د. سيد شعبان - حلمي القاعود ولقاء المجد!

على ضفة النهر حيث يسكن حارس اللغة وفارسها، تحت ظلال أشجار الأرض التي قهرت نابليون بونابرت في موقعة الرحمانية تأتيه فيسعك حبا وألفة، لم تغيره السنون رغم مضي الزمن، يقف كالطود يحرك عصاه كأنما يهز أعطاف المجد، موعد فلقاء فحديث جرى عن النقد الأدبي الذي عجن مادته وأخرجها طعاما شهي الفكر عذب الرواء بهي الطلاء، ترى ما الذي اشتمل عليه؟
لاتزال في عالمنا أوتاد تمسك البنيان أن يزول، دعك من الوشل وكل فسل اعتلى منبر النقد واستحلب الجوائز فخرج على قومه في زينة السامري.
علم وسرد يغلفهما نقد متزن لايخرج عن القواعد التي وضعها نقاد العرب منذ الآمدي والجرجاني وقدامة بن جعفر، مع تيارات النقد الوافد في تآلف صنع جديلة منتظمة أمسك حلمي القاعود بميسمه فترك بصمته الرائعة.
تعجبت من حالة التناغم بين العالم والإنسان، تحسبه اختزن تجارب العمر في مقالة وما أكثر ما قدم للمكتبة العربية من كتب، أم تراه وهو الأستاذ يتوسط حلقة الدرس فلا تند له شاردة ولا تحصره مادة، درعمي من الرعيل الأول أو هو إليه أقرب، معارك الثقافة والصحافة وكيف أن سعيه قد صرف إلى غيرها كما يقول د. حماسة: والله أختار!
هنا أفرغ محبرته ليرد غائلة تلامذة الاستشراق فكانت معركة الورد والهالوك وما تلاها من نقاشات تشتمل عليها الصحف والكتب والمنتديات!
معركة في إثر أخرى وقد خرج والفخار يزينه أنه انتمى للغته ولهويته غير آسف وجل!
تجالسه فتطالع عقل أمة في رجل وهل الأمم إلا بقادة الفكر ومشاعل العلم يهدون العفاة ويمنعون غبش الليل أن يخيم ظلامه أو أن تتراقص سدومه؟
عرفته منذ خمسة وثلاثين عاما إذ أنا غر أتلمس طريق القلم وأحبو في مسارب الكتب مرة أحبو وآخرة أنهض وقد استبان لي المشهد غثه وثمينه، كانت الصحف منابر فكر فتجد الأهرام وقلم فاروق شوشة ولويس عوض وأحمد بهاء الدين وزكي نجيب محمود وبين الأسطر حديث عن التراث والمعاصرة فتعلق بذاكرتك مقولة أو تستقر أمام شاخصيك مفردة، كتابات نجيب محفوظ والعقاد والرافعي ومحمود شاكر وعبده بدوي ومجلة الشعر، فما أكثر الرواد في بلادنا
كل هؤلاء تدور رحى حلمي القاعود بسيرتهم فتأتي أطيب القول نقاشا هادئا حينا وأخر صواخب رواعد تكاد من هولها سيلا يفيض كما النهر الذي تشرب منه العزم فما لانت له قناة ولا انهزم في رأي؛ لأنه استجمع من المنطق مادته وقواعده قياسا وانضباطا، هذه صورة من عقل متفرد ما برح يحكي لك عن قطار الدلتا وأقران الصبا ولداته، يدهشك تذكره الأمكنة وقد استحالت خيط عنكبوت، روائي حكاء ينساب قلمه في هدوء لغة معجمي استوعبها، ويا للأسى ما ضم مجمع الخالدين القاعود عبقريا بين أعلامه، فتلك خبط عشواء تضرب سدنة اللغة وأعلامها، تمر عقارب الساعة في عجلة من أمرها فأجتهد أن أوقف خط سيرها فيفضحني مغيب الشمس، تلك مقالة عن لقاء اجتهدت أن أنقل لك بعض شذراته.
وما أنا غير جامع در من هبة عالم متفرد.



1626011474258.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى