مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - طريق النخيل.. (فصل من رواية شارع العزب)

فى ندوة قصر ثقافة الحرية، بالعطارين (مركز الإبداع حاليا )
يعد يوم الإثنين ،من كل أسبوع، هو يوم مقدس لنا ، حيث نجتمع لننصت بعناية ،لكل من يقرأ قصة أو يعلق عليها…
كنا نلتزم بالبرنامج الذى وضعه الناقد الكبير عبدالله هاشم،والذى غالبا هو متنوع ويضم فى أحد أسابيعه قراءة فى قصص الأعضاء.
عبدالله هاشم، واحد من أهم النقاد في مصر ، بما من له شخصية متميزة، وحضور قوي في جميع الفعاليات الثقافية، ويدين إليه بالفضل معظم كتاب القصة القصيرة في الثغر، وتعد (ندوة الإثنين) هي أقدم وأعرق ملتقى قصصي إلى جانب اللقاء الأسبوعي الذي يعقده يوم الجمعة،في منزله بمنطقة باكوس.
وكنت دوما يوم الجمعة أشعر بالحرج ، حين يصر بكرم أولاد البلد، على تناول الجميع، رغم عظم عددهم، لمشروب الضيافة والذي هو عادة شاي بينما يقدم لي الكركديه أو الليمون، وهو يردد: لازم تشرب حاجة.
تربى على يدي عبدالله هاشم، عدة أجيال من المبدعين، الذين يقدرونه، ويحترمونه إلى حد الخشية ، ويعملون له ألف حساب.
فإذا اعترف عبدالله هاشم بموهبة أحدهم وأعلن أنه قاص، فقد حصل هذا المبدع، على إجازة غالية،تمكنه من فتح الأبواب الموصدة ، على مصراعيها، في شتى الفعاليات الثقافية .
أما صاحب الحظ التعس الذي يغضب عليه فويل له،
حيث توصد جميع الأبواب في وجهه.
، و في مدرسة عبدالله هاشم، تخرج عشرات المبدعين، الذين آمنوا به واعتبروه ناظرا لمدرسة القصة في الإسكندرية، وظلت بصماته واضحة في كل أعمالهم.
من رواد الندوة الأساسيين، الأدباء: سعيد بكر، مصطفى نصر، أحمد حميده، كمال عمارة، ومحمد عبدالوارث.
بخلاف العديد من الرواد، من محبى السرد، و القصة منهم : حنان سعيد،بشرى أبو شرار، فؤاد الحلو،محمد خيرى حلمى، جميل متى، فاطمة زقزوق، مجيدة شاهين، سمير حكيم، عبدالفتاح مرسى، محمد الفخرانى، عبدالنبي كراوية، نبيل شاهين، محمد عطية، محمد عباس،و خالد السروجي، آمال الشاذلي،سهير شكري، محمد حمدي …. إلخ
مع ما يتوافد من كبار كتاب، وصحفي القاهرة....
وأحيانا بعض الشعراء مثل : د. محمد زكريا عنانى ،صبرى أبوعلم ،جابر بسيونى، ضياء طمان ،أحمد مبارك، ومحمود عبدالصمد زكريا، وأشرف دسوقي علي، والإعلامي الشاعر عاطف الحداد …… إلخ.
***
اعتكفت على قصة قصيرة، كانت فكرتها تراودني بقوة، و قررت أن أقدم فيها كل مهاراتى فى الكتابة، سردا ووصفا وحوارا، واهتممت بشخصياتها وصناعة حبكتها مع عمق فكرتها ، كما اهتممت بطريقة البناء والشكل الذى يتم طرحها به. ... استغرقت فى كتابتها أكثر من 6 أشهر.
أخيرا أنهيتها وتوجهت بها إلى ندوة القصة، وكلى شغف لمعرفة أثرها وتقيم مستواها من أعضاء الندوة …
وكانت المفاجأة حين اتفق معظمهم، على أن ما قرأت لا يمثل قصة على الإطلاق، وأن ما قدمته هو واحدة من أسوأ كتاباتي. ..
حتى أن عبدالله هاشم قال لى يبدو أن فترة الامتحانات الدراسية التى كنت تخوضها وتوقفك عن الكتابة لفترة قد أثرت على مستواك، كنت وقتها قد فرغت لتوى من امتحانات السنة الأولى فى كلية التجارة. .. تملكني إحباط كبير، وكدت أمزق أوراق القصة التى استهلكت من عمرى 6 شهور. ..
بعد عدة شهور أخبرني الكاتب عبدالفتاح مرسى : أن هناك مسابقة كبرى تجرى فى القصة القصيرة وأن مجلة النصر هى من تنظمها وهى تابعة للقطاع الثقافي بالقوات المسلحة المصرية .
وقال لى الكاتب عبدالنبي كراوية: أن هذه المسابقة يشارك بها الآلاف من الكتاب لعظم قيمتها وضخامة الجائزة الكبرى، الممنوحة، للفائزين من الأول حتى العاشر فى كافة فروع الأدب.
ولا أدرى لماذا لم أهتم بكلماته، إلا أن عبدالفتاح مرسى ، ألح على للاشتراك وأن نجهز النسخ من القصص، ونرسلها بالبريد معا.
***
تربطني بعبدالفتاح مرسي علاقة صداقة تمتد لسنوات طوال .
هو رجل نشيط، غزير الإنتاج، لا يكاد يمر عليه شهر، إلا ويفاجئ الجميع بإصداره لأحد إبداعاته، مما أثار حفيظة الكثيرين، وهو حكاء بالفطرة، لا يكاد يستلم زمام الحديث حتى يوشك ألا يتوقف.
رجل محب للحياة، متصالح مع نفسه يتعامل مع العالم كله ببساطة وعفوية شديدة، يتميز بخفة ظل، ويتمتع بروح الدعابة، إلى حد أن شبهه البعض بالممثل الكوميدي عبدالفتاح القصري، بجسده الممتليء ،وعينيه بما بهما من حول بسيط.
لا تستطيع قط أن تقدر سنه الحقيقي، إذ يبدو أصغر بكثير من عمره ، فلا تكاد تلمح شيبا في رأسه ولا يوجد في وجهه إلا البسيط من التجاعيد.
عبد الفتاح كاتب موهوب، وحكاء بالفطرة، لديه العديد من الحكايات والحواديت، والمغامرات التي لا تنفد أبدا.
كنا نجتمع بصفة دورية على مقهى بحبح، في سيدي بشر، وكنت دائما ما استمد منه روح العزيمة والإصرار على مواصلة الإبداع بل والقدرة على رؤية الجانب المشرق في أي شيء.
فهو يستطيع أن يبصر بصيص نور في وسط عتمة الدجى، ولا يستسلم أبدا للأحزان.
هو لا يرى غير النصف الممتلئ من الكوب، مهما تعرض لنقد، أو تقليل.
إذا مرت به أية من الخطوب والأزمات، فإنك تجده سرعان ما يتمالك ويستعيد زمام نفسه، مع ابتسامة عريضة لا تفارق شفتيه أبدا.
سافرنا معا لمعظم محافظات القطر المصري، وحضرنا مؤتمرات، وندوات، تشاركنا في الطعام والمواصلات، و أخرجنا معا العديد من الإصدارات، فكان هو يشرف على مجلة دفقات ، بينما أصدر أنا مجلة ألوان إبداعية ، مستغلا خبراته العظيمة في الطباعة والنشر، مع مشاركة الكاتب عبد النبي كرواية، والشاعر أشرف دسوقي ،والقاص محمد حمدي، ومجموعة من كتاب الإسكندرية المميزين.
أتذكر أنني كنت حين ألتقي به في بيته، كنا نتجادل كثيرا، ونحتد على بعضنا ،وفي أحد المرات بعد أن تناولنا العشاء قمت بانتقاد رواية له ، واتهمته بتقليص الحوار في بعض المناطق التي تستلزم البوح من خلال ضمير المخاطب، وهو في الوقت نفسه هاجمني، وفند لي بعض أعمالي المسرحية، حتى صحت به، بغرور ونزق الشباب : أنا أفضل من يكتب الحوار في الثغر.
ولم يجبني وقتها، بل دعاني إلى تناول مشروبا باردا ، إلا أنني فوجئت بعد عدة أيام، في أحد الندوات وأمام جمع غفير، بمعاتبة الدكتور محمد زكريا عناني لي بعد أن قطع النقاش في الموضوع الأساسي ، حين لمحني وسط الحضور قائلا :
أهلا بأفضل من يكتب الحوار في الثغر.
لحظتها شعرت بالحرج الشديد، وتمنيت أن تبتلعني الأرض بعدما أدركت مدى حماقاتي وجهلي ، إلا أن د. زكريا، واصل الحديث في موضوع الندوة، الرئيس وكأن لم يحدث شيئا.
دكتور زكريا هو رئيس اتحاد كتاب إسكندرية على مدار عدة عقود ، إلى حد أن داعبه مرة عبدالفتاح قائلا: أنت يا ريس مثل حسني مبارك، لا تتنازل عن السلطة أبدا ،ستظل رئيسا لنا طالما الرئيس مبارك موجود.
ولكن حتى مبارك قد تم عزله من الحكم بثورة كبرى، و بقى د زكريا
بما يتمتع به من دماثة الخلق، وثقافة موسوعية، متعددة في شتى أنواع الفنون ، يندر أن تجتمع في شخصية واحدة ، الأمر الذي جعله رمزا مشرفا يصعب تكراره.
***
وأمام إلحاح عبد الفتاح ،وضغط عبدالنبي كراوية، للاشتراك معهما في المسابقة الكبرى ، لم أجد معى نسخا ورقية جاهزة، سوى تلك القصة اللعينة التى لم تلق أى استحسان من رواد ندوة الإثنين .
كنت واثقا من عدم فوزى، لاسيما، وأن المتسابقين كان من بينهم كبار كتاب القصة فى مصر والوطن العربى .
نسيت أمر المسابقة وسافرت إلى القاهرة مع أبى لقضاء بعض المصالح وأثناء وجودى هناك اتصل بى الفنان الأديب محمد الفخرانى ... قال لى : مبروك.
من المعروف عن الفخرانى والشاعر أحمد مبارك ،خفة الظل ،وأنهما يقومان بالكثير من (الدعابات ) فى كل من حولهما من المقربين.
سألت الفخرانى :
لماذا، تبارك لي ؟!
أجابني : لقد فازت قصتك بالمركز الأول فى المسابقة الكبرى.
قلت له وأنا شبه متيقن بأنه مقلب كبير يشاركه فيه،الشاعر أحمد مبارك:
ولكن النتيجة لم تعلن بعد، كفاك هزرا أستاذي الفاضل.
إلا أن الفخرانى ضحك ثم قال :
هل فى مثل تلك الأمور يكون الهزر؟ ! ثم هل يعقل أن أكلف نفسى اتصالا تليفونيا من الإسكندرية للقاهرة لمجرد الهزر ؟!
عموما ستصدر المجلة بعد غد وبها اسمك ....أنت الأول، ،وعبد الفتاح حصل على المركز الثالث. .. مبروك،،
هذه جائزة كبيرة القيمة ماديا، ومعنويا وأنت تستحقها .
ظللت غير مصدق للفخرانى، حتى أتاني في اليوم الثاني اتصالا من الأستاذ الكاتب المسرحي الكبير /محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر،ورئيس تحرير الأهرام أبدو : مبروك يا صديقي المبدع الجميل، قصتك، طريق النخيل فازت في المسابقة الكبرى ، وأنا بصدد نشر خبر عن فوزك في الأهرام،غدا، وأريد بعض بياناتك.

قصة، طريق النخيل، تمت طباعتها ونشرها بعد ذلك فى مجموعة قصصية تحمل نفس الاسم.

الأمر الغريب والذى لم أعرفه حتى الآن هو، كيف عرف الفخرانى بالنتيجة قبل أن تعلن بعدة أيام! !
....................................

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى