د. محمد الشرقاوي - أخبار واشنطن بثلاث صيغ: المراسلون، المتصرّفون، ونگافات التحليل!

عندما تعبر الأخبار السياسية عن مواقف حكومة الرئيس بايدن المحيط الأطلسي إلى الضفة الأخرى، فإنها تتحرك عبر ثلاثة مسارات تتباين بين خط #المصداقية في نقل الوقائع وخط #الإدّعاء_والافتراء على الحقيقة وتوهيم الرأي العام.
⭕ هناك الصيغة الموثوقة التي يطالعها المرء في رويترز وأسوشيتد برس ووكالات إخبارية أخرى قليلة العدد تتحقق دوما من المصادر، وتحمي سمعتها ومسؤوليتها المهنية والأخلاقية. وهي من تقدم #الإعلام_القويم أو information.
⭕ تخضع الصيغة الثانية لبعض الانتقائية لجوانب من الوقائع والحذف لجوانب أخرى، وربطها مع معطيات منتقاة أخرى لتكتمل الصورة المنشودة وفقا للمسات "الفوتوشوب" السياسي. وهي صيغةٌ يلتقي فيها السرد والتحليل المفتعل لليّ عنق الحقيقة بعض الشيء، أو كما قال الجابري، "تبيئة" الأخبار بما يخدم الخطاب الرسمي وينفخ في بعض القِرب، وهو ما أصنّفه ضمن #إعلام_التهذيب_والتحريف misinformation.
⭕ أما الصيغة الثالثة فتقوم على إقحام تأويلات غير واقعية والترويج لاستنتاجات واهية تحت عباءة "التحليل" و"التخصّص" المزيّف. هي صيغةٌ ينشط فيها "نگافات" التزيين والتسويق السياسي على غرار نگافات العروسات غير الجميلات، إذ يُكثرن عليهن المساحيق والأصباغ، ويركّبن لهن الرموش، ويزدن اللون الأحمر الفاقع على الشفتين أملا في أن تظهر الخنزيرة بصورة الغزالة، (وحماسة الفعل هنا تحتّم استخدام "هنّ" كناية عنهم بحكم أهمية الفعل أكثر من هوية الفاعل، وهذا استثناء تفرضه دواعي إعلام التزييف).
لا عجب أن يندفع هؤلاء "النگافات" في تلميع الصورة إلى حدّ التزييف من فرط حماستهم أن يكونوا ضمن الذراع الإعلامية لجهات تعمل من خلف ستار، وليبرّروا رواتبهم ومكافآتهم في صفوف انكشاريي منصّات التضليل والتبرير، ويجدوا أنفسهم بالتالي في خانة #إعلام_التزييف disinformation، وهذا هو التقاطع اللعين بين السياسة والإعلام وصناعة الرأي العام في مسار البروباغاندا المتحوّرة.
هذه مقدمة لا بدّ منها قبل أن أتناول أحدث تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد پرايس حول موقف حكومة بايدن من قضية الصحراء. فكلّما أكد أنه ليس هناك جديد في هذه القضية، إلا وخرجت بعض النگافات تعرضن خدماتهن وتحرّك إعلام التضليل والتبرير في مناورة جديدة.
بعد قرابة سبعة أشهر على دخول بايدن البيت الأبيض، لا تزال حكومته تتمسك بأنها "#لا_تزال_تراجع" ما أعلنه الرئيس ترمب بشأن قضية الصحراء. هذه هي المرة الثالثة التي يتم توجيه سؤال مباشر إلى المتحدث باسم الخارجية والمتحدثة باسم البيت الأبيض، ويظل الجواب مقتضبا جدا في عبارة واحدة "لا جديد no update.”
هذه بعض الأمور التي تستدعي بعض التأمل العقلاني:
⭕ إذا كانت حكومة بايدن تتبنى موقف الإعلان الرئاسي لدونالد ترمب بشأن الصحراء، فليس هناك ما يمنعها من إعلان صريح بهذا الشأن، بل يكون وزير الخارجية بلينكن قد أبلغ نظيره بوريطة بذلك سواء خلال لقائها يوم الاثنين الماضي في روما، أو خلال اتصالها الهاتفي في أبريل الماضي.
⭕ إذا كانت حكومة بايدن تبني على إعلان ترمب، يكون من المنطقي أن تبدأ أعمال تشييد القنصلية الأمريكية الموعودة في الداخلة في مارس، أو أبريل، أو ماي، أو يونيو، أو...!
⭕ كيف يمكن تفسير إحجام المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد عن ذكر "الاعتراف" في جلسة مجلس الأمن في أبريل الماضي. ولماذا لا تذكر كافة الوثائق في البيت الأبيض والخارجية لفظ "اعتراف" فيما لا تتفادى "التطبيع".
⭕ لم يتغير موقفا بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن على خلاف ما توقعه كثيرون بأن اعتراف ترمب مقابل التطبيع سيغيّر موازين القوة داخل مجلس الأمن لصالح المغرب.
⭕ إذا كانت قضية الصحراء وأهمية العلاقات مع الرباط ضمن أولويات البيت الأبيض، كيف يفسر المرء عدم ترشيح أي شخصية بعد لتولي منصب السفير الأمريكي في الرباط، فيما تم ترشيح سفراء إلى دول أخرى في شمال أفريقيا والخليج.
شتّان بين إعلام الحقيقة وإعلام التضليل، وكفانا الله تلفيقات "نگافات" التحليل السياسي!
(تنبيه: أهلا بتعليقات من يريد مناقشة الأفكار، وليس من يرمي "حموضته" أو يستعرض بهلوانياته.)




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى