أهلا صديقي الغالي محمود النجار.
كم كانت فرحتي كبيرة وأنا ألتقي بك أول مرة في فضاء الحرية بمدينة الدار البيضاء. ما زلت أذكر كل التفاصيل الصغيرة ،أحفظها عن ظهر قلب فقد انحفرت في ذاكرتي بذهب ابريز. جاءني صوتك قبل اللقاء عبر أسلاك الهاتف الذي أخذت رقمه من أحد الأصدقاء من عين المكان دافئا كما لو كان ممزوجا بحرارة شمس الصباح التي أبت ذلك اليوم رغم أنف فصل الشتاء الا أن تبعث أشعتها وتعانق فينا وهج الشعر وألق الحرف وومض الروح. كان اللقاء حارا تعانقنا بحب أخوي وصداقة مفعمة بالعواطف الجياشة والمشاعر الفياضة بالنبل والرقة والسمو .وحين جلسنا هناك في الركن الهادئ حول الطاولة المستديرة الصغيرة ومعنا الأصدقاء كان كل حديث يجمعنا حول الشعر أو غيره من أحاديث الحياة الكثيرة المتشعبة يكون عميقا وماتعا لدرجة أن مواضيع الحوار يظل صداها يتردد في عقولنا لوقت طويل. لا أنسى أخي الغالي أنك كنت عميقا ومبهرا. لك من كل فن طرف ومن كل واد أغنية .نسينا أن تعارفنا حدث في الافتراضي عبر المواقع الاجتماعية والمنتديات الأدبية وغصنا في الواقع الفعلي نؤسس لعلاقة تزهو بها قلوبنا أيما زهو وتفتخر بها نفوسنا أيما افتخار. ما زلت أتذكر كل الأحداث التي شهدتها علاقتنا بكل صورها وعنفوانها وألقها. أنت الشاعر الفلسطيني الآتي من أرض النضال والكفاح والمقاومة من أرض الصراع الذي سيظل قائما مادامت الحياة باقية والشمس تشرق وتغرب على وجه هذه البسيطة. الشاعر الذي رأى الويلات وعاش المحن وقسا الذل والهوان وخبر الصعاب واختلطت في دمه تربة الارض حتى أصبحت جزءا من وجوده. حين أكون معك أخي الجميل أرى كل شعراء فلسطين أرى حيواتهم ونبلهم وسموهم وقدسية الأرض في أشعارهم ،أستخلص منها الحياة الأخرى التي لا أعرفها على وجه الدقة والإمعان. أرى درويش يمتطي صهوة الغيم ويراقص المرايا في الأنهار تحت سماء روحه وعلى أرض جسده الغافي على تلال قرية بروة يفتح عينيه على ساحل عكا بانتباه وحنو لا مثيل له على الاطلاق ،،أرى سميح القاسم وهو يلوح بيديه العاليتين لكل الأصحاب وهو يبكي فرقة صديقه الأزلي محمود درويش حيث تركه وحيدا على كرسيه الهزاز ،يداري عصافير الشمس على أغصان الزيتون .أرى فدوى طوقان وقد امتلأت حنجرتها بالوطن حتى باتت هي الوطن ،وباتت حرية الشعب الصوت الذي تردده الشاعرة بملء فم الغضب :كم هي قديسة وهي تنشد قصيدتها الخالدة :(حرية الشعب)
.........................
ويردد النهر المقدس والجسور
حريتي!
والضفتان ترددان :حريتي!
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والاعصار والأمطار في وطني
ترددها معي
حريتي!حريتي!حريتي!
(مقطع من قصيدة للشاعرة فدوى طوقان بعنوان حرية الشعب)
أراها بكامل أناقتها وهي تحلق في الجمال والبهاء أراها ملكا من ملائكة الرحمان وهي ترعى شعبا وتحفر له قلبا في الشمس ،،أرى توفيق زياد وهو ينادينا يشد على أيادينا ويبوس الأرض من نعالنا ،،كم هو جميل وباق مثل كروم السياب التي أورقت حين ابتسمت عينا حبيبته/ الأرض ،،كم هو باق ياصديقي !باق كما عمر الياسمين ،كما غيمة تائهة في فضاء شجر ،،كما أرضك يا صاحبي تغسل بالمطر أرخبيل الشعراء ،وتضم فيهم دمعتهم الحارقة ،دمعتك التي حرقتك حين شاهدت الأوطان يمسخها العفن . دمعتك يا صديقي رأيتها في عينيك متلألئة لامعة كما جواهر التربة في دمك الكاوي. هل أحتاج أن أقول لك أن هذه الدمعة هي التي ظلت السؤال الذي ينخرني كلما خطر ذكرك على بالي ؟ سؤال بقدر ما هو عصي على الاجابة ،بقدر ما هو عصي على الوجود ..والى ذلك الحين العصي دم بهيا كريما غاليا عميقا سرمديا ..
مودتي .
عبد العزيز أمزيان
.
كم كانت فرحتي كبيرة وأنا ألتقي بك أول مرة في فضاء الحرية بمدينة الدار البيضاء. ما زلت أذكر كل التفاصيل الصغيرة ،أحفظها عن ظهر قلب فقد انحفرت في ذاكرتي بذهب ابريز. جاءني صوتك قبل اللقاء عبر أسلاك الهاتف الذي أخذت رقمه من أحد الأصدقاء من عين المكان دافئا كما لو كان ممزوجا بحرارة شمس الصباح التي أبت ذلك اليوم رغم أنف فصل الشتاء الا أن تبعث أشعتها وتعانق فينا وهج الشعر وألق الحرف وومض الروح. كان اللقاء حارا تعانقنا بحب أخوي وصداقة مفعمة بالعواطف الجياشة والمشاعر الفياضة بالنبل والرقة والسمو .وحين جلسنا هناك في الركن الهادئ حول الطاولة المستديرة الصغيرة ومعنا الأصدقاء كان كل حديث يجمعنا حول الشعر أو غيره من أحاديث الحياة الكثيرة المتشعبة يكون عميقا وماتعا لدرجة أن مواضيع الحوار يظل صداها يتردد في عقولنا لوقت طويل. لا أنسى أخي الغالي أنك كنت عميقا ومبهرا. لك من كل فن طرف ومن كل واد أغنية .نسينا أن تعارفنا حدث في الافتراضي عبر المواقع الاجتماعية والمنتديات الأدبية وغصنا في الواقع الفعلي نؤسس لعلاقة تزهو بها قلوبنا أيما زهو وتفتخر بها نفوسنا أيما افتخار. ما زلت أتذكر كل الأحداث التي شهدتها علاقتنا بكل صورها وعنفوانها وألقها. أنت الشاعر الفلسطيني الآتي من أرض النضال والكفاح والمقاومة من أرض الصراع الذي سيظل قائما مادامت الحياة باقية والشمس تشرق وتغرب على وجه هذه البسيطة. الشاعر الذي رأى الويلات وعاش المحن وقسا الذل والهوان وخبر الصعاب واختلطت في دمه تربة الارض حتى أصبحت جزءا من وجوده. حين أكون معك أخي الجميل أرى كل شعراء فلسطين أرى حيواتهم ونبلهم وسموهم وقدسية الأرض في أشعارهم ،أستخلص منها الحياة الأخرى التي لا أعرفها على وجه الدقة والإمعان. أرى درويش يمتطي صهوة الغيم ويراقص المرايا في الأنهار تحت سماء روحه وعلى أرض جسده الغافي على تلال قرية بروة يفتح عينيه على ساحل عكا بانتباه وحنو لا مثيل له على الاطلاق ،،أرى سميح القاسم وهو يلوح بيديه العاليتين لكل الأصحاب وهو يبكي فرقة صديقه الأزلي محمود درويش حيث تركه وحيدا على كرسيه الهزاز ،يداري عصافير الشمس على أغصان الزيتون .أرى فدوى طوقان وقد امتلأت حنجرتها بالوطن حتى باتت هي الوطن ،وباتت حرية الشعب الصوت الذي تردده الشاعرة بملء فم الغضب :كم هي قديسة وهي تنشد قصيدتها الخالدة :(حرية الشعب)
.........................
ويردد النهر المقدس والجسور
حريتي!
والضفتان ترددان :حريتي!
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والاعصار والأمطار في وطني
ترددها معي
حريتي!حريتي!حريتي!
(مقطع من قصيدة للشاعرة فدوى طوقان بعنوان حرية الشعب)
أراها بكامل أناقتها وهي تحلق في الجمال والبهاء أراها ملكا من ملائكة الرحمان وهي ترعى شعبا وتحفر له قلبا في الشمس ،،أرى توفيق زياد وهو ينادينا يشد على أيادينا ويبوس الأرض من نعالنا ،،كم هو جميل وباق مثل كروم السياب التي أورقت حين ابتسمت عينا حبيبته/ الأرض ،،كم هو باق ياصديقي !باق كما عمر الياسمين ،كما غيمة تائهة في فضاء شجر ،،كما أرضك يا صاحبي تغسل بالمطر أرخبيل الشعراء ،وتضم فيهم دمعتهم الحارقة ،دمعتك التي حرقتك حين شاهدت الأوطان يمسخها العفن . دمعتك يا صديقي رأيتها في عينيك متلألئة لامعة كما جواهر التربة في دمك الكاوي. هل أحتاج أن أقول لك أن هذه الدمعة هي التي ظلت السؤال الذي ينخرني كلما خطر ذكرك على بالي ؟ سؤال بقدر ما هو عصي على الاجابة ،بقدر ما هو عصي على الوجود ..والى ذلك الحين العصي دم بهيا كريما غاليا عميقا سرمديا ..
مودتي .
عبد العزيز أمزيان
.