د. محمد عبدالله القواسمة - كورونا والأثر المُغيّب

لا يخفى على أحد أنّ جائحة كورونا التي اجتاحت العالم منذ نهاية عام 2019 أثّرت وما زالت تؤثر في نواحي الحياة المختلفة. وقد اهتمت الدول والمؤسسات ومراكز الأبحاث بمعالجة المشاكل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نجمت عن هذا التأثير، ولكنها لم تلتفت أو لم تهتم بالمشاكل النفسية التي أحدثتها الجائحة، ولم ينتبهوا إلى تأثيراتها القوية.

لقد تركت الأيام الطويلة التي فرض فيها على الناس الحشر في بيوتهم، وكثرة المصابين بفيروس كورونا، وكثرة الناس الذين فقدوا وظائفهم، وتوقفت أعمالهم أمراضًا نفسية كثيرة من أهمها القلق على الأهل والأحبة، والخوف من الموت الذي يعمل ليل نهار في المستشفيات، والشعور بالعجز عن القضاء على هذا المرض اللعين، عدا عن مشاعر الكآبة التي تسربت إلى النفوس، واستقرت في الأعماق، حتى إن بعض الشباب لم يحتملوا ما يجري فأقدموا على الانتحار.

لم تستطع التكنولوجيا الرقمية، وما أفرزته من منصات التواصل الاجتماعي أن تُخلّص الإنسان من تأثيرات الجائحة على مشاعره وأحاسيسه بل إنها ساعدت على تعميق جراحه النفسية، إنه يسمع أنين أحبابه وأخبار رحيل بعضهم من خلال الصور المرئية والمسموعة دون أن يقدر على توديعهم أو الاقتراب منهم. لقد عزّزت التكنولوجيا الجانب الخيالي، وأثارت الأوهام لدى الناس بقدرتهم على تحمل العزلة والوحدة، ولكنها في الحقيقة لم تستطع أن توفر لهم الملاذ النفسي.

ماذا على الإنسان أن يفعل في مواجهة آلامه النفسية التي تبثها الجائحة بقوة على قلبه وروحه؟ لا شك أن بيده وسائل كثيرة يمكن استخدامها في المواجهة، والتأقلم مع واقعه المستحدث، منها على سبيل المثال: التأمل فيما حوله من أشياء حتى في أثاث منزله وحديقته، وقراءة الكتب التي تتحدث عن الأوبئة وكيفية مواجهتها وتعرف طرق الوقاية منها، ومشاهدة الأفلام الهادفة، وسماع الموسيقى الهادئة، والأشعار الجميلة، وممارسة التمارين الرياضية الخفيفة، وتجنب ما يُبث في بعض وسائل الإعلام من إشاعات عن المرض بقصد إثارة الرعب بين الناس، والتفكير فيما هو جميل وسعيد؛ لأن الحياة قصيرة، ولا تحتمل أن يغرق الإنسان في أحزانها وهمومها؛ فالغرق في الأحزان والهموم أسوأ على الإنسان من المرض الذي سببها.

ما زلت معجبًا بما كتبه الأدباء عن جائحة كورونا على رأسها رواية الدكتور حسين العموش "عدوى الحب والموت"، وخربشات الدكتور عادل الأسطة في كتابه "الست كورونا"، وكتاب محمد العامري" أحلم بالرصيف"، وكتاب كامل نصيرات "يوميات ساخرة لخائف كورونا" ففي هذه المؤلفات نلمح انطلاق الحواس بحرية في التعامل مع ما خلفته كورونا، وذلك بالسخرية المرة، والتأمل الطويل في كل شيء، في البيت: السرير وخزانة الملابس والأبواب والنوافذ، والتأمل حتى في الحذاء الذي انتهت مهمته في أيام الحظر، والاستماع إلى أصوات الناس والحيوانات، وحفيف الأشجار في حديقة البيت والشارع القريب، وتذوق رائحة الطبيعة وجمالها.

هكذا يحسن بنا أن نستقبل كورونا، ونُمضي أيامها المظلمة. إن العجز عن مواجهة كورونا، وعلاج ما سببته من مشاكل نفسية قد يتحول لدى الفرد إلى صدمة نفسية تنطوي على فقدانه التوازن النفسي، وانهيار قدرته على إدراك الحياة بما فيها من علاقات وتجارب وأحداث. لينتهي إلى أن يكون متخبط الخطوات، مضطرب الأعصاب، ضعيف الإرادة. وقد لا تقتصر الصدمة النفسية على الأفراد بل تمتد إلى المجتمع، وتستمر فيه لسنوات طويلة وربما تنتقل إلى الأجيال اللاحقة؛ لهذا يجب تدبر الحكمة في تكاتف القوى من أجل مكافحة كورونا وتداعياتها على الأصعدة كلها وبخاصة على الصعيد النفسي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى