رسالة من عبد العزيز أمزيان إلى عبد اللطيف الهدار

أخي الجميل عبد اللطيف الهدار.
كانت السماء صافية حين هممت إلى الكتابة إليك ،كما لوكانت تشهد من تلقاء نفسها على ما بيني وبينك من صفاء روحي ومن محبة انسانية عميقة الغور وورد تنبته أنفاسنا على مشارف الأيام التي تتهادى من بعيد في أفق معاطفنا المائلة أبدا تجاه المدارات. هل أقول لك أيضا أنها منحتني بعض فرحها ،وبعض نشوتها التي تراءت لي على شكل رقصات حلزونية مدوخة مجنونة كما لو كانت تعلن عن خلق جديد لا عهد لها به من قبل. هل أرقص معها وأنا تنتابني الحالة نفسها إذ معك أشعر أن أشياء كثيرة تتوالد في مصافي جميلة أنيقة باهرة . أأ أذكرك ببعضها أم أترك لك مجال الاستمتاع –وأنت ساهم حالم- مغمض العينين اذ تأتيك وتحط على مفاصل جسدك الغافي ؟ كم يطيب لي أن تتماهى مع حالاتك القصوى وتسافر إلى حيث كنت ذات خريف طفلا لا تعرف اللهو واللعب والركض إلا تحت السماء الحانية وفي البقعة التي تسمى البوغاز
، بقعتك المثلى حيث كنت تغفو فيها مع فراشاتك وتختبئ مع عصافيرك في الأعشاش تحت جناح المساء الأحمر ،حيث كانت الشمس تغطيك بملائتها قريرة العين ناعسة ملء جفينها وأنت في سكينة مطبقة كما لو تكون الحياة انتهت هناك .أحلامك يا صديقي توقظك من هذا السكون اللذيذ ، تستيقظ على ايقاع عذوبة الفرحة التي غمستها كائناتك الأثيرة وأنت تكاد تطير كفراشاتك في غيم الثلج. تكاد والحالة هاته أن تقبض على سر هذا الوجود. هل حقا سكنتك بحارك حتى أصبحت الان قادرا أن تعانق كل سماء وتلتحف بياضات الأزقة ودروب القلوب التائهة عن وجهاتها ؟ حقا أنت قادر على ذلك ،تستطيع أن تزرع بذورك بعيدا عن عصافيرك الأولى لأنك تعلم -يقينا-أنها ستجيئك ذات يوم وتبارك لك هذا النبل العالي وتحفك بريشها المنفوش المبلل بالطين طين تنجيست. وقد تصاحبك من جديد وتراقب شغفك بزرقة الريح واختلاط السماء بأصداف روحك ومحارات طفولتك التي ما تزال لامعة بين نتوءات العمر ومنعرجات الزمن .أنت حقا لك نفس أسطورية تستطيع أن تجمع كل الألوان القزحية في دفترك الخاص ،ترافق كل أصناف الناس بحب مختلف وود عميق عميق كما لو يكون أعطته لك ملائكتك في ذلك الزمن الغابر حين كنت جنينا تحبو على وريقات الربيع وتمضغ الصفاء الذي حدثتك عنه في بداية هذه الرسالة التي أريدها أن تشتعل في روحي كاشتعال الجمر على مفترق الفصول .أنت صديقي الجميل صوفي في علاقاتك ،تترك الأشياء تتعرى عن نفسها لتتوحد في رونق جوهرها وتنصهر في بوتقة معدنها تصنع نفسك منها نفحة تتكامل في الهواء حتى اذا ما دارت تركت أريج أريج عطرها يدغدغ العواطف ويسكن الأرواح .أنت صديقي عالي في قلبي لك محبات كنهر لا ينضب ولا يجف سيظل يجري في مروج أرواحنا بكل هذا الصفاء والجمال والروعة .دم بخير ولتكبر بين أدواح الغمام ولتنمو مثل أنشودة أزلية خالدة يدوي صداها في المدى فتورق صداقتنا ويخضر عمرنا .هل تدري أن فيك كل هذا السفر وفيك كل هذا العمق اذن دم بهيا كما عرفتك كائناتك وكما عرفتك أول مرة قصيا في القرب بعيدا في الروح .
عبد العزيز أمزيان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى