رسائل الأدباء تسع رسائل من جليل القيسي إلى جلال زنگابادي

(الرسالة الأولى)

أخي جلال
لست شاعراَ، ولم يحدث قط أن جرّبت كتابة قصيدة واحدة، ولكنني عشقت الشعر الجيد، ذاك الذي يضرب القلب أولاَ، كما قال إليوت ، ومن ثم الفكر ..ولفرط حبي للشعر؛ كتبت القصة بأسطورية الشعر.كنت أخاف ألاّ أُفهَم، واتضح لي أن ليس ثمة شيء في العالم لايُفهَم؛ فحتى أكثر الشفرات لغزاَ فُهِمَت..
لم يحدث قط أن فكرت في مضمون أية قصة كتبتها في حياتي،واتضح لي أن الحالة التي ينشأ عنها الخلق الشعري والقصصي حالة مباشرة إلى حد كبير،وغير معتمدة على وسائط،وكثيراَما تكون غيرمألوفة؛لذا لم أخف،ولايخاف الشاعر بالدرجة الأولى أبداَ من التعبير عمّا يشعر به.ويجب أن يثق رغم كل التشابكات الصورية واللغوية وحتى الفنتازية العاقلة بأنه سيكون مفهوماَ؛ولهذا فهمت قصائدك وأعجبتني.أمّا أن أبدي رأيي حول هذا العدد الكبير من القصائد؛يعني أن أدخل في مأزق نقدي،وهذا مالاأستطيعه في الوقت الحاضر؛لتعبي أولاَ،وإنشغالاتي ثانياَ.
إنك فعلاَ تبشر بموهبة شعرية رائعة .. وقد أكّدت لي القصائد بأنك فعلاَ تختزل الزمن و التجارب .*
وأخيراَ، إن إعجابي بالقصائد يساوي عمرك الصغير؛ إذ في هذا العمر يصعب أن يجد الواحد موهبة تتفجّر بهذه السرعة. آمل أن تستمر، وحبذا لو اطلع عليها شاعر لك أنت ثقة بكتاباته.

جليل القيسي
19/10/1969 كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مجموعة قصائدي الحرة(شظايا من نفير البحر)المكتوبة خلال(1967-1969)والتي لم تر النور لحد الآن في كتاب،وكان من المؤمل أن تنشرها دار الفارابي في بيروت سنة19765كن مخطوطتها ضاعت أو إحترقت عند تعرض الدار للعدوان إبان الحرب الأهلية.ولقد تحمس الأديب الكبير فاضل العزاوي، بعد اطلاعه عليها، لنشر بعضها في مجلة(شعر69) التي سرعان ما مُنعت عن الصدور بعد عددها الرابع،فنشر بضعاً منها في مجلة(ألف باء) حيث كان يعمل مديراً للتحرير،ونشرت مجلة(الراصد) بضعاً منها،وكذلك جريدة(كركوك)،كما نشرت العشرات منها على صفحات النشرات الجدارية في دار ومعهد المعلمين بكركوك، حيث كنت طالباً خلال السنوات (1966-1969)


****

(الرسالة الثانية)

عزيزي جلال
مودتي
شكراَ لرسالتك القصيرة.
هل حقاَ لم يكن بالإمكان أن تزورني في الدائرة؟ متى جئت؟ لا بأس.. أتعرف لماذا نسيت قصة ماشينا؟ لأنها ليست مع المجلات، وإنما كما تعرف في كتاب(قصص عراقية معاصرة)(1)لذا لم ألتفت إليها..أجل أيها العزيز ضمنها في المجموعة؛إنها من القصص التي أعتز بها..إحذف قصة(صباح لم يقبل)؛إنها قصة قديمة جداَ،كتبتها قبل حوالي تسع سنوات.ضمّن بدلاَ عنها قصة(النافذة)
تصرّف كما تشاء في التبويب، وأكرر جزيل شكري وتقديري(2)
جليل
تموز 1973 كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قصص عراقية معاصرة/ فاضل ثامر وياسين النصير/1971
(2) وضع القيسي بين يديّ قرابة ثلاثين قصة قصيرة؛ وخوّلني اختيار أكثر من نصفها وتبويبها في محاور،ومراجعتها لغوياً،وإختيار عنوان لها،وطبعاً إستنساخها بخطي في دفتر كبير؛ليقدمها للرقابة بغية نشرها لاحقاً؛وكانت النتيجة مجموعة(زليخة البعد يقترب) ولقد أنجزت المهمةالتي تطوّعت لها خلال (حزيران-أيلول1973) في جلولاء،بينما كنت أرمم دارنا الطينية بنفسي مع إخوتي.


***

(الرسالة الثالثة)

عزيزي جلال
مودتي
لم يستطع كاتب ما باستثناء دستويفسكي، وأنا أقمأ من أن أصل ذاك العملاق، أن يكتب أعمال مرة واحدة، ويدفعها للطبع،دون أن يستنسخها ثانية أو ثالثة ورابعة كما يعمل معظم الكتاب..يقال أن همنغواي إستنسخ(وداعاً للسلاح) أربع وستين مرة..إلهي أيّ صبر مرعب! وظل كالدويل لايعرف تهجئة ربع الكلمات التي جاءت في مؤلفاته عن ظهر قلب؛ لذا كان يحمل معه القاموس أينما ذهب! ومن خلال زياراتي لإدارات المجلات والجرائد؛عرفت مبلغ أهمية الخط..أجل، ألإستنساخ مسألة مهمة، لكنني ظللت دوماَ أنظر إليه كعمل مضجر ومرهق وخال من الخلق..من هنا أقدر كثيراَ مبادرتك الكريمة لمساعدتي؛ فلولاك ربما أجّلت طبع المجموعة (1) لردح آخر من الزمن..
مادمت مقتنعاَ بأن خط الأخ(جمال)(2) جيد؛ لابأس..ليشاركك،سيما وأنا أريد المجموعة خلال الشهر الحالي، خاصةً وقد كتب لي جليل حيدر مجدداً، مؤكداً بأن سعدي يوسف مستعد لتعضيدها..وفي حالة عجزه مثلاً، ثمة فرصة جيدة لإرسالها إلى بيروت مع أحد المسافرين إلى نجيب المانع..أعتقد يمكنه أن يقنع صاحب (دار العودة) أو(الآداب) بطبعها..
قلت بأنك فكرت بتبويب آخر للمجموعة؛ أعتقد سيكون بالإمكان، الطلب من الدارالتي تطبعها أن تقدم وتؤخر…عليه لابأس باقتراحك، وسوف نأخذ به عندما نلتقي.
ماهي عملية الخلق التي وجدتها وأنت تقوم بالإستنساخ؟!
كيف تسير أمور الدار وأين وصلت؟(3)
الأخ جمال..صحيح إنني لست من النوع الذي يمنح ثقته بسهولة، غير أنه يبدو من النوع الذي يعرف كيف ولماذا يعاني ويتعذب.إن وجهه يذكرني بذاك المعذب فان كوخ..إن لصادق الصئغ تأثيراً كبيراً على إبراهيم جلال معاون عميد الأكاديمية، وربما عن طريق سامي عبدالحميد وإسماعيل الترك؛يمكنني أن أؤثر على قبوله في الأكاديمية للسنة الدراسية المقبلة..
أكرر شكري، وآمل أن تزورني في نهاية الشهر الحالي ومعك المجموعة..
مع تحيات أم أسامة وأسامة، ودمتم (4)
جليل القيسي
آب 1973 كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقصد مجموعة(زليخة…)
(2) جمال عبدالقادر البرزنجي (تولد1954كلار) أحد أصدقائي. كان متحمساً بصورة مهوسة لدراسة فن الرسم، رغم موهبته الضئيلة، وهو الآن يقيم مع عائلته في أمريكا،ا لتي لجأ إليها منذ خريف1996
(3) كنت أقوم بترميم دارنا الكائنة في جلولاء،في صيف1973
(4) أسامة: نجل الأديب جليل القيسي.


***

(الرسالةالرابعة)

أخي جلال
هذا الصباح، إستلمت خطابك الرقيق.صدقني قبل أيام كنت أتذكرك..حالة تلباثية غريبة…المهم،لمَ هذا الصمت الأخرس الطويل؟! ماهي مشاريعك الأدبية؟ كيف الأهل؟ الزوجة؟ هل أنهت دراستها؟
شكراً لرأيك بخصوص مسرحيتي الأخيرة…أنت دائماً موضوعي معي بخصوص أعمالي…
في الحقيقة، أخطط لإستنساخ جميع مسرحياتي، وتقديمها للوزارة.السيد عبدالمسيح ثروت طلب المسرحيات بملحّة..أنت تعرف مبلغ كسلي وضجري من عملية الإستنساخ..إن العمل يرهقني، وفي بعض الأيام يحوّلني إلى جثة…أيّ كابوس أن تعمل في وظيفة بائسة وأمامك أعمال كثيرة تنتظر الإستنساخ، أو إعادة الكتابة!
آمل أن أحصل لك على نسخة من (صهيل المارّة…)و(جيفارا عاد…)
لمَ لاتمر ولو ليوم واحد قبل إفتتاح المدارس؟
عبدالمطلب (1) لاأراه إلاّ قليلاً..المهم سأبلغه تحياتك.
مع تحيات أم أسامة لكم جميعاَ، وقبلات أسامة وأميمة (2)
جليل
أواخر آب 1976 كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عبدالمطلب حسين السعيدي(تولد1949) صديقي وزميلي في الدراسة بدار المعلمين، كان رساماً وكاتب قصة وممثلاً مسرحياً، ويصدر لوحده مجلة ثقافية، وهوشقيق الفنانين المعروفين علي السعيدي وكاظم السعيدي.
(2)أميمة: كريمة الأديب جليل القيسي.


***

(الرسالة الخامسة)

عزيزي جلال
مودتي
حسناَ، كيف تريدني أن أفسّر هذا الصمت الأخرس الذي ضربته حول نفسك؟! بالتأكيد، الزواج أحياناً أفعى مثلثة الرأس تلدغ بشكل مخيف وموجع! ناهيك عن المنغصات الأخرى التي يجلبها بل أحياناَ يخترعها من اللاشيء! أجل له القدرة أن يلقي الواحد في دوامة أفيونية تنسيه أشياء كثيرة…
أين أنت؟ هل وصلتك رسالتي الأخيرة؟ إذا نعم؛لمَ لم ترد عليها؟
عاتبت الأخ محيي الدين (*) لعدم جلبه إيّاك معه. طيّب، لمَ لم تأت بنفسك؟ ما مشاريعك؟ كتاباتك؟ كيف حال الزوجة؟ الوالدة؟ الأهل بشكل عام ما أخبارهم؟ هل مازلت في نفس مدرستك؟ هل أنهت زوجتك دراستها؟
إيه…أسئلة كثيرة؛ بودي أن أعرف الأجوبة عليها..ما أخبار الأخ محيي؟ هل تلتقي به؟
أكتب …يسعدني أن أعرف أخبارك..
بلّغ تحياتي إلى الأهل…
تعال إذا إستطعت ولو ليوم واحد..
جليل القيسي
أوائل نيسان 1977 كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) محيي الدين زنكَنه، الأديب المعروف.كان يسكن في بعقوبة آنذاك، وأنا في جلولاء، وتبعد مدرستي الواقعة في قرية بناحية قرَتبة قرابة30كم، وكانت زوجتي طالبة تدرس في إعدادية صناعة بعقوبة، وكنت أعاني من ملاحقة الأجهزة الأمنية والقمعية؛ فكان وضعي مزرياً للغاية.


***

(الرسالة السادسة)

عزيزي جلال
تحية حب
قسماَ بالكلمة الطيبة، بالمحبة، بالشرف؛ قبل يوم واحد من إستلامي لرسالتك، فكرت أن أكتب لك، سيما وقد حررت عدداً من الرسائل لأصدقاء لي في بغداد، ومن ضمنهم الأخ محيي الدين. ومحيي لم أعرف بوضع بصره إلاّ مؤخراَ (1)، وهو حين كتب لي قبل مدة،لم يذكر خطورة من النوع الذي شرحها لي (فاضل) و(سالمة) (2) أثناء زيارتهما لي مؤخراً..

جلال
أنت تعرف جيداً،إنني أودّك، وحتى إذا لم أكتب، أو لاأجد ماأكتبه أحياناً؛ لايعني قطعاً أنت لست حاضراً في أذهاننا..جميعاً في البيت..أسامة يتذكرك باستمرار،ويسأل عنك؛ وعبر أسامة تتمسرح الذكريات وتستغرق فترة طويلة..
طبعاً سعيد بدأت بالنشر..صحيح أن النشر ليس فضيلة الفنان الكبيرة. لكن لابد من النشر، سيما من قطع مثلك شوطاً كبيراً في القراءة والتجربة والمعاناة…
شكراً لإهتمامك بكتاباتي، وأنا بالطبع أقدر صدقك وموضوعيّتك ونزاهتك…
نسختك من مسرحياتي (جيفارا…)موجودة؛ طبعاً يمكنك أن تأخذها في زيارتك المقبلة..في الحقيقة خشيت أن أرسلها بالبريد!
إنتهيت من إستنساخ مجموعتي القصصية الجديدة، وأفكر في دفعها إلى الوزارة للطبع..أفكر في إستنساخ مسرحياتي؛ عندما أكون طبعاً في مزاج جيد…كتبت مسرحيات كثيرة خلال السنة المنصرمة، وهذه السنة أنا مرهق يا جلال..
تعال مع(خولة) (3)في العطلة، وبلغ تحياتي وتحيات أم أسامة وقبلات أسامة وأميمة لخولة والأهل، وتحياتي للأخ شاكر(4) وجمال الطيّب- بالمناسبة ماأخباره؟ حتماً تخرّج من مدة، أليس كذلك؟
أكتب إذا سنحت لك الفرصة.
المخلص
جليل القيسي
8/5/1977كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان محيي الدين زنكَنه على شفا العمى، وقد يسّر(حشع) ذهابه إلى روسيا للعلاج.
(2) فاضل العزاوي والكاتبة سالمة صالح عقيلته.
(3) خولة نوري(تولد1957جلولاء) أم أولادي.
(4) شاكرنوري(تولد1949جلولاء) الروائي، المترجم والصحافي،وهو شقيق زوجتي.أقام في باريس 25عاماً، وهو الآن مقيم في الإمارات العربية.

***

(الرسالة السابعة)

عزيزي جلال..
مودتي
قبل قليل إستلمت خطابك؛ ألف شكر لعواطفك النبيلة تجاهي من جميع النواحي..أنا الآخر قرأت خبر مواصلة فرقة المسرح الفني الحديث بروفاتها على مسرحيتي(الشفاه الحزينة)غير اني لاأعرف مبلغ صدق الخبر…ألمهم،قد أسافر في نهاية الشهر الحالي،أو في أوائل الشهر المقبل إلى بغداد لبعض الأعمال.
إن خطابك الأخير في الحقيقة قدرما أفرحني،آلمني في الوقت نفسه!ذلك لأن الرأي الذي ثبّتته في الصفحة الخلفية منه، ماكان يجب أن تكتبه لي؛ لأنني رغم بعض الإضاءات الجميلة،أعرف جيداً رأيك في أعمالي كلها..كان يجب عملاً بحرية النشر وإبداء الرأي أن تكتب إلى إلى مجلة (ألف باء) لينشر كتعقيب…أنت تعرف كم أبغض الإثارات وأتهرّب من المقابلات، بل حتى المهاترات الصحفية، لكن من المؤسف أن يحصد الغير جهودي عبر”سرقة محسنة!” كما قلت بنفسك.وأنت كشاعر وكمثقف تعرف الحقيقة جيداً، وتكتب لي كما لو بحسن نية خالصة تريد أن تحزنني! المهم،كان يجب أن تكون جاداً…إسمع وحتى لو فرضنا جدلاً أن كلمتك كانت تأخذ طريقها إلى سلة المهملات، لكنها حتماً كانت تفرقع شرارتها..(1)
أنا الآخر في شوق كبير لمشاهدة مسرحية (الشفاه الحزينة) إذا كانت الفرقة لم تفاتحني بعد، وهي تعمل ذلك مع كل الكتاب بتقدير جد كبير، أقول: إذا لم تفاتحني بعد؛ فهي تعاملني كصديق قريب لها..في الواقع، الجميع يكنون لي كبير إحترام…..إذا عرضت المسرحية فعلاً؛ سأعمل على أن نشاهدها معاً..
هل إستفسرت من النشاط الفني لتربية بعقوبة بخصوص تقديم (زفير الصحراء)؟ أتصوّر أن خليل الحركَاني يعمل الآن مدرساَ في تربية بعقوبة..هذا مجرد تصوّر..وخليل إنسان في منتهى العذوبة والصفاء والرقة والطيبة،فهو عندما يخجل؛ تطفو بسمة عذبة خجولة على وجهه المبرنز(للمناسبة مأخوذة من البرونز) هيء هيء هيء!(2)
الآن..مجموعتي رفضت كلّياً لأسباب تثير الشجن فعلاُ!غير انني عندما راجعت نفسي وعرفت الأسباب التافهة جداً؛زالت أشجاني…أنت تعرف أن معظم أعمالي قد رفضت سواء في المسرح، أو القصة، وكلها لأسباب تافهة.ثمة مثل أرمني يقول “أرادوا أن يركّبوا حدوة جديدة للحصان؛رفع الصرصار ساقه أيضاً” فالصرصار نبش ونهش في المجموعة وأعادها لي أخيراً…إن إعادة المجموعة لي شرف كبير..
ما أخبارمحيي؟ هل عاد إلى الوطن؟ كيف حال أهله؟ محيي كسول أحياناً في تحرير الرسائل، بل كسله يصل حد الإهمال..أكتب كل شيء عنه رجاءً…محيي عزيز عليّ جداً.
كان بود أسامة أن يراك..إنه منهمك هذه الأيام بطقوس العيد؛ تسوقه كل طاقات ورغبات وجموح وهوس الطفولة ليلتهم العيد حتى آخره! أميمة مازالت تعيش بذكريات أورفي..(3) أم أسامة تبعث تحياتها لكم، وأخيراً أكتب كلما سنحت لك الفرصة..
مع تحياتي وحبي.
جليل القيسي
أوائل1978 كركوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنت قد أخبرته أن(ألف باء) قد نشرت قصة لأحد الكتاب البعثيين البارزين (توفي في التسعينات) وكانت شبه منتحلة من قصة للقيسي في مجموعته (صهيل المارة…)وهي تتناول صراع بطلها مع نسر.
(2) للأسف لم أفلح بلقاء الفنان خليل الحركَاني.
(3) أورفيوس (تولد 1977جلولاء) ولدي البكر.


***

(الرسالة الثامنة)

أبا أورفي الطيّب
قبلاتي
بمنتهى الهدوء، تقول(زعلان) كيف لاأزعل؟ سواء أنت أو محيي تكتبان عندما تنتابكما النزوة، أو حالة من المزاجية…ثم وهنا الطامة؛ تكتبان رسالة صغيرة كلها ألم وشكوى..وها أنتذا في هذه الرسالة، تتكلم عن مشاغل الحياة والوظيفة بلهجة حزينة…كنت في نظري قبل الزواج مليئاً بالحياة وبالنشاط ومتماسكاً أكثر وقليل الإهتمام بالمتاعب…ماذا؟ هل شخت هكذا فجأة مثل زهرة؟! (1)
المهم..شكراً لخطابك واسمح لي أن أكتب بدوري كلمات قليلة تماماً مثل رسالتك الملونة..ألا قل لي هل ترسل رسائلك بالبريد السلحفاتي؟! ذات مرة، إستلمت منك رسالة بعد أكثر من أربعين يوماً من تاريخ إرسالها، وكذلك هذه الرسالة..نقرأ أحياناً طرائف جميلة عن تأخر بعض الرسائل في البريد لردح طويل جداً من الزمن..مؤخراً قرأت أن رسالة وصلت إلى صاحبها بعد أكثر من عشرين سنة..هاهاها…تأمل إذن..فرسالتك وصلت بالبريد الكونكوردي (نسبة إلى طائرة الكونكورد الفرنسية)!

جلال
طبعاً تأخرت بدوري أقل من أسبوع في الرد عليها، أتعرف لماذا؟
أولاً: عاودني مرضي السابق فجأة في العاشر من الشهر المنصرم وارتفع عندي (اليوريك) في الدم، وشلّني لأكثر من أسبوع، وأجلسني مثل أيقونة فوق السرير..بعد أسبوع كالعادة (بهريز)وحالة من الوضع المضطرب لأسابيع..ما إن إسترجعت عافيتي؛ راح السيد أسامة يشكو من جرح في ركبته، إستغرق علاجه عدة أيام..
ثانياً: مرضت أم أسامة وعانت أكثر من عشرين يوماً، وقبل يوم واحد من تحريري هذه الرسالة إسترجعت عافيتها…
ثالثاً: طبعاً لاأريد أن أكلفك مؤونة الإستماع إلى إشكالات العمل،وما أعاني من متاعب جانبية…تصوّر كم كنت مزحوماً بالمتاعب، ثم قارن نفسك بي…هاهاها!
ألمهم، ما أخبار خولة؟ حتماً تطبخ بشكل جيد، وتغني لأورفي…وأورفي هل تعلم العزف أم ينتظر الإلهام من أورفي الحقيقي في الأولمب؟! ما أخبار محيي؟ قرأت مسرحيته في الأقلام التي بناها على قصة الكاتب الكردي…(2) لولا الإطناب والتكرار في الحوار، وتشابه الشخصيات في تحاورهم مع بعضهم البعض، ثم الشريحة الأخيرة التي جاءت كما لو أنها مقحمة مع شيء من المبالغة؛ أتصوّر أنها أجمل ما كتبه محيي لحد الآن..بلغه والعائلة تحياتي وتحيات أم أسامة،مع تهانيّ..
إذا صدرت مسرحياتي في هذه الأيام؛ سأمر عليكم وأنا في طريقي إلى بغداد..
أكتبا لي إذا سنحت لكما الفرصة..وسلالاً من القبل للصغار: آزاد وميديا (3) ووضاح وأورفي..(4)
جليل القيسي
تموز1979كركوك


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنت في تلك الفترة أعاني من تداعيات مشكلة خطيرة فبركها ضدي العفالقة؛ حيث دبروا مع نفر من عملائهم تهمة ضدي فحواها تسببي بقتل حمّال دهساً بدراجتي النارية،التي كنت أستخدمها في ذهابي وإيابي، حيث كنت معلماً مبعداً في مدرسة نائية. وبالطبع كانوا يتغيّون من وراء مثل هذه المؤامرات وغيرها وما أكثرها! أن أتعفلق، ولكن هيهات هيهات!
(2) هي قصة (السماد الكيمياوي) للكاتب التركي(الكردي الأصل) الشهير عزيز نسين، والتي ترجمتها عن الفارسية، ونشرتها مجلة (الثقافة،ع4 نيسان 1978) ومسرحها الأستاذ زنكَنة بعنوان (في الخمس الخامس من القرن العشرين يحدث هذا) نشرتها مجلة الأقلام في عددها السادس 1979 وحازت على جائزة أحسن نص عراقي عام1980كما لاقت نجاحاً كبيراً عند تقديمها على المسرح بالعربية والكردية، وفي التلفزيون أيضاً،وعند نشرها وترجمتها وتقديمها غابت الإشارة إلى القصة الأصلية ومؤلفها أحياناً،أما إسم المترجم فلم يُذكر إطلاقاً؛ ولقد برهنت لي تلك التجربة على أن المترجم عندنا كالسمك مأكول ومذموم، بينما يعتاش أغلب الكتاب على ما يقدمه من تغذية مختارة من الثقافات الأخرى!
(3) آزاد: نجل الأديب محيي الدين زنكَنه، وميديا كريمته.
(4) وضاح (تولد 1978بعقوبة) ولدي الثاني.


***

(الرسالة التاسعة)

أخي الحبيب جلال
تحية حب
ألف شكر لجميع أعداد المجلة (1) فقد هبطت عليّ تباعاً بألفة وعذوبة الحمام المدرّب..إن المواد المنشورة فيها مثيرة، وثمة دراسات رائعة فعلاً…يبدو أنك تصول فيها وتجول بترجماتك الجميلة..صدّقني إرتحت كثيراً لمقالة أكبر باباييف في ذكرى ناظم حكمت.يالها من مقالة رقيقة، جميلة ومؤثرة! أتساءل: لمَ الترجمة وبهذا الإندفاع، في الوقت الذي يجب أن تنزل إلى الساحة الأدبية بأعمالك الإبداعية؟ ماذا هل مازلت لاتثق بمواهبك؟! (2)
تسأل عن مسرحياتي، وهل حقاً أعرف أين هي بعد مضي أكثر من سنة على الموافقة على نشرها؟ ما مصيرها؟وعند من رست؟ ومتى ترى النور؟!
لقد أصبحت من فرط تضارب الأخبار التي أسمع عنها؛ أعاني من يأس ثلجي حيالها! آه لو تعرف كم أحب مسرحياتي! لقد كتبتها جميعاً وأنا، كما يقول الفيلسوف الهندي كريشنا، في حالة (سامادهي) أن تغيب عن العالم من خلال قلب العالم! للمناسبة، هل سبق وأن أحسست بحالة من الكآبة الناعمة؟ إنني منذ أن دفعت المسرحيات إلى الطبع، ولحد الآن أشعر بانتظار لذيذ لصدورها، مع الإحساس بكآبة ناعمة، والكآبة الناعمة صقيع يجلد القلب يا جلال!
ما أخبار العزيز محيي؟ بلّغه أشواقي وحبي وقبلاتي، ولكم جميعاً مودتي وحبي مع تحيات الأهل.
جليل
9/8/1979كركوك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مجلة (الثقافة) لصاحبها د.صلاح خالص، حيث نشرت فيها منذ 1973وعملت فيها محرراً خلال (1977-1988) وكنت قد سجّلت فيها إشتراكاً مجانياً للقيسي، وكانت أعدادها ترسل إليه بالبريد.
(2) مع ان ممارستي للترجمة وكتابة المقالة والدراسة كانتا من أنشطتي الثانوية، لكنني تقنّعت بهما(من القناع) كتكتيك، وأفلحت في تمرير آرائي وأفكاري المناهضة للفاشية والشوفينية والعسكريتارية والدكتاتورية دون التعرض للأخطار المحدقة… بينما ظللت أكتب الشعر،ولم أنشر منه إلاّ القليل جداً؛ فكل ما نشرته بالعربية والكردية حتى إنتفاضة1991هنا وهناك لايتعدى مجموعتين؛ لكون قصائدي كافة حتى قصائد الحب ملغومة ضد الفاشية-الشوفينية، وكان يتعذر نشرها حتى خارج العراق إلاّ باسم مستعار. ولقد نشرت منها بعد الإنتفاضة مايناهز سبع مجموعات بصورة متناثرة، ومازالت المئات منها لم تر النور لحد الآن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى