مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - أشرف الخلق.. نبي الرحمة

من كتاب رحلة إلى شاطئ النار والنور



  • في صحراء قاحلة مضى محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، هاربا من قومه ومعه الصديق رضي الله عنه .
  • أعلنوا عن جائزة كبرى لمن يأتيهم بمحمد حيا أو ميتا، وكانت الجائزة مئة من الإبل...
  • علم سراقة بن مالك بأمر الجائزة، فطفق يمني نفسه بتحقيق تلك الغاية.
  • كان سراقة فارسا مغوارا، وشاعرا كبيرا، عرف بالحكمة والمكر، وسعة الحيلة، وكان عالما بالصحاري والوديان ومن قصاصي الأثر المشهود لهم بالكفاءة.
  • وكان قد سمع وهو بين قومه بمرور ثلاثة علم من صفاتهم أنهم الرسول ص والصديق ودليلهما، فأنكر على قائل الكلام صحته، واحتفظ لنفسه بما يضمر، حتى صرف أطماع من حوله، ثم نهض فامتطي فرسه وانطلق في أثر النبي صلى الله عليه وسلم.
  • وما أن اقترب من الرسول حتى شرع حصانه في النكوص والممانعة، فضاقت نفسه، بما يفعله الحصان وكاد يعود أدراجه إلا أن الشيطان ذكره بعظم الجائزة فدفعته أطماعه نحو الرسول ص وحين هم بإخراج سلاحه غارت أقدام الفرس في الرمال وكادت تميد به، فصاح في خوف مناديا الرسول كي يدعو ربه ليخلصه مما هو فيه من هول، على أن يتركهما وشأنهما...
  • فلما فعل الرسول، عاد سراقة ثانية إلى سابق عهده وحرصه على الإمساك بالرسول ص أو قتله، فمادت الأرض بفرسه مرة ثانية ولكنها كانت أشد هولا وفزعا، فصرخ يطلب العفو من الرسول ثانية في مقابل أن يأخذ كل ما معه من مال وسلاح، وأنه كذلك سيمنع القوم من ملاحقته.
  • فرفض الرسول أن يأخذ شيئا، وطلب منه فقط أن يمنع عنه القوم.
  • وقبل أن يمضي، قال للرسول ص
  • أنا أعلم أن هناك دينا جديدا، سيظهر وأعلم أنك نبي، فهل لك أن تتذكر صنيعتي هذه وتكرمني عليها يوم ينصركم الله.
  • ووعده الرسول بسواري كسرى، وسلمه مكتوب بهذا، حتى أنه بهت، ونظر في ذهول إلى الرسول ص، وجعل يردد: سواري كسرى عظيم الفرس وملكهم!!
  • وعاد سراقة إلى قومه، ملتزما بعهده للنبي وقام بمنع أي شخص من البحث عن الرسول أو مطاردته، بعد أن أخبر قومه بعدم جدوى البحث، مؤكدا لهم، أنه لم يستطع الوصول إلى مكان محمد، ولما له من مكانة عند قومه ومعرفتهم بقدره في البحث وتقصي الأثر، فقد صدقوه وكفوا شرهم عن رسول الله ص حتى وصل بسلام الله إلى يثرب.
***.
  • محمد صلى الله عليه وسلم...
  • إنه نبي الرحمة ،ومتمم مكارم الأخلاق علي الأرض .
  • نموذج فريد للإنسان والنبي ...
  • وكما قالت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها : لقد كان قرآنا يمشي على الأرض.
  • بعث محمد ص في زمن ومكان شديدي الصعوبة....
  • بعث في قوم انتشر فيهم الفساد والكفر،
  • في صحراء قاحلة، ألقت بقسوتها علي قلوب قاطنيها فصار الأب يقتل أولاده خشية الفقر والجوع،ويدفن ابنته حية،خشية أن تجلب له العار ،وهي لم تزل رضيعة بريئة كملائكة السماء.
  • الأمر الذي دفع بواحد من عظماء الإسلام ،أن يفعل هذا الفعل في جاهليته ،ويظل معذبا بذكري ما فعل بقية حياته.
  • إنه الفاروق عمر رضي الله عنه، الذي فرق بين الحق والباطل.
  • فأي جبار كانه عمر وأي قديس صاره ،بعد ان أسلم، ودخل الإيمان قلبه.
  • ***
  • محمد الأمي يتيم الأب والأم...
  • من علمه ومنحه،العقل الراجح،الذي يقود،ويحكم،ويعدل،ويبني،ويحارب كقائد عسكري،وسياسي بارع؟!
  • وقد جمع محمد ص من الصفات العبقرية ما جعل كبار كتاب الغرب يضعونه في صدارة عظماء البشر،فهم وإن كانوا لا يؤمنون بالإسلام ،الا أن هذا لم يمنع ضميرهم الانساني من قول كلمة الحق ....
  • نعم هو أعظم مخلوق جاء علي وجه البسيطة....
  • هذا العظيم محمد ص رأوه في قيمته، يسبق كل الأبطال والزعماء والعباقرة ،والأنبياء حتي ممن آمنوا بهم،وكانوا من بني جلدتهم.
  • وهو لم يخرج فى حياته كلها يوما عن حلمه أو أدبه.
  • فى أقسى الظروف وأصعب الأوقات ،لم تخرج من بين شفتيه جملة جارحة أو صادمة لأحد .
  • كان يفترش الأرض ويقتسم طعامه مع خدامه، بل ويشاركهم فى عملهم المكلفين به.
  • لم يمد يده يوما ضاربا أو باطشا لزوجة من زوجاته أو لخادم مهمل.
  • رفض أن يقبل أصحابه يده الشريفة، ورأى فى هذا تكبرا وتشبها بملوك الأعاجم.
  • كان خبز الشعير هو طعامه فى أغلب الأيام .
  • ليضرب أعظم مثال في التواضع،والرحمة وهو أعظم، وأعز رجال الأرض.

  • يوما، اختلف مع زوجته السيدة عائشة بنت أبي بكر.
  • سألها الرسول ص أتحبين، أن نأتى بأبي عبيدة بن الجراح ليكون حكما بيننا، ولكنها رفضت وقالت أن أبا عبيدة رجل ضعيف ولن يكون إلا فى صف الرسول، فلما عرض عليها أبا بكر والدها قبلت. .
  • وما أن جعل الرسول يتحدث معه حتى قالت للرسول أقصد ( تعنى أذكر ما حدث دون أن تزيد أو تنقص )
  • وهنا لطمها أبوبكر الصديق رضي الله عنه ،على وجهها، قائلا لها أمثله يقال له أقصد وهو نبى الله.
  • وسال الدم من شفتيها، فحماها الرسول من والدها وأمره بالانصراف .
***.
  • يذكر أن أحد اليهود طفق يضع الفضلات والقمامة أمام باب بيت النبي ص ، فجعل كل صباح يلقي بالقمامة، ثم يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتخلص منها، حتى أصبح الرسول يوما، ولم يجد أي فضلات أمام بيته فتعجب وسأل عن غياب ذلك اليهودي فعلم أنه مريض فلم يكن منه إلا أن ذهب لزيارته !!
  • سأله اليهودي :
  • كيف علمت بمرضي؟!
  • أخبره الرسول أنه علم ، حينما لم يجد الفضلات التي اعتاد وضعها أمام بابه .
  • فبهت اليهودي وقال في دهشة :
  • كنت تعلم بأنني الذي ألقى بقمامتي أمام بابك كل يوم، ومع ذلك تأتي لتعودني في مرضى؟!
  • هذا والله ليس بخلق عادي، وإنما خلق نبي كريم.
  • هذا النبي الكريم جلس يوما ليواسي طفلا قد مات عصفوره.
  • وقد أنعم الله على رسوله ص بأن جعل حوله فيضا من الكواكب والنجوم الزاهرة مثل الفاروق، والصديق ، وابن عمه على ابن أبي طالب، و عثمان بن عفان الملقب بذي النورين ،وعم الرسول حمزه بن عبد المطلب الملقب بأسد الله ،وسيف الله المسلول خالد بن الوليد ، ،والعديد من عظماء المسلمين رضي الله عنهم جميعا،والذي يعد كل واحد منهم نموذجا متفردا فى العقل، والشخصية.
***.
ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في عام الفيل،و هو العام الذي دمر الله فيه أبرهة الحبشي وجيشه، عندما حاول هدم الكعبة .
سمي محمد بهذا الاسم لأن جده عبد المطلب أراده أن يعيش يحمد ربه في السماء والأرض، وقد تولى رعايته منذ الصغر، وقد كان العرب قديماً، يرسلون المولود إلى البادية لينشأ في خيرات الطبيعة، وفي ذلك الوقت كانت السيدة حليمة السعدية تبحث عن طفل لإرضاعه حتى وجدت محمد، فنشر الخير والبركة في منزلها وظل معها لمدة عامين.
وهو في السادسة من عمره، توفيت أمه آمنة، فتولى رعايته جده عبد المطلب، وعندما توفي تكفل به عمه أبو طالب.
***
خرج رسول الله ص مع عمه أبي طالب للتجارة في الشام، حتى وصل ركبهم إلى منطقة تسمى بصرى في أرض الشام، وقد كان بها راهب يدعى بحيرة، عالم متعمق في علوم أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين، فلما نزل الركب ذلك العام بالقرب من صومعته ، وقد كانوا كثيرًا ما يمرون به قبل ذلك، فلا يحادثهم ، ولا يعرض لهم، إلا ذلك العام، فلما نزلوا به قريبًا من صومعته، استقبلهم بنفسه، ورحب بهم، وصنع لهم طعامًا كثيرًا.
ولما استفسروا منه عن سبب ذلك الاحتفاء ، قال لهم :
أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم،
حتى أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبة منه، فرأى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصانها، على رسول الله ص حتى استظل تحتها.
ثم جعل بحيرة يتفقد القافلة التي فيها النبي (ص)، فلفتت نظره شخصية محمد وطفق يتأمل في صفاته ويحدّق في ملامحه، وهو مأخوذ بتلك السحابة من الغيم التي ترافقه أيما جلس لتحميه من حر الشمس، فاستفسر عنه بعض من رجال القافلة، فأشاروا إلى أبي طالب وقالوا له :
هذا عمه.
فطلب منه أن يكشف عن ظهر النبي محمد ص ، وحين رأى خاتم النبوة بين كتفيه، ووجد فيه العلامات التي وصفته بها التوراة والإنجيل وغيرهما.
فتهلل وجه الراهب بحيرة وبشّر أبا طالب بأن ابن أخيه هو النبي المنتظر لهذه الأمة.
وأخبره بما سيكون من أمره، وتذكر بعض النصوص، أن الراهب بحيرة أصر على أبي طالب أن يعود به إلى مكة وأن يبقيه تحت رقابته خوفا عليه من اليهود وغيرهم، من الذين كانوا يرون العلامات التي وردت في كتبهم متحققة في شخص محمد.
فخاف أبو طالب على محمد ص ،وعاد مسرعا إلى مكة ولم يكمل الرحلة إلى الشام.
ويذكر المؤرخون والمؤلفون في السيرة أنه ظهر للنبي (ص)، في هذه الرحلة التي ضمت أعيان المكيين والقرشين، كرامات وفضائل كثيرة، مثل الغمامة التي كانت تظلله من الشمس، والمياه التي اندفعت من بطون الصحراء، والأشجار اليابسة التي كانت تعود إليها الحياة بعدما يجلس تحتها الرسول (ص) فتثمر من جديد، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب السيرة والتاريخ
***
في سن صغيرة عمل محمد صلى الله عليه وسلم، كراعي للغنم، وفي مرحلة الشباب ، عمل في التجارة، فأحبه الناس ووثقوا به، ولقبوه بالصادق الأمين، حتى علمت السيدة خديجة رضي الله عنها بأمره وعندما قابلته أعجبت به، وعرضت عليه الزواج فوافق ، وتزوجها وقد كان عمره ٢٥ عاما، بيننا كان عمر السيدة خديجة ٤٠ عاما.

وقد بدأت الدعوة الإسلامية بالسرية التامة بين الدائرة المقربة من سيدنا محمد، فكانوا يجتمعون بعيداً عن عين أهل قريش، وظلت الدعوة سرا طيلة ٣ سنوات،
ثم رويداً رويداً اخذ عدد المسلمين يزداد وينتشر.
وقد عرض زعماء قريش على الرسول أن يختار ما يشاء في مقابل أن يترك هذا الدين ويتوقف عن دعوته التي تهدد عبادتهم للأصنام،
قالوا له: إذا أردت مالا جمعنا لك من كل واحد منا حتى جعلناك أغنانا، وإذا أردت زعامة، وملكا ملكناك علينا،
غير أن الرسول ص رفض كل عروضهم.
حتى أن عم الرسول أبوطالب حينما واجه ضغوطا كبيرة من زعماء قريش،
رجع إلى النبي محمد وطلب منه أن يدع هذا الأمر.
إلا أن الدموع طفرت من عيني النبي وهو يمضي مغادرا أبا طالب ، بعدما شعر بأن عمه قد تخلي عن حمايته له من بطش قريش.
كان أبو طالب يعلم أنهم لو وضعوا الشمس في يمين محمد والقمر في يساره، لما تخلي عن هذا الأمر أبدا، فتدبر أمره بسرعه، و رق قلبه لابن أخيه فعاد وطمأنه، وأخبره أنه لن يتخلى عنه أبدا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى