د. محمد الشرقاوي - كيف تحتاج تونس لرشيد بن عمّار جديد!

شاركتُ أمس في ندوة عبر منصة كلوب هاوس كان من المفترض أن تستمر ساعتين، لكنها طالت لأكثر من عشر ساعات بحكم تطورات الوضع في تونس وقرارات الرئيس قيس سعيد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وطرد عدد من الوزراء في حكومة عالقة منذ عدة أشهر.
كنت من أقلية، أو ربما الوحيد، في القول إن ما حدث يجسد أزمة دستورية بحكم اتكال الرئيس سعيد على المادة 80 في الدستور التونسي وإنْ في غياب محكمة دستورية تحل الخلاف. ولم أُجارِ ما ذهب إليه جل المتحدثين من مصريين وليبيين وخليجيين بأنه "انقلاب" يحاكي ما حدث في مصر في صيف 2013. وتمسكتُ ولا زلت بالأمل بأن التونسيين الوطنيين والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والأهم ضباط الجيش، لن يسمحوا باستدامة الوضع الذي ترنو إليه قرارات الرئيس سعيد في هذه المرحلة.
حالة تونس مهمة لأكثر من اعتبار بعد عشر سنوات من الانتفاضات الشعبية وسقوط أنظمة بن علي ومبارك والقذافي وصالح. وهي أيضا الأمل المتبقي في تأكيد أن الحداثة السياسية العربية تحسن الفصل بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية في إعادة تركيب الدولة العربية المعاصرة، وأن جنرالات تونس سيظلون أوفياء لما قاله رشيد بن عمار بأن دور الجيش هو حماية الحدود وليس السيطرة على السياسة.
تونس التي تمثل منارة التحول الديمقراطي والتعددية والاحتكام إلى إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع، وأيضا تونس التي حصلت أربع هيئات مدنية فيها بجائزة نوبل السلام عام 2015، لا يمكن اليوم أن تقتل الأمل التونسي والمغاربي والعربي المتبقي الوحيد في تأسيس دولة المؤسسات وليس الأشخاص، ودولة التوافقات وليس السلطويات، ودولة التوازنات بين الرئاسة والبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني، وليس دولة من يقول "الدولة أنا، وأنا الدولة".
هل هي لعنة ألقت بها أرواح شريرة قرطاجية أو فرعونية متجددة عندما نقضي عشرة أعوام في الأمل بدولة الحداثة والحرية والديمقراطية؟ فيترائ الآن أنها "خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء".
وليس من حكمة التفاؤل ولا الاستشراف الرزين أن نقيل العقل بالقول إنه "انقلاب" آخر في أرض قرطاج غير مختلف عن انقلاب السيسي في أرض الكنانة. ولا أقبل أن تنبعث منه صدمة مختارة أخرى chosen trauma تدفع الشعوب العربية إلى زوايا خيبة الأمل والانطواء واحتقار الذات العربية الحبلى بشتى أجنة السلطويات، لكنها عاقرة في إنجاب ديمقراطية واحدة بين إحدى وعشرين دولة بين المحيط والخليج.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى