”حدود المنفى” (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر).. إعداد: المحامي حسن عبادي

(1)

إيڤا شتّال

جوتنبرج 14.01.19

أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي

لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 “لقاءات”، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين).
لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال.

نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: “هذه هي حياتنا” “هذا هو الاحتلال” أو “هذه هي إسرائيل”.

عندما ذهبتُ إلى تل الزعتر عام 1974، كان عمري 25 عامًا، قالت النساء: “يجب أن ننجب العديد من الأطفال – لن يعيشوا جميعًا ولن يكبروا. سيناضلون من أجل حريتنا. إنها الجائزة التي يجب أن ندفعها للعودة إلى فلسطين ذات يوم “. لقد صُدمتُ؛ عندما سمعت الأمهات يشرحنَ لي هذا – إنّه حتى الآن- بعيد عن الواقع في السويد.

الآن، في عام 2018، عندما زرتُ فلسطين، كانت معاناة الشعب الفلسطيني كله صعبة للغاية بطرق مختلفة، بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في البلاد، أو تحت الاحتلال والاستعمار والحصار وكلاجئين. لقد كانت مواجهة هذا الواقع صدمة، بسبب مدى السرعة التي تعمل بها إسرائيل لاحتلال واستعمار ونشر المزيد من الخوف والدمار.

قلت لي، أنت يا حسن، في أحد الأيام الأولى؛ “إنه من الصعب؛ جدًا؛ العيش في بلدك ورؤية سرقته أمام عينيك. ربما يكون هذا أكثر إيلامًا من العيش كلاجئ في المنفى وعدم رؤيته يحدث يومًا بعد يوم”. أتذكَّر أنني قلت إنه من الأسوأ أن تكون لاجئًا في مخيم خارج البلاد، لكنني أفهم أكثر الآن. أنت تعرف أفضل مني – أنت ترى كل هذا يحدث أمام عينيك، يوميًا، سنويًا، ومنذ عقود – تفقده دون أن تتمكن من إعادته أو استعادته. هناك قوانين، قيود، عنف … يجب أن يكون هذا مؤلمًا للغاية ومفجعا القلب، وأفترض أن عليك أن تحمي نفسك، من الناحية النفسية – حيث أنك ما زلت تقرر عدم الانكسار وترى التغييرات الإيجابية والنصر الفلسطيني المستقبلي قادم.

وبالتأكيد؛ لن يبقى هذا الوضع إلى الأبد. لقد تحدثت مع يوسف(الدكتور يوسف عراقي ح.ع.)أمس. ذكَّرني بالتاريخ – الإمبراطوريات العظيمة التي حكمت الشرق الأوسط/فلسطين أيضًا، وسقطت عاجلاً أم آجلاً.

ستسقط آلة الحرب الإسرائيلية هذه أيضا. لن يقف العالم من أجلها ليدفع ثمنها. أنا آسفة؛ لأنه يستهلك الكثير من المعاناة. دع التاريخ يريحنا جميعا، ويبقى قويا جنبا إلى جنب.

بجانب كل هذا، أنا ونيستور، نريد أن نشكرك من أعماق قلوبنا على كل ما فعلته من أجلنا خلال تلك الأيام الـ 11 المهمة جدًا في فلسطين. منذ اللحظة الأولى في المطار حتى بعد ظهر اليوم الأخير في رام الله، لقد شعرنا أن لدينا يديك الداعمتين واهتمامك. لقد كان شعورًا لطيفًا للغاية، ساعدتنا أيضًا في الاستعداد للبقاء في القدس ونابلس ورام الله.

شكراً جزيلاً لكم جميعا: حسن وسميرة، وفؤاد وسوزي – أنتم حقًا أشخاص لطيفين، مساعدين، ومسؤولين، مثيرين للاهتمام ومحبين، وقد منحتمونا الحب والاهتمام. شكرا جزيلا لجميع أصدقائك اللطيفين جدا!

نود لو تكونوا معنا، ونحاول أن نفعل شيئًا من أجلكم في السويد، جوتنبرج. أخبرونا عندما تأتون وسوف نجهز شيئًا، بما في ذلك مشاهدة المعالم السياحية، ومقابلة أصدقائنا، والطعام والمحادثات الودية – أو أي شيء تريدونه (صيد الأسماك، ومشاهدة الفنون).

لدي هنا بعض التأملات من أيام فلسطين.

بادئ ذي بدء، نشكرك على استقبالنا في المطار والرحلة بالقطار إلى حيفا – كانت بداية مفيدة جدًا. وقد لاحظنا أنك ترفع صوتك العربي رغم أنّه، بموجب القانون الوطني، يحظر التحدث باللغة العربية في العمل.

سميرة حمد (إيڤا شتّال)

(الحلقة الأولى)

*** هذه الحلقة الأولى من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

*** شكرًا للأديب الفلسطيني إياد شماسنة على ترجمة الرسالة من الإنجليزيّة للعربيّة.
*** تُنشر تزامنًا مع نشرها في صحيفة “المدينة” الحيفاويّة.

***

(2)

صباح اليوم الأول، الخامس من ديسمبر 2018.

استيقظنا في صباح مشمس قليلاً، تناولنا الفطور الفلسطيني اللّطيف (لبنة، زعتر، زيت زيتون، زيتون، خبز والمزيد) مع ديمة الجميلة وأنتم الاربعة. منظر ميناء حيفا من شرفتكما رائع، حسن وسميرة.

ذهبنا بعد ذلك إلى الناصرة – إنها مكان تاريخي وديني قديم، جميل، أرشدنا المهندس المعماري والمؤرخ والرسام زياد الظاهر. من المثير للاهتمام سماعه يتحدث عن سلفه مع 8 أبناء و1000 رجل يقاتلون نابليون الذي لم يستطع كسر المقاومة الفلسطينية في عكا. نشكره على الإرشاد التاريخي الجميل في وسط الناصرة.

كان من الجيد أيضًا الذهاب إلى المعرض الذي يقدم وجهة نظر الفنانين عن مدينتهم، وإلقاء نظرة على المناظر الطبيعية من خارج كنيسة سانت جورج. من وجهة نظر الكتاب المقدس.
لاحظنا كيف يعمل المسلمون والمسيحيون الذين يشكلون 10٪ في إسرائيل بجدّ؛ للحفاظ على المساجد والكنائس والمباني والأراضي والحدائق والأشجار والنباتات في حالة جيدة جدًا. إن اليهود الإسرائيليين مستعدون لانتزاع أي شيء يمكنهم الحصول عليه، على الرغم من أن 93٪ من الأرض تنتمي إلى الدولة بالفعل. وإن لم تكن مأهولة باليهود الإسرائيليين بالفعل من قبل، فهي مزروعة بالصنوبر أو تتحول إلى مناطق عسكرية أو مناطق مغلقة أو حتى منازل مغلقة حتى لا يتمكن الفلسطينيون من تحقيق ذلك أو العمل أو العيش هناك.

وبطبيعة الحال، فإن الطرق الكبيرة بنيت على أراضي المزارعين السابقين دون تعويض. لا يمكن للفلسطينيين أن يكونوا مزارعين أو يجلبوا الماشية بعد الآن. سمعت عن ذكريات الفلاحين في تل الزعتر – الزيتون والبرتقال والحيوانات … في المخيم كانت كل بقعة فارغة مليئة بالنباتات – الأعشاب والزهور والتين والزيتون والعنب وما إلى ذلك، بجانب المرحاض الصغير ” كان فناء المنزل الذي أقيمُ فيه لأول مرة مأوى صغيرًا لثلاثة من الماعز. كان الناس ما يزالون يحلمون بحياتهم كمزارعين. أخبرني الأكبر عن حياة؛ حيث كان اليهود أيضًا جزءًا من سكان القرى والبلدات. حسن الجوار، كان منذ زمن طويل.

بعد ظهر ذلك اليوم، قضينا وقتًا في قطف الحمضيات الجميلة من حديقة الأسرة (سلمى وسليمان نصّار ح.ع.) والتقيت امرأة تعرف عن تل الزعتر(أمّ حبيب ح.ع.). كان عناقها وترحيبها مؤثرا للغاية!

المحطة الثالثة في ذلك اليوم كانت في طمرة. (لقد قرأتُ في الواقعِ هذا الكتاب المثير للاهتمام “إسرائيلُ أخرى” بقلم سوزان ناثان، 2006، عن المرأة اليهودية التي كانت لديها الشجاعة للانتقال إلى مدينة طمرة العربية، بهدف الإفادة بأن اليهود والفلسطينيين يمكنهم العيش معًا). كان من الرائع رؤية الأعمال الفنية الجيدة لأحمد كنعان. مثل هذا الفنان – يعمل باستخدام العديد من المواد ويعبِّر عن التجربة الفلسطينية بطرق عديدة ومختلفة.

شكرا لأخذنا إليه! من الجميل أيضًا أن نعرف أنه لدينا صديقٌ مشترك، خاله؛ الدكتور عبد العزيز(الطبيب الزعتريّ عبد العزيز اللبدي ح.ع.). لقد عمل في تل الزعتر.

تناولنا الطعام في ضواحي مدينة طمرة، وقمنا بجولة نستعرض فيها العديد من زينة عيد الميلاد المتلألئة والمتنوعة في الشوارع المركزية في حيفا (العربية). إنها جميلة في الظلام!

في نهاية هذا اليوم الطويل والمثير، جلسنا معكم: حسن وسميرة وفؤاد، وبدأنا نتعرف على بعضنا البعض بشكل أفضل. شعرت بلطفٍ كبيرٍ لوجودي هناك.

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة الثانية)

*** هذه الحلقة الثانية من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(3)

اليوم الثاني في حيفا؛ السادس من ديسمبر 2018
لقد قدَّمتَ لنا صباحا مع الكثير من القهوة العربية الممتازة، ولم يكن الأمر بسيطا! كان المشي في البازار(وادي النسناس ح.ع.)، سوق الطعام، ممتعا – كذلك رؤيتكما، حسن وفؤاد، أن نتحدث إلى الجميع، وأن نتعرف إلى الجميع ونحصل على فنجان قهوة من هنا وهناك. أرجوا أن تبلغوا تحياتنا الخاصة للمرأة التي تقوم بإعداد “الكوسا” (إم إلياس ح.ع.).
دخلنا إلى متجر الموسيقي وصانع الآلات الموسيقية؛ بشارة ديب، وشاهدنا آلات العود الجميلة – بعضها من أعماله الخاصة – والآن؛ نحن في المنزل نستمع إلى أغانيه. شكرا على الموسيقى!
تجولنا في وادي النسناس وحصلنا على معلومات عن تاريخها. انضم إلينا صاحب صحيفة المدينة؛ رشاد عمري، نحيّيه. مررنا بقطعتين من الفن على السور: “حنظلة ” و”المرأة تعانق شجرة الزيتون”. إنها زخارف جميلة على الحائط، ولكنها أيضًا بيانٌ سياسيٌ قويٌ؛ حيث لا يمكن حتى رؤية الأعلام الفلسطينية. إنها ممنوعة؟
صعدنا إلى جبل الكرمل (ربما كان على اسم الضابط موشيه كرمل الذي خطط لاحتلال الجليل قبل عام 1948؟) للحصول على إطلالة رائعة على حيفا، هذه المدينة جميلة.
يذكرني المرفأ الكبير بقصص الناس، من القرى والبلدات في الجليل، كيف أخذوا إلى حيفا في حالة رعب بسبب الاشتباكات وعمليات القتل المستمرة في القرى من قبل القوات المسلحة الصهيونية. وكيف فرَّ الكثير من الفلسطينيين من الحرب، وبقي بعضهم، وكان البعض يقاتلون، وقُتل الكثير.

ما عرفته من لبنان (ويعرف نيستور أيضًا؛ حيث أننا كنا هناك معًا) هو حياة اللاجئين في المخيمات. الآن يمكننا أن نرى كيف استمرت حياة الأشخاص الذين بقوا (وبعض الذين عادوا مبكرًا). عبء التأقلم في بلدك له أثرٌ أقل منه على اليهود الذين دخلوا وأسسوا إسرائيل على الأرض. كانت زراعة الأرض تتم من قبل الفلسطينيين الذين أجبروا على اللجوء الخارجي أو الداخلي.
لقد أخذتمونا لنلقي نظرة على المعبد والحدائق البهائية الكبيرة. يمكن العثور على العديد من الأديان في هذا العالم ولكن يبدو، على الأقل، أن هذه الديانة تتمتع بالجمال والحياة الجيدة. الكنيسة البهائية صغيرة ولكن لديها أتباع في جميع أنحاء العالم. يجب أن يكون لديك توصيات قوية لتكون أحدهم، ولكن يمكن لأي شخص زيارة حدائقهم الجميلة.
المحطة التالية كانت حديقة الكنيسة الأرثوذكسية التي يبدو أنها مشاركة في العديد من القضايا الثقافية في حيفا. تحدثنا في السيارة عن الدين، لا أحد منّا مؤمن، لكن الروابط بين الكنائس والمساجد والشعب أقرب في فلسطين منها في السويد. هنا إما أن يكون لدينا اتصال بالدين أو لا يكون. إن الشخص العلماني في السويد لا يبقى قريباً من الكنيسة أو الجماعة. نحن نعيش ما يسمى بالحياة العلمانية.

في حيفا، رأينا أيضًا مجالات رعاية الكنيسة، واستخدام المباني. أحد الأمثلة على ذلك مركز كيميديا للفنون الثقافية حيث يقوم “عبد عابدي” بابتكار لوحات رائعة مثل “الطرد والأب”، “بيكاسوس”، والفتاة التي تحمل فلسطين حمامة في يديها – إنها لوحة معروفة للناشطين.
في المساء، كانت المحطة التالية هي “نادي حيفا الثقافي”. إنه عبارة عن قاعة كبيرة، تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية نفسها، حيث يلتقي الناس لإجراء محادثات حول الكتب والكتابة والفن وكتابة التقارير المهمة الفعلية أو غيرها عن الأحداث الثقافية والجوانب المتعلقة بالحياة الفلسطينية.
من المثير للإعجاب السماع أنكم تلتقون مساء كل خميس منذ 4 سنوات (إذا كنت أتذكر جيدًا؟). كما يمكنكم التعليق على الكتب والمعارض الجديدة في الصحف العربية أو الصحف الورقية ونشر الكلمات حول الأعمال الرائعة التي يقوم بها الناس: الكتب واللوحات والمنحوتات والمقابلات – من أجل الحفاظ على التاريخ الحديث والقديم لفلسطين والفلسطينيين على قيد الحياة.

أنا ممتنة للغاية لأنك منحتني إمكانية التحدث عن بعض ذكرياتي من تل الزعتر، وهي واحدة من جميع الحروب الرهيبة على اللاجئين الفلسطينيين. كنت أعمل هناك كممرضة، وكنت زوجة يوسف حمد، ابن المخيم. قُتل زوجي خلال الحصار، أُصبت بجروح بالغة. تلك الحرب على المخيم انتهت بمذبحة وهُدم كل شيء. واضطر 25000 شخص، لاجئون من فلسطين بالفعل، إلى الفرار مرة أخرى. كان ذلك في صيف 1976. قُتل حوالي 3000-4000 شخص هناك. وأصيب آلاف آخرون بجروح.
لقد أعددتَ خطابي للنادي بشكلٍ جيد. بدأ الأمر مع الدكتور يوسف عراقي على الشاشة، تحدث معي. عندما ألقى هذا الخطاب كنت قد بلغتُ 70 عامًا وأقمنا حفلة للأصدقاء، كان هو وزوجته “فاديا” هناك أيضًا في جوتنبرج. كانت لحظة رائعة لي، شكرا لك على مشاركتها. وشكرا على اللوحة التي أعطاني إياها النادي، في الواقع إنها ذكرى جميلة لأحصل عليها! أنا فخورة بذلك! أنا ونيستور، على حد سواء، سعداء للغاية ومتأثرين باهتمامكم بنا وبشأن علاقتنا التاريخية مع الشعب الفلسطيني.
انتهى الامر مساء في مطعم “شترودل” المزين بشكل باهر، كان الأمر لطيفا!

سميرة حمد(إيڤا شتّال)

(الحلقة الثالثة)


*** هذه الحلقة الثانية من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(4)

اليوم الثالث، السابع من ديسمبر 2018

إنه يوم الجولة الطويلة. كان المطر في ذلك اليوم يتساقط بشدة. وقد بدأت رحلة الشتاء إلى الجبال. لقد فاتتنا للتو ساعة الافتتاح في دير الراهبات الفرنسيسكان بجانب بحيرة طبرية (خزّان المياه الإسرائيلي. هناك خزّان آخر للمياه المسروقة من مصدر في لبنان، إنه نهر الليطاني). ذهبنا إلى كنيسة أرثوذكسية بالقرب من البحيرة، مكان جميل، حيث قابلت أصدقاء بالطبع.
استمعنا إلى قصص عن الأيام السعيدة، عندما كان فؤاد طفلاً، حدثنا عن مغامرات صيد لطيفة على البحيرة، بينما لجأنا من المطر تحت الشجرة الهائلة في الحديقة حيث كان الخوري يملك منزله. عندما أنظر إلى Google بحثًا عن تلك الأماكن لا أجدها هناك – لا إعلانات عن الأماكن الفلسطينية. جيد؛ لدينا الصور، نيستور باللون الوردي وأنا في العباءات البلاستيكية نختبئ من المطر تحت شجرة التين.

انطلقنا إلى مرتفعات الجولان وقمنا بزيارة منزل جديد تمامًا. لا أتذكر اسم القرية (بقعاتا في الجولان السوري المحتل ح. ع.) ولا اسم الرجل(الإعلاميّ عطا فرحات ح.ع.) وزوجته. فقط أذكر أنه قضى بعض الوقت في السجن الإسرائيلي واستأنف حياته للتو. آمل أن تتاح الفرصة له لرعاية عائلته والعيش بشكل جيد، إنه صحفي محلي يراقب ما يجري. أفكر فيه الآن عندما تحدث متاعب هناك، استفزازات بين إسرائيل/ إيران. كانت لعائلته “مدفأة مشتعلة”، ساعدتنا على الجفاف والتدفئة وبعد الزيارة حصلنا على فلافل من ” فتحة في الجدار “الصغير في القرية قبل مغادرتنا.

في طريقنا إلى محطتنا التالية “الخالصة”، حصلنا على لمحة عن وادٍ سوريٍّ يضمُّ أراضٍ زراعية. وقد ذكّرنا بالمناظر الطبيعية الخصبة التي رأيناها في عام 2010 في الوديان السورية الجميلة شمال دمشق.

اقتربنا من الخالصة سيرا على طريق صغيرة إلى حد ما في منطقة زراعية. هنا فقط منحدرات نهر سهل الحولة. أتخيل عائلة حمد قبل عام 1948، أقاربي الفلسطينيين، مع القرويين الآخرين، الفلاحين، وهم يرعون أسرهم. لقد أخبروني عن الحياة قبل أن يضطروا لترك كل شيء. قاموا بزراعة الحقول وحصاد الحبوب ورعي ماعزهم وقطف الزيتون والبرتقال والليمون والكمكوات والتبغ واللوز وما إلى ذلك.

دخلنا القرية السابقة، وهي الآن مدينة يهودية ريفية كبيرة.

في 11 مايو 1948؛ دخلت قوات الهاغانا الصهيونية القرية وأغلقت الطرق وهددت الناس. لقد كان هجومًا عسكريًا، جزءًا من احتلال الجليل، أيام خطة داليت. تم الاستيلاء على عاصمة المنطقة صفد في نفس اليوم. كان أهالي الخالصة خائفين وهربوا إلى لبنان بشكل رئيسي. بقي بعضهم وقاتلوا لكنهم كانوا قلة للغاية. أغلقت العائلات المنازل وأخذوا مفاتيحها – لقد رأيتها في تل الزعتر. ظنوا أنهم غادروا فقط لإنقاذ حياتهم خلال الاشتباكات، لكن إسرائيل وضعت “قانون الأرض “الذي منعهم من العودة.
أعادت إسرائيل تسمية القرية باسم “كريات شمونة”. سرنا حولها ثم توقفنا عند النهر الصغير حيث ركنّا السيارة. كانت السماء تمطر ولم أكن أعرف بالضبط أين أجد ما بحثنا عنه، أطلال مسجد ومدرسة، لم نجدها. آسف لذلك، كان يجب أن أبحث بشكل أفضل! ما يزال لدي شعور عاطفي للغاية وما زالت هذه القرية تعني لي شيئًا. ولد يوسف هناك عام 1947. أخبرني هو وعائلته الكثير عن ذلك، وكانوا مصمّمين على العودة في يوم من الأيام. حسب قرار الأمم المتحدة رقم 194، ناضل سياسياً في منظمة التحرير الفلسطينية، اتخذ البعض الكفاح المسلح كمقاتل من أجل الحرية. كانت جدة يوسف بدوية من عشيرة “الغوارنة”، هم المؤسسون الأصليون للقرية. تم وشم وجهها بنمط متميز بعد تجاعيدها بشكل جميل. كانت ترتدي “حطة” خاصة – وشاح أحمر سميك حول رأسها وتنورة طويلة. كانت تتنقل والعصا في يدها في المخيم، تتحدث إلى الأصدقاء القدامى من فلسطين، الذين تحبهم.

قيل إنها كانت كبيرة جدًا في السن، ربما ولدت قبل عام 1900 بوقت طويل. عندما جئت إلى تل الزعتر كان الوقت متأخرًا جدًا للحصول على قصتها الكاملة، لم تكن تتحدث كثيرًا عن ذلك، لكن الناس قالوا إنها مرت بالكثير. لم تنجُ من الحرب على المعسكر. عندما جئت إلى لبنان لأول مرة في خريف 1974، بقيت في منزل عمة يوسف بعد أن تركت غرفة في منزلها. كان لديها ولدان كبيران تركا المنزل. واحد للدراسة، أصبح طبيب أسنان، والآخر للبحث عن عمل في المملكة العربية السعودية.

كانت هذه القاعة لنا والأطباء والممرضات. أطلقنا عليها اسم “شالتي”. كان في الواقع عن طريق الخطأ – اتصلت ابنة أختها شالتي، وافترضت أنه كان اسمها. علمت لاحقا أن أم عطية كان لها الحق في الاتصال بها. كانت امرأة قوية للغاية، ومزارعة في فلسطين، وأصبحت حقاً عمتي. واصلت زيارتها في لبنان، بعد الحرب، حتى وفاتها قبل بضع سنوات. أنا أفتقدها، كانت شخصية رائعة. في عام 2017، زرت أنا ونيستور قبرها، وقبر ابنتيها نوفة وصباح. زوجي العزيز الراحل يوسف، أم عطية مع نوفة وصباح، أخت يوسف ووداد، وبعض الأصدقاء والزملاء من العمل في العيادة هم أهم الأشخاص في تل الزعتر. إنها عائلتي الفلسطينية.

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة الرابعة)

*** هذه الحلقة الرابعة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(5)

عزيري حسن، أعذرني، الخالصة مرّة أخرى!!!
اقتربنا من الخالصة على طرق صغيرة إلى حد ما في منطقة زراعية. هنا منحدرات نهر سهل الحولة. أتخيل عائلة حمد قبل عام 1948، أقاربي الفلسطينيين، مع القرويين الآخرين، الفلاحين، وهم يرعون مع أسرهم. أخبروني عن الحياة قبل أن يضطروا لترك كل شيء. لقد قاموا بزراعة الحقول وحصاد الحبوب ورعي الماعز وقطف الزيتون والبرتقال والليمون والبرتقال الذهبي والتبغ واللوز وما إلى ذلك.
أغلقت العائلات المنازل وأخذت معها المفاتيح – لقد رأيتها بأم عيني في تل الزعتر. ظنوا أنهم غادروا فقط لإنقاذ حياتهم أثناء الاشتباكات، لكن إسرائيل وضعت القوانين التي منعتهم من العودة.
عندما قُتل يوسف بجانبي في تلك الليلة، 22 يونيو 1976، بصاروخ أصاب منزل العائلة، خاطروا بحياتهم لمساعدتي على البقاء. دخل الجيش السوري لبنان بناءً على طلب من الحكومة. عزز ذلك الحصار الكتائبي حول تل الزعتر و قدم الدعم لهم ولحلفائهم. كنت “أنا ويوسف” نائمين عندما أيقظني الانفجار الصاروخي. حاولت إيقاظ يوسف لكنه كان صامتًا بجانبي على الفراش. حاولت أن أقف، كان ذلك مستحيلاً. كان القصف متواصلاً، لكنهم اعتنوا بي، وضمدوا جروحي الكبيرة وأعطوني الطعام والشراب بانتظام.
شكر خاص لنوفا، بوركت، لقد قررت البقاء بجانبي. أنقذت حياتي بفعل ذلك. خاطرت هي وكثير منهم بحياتهم في جمع المياه من الأحواض المدمرة. دمر القصف كل شيء في المخيم ببطء. كانت الأحواض الصغيرة هي أوردتنا الهشة. أصيبت بالرصاص أو انفجارات القنابل اليدوية التي انفجرت بها وكان الماء يسيل منها ولا مجال للسيطرة عليه.
كان من العار في تل الزعتر ترك المياه تجري بهذه الطريقة. لقد وفر الجميع الماء قبل الحرب. لم يكن لدى الجميع انابيب تنقل المياه الى المنزل. تم نقل العديد من البراميل على الرأس من أماكن مائية معينة إلى المنزل لتلبية الاحتياجات اليومية للعائلة الكبيرة. الطبخ والغسيل والاستحمام والحفاظ على نظافة المنزل. لقد كان عملاً شاقًا للنساء والفتيات. كان لدينا في منزلنا حوض في المطبخ والحمام، وقريب جدًا من المدخل. في العيادة، حيث عملت، لم تكن المياه مشكلة بالنسبة لنا بشكل مباشر. (هكذا كان الوضع قبل الحصار والحرب). أثناء العمل كممرضة، لم يكن علي أن أقلق بشأن المياه، لكنني تعلمت التوفير والحرص على عدم إضاعة قطرة. لم أفكر، قبل الحصار والقصف، بأن إمدادات المياه إلى المخيم كانت منظمة من منطقة بيروت المجاورة “سن الفيل”. وهذا يعني أن المياه، خلال الحصار، قطعت على أساس يومي لعدة ساعات من قبل عدونا، عندما قامت الميليشيات الفلانجية بتشغيلها، في المساء، أحضر الناس براميل بلاستيكية وأي دلاء توفرت، وكانوا يضطرون لعبور المنازل التي قصفت في شوارع ضيقة مدمرة للوصول إلى الزوايا حيث غمرت المياه المنقذة للحياة.
في تلك الساعات كان الجميع أيضًا هدفاً للقناصين على أسطح المباني العليا التابعة للمنطقة اللبنانية المارونية حول المخيم. لقد كان من الخطر المميت أن تذهب إلى الماء؛ فقد تصاب بشظايا صاروخ. كانت المياه “قيد التشغيل” بشكل أساسي فقط في الليل، ساعد ضوء القمر القناصين أحيانًا، فكانوا احيانا يرسلون صواريخ خفيفة ليصيبوا بشكل “أفضل”.
مات الكثير خلال تلك المهمة – مهمة جلب الماء لأشخاص مثلي والمصابين والمرضى وغيرهم ممن لم يتمكنوا من الذهاب. عمل “الجسم البشري” الجماعي لصالح كل المحتاجين. كان حزني كبيرًا جدًا، وبعد أن فقدت حملي (حمل سبعة شهور – كان ولدا) لم أكن أهتم كثيرًا بالنضال من أجل حياتي ولكن جاء الكثيرون إلى سريري وقالوا: يجب أن تعيشي، إذا تحدثت عن تل الزعتر في السويد / أوروبا في العالم الغربي، سيصدقونك. إذا شهدنا، نحن الفلسطينيون – سيقولون علينا “إرهابيين” ويقولون إننا نكذب.
قد تقول الآن: “لماذا كل هذا الكلام عن تل الزعتر”?. كنا في حيفا، في جولة في الجليل، توقفنا في الخالصة عندما تداعى كل ذلك. أنا أخشى العودة إلى الأفكار حول القصف، الانفجارات، أصوات القذائف، صيحات الناس الذين يموتون، صرخات أقارب يفقدون طفلًا محبوبًا آخر، زوجا، زوجة، والدا، عمّة، عمّا، إلخ. رائحة الموت، فقدان الحمل أثناء القصف، الأفكار المفجعة حول كيفية دفن جثمان يوسف وابننا المتوقع للتو في مكان ما من الأرض، أثناء القصف.
هناك أناس لم يتم العثور على جثثهم مرة أخرى ولم يتم وضعهم في قبر مناسب. أنا واحد من كل الأشخاص الذين مروا بهذه التجربة في تل الزعتر. إنه جرح آخر فينا، الناجين والأرواح والأجساد. كنا على الأقل 25000 نعيش هناك.
لقد التقطت صوراً، غادرنا المدينة اليهودية الآن وعدنا إلى حيفا. لقد كان يوما ثقيلا بالنسبة لي شخصياً وبالتأكيد لك ولفؤاد. رحلة طويلة في الضباب الرمادي الممطر. أتساءل ما هو رأيك عندما تسافر مثل هذه الرحلة، وترى فلسطين السابقة على شكل إسرائيل. لقد أخبرتنا القليل من ذكرياتك من القرى والمدن والأماكن في المنطقة. قصص من الأقارب الأكبر سنا، الاحتلال مع القواعد العسكرية، جوازات السفر الإسرائيلية تجعلكم مواطنين ذوي تأثير سياسي وعملي أقل من الوافدين الجدد، السكان اليهود. كيف تشعر حقا؟ ماذا تشعر حول قانون القوميّة منذ أكثر من نصف عام؟ لم تعد اللغة العربية لغة رسمية بعد الآن. أخبرتنا سميرة عن عيادتها في المستشفى، ولا يجوز لها التحدث باللغة العربية للمرضى العرب. يقول قانون القوميّة أنه يجب التحدث بالعبرية في كل مكان عمل. لاحظنا ذلك في المجتمع. كل يوم أمضيناه معكم أدركنا بعض الجوانب الجديدة والسيئة والحزينة للفلسطينيين منذ عام 1948.
كنا سعداء في ذلك المساء لكوننا مع أصدقائك في بيتكم.
عزيزتي سميرة، لقد قمت بإعداد وجبة لن ننساها أبدًا! كنتِ أنت الشيف! طعام فلسطيني رائع ولذيذ. منسف، كُبّة، معجّنات، توابل، تبولة، حمص، متبّل، تحلاية. كان كل شيء! ممممم!
مساء جميل – شكرا جزيلا! نبيذ فلسطيني جيد ومميز أيضًا، لا ينسى!

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة الخامسة)

*** هذه الحلقة الخامسة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(6)

السادس من كانون الثاني 2020

أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي
لقد مر أكثر من عام منذ أن تمت دعوتي أنا ونيستور لزيارتكم في حيفا. لقد حاولت عدة مرات كتابة هذا الجزء الأخير، ولكن عام 2019 كان مليئًا بالإجراءات التي يجب القيام بها وأوقفتني عن الكتابة.
كانت والدتي، بعد سنوات قليلة من عيشها لمئة عام، في حاجة ماسة لي. كان جسدي بحالة فوضى في بعض الأحيان. وقد حثتني السياسة الإسرائيلية والأمريكية، التي أثَّرت بشكل سيء على الوضع اليومي للفلسطينيين، على الانضمام إلى العمل السياسي وغيره من أعمال التضامن.
وبالطبع، فإن الأمور المعتادة للأسرة تشغلني. نحن عائلة كبيرة، هذا يجعلني سعيدة، لكنني أتقدم في العمر وأصبح أكثر تعبًا ولا يمكن أن تعمل ذراعي الوحيدة كما كانت من قبل. أشعر بالألم ويجب أن أستريح لفترة أطول لمعاودة العمل. أنت تعلم أنني أصبت بجروح بالغة في تل الزعتر في تلك الليلة في يونيو 1976 عندما ضرب الصاروخ الكبير المنزل، انفجر وتناثرت الشظايا فوق فرشاتنا التي ننام عليها على الأرض، وتبعته سلسلة من الشظايا المعدنية المتوهجة الممزوجة بالطوب والخرسانة المتداعية من الحائط. أصيب زوجي الحبيب يوسف حمد بشظايا في قلبه مما أدى إلى مقتله على الفور. أصبت بجرح كبير وعميق في الركبة والفخذ الأيسر، وأصيبت ذراعي اليمنى إصابة بالغة، وكان لدي بثورٌ في جميع أنحاء الجسم. كنت حاملاً في الشهر الخامس.

قام الدكتور يوسف عراقي والدكتور عبد العزيز اللبدي ببتر الذراع اليمنى وطهرا الجرح الكبير الشبيه بالفوهة في ساقي وجميع الجروح الأخرى أيضًا. أعطوني علاجًا للألم والمضادات الحيوية. لقد أنقذوا حياتي. تبرّع لي زملائي الأعزاء بالدم. أصابت الشظايا ثلاثة أضلاع وكسرتها وأصابت أمعائي بالشلل. أصبحت معدتي من بطني الحامل مثل كرة القدم، ساعدتني العزيزة نوفة، ابنة عم زوجي، لقد اعتنت بي فورًا بعد العملية، ساعدتني في وضع أنبوب للمعدة للتخلص من الجوع. لذا فقد نجوت في الأيام الأولى.
كنت اشعر بالحزن الشديد نتيجة الصدمة، ولكن ما أزال أحمل طفلنا. هذا أنقذني من الانهيار التام وساعدني على النضال من أجل البقاء، على حد سواء.

لكني أصبت بالإجهاض بعد خمسة أسابيع وقادني ذلك إلى وضع بائس حقيقي. كان المخيم ما يزال تحت الحصار، وتحت هجمات القصف العنيفة. تواصلت معي العائلة والأصدقاء ليواسوني ويعطوني الأمل، ذلك يمنحهم الأمل أيضًا، إذا نجوت.

مات الكثير من الناس في المخيم وأصيب العديد: الشباب والشيوخ والرجال والنساء والأطفال. بعد 53 يومًا، تم إحصاء القتلى بالآلاف، لقد قتل آلاف آخرين في المذبحة في أغسطس. كان معظم القتلى من المدنيين، ولكن كان هناك بين الضحايا عدد من أبناء المقاومة أيضًا، الذين كانوا أبناءً وأحيانًا بنات المخيم. لم يكن مقاتلو حركة المقاومة يكافحون من أجل البقاء لاجئين في المخيم، ولكن من أجل حق العودة إلى وطنهم. كانوا يقاتلون من أجل الحياة.
لكن أهم نضال من أجل البقاء في تل الزعتر؛ كان يتم من قبل النساء في المخيم. تخيّل، فقط، أيام الحرب التي وصفتها. تخيّل الروتين اليومي، بعضها أشياء صغيرة وشخصية ولكنها مهمة للغاية يجب القيام بها، سواءً كانت الحرب أم لا. أيضا: تربية الأطفال وإبهاجهم، إحضار الماء وإشعال النار للقيام ببعض الطهي عندما يمكن للقناصين رؤيتك. أو الحمل والولادة في ملجأ أثناء القصف. أو: العناية بنا / الجرحى. أو أن تشاهد أفراد عائلتك يموتون ويحفرون حفرا لهم.
النساء في تل الزعتر هن أبطالي!
سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة السادسة)

*** هذه الحلقة السادسة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(7)

10/07/2020 | 11:40 ص | التعليقات: 0

عزيزي حسن؛
كان هناك أناس في غرب بيروت يعملون بجدّ لإخراجي من المخيم. الصحفي السويدي أندرس هاسيلبوم ورئيس مكتب الصليب الأحمر الدولي في بيروت جان هوفليجر. كان من المستحيل المغادرة إلا إذا تم اختراق الحصار مع بقاء المخيم سالما. حاول كلاهما بذل قصارى جهده لإيجاد حل.
من المهم جدا ما فعلوه. لقد ساعد على إنقاذ حياتي، وغيرها. يجب أن يكتب عن ذلك، ولكن ليس تقرير السفر هذا.
بفضل الدعم من الكثير، الحب من العائلة والأصدقاء، هنا وفي لبنان؛ ما زلت على قيد الحياة. لقد اضطررت لخوض بضع عمليات. أعاني من أعراض ما بعد الصدمة مثل مشاكل النوم، والتعب، وظهور الفلاش باك، وكذلك الألم الذي لا يتركني أبدًا. يستجيب جسدي للتوتر بعد الصدمة، لكنني نجحت في العمل، ليس بدوام كامل ولكن كممرضة مرة أخرى. لقد عملت مع المهاجرين الذين غادروا بلادهم بسبب الحرب. استطعت فهمهم، وقد ساعدني العمل معهم أيضًا.
لكن المساعدة الأفضل، والأكثر أهمية لبقائي هما طفلي المولودان في 1982 و84.
يمكنك قراءة المزيد عن الرعب الذي عانينا منه في تل الزعتر من مصادر عديدة. أحدهما هو الكتاب الذي كتبه د. يوسف عراقي “يوميات طبيب في تل الزعتر، مخيم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان”.
أنا محظوظة لأنني تزوجت مرة أخرى من زوج متفهّم، نيستور. نشاهد معا صور إقامتنا في إسرائيل، وزيارة فلسطين معكم. نرى أجزاءً كثيرة من الثقافة العربية والفلسطينية القديمة والحديثة في بعض الأماكن. المدن والأحياء والقرى. وهناك مجتمع غربي حديث يشبه المجتمع الإسرائيلي يرفع مبانيه العالية بالقرب منه ويمد شبكة الطرق السريعة فوق المناطق الريفية السابقة التي كانت مدنًا وقرى وأراضٍ زراعية فلسطينية قبل عام 1948. أماكن اضطر أصدقائي في تل الزعتر إلى الفرار منها.
إن إسرائيل التي أجبرت ثلثي الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضه ليست دولة حديثة؛ يستثني تشريعها الحقوق المتساوية لـ 20٪ من مواطنيها – وفقًا لـ “قانون القوميّة” اعتبارًا من يونيو 2018. بالنسبة للفلسطينيين، فإن التمييز من قبل إسرائيل ليس شيئًا جديدًا، ولكن منذ تطبيق هذا القانون أصبح من المستحيل المطالبة بحقوق لقطعة أرض أو لشراء منزل تريد العيش فيه. بغضّ النظر عما إذا كان بإمكانك إثبات ملكيته مرة واحدة لعشيرتك أو قريتك أو جماعتك أو عائلتك.
المصالح اليهودية هي دائما رقم واحد، بموجب هذا القانون يتم التميز ضد غير اليهود جميعًا. لقد أوضحت أن كونك فلسطينيًا، وتحمل جواز سفر إسرائيليًا بشكل غير إرادي، وبالتالي تعيش تحت الولاية القضائية الإسرائيلية، هذا يؤثر بشدة على الحياة اليومية.
عندما قضينا يومنا الرابع من زيارتنا في حيفا والمناطق المحيطة، أخذتنا بالسيارة إلى مدينة عكا الجميلة وهي مدينة يعود تاريخها إلى أكثر من 5000 عام. كانت المدخل والمدينة الهامة في مملكة القدس خلال الحقبة الصليبية، مع حصن مثير للإعجاب على البحر الأبيض المتوسط.
عكا هي مدينة تاريخية ذات جدران مسوّرة مع استقرار مستمر من العصر الفينيقي. تتميز المدينة الحالية ببلدة محصنة تعود في الفترة العثمانيّة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع مكونات حضارية نموذجية مثل القلعة والمساجد والخانات والحمامات. ما تبقى من المدينة الصليبية، التي يعود تاريخها إلى 1104 إلى 1291، لا تزال سليمة تقريبًا، فوق وتحت مستوى الشارع اليوم، مما يوفّر صورة استثنائية لتخطيط وهياكل العاصمة للمملكة الصليبية في العصور الوسطى في القدس. حيث هي جزء من قائمة التراث العالمي / اليونسكو.
بدأنا اليوم بزيارة إلى مسجدين قديمين في حيفا. أولا “المسجد الكبير، مسجد الجرينة” الذي بني في 1790 م داخل حيفا المسوّرة. إن لديها برج ساعةٍ نموذجيًا. هناك برج ساعةٍ آخر من نفس النمط يمكن رؤيته في وسط بيروت.
المحطة التالية كانت “المسجد الصغير ” يعود إلى خمسينيات القرن التاسع عشر. كلاهما سيتم إصلاحه، ولكن ليس من السهل الحصول على الأوراق المطلوبة عندما يتعلق الأمر بالمباني الأقل أهمية لدولة إسرائيل.
اتجهنا شمالًا ومررنا بمستودع ايكيا. ذكرني ذلك مرة أخرى بكتاب الكاتبة الإسرائيليّة سوزان ناثان، “إسرائيل أخرى”، حيث التمييز ليس فقط في أنظمة التعليم والإسكان، ايكيا ترفض توصيل الأثاث إلى منازل الفلسطينيين. فشوارعهم ليست في الخرائط الرسمية.
عندما وصلنا إلى عكا؛ بدأنا بزيارة المقابر الإسلامية. بحثنا عن قبر أحد أشهر الفلسطينيين: غسان كنفاني، ابن مدينة عكا. كان الأب محامياً، كما عاشت العائلة بضع سنوات في يافا حيث ذهب غسان إلى المدرسة حتى أجبروا على مغادرة يافا قبل أن تقع المدينة بيد القوات الصهيونية عام 1948. لجأوا أولاً إلى لبنان، كان غسان في الثانية عشرة من عمره. كان عليه أن يعيش الحياة كلاجئ فلسطيني في دمشق والكويت، ثم مرة أخرى في بيروت. هناك تزوج من آني، معلمة دنماركية، اعتدت رؤيتها في بيروت عندما ذهبت إلى هناك لأول مرة عام 1974. التقينا مرة أخرى عام 1976 عندما تزوجتُ من يوسف. قامت آني بتأسيس مؤسسة في لبنان تدير رياضا للأطفال في مخيمات اللاجئين باسم زوجها الراحل. إنه لأمر مدهش ما يفعلونه لهؤلاء الأطفال، مما يمنحهم بداية جيدة في الحياة التي ستكون مستحيلة.

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة السابعة)

*** هذه الحلقة السابعة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.


****

(8)

عزيزي حسن؛ كان غسان صحافيًا وكاتبًا مشهورًا، وقد حقق ظهورًا في أوائل الستينيات. في عام 1969 كان يمثل الجبهة الشعبية الماركسية لتحرير فلسطين رسمياً ويترأس تحرير صحيفة الهدف.

في 8 يوليو 1972 اغتيل غسان في بيروت. كان الموساد الإسرائيلي قد وضع عبوة ناسفة في سيارته، مما أدى إلى مقتله هو وابنة أخته لميس التي كانت بالصدفة في السيارة معه. دفن في بيروت. لكن أقاربه أعدوا أيضًا هذا المكان الذي يشبه النصب التذكاري الذي تم ترتيبه بشكل جميل في عكا، مع صورته عليه. كان من المدهش أن أقف هناك، فالكثير من الحب له يتم التعبير عنه بالحجارة والزهور. جئت إلى بيروت بعد عامين من اغتيال غسان ولاحظت حب الفلسطينيين له في المخيم. كتاباته ولوحاته. وقد عبّر عن الحياة الفلسطينية البائسة في المنفى في الروايات والقصص والمسرحيات والفن. مشاعر التمييز والعزلة والعجز. وأيضاً التمكين الذي نما في حركة المقاومة بأمل جديد بالعودة.

تُترجم بعض روايات غسان إلى اللغة السويدية وتُعرض، مثل كتاب "رجال في الشمس وقصص فلسطينية أخرى" مع مقدمة جيدة لحياته وأدبه للمؤلف إنغفار ريدبرغ.

بعد أيام قليلة من زيارتنا لنصب كنفاني، ترجمت من الصحف أن عائلة كنفاني حصلت على أوامر بإزالة النصب التذكاري. وإذا لم يفعلوا ذلك بأنفسهم فإن الدولة الإسرائيلية ستقوم بتجريفه.
"جاك خوري | 20 ديسمبر 2018
وجّه وزير الداخلية أريه درعي ضغوطا في عكا للخلاص من نصب تذكاري للكاتب الفلسطيني والكاتب المسرحي غسان كنفاني بعد أسبوع من تدخل رئيس الوزراء ووزير الداخلية لإفشال تعيين رجا زعاترة نائبا لرئيس بلدية حيفا. تمت إزالة النصب التذكاري الأسبوع الماضي.

بناء على طلب مباشر من مكتب الشؤون الدينية بوزارة الداخلية، قررت لجنة أمناء الوقف إزالة النصب التذكاري بدلاً من التصادم مع الوزارة بشأنه.
كيف يمكن لنصب تذكاري لشخص قتلوه قبل 45 سنة أن يكون بهذه الخطورة؟ هل يمكن أن يكون السبب هو الاقتباس المنقوش في النصب التذكاري "إذا فشلنا في الدفاع عن القضية، فمن الأفضل أن نغير المدافعين، وليس القضية". على أي حال، فإن كلماته وصوره لا تموت أبدًا!

مشينا على طول الجدران القديمة وصولاً إلى الساحل. عكا شيء مميز، قلعة من الحجر الأصفر في أشعة الشمس. أمواج البحر الفيروزية المتوسطية تضرب الجدران السميكة، مما يرش الماء على الصيادين على الرصيف. الشعور بالنعاس في يوم شتائي في جنة صيفية.

لا يوجد سياح، لا يوجد الكثير من الناس على الإطلاق. منازل جميلة من طابقين إلى ثلاثة طوابق مع شرفات أو شرفات جميلة، مع إطلالة على بقايا الحصن والبحر. لقد سررنا بالهدوء في ذلك اليوم الجميل المشمس. هناك الكثير من السيارات متوقفة، كانت مزعجة. إنهم لا ينتمون إلى المناظر الخلابة. ولكن حسنًا، وصلنا نحن أيضًا إلى عكا بالسيارة!

ذهبنا معا إلى المطعم القريب لتناول غداء لطيف، وأخبرنا فؤاد عن سنوات مراهقته المبكّرة. كجميع الشباب أراد أن يكون حرا وخارج سيطرة الوالدين. لعب هو وأصدقاؤه في "الكهف". كانوا يصطادون الأسماك، ويشعلون النيران، ويتناولون وجباتهم، وينامون أيضًا ليلًا هناك أحيانًا.

مرة أخرى في مكان وقوف السيارات على البحر التقينا نظير شمالي. السيد تاريخ نفسه، معلم الصف، دليلنا الممتاز.

أخذنا نظير في جولة حول المدينة القديمة، وصولاً إلى البازارات القديمة، والمخبز المحلي، الكنافة الكلاسيكية، والمسجد العثماني الشهير. شرح عن كل مبنى تقريبًا كيف تم استخدامه. كان مثيرا للاهتمام حقا. تم العثور على بقايا قديمة جدا تحت مدينة عكا القديمة "الحديثة". يمكنك رؤيتها في بعض الأماكن ولكن ما يزال الكثير منها غير مكتشف. عكا القديمة هي بلدة عربية صغيرة وضيّقة. جوّها يلهم الفنانين. الشعراء والكتاب والرسامين والنحاتين إلخ.
قمنا بزيارة الفنان الشهير وليد قشاش الذي يعيش مع عائلته في أحد المنازل القديمة مع بقايا تاريخية تحت الأرضيات. أول قطعة فنية رأيناها هي العلم الفلسطيني المصلوب ولوحة توضح وجهة نظره السياسية. راية الأمم المتحدة "مسجونة" خلف العلمين الإسرائيلي والأمريكي كالقضبان. حفر قشاش بعض الأنفاق وقام بتركيب مؤثر للغاية. نقوش وجوه الأطفال بالحجارة، لجميع الأطفال الذين فقدوا أرواحهم في النضالات والحروب.


قشاش هو واحد من الرسامين والنحاتين الذين يزينون المدينة. في ميناء الصيد لديه حصان بحري ضخم وسعيد وجميل، يرحب بكل من يمر بعبارة "إذا أردنا أن نعيش معًا في سلام، يجب أن نعرف كل شيء أفضل" و "ابذل قصارى جهدك لجعل العالم أفضل مكان".

استولت إسرائيل على عكا في 17 مايو 1948، مما أدى إلى تشريد حوالي ثلاثة أرباع سكان المدينة العرب. مع فلسطينيين آخرين من الجليل اضطروا للمغادرة في قوارب صغيرة من الميناء، ذهب معظمهم إلى لبنان وما زالوا يعيشون هناك بدون جنسية. لا يمكنهم العودة إلى ديارهم لأن إسرائيل لا تقبل بحق الفلسطينيين في العودة.

سأتوقف هنا. أنتما الاثنان، حسن وسميرة، أخذتمونا إلى القدس في ذلك المساء. حققت هذه الأيام الأربعة الحلم بزيارة الأماكن التي يكون فيها الأشخاص الذين أحبهم.

نحن نحب فلسطين! / إيفا ونيستور

سميرة حمد(إيڤا شتّال)

(الحلقة الثامنة)


*** هذه الحلقة الثامنة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(9)

رحلة إلى فلسطين
في شهر كانون الأوّل، سافرت برفقة إيفا إلى فلسطين. كانت إيفا قد تلقّت دعوة للمشاركة في احتفالات مرور 50 عامًا على تأسيس الهلال الأحمر الفلسطيني. صارت الرحلة حقًّا ذكرى يستحيل محوها، وبخاصّة بفضل أصدقاء إيفا الفلسطينيين.
بداية، انتظرنا حسن في مطار اللد، وصلنا إلى حيفا، حيث نزلنا عند أصدقاء فلسطينيين(سميرة وحسن)، اصطحبونا للتعرّف إلى مختلف الأماكن. من ثم، ذهبنا إلى القدس لمدة يومين، وتابعنا رحلتنا نحو نابلس، لننهيها في رام الله.
في حيفا، استطعت معايشة معنى أن تكون فلسطينيًّا في إسرائيل. هناك أنظمة كثيرة تهدف إلى جعل الحياة أصعب. على سبيل المثال، منع التحدّث باللغة العربيّة في أماكن العمل، وهو ما قد يؤدي إلى حالات عسيرة. تتمّ مُحاربة هذه الأنظمة من خلال المحافظة على الاعتزاز وعلى الرّغبة في المقاومة. تظهر المقاومة بقوّة من خلال الثّقافة: المؤلّفون، النحّاتون، الرسّامون، وغيرهم، يُظهرون مقاومتهم من خلال أعمالهم. يُنتجون لوحات وتماثيل فائقة الجودة الفنيّة، ضد الاحتلال. تُحفِّز الذّاكرة.

التضامن الدّائم الذي يبديه الفلسطينيّون تجاه إيفا هو خير دليل على أنّهم لا ينسون. استطعت أن أختبر الاحترام والرِقّة اللّذين أبدوهما طيلة الوقت. قضينا وقتًا في منزل سميرة وحسن عبادي (زوج من الفلسطينيّين) کرّسا جلّ وقتهما لمرافقتنا. فرافقانا في جولة عبر مختلف المدن، كما ودُعِيت إيفا إلى إلقاء كلمة في أحد الاجتماعات التي تنظّمها جمعيّة أدبيّة تلتقي مرّة أسبوعيًّا لمناقشة الكتب، والالتقاء بالأدباء، وما إلى ذلك (نادي حيفا الثقافي ح.ع.) يجري كلّ ذلك تحت شعار المقاومة. كذلك، نشرت الصحف العربيّة مقالات كبيرة تحتفي بقدوم إيفا (بالأخصّ صحيفة المدينة الحيفاويّة)، وأُقيمت الولائم على شرفها. رافقنا ذانك الصديقان بسيّارتهما من حيفا إلى القدس، ومن ثمّ اهتمّوا بتنظيم نقلنا بسيّارة أصدقاء من القدس إلى رام الله، ومن ثمّ إلى نابلس، قبل العودة إلى رام الله. كانوا جميعهم كالملاك الحارس، يسهرون على تحرّكاتنا لئلّا نواجه المصاعب.

تستحق القدس فصلًا كاملًا لها وحدها. نزلنا هناك في نزل للسّائحين في وسط البلدة القديمة، داخل الأسوار العتيقة. كانت تجربة يصعب هضمها ونسيانها. سرنا عبر درب الآلام، ومنعنا رجال شرطة مسلّحون من دخول منطقة المسجد الأقصى (بناءً على ساعات العمل، كان من المفترض أن يكون الدّخول مُتاحًا، إلّا أنّ رجال الشّرطة يقرّرون فتح وإغلاق المداخل بحسب نزواتهم ومزاجهم). إستطعنا أن ندخل منطقة كنيسة القيامة، وكانت مذهلة. كذلك استطعنا أن ندخل (بعد نقطة تفتيش صارم) إلى منطقة حائط المبكي. كانت القدس حافلة بالأحداث في ذاك الأسبوع، إذ وافق نزولنا في المدينة عيد الأنوار اليهوديّ، مما أدّى إلى تحرّك مجموعات كبيرة من اليهود المحافظين عبر أسواق المنطقة الإسلاميّة. كان أولئك، دون شكّ، محافظين جدًّا، واستدللت على ذلك بفضل ثيابهم، وشعرهم، وقبّعاتهم، بالإضافة إلى حجم العائلات وتعداد الأطفال فيها. أمّا المجموعات الكبيرة الأخرى، فكانت لجنود الجيش الإسرائيليّ. تحدّثنا بعض الشّيء مع بعض الباعة في الأسواق – استخدمت أنا بعض الإنجليزيّة، في حين مرّنت إيفا عربيّتها. تجلّت تجربة الحياة في الأرض المحتلّة بوضوح، من خلال أشياء عديدة، من جملتها أن تكون دومًا على أهبة الاستعداد: أتتحدث إليّ لأنّك مهتمّ بالقضيّة الفلسطينيّة، أم لأنك عميل الموساد؟ طرح أحدهم هذا السّؤال علینا، بشكل مباشر.

بفضل مساعدة بعض الأصدقاء الذين اصطحبونا بالسيارة(آدم عنبوسي ح.ع.)، استطعنا الذّهاب إلى بيت لحم، إلى فندق معروف جدا وهو ال Walled Off Hotel، وهو معروف بالأساس لكونه متحفًا مثيرًا حول تاريخ فلسطين، وأيضا لكون نوافذ الفندق تواجه الجدار الذي بنته إسرائيل لمنع الفلسطينيّين من التحرّك بحريّة. لإتمام هذه الرحلة (القصيرة، إذ تستغرق حوالي ال 30 دقيقة)، اضطُرِرنا إلى عبور عدّة حواجز إسرائيلية. في تلك الأثناء تحديدًا، استطعنا المرور دون مشاكل (مع إظهار جواز السّفر من حين إلى آخر). ولكن في أحيان أخرى، ليس الأمر بتلك السّهولة، حيث التّفتيش مطوّلًا، يفتّشون السيارة بأكملها وببطء، وقد يطول الانتظار ساعات. وفي بعض الأحيان، يغلقون الحاجز ولا يدعون أحدًا يعبره. يستحيل ترقّب أيًّا من تلك الأمور، إذ يعود ذلك كلّيًّا إلى رغبات الجنود، وكل شيء يراقبه جنود بسلاح ثقيل، كانوا عمومًا صغار السنّ، وبغالبيّتهم نساءً، عفوًا، فتيات في سنّ ال 18. في بعض الأحيان، لاحظ سائقو السيّارات أنّ هؤلاء الجنود/الجنديّات لم يتكلّموا العبريّة بطلاقة، بل تكلّموا بلكنة روسيّة (فهناك هجرة كثيفة لليهود الروس). من الواضح أنّهم /أنهنّ كانوا/كنّ من القادمين الجدد إلى البلاد، إلّا أنّهم كانوا يملكون الحقّ في اتّخاذ قرارات بخصوص الفلسطينيّين الذين يعيشون هناك في أرضهم منذ أجيال. أحيانًا، قد تصل هذه القرارات إلى حدّ اختيار الحياة أو الموت، إذ ليس من النّادر أن يُغتال الفلسطينيّون أمام الحواجز. لكن “العادي” والشائع هو اتّخاذ القرار بخصوص السّماح بالعبور، أو إجبارهم على الانتظار (وقد يكون لمدة 3 أو 4 ساعات)، أو تفتيشهم، أو ببساطة، رفض السّماح لهم بالعبور. وكلّ ذلك بحسب رغبات الجنود.

من ثمّ اصطحبتنا زميلة فلسطينيّة(نضال رافع ح.ع.) إلى متحف محمود درويش(رام الله)، الذي كان أديبًا فلسطينيًّا شهيرًا (وناشطًا وعضوًا رفيعًا في فتح). الأمر المثير (وإن لم يكن خارجًا عن المألوف) هو أنّ إحدى الفتيات اللّاتي يعملن في المتحف، عند سماعها عن إيفا، اتّصلت بوالدتها هاتفيًّا لتكلّم إيفا. فقد كانت أمّها هي الأخرى في تلّ الزعتر!

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة التاسعة)

*** هذه الحلقة التاسعة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(10)

30/07/2020 | 11:10 ص | التعليقات: 0

عزيزنا حسن؛
أرسل مُضيفنا في نابلس(أمجد مدني ح.ع.) سيّارة أجرة يقودها شخص يثق به كي يذهب بنا إلى نابلس عبر الطرق الآمنة. ففي تلك الأثناء، كان الوضع مُقلقًا بعض الشّيء، وكانت حواجز كثيرة مُغلقة أو فيها طوابير طويلة. كان السائق متمرّسًا وقادنا إلى نابلس دون مشاكل. هناك، استقبلنا زميل فلسطيني يملك نزلًا متواضعًا، يستخدمه بالإضافة إلى إعالة عائلته، كنوع من الإسكان التضامنيّ للفلسطينيّين الذين يعيشون في أوضاع صعبة. على سبيل المثال، عند وصولنا، كانت هناك امرأة تسكن في النّزل(مع عائلتها)، وقد قدمت من قريتها البعيدة لأنّها كانت تحصل على علاج لحروق أصابتها. مُضيفنا هو أيضًا مدير مركز مجتمعيّ، فيه حضانة أطفال، ومكتبة، وقسم للعناية بأطفال مع مختلف الإعاقات الجسديّة و النفسيّة. يقع المركز في مخيم للّاجئين باسم “مخيّم عسکر”. ذهبنا لجولة بالحافلة (الملاءمة لنقل كراسي العجلات) التي تنقل الأطفال إلى المركز لمختلف الفعاليات. إنّه مركز مهمّ ومُثير للإعجاب. لا شكّ في أنّ ذلك جزءًا من استراتيجية فلسطينيّة للمقاومة، نحو مجتمع فلسطينيّ يكون فيه مكان للجميع.
هناك أناس مذهلون، يكرّسون حياتهم للمحاربة من أجل أترابهم.
ومجدّدًا نظّموا لنا سفريّتنا، وهذه المرّة نحو رام الله(المدينة التي تُعتبر “عاصمة” فلسطين). هناك، نزلنا في بناية كبيرة فيها 11 طابقًا، وهي مقرّ جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ. هناك، توجد ثلاث شقق مخصّصة لنزول الزوّار. لكنّ البناية تشتمل أيضًا على غرف اجتماعات، وصالات لعقد المؤتمرات، ومسرح، ومطعم… وهناك أيضًا طابق مخصّص لإعادة التأهيل ومدرسة للأطفال الصّم، بالإضافة إلى مركز الطوارئ الذي يتحكّم بحركة سيارات الإسعاف في كامل فلسطين. كذلك، تنظّم الجمعيّة زيارات إلى مبنى البلدية أو إلى متحف ياسر عرفات (وقبره المجاور)، وما إلى ذلك.
لكن الأهمّ من ذلك كلّه كان المؤتمر/الاحتفال في جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ، احتفالًا بمرور 50 عامًا. في المؤتمر، قدّموا مخطّطات العمل للجمعيّة خلال السنوات الأربع المقبلة. هنا أيضًا كانت جليّة المعاملة الخاصة لإيفا، إذ استقبلها (واستقبلني معها) رئيس الجمعيّة، ودُعِيَت لإلقاء كلمة في المؤتمر. كان المشاركون في المؤتمر مندوبين عن جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ والصليب الأحمر من 10 دول، ومن ضمنها السويد. كان هناك في المجمل 80 شخصًا.
عندما حان دور إيفا بالكلام لمدة 20 دقيقة، كان ردّ الفعل واضحًا. أصغي البعض إليها بصمت، في حين انهمرت دموع الآخرين. عندما أنهت خطابها، وقف الجميع تحيةً وتصفيقًا، وهي المرّة الوحيدة التي جرى فيها ذلك خلال المؤتمر.
فجأة، باغتتنا حقيقة الحياة في فلسطين. في الصّباح التّالي لوصولنا إلى رام الله، وصلتنا أخبار اغتيال 3 فلسطينيّين من قبل الاحتلال الإسرائيليّ، وكان أحدهم من مخيم عسكر، المجاور لنابلس، الذي زرناه في اليوم السابق. وأتى الردّ على شكل مهاجمة فلسطينيّين لمحطّة حافلات وقتل جنديّين إسرائيليّين ومدنيّ واحد. بطبيعة الحال، رفع ذلك من منسوب التوتّر وجعل السفر عبر الطرقات محفوفًا بالمخاطر.

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة العاشرة)

*** هذه الحلقة العاشرة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.

***

(11)

07/08/2020 | 4:44 م | التعليقات: 0

واستمرت المشاكل. وصلنا خبر إلغاء الاحتفال الرسميّ، الذي كان من المفترض أن يشارك فيه الرئيس الفلسطينيّ. من جهة، لم يكن من اللّائق تنظيم احتفالات بوجود هذه الأخبار، ومن جهة أخرى، دخل الجيش الإسرائيليّ إلى رام الله(وهو أمر غير قانوني بحدّ ذاته، إذ تُعتبر المدينة ضمن منطقة فلسطينيّة مستقلّة) وحاصر منزل الرئيس. وضع الجيش الإسرائيليّ حواجز هنا وهناك، وأغلق الطرقات والمعابر. حول هذه الحواجز، تحلق الفلسطينيّون في تظاهرات، راشقين حجارتهم ومُضرمين النار في أطر السيّارات.
كان الليل صاخبًا جدًّا: طلقات وانفجارات طوال الليل. عمّق الجيش الإسرائيليّ احتلاله، ودخل مخيّمًا للّاجئين يبعد عن مبنى جمعيّة الهلال الأحمر مئات الأمتار فقط. كان من المُفترض أن نخرج نحن إلى مطار تل أبيب نحو الساعة السادسة والنصف صباحًا، لكن على بعد 200 إلى 300 متر عن المبنى، أقاموا حاجزًا إسرائيليًّا، وأغلقوا طريق الخروج. جرت محادثات مكثّفة بين جمعية الهلال الأحمر، والمندوبين عن الصليب الأحمر(فكان من المفترض أن يستقلّ المندوبون عن الصليب الأحمر الأيسلنديّ طائرتنا ذاتها)، وأشخاص بوسعهم إعطاء معلومات عن الشوارع المفتوحة، ليتسنّى لنا الخروج من المدينة. كان من المفترض أن نذهب نحن بسيارة أجرة، إلّا أنّ ذلك كان مستحيلًا. في النهاية، حظيت سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر بإذن للخروج في طريق محدّدة مسبقًا، وتابعتها سيارة الأجرة الخاصّة بنا، عبر متاهة من الشوارع. في طريق الخروج، مررنا بقافلة من الجيبات المدرّعة والمدفعيّات التي رافقت جرّافة كبيرة، ولا شكّ في أنّها كانت في طريقها لهدم بضعة منازل في المخيّم القريب من مقرّ الهلال الأحمر. (وهو ما تأكّدنا منه في وقت لاحق، بعد وصولنا إلى السويد، حيث رأينا صور المنازل المهدّمة على صفحة الهلال الأحمر). لكنّنا تابعنا مسارنا، وعل بعد کیلومتر أو أكثر من نقطة انطلاقنا، لاحظنا أنّ الحياة تستمرّ كالمعتاد، ورأينا أولادًا وبناتٍ يحملون حقائبهم المدرسيّة في طريقهم إلى المدرسة. هذه طريقة أخرى من طرق المقاومة في فلسطين: لن تستطيع إسرائيل أن تهدم حياتهم!!
استطعنا أن نختبر ذلك الشعور أيضا في مبنى الهلال الأحمر قبل رحيلنا. فقد فتحوا صالة المؤتمرات لإيواء نساء وأطفال من مخيّم اللاجئين المجاور الذين قدِموا هروبًا من الاقتحام الإسرائيليّ. كانت الساعة السادسة صباحا. هناك، تمكّنوا من الحصول على المأوى، والماء، ودورات المياه، والرّاحة. كان الصغار يتراكضون، ويضحكون، ويلعبون في المساحات الكبيرة. أمّا المراهقات فتجمّعن أمام المرايا الكبيرة في دورات المياه لترتيب تصفيفاتهنّ… أعطتهنّ إيفا قلم الحمرة الخاصّ بها، ففرحت الصبايا وبدأن بدهن شفاههنّ. كانت هناك أيضًا نساء حبالى -على وشك الإنجاب- وكنّ يمشين أو يرتحن. كانت هناك أيضًا طفلة تجوب الأروقة حاملةً قطّة ملفوفة ببطانيّة. عندما سألناها عن القطّة، أخبرتنا بأنّها لم ترغب بترك قطّتها في المخيّم، لأن القطّة السابقة قُتِلت بالرّصاص الإسرائيليّ… لم ترغب بأن تلاقي هذه القطّة المصير ذاته. كلّ هذه هي علامات صغيرة تعبّر عن معنى العيش تحت الاحتلال.
كان لدينا موعد رائع مع “الفتاة التي ردّت”، عهد تميمي، بحضورك من حيفا لوداعنا عزيزي حسن. قدّمنا هدية تضامن من ناد رياضي في جوتنبرج ، PFF ، إلى قريتها نبي صالح. حدّثتنا عن كيفيّة معاملة إسرائيل الفظيعة للأطفال والشباب الفلسطينيين في السجن بسبب كفاحهم ضد الاحتلال غير القانوني، كان اللقاء صادمًا. إنها تمثّل الشباب الفلسطيني الذين يظهرون رغبتهم في عدم الاستسلام لطاغية الاحتلال ولكنهم يواصلون النضال من أجل إحقاق الحق في بلد خال من القمع الأجنبي.
استحوذت الأخبار التلفزيونية على اهتمامنا. مرة أخرى ، دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي رام الله، جنود وسيارات مسلّحة في مسيرة لمهاجمة مخيم اللاجئين بالقرب من المقر الرئيسي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

المشاعر التي حملتها معي كانت مشاعر إقرار: فلسطين عبارة عن سجن كبير -هو في الآن ذاته أرضه الخاصّة- حيث عليك أن تحارب يوميًّا للحفاظ على كرامتك، بأفضل طريقة ممكنة، لأنّ كلّ فعل هناك هو تأكيد على الكرامة. تذكرت بأنّنا کسجناء خُضنا صراعًا مشابهًا – صراع الأفعال الصغيرة التي تأكّد على كونان مسجونين/محتلّين، لكن دون الهزيمة أو الاستسلام. أظهر الفلسطينيون لنا ذلك في كل لحظة: بواسطة حجارتهم، بواسطة الكاوتشوك المُشتعل، بواسطة أقلام الحمرة، بواسطة القطّة المغلّفة ببطانية، بواسطة حقائبهم المدرسيّة، بواسطة مراكز التضامن والمساعدة كي يتسنّى للجميع أن يحظوا بمكان في الحياة – كلّ تلك الأفعال تثبت أنهم لا يستسلمون ولم يهزَموا، وأنّهم أناس يصونون كرامتهم، ولا ينكسرون حتّى في مواجهة تلك القوّة العسكريّة العاتية المتجسّدة في الجيش الإسرائيليّ.
قبل انطلاقي في تلك الرحلة، كانت لدي أفكار متشائمة جدًّا بخصوص مستقبل الفلسطينيّين. الآن أعرف أنّ في الحقيقة لدى إسرائيل طريقة واحدة فقط کی تنتصر. لأنّها لا تستطيع أن تنتصر بقتل آلاف الفلسطينيّين، أو بأسر آلاف الفلسطينيّين الآخرين. الطريقة الوحيدة كي ينتصر الإسرائيليّون هي فقط باغتيال جميع الفلسطينيّين، كلّ واحد من ملايين الفلسطينيين. وأعلم أنّه تبقَّى للفلسطينيّين أعوام، وربّما عقود، من العذاب.
لأنّهم لن يُهزَموا. لأنّ لديهم كرامة ورغبة في الحياة.
لكن بودّي أن أصدّق أنّ هذا الصراع لن يكون طويلًا، بمساعدة التضامن الذي يمكنه أن يقدّمه أيّ إنسان ذي حسّ بالعدالة.
أما الشعور الآخر الذي انتابني هو أنّ الفلسطينيّين أظهروا، من خلال الاحترام الذي يكنّونه لإيفا والمعاملة الحسنة، أنّ لديهم ذاكرة. فكما نحارب في الأرجنتين من أجل إبقاء الذاكرة على قيد الحياة، هكذا يفعل الفلسطينيّون أيضًا. ولن ننسى أن الشعب الذي يصون ذاكرته، يصون كرامته. وإنّ کونِك جزءًا من هذا الصراع، كما هي حال إيفا، لشرف عظيم!
غوتنبرغ، 6 كانون الثاني، 2019

سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة الحادية عشرة)

*** هذه الحلقة الحادية عشرة (الأخيرة) من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.






بواسطة المحامي : حسن عبادي



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى