية :ا لدفاع عن القانون و حكم القانون , لم نفضح سارقي الثورة والثروة , لم نقف في وجه الإرهاب و القمع , لم نحشد الناس للدفاع عن كرامتهم و حقهم في الخبز والحرية , و أكتفينا بالمراقبة و الإنتظار إلى أن خربت البصرة كما يقال , وبات الإصلاح أقرب إلى المستحيل .

فكر جيداً يا يوسف بالصيغ العلمية , لأن الشعار وحده لا يكفي . و فكر بالناس : كيف يمكن أن تقترب منهم , أن تجعلهم يحسون أنك معهم .إن ذلك لن يتم إلا بتبني مطالبهم , بالتصدي لكل من يعتدي عليهم وبهذه الصيغة تخلق حولك سياجاً يقيك شر الحاكم , أو على الأقل يرد عنك جزء من أذى الذين لا يتفقون معك .

مرة أخرى : كل التمنيات بالنجاح , و أردد ما قاله أحد الصحابة : اللهم أعطني ظهراً قوياً و لا تعطني حملاً خفيفاً …

أخوك : عبد الرحمن منيف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى