شريف محيي الدين إبراهيم - قيمة الفن

الإبداع ،وأثره على المجتمعات بين التخلف والرقي .
إن النفس البشرية ترتبط بالإبداع إما رقيا أو انحطاطا فهي علاقة وثيقة الصلة.
فنحن فيما نكتب نكون تحت أثر اللا شعور، ذلك المصطلح الذي يعبر عن الجزء الخفي من النفس البشرية
فإذا كان الشعور، والذي هو واضح وسهل الوصول إليه كما الماء الظاهر في مجرى النهر، فإن اللا شعور هو ذلك الكم الهائل من المياه المستترة بين الصخور وطبقات الأرض السفلية، إذ أنه ربما ثمة نهر آخر بكامله تحت التراب وتحت النهر الظاهر للعيان، والذي هنا عادة يكون حجمه أكبر بكثير من النهر المكشوف المرئي للعيان.
و للوصول إلى تلك المنطقة من اللا شعور فإننا نحتاج إلى طرق غير عادية للتحليل النفسي، مثل التنويم المغناطيسي
و قد يظهر اللا شعور من خلال الأحلام والكوابيس للشخص نفسه.

وعادة المبدعون يتبعون في كتاباتهم طرق كثيرة مشتقة من التحليل النفسي، ربما تدفع في أعماقهم بظهور تلك المناطق الخفية من شخوصهم ذاتها، و كذلك شخصيات أبطالهم المخلقة إبداعيا،الوثيقة الصلة بنماذج حقيقية مشابهة لأفراد المجتمع .

وإذ تقوم الأنا دائما بمحاولة السيطرة على الهي
والتي تمثل جموح الغرائز البشرية، فإنها قد تنجح في إرضاء الذات التي تظهر لها معضلة أخرى كبرى ألا وهي الأنا العليا
تلك المنطقة التي تهتم بتحقيق القيم والمثل العليا والتي تكونت بفعل الاحتكاك والتعامل مع العالم الخارجي والمجتمع المحيط،ومنظومة القيم والمثل العليا، فتمثل ضغطا إضافيا رهيبا على الأنا.

الذات قد تمسك العصا من المنتصف فتحاول أن ترضي المجتمع بتقاليده وعاداته وقيوده، مع بعض السماح للهي بتحقيق بعض النزوات او الغرائز، ولو بطرق مستترة عن أعين المجتمع.
ولكن الأنا العليا هنا تلعب دورا كبيرا شبيها بدور الأم وأثرها في تقويم سلوك ابنها ، وإذ كان الطفل يتنازل عن بعض شهواته في سبيل إرضاء أمه فإنه يفعل ذلك عندما يتجاوز مرحلة الطفولة ويصل إلى مرحلة النضج، في سبيل إرضاء الأنا العليا.
ويكون ذلك سببا رئيسيا لشعوره بالسرور والفخر كمكأفأة للأنا على انتصارها على الهي.
والإبداع في حقيقته ينشأ معتمدا على حالة الصراع بين أبطال العمل الفني ، والتي هى أصلا داخل النفس البشرية بمكوناتها الثلاثة :
الهي، و الأنا، والأنا العليا
في صحبة الذات البشرية والتي تمثل ميزان الحكمة والذي قد يختل في توازنه.
فتهوى الذات إلى عالم الشهوة والملذات والغرائز الذي تشمله الهي، وقد تبالغ الذات أيضا في الوصول إلى درجات من الرقي والسمو الإنساني والذي تشمله الأنا العليا.
مما يدفع بانماط من السلوك الإنساني والمجتمعي الجدير بالتوقف عنده ومحاولة دراسته وتقويمه...
لتتضح أهمية دور المبدع الواعي، والمالك لأدواته والمرتبط بمنظومة قيمية معرفية إنسانية مجتمعية.
ويتضح بجلاء هنا أن دور
المبدع يكون أعظم شأنا من دور الطبيب النفسي، الذي عادة يلاقي مقاومة كبرى من مريضه الذي تتنكر وتستر ذاته في ثوب آخر كرد فعل دفاعي من الهي.
لأن الهي تلقى هزيمة سريعة أمام الإبداع الراقي القائم على الرمز والذي يصل اليها، دون أن تشعر أنها في حالة صراع أو حرب داخلية، وكأن المبدع يستخدم وسائل التحليل النفسي مثل التنويم المغناطيسي، فتضعف مقاومتها ويسهل التغلب عليها.
أما إذا ضعف ما يمارسه الكاتب أو الشاعر أو المبدع عموما،وساء وتدني ما يقدمه، فتكون النتيجة الحتمية هي خسارة لدوره الأصلي وأثره الحقيقي، بل وربما لكانت النتيجة عكسية كارثية ...
إذ يصبح المبدع هو مجرد أداة رخيصة بين فخذي الهي، فتنحط الشعوب وتتدني قيمتها، لأنها في الأصل لم تعل من قيمة الإبداع والمبدعين وتركت نفسها لمجموعة من الممارسات الهمجية والتي تمارس مستترة تحت ثوب الفن.
وهي في الحقيقة تمارس السقوط بسرعة كبيرة في مستنقع من العفن.

تعليقات

كل عام وإنت والاسره بخير بالرغم من تحليلك الجميل والسرد الجيد إلا انى لااخفيك سراو هو إن الكتابة الفلسفيه أحيانا أجد صعوبة فيها
محمد الكشكي
 
أعلى