محمد عبدالعزيز أحمد (محمد ود عزوز) - أقولني ..

أقولني
وأنا هنا أعني بكل ما للجرح من رائحة نفاذة، أقولني أنني حقاً مطحنة للأخرين
أفكر الآن، من هذا القفر، هذا الزحام المهول بالاشياء الفائضة عن المواساة
هذه العزلة اللاذعة، كم كنت محظوظ بالحبيبات اللواتي عبرنني، ذات نصف وطن، دعكناه ما استطعنا لعله يكبر ليتسع لنا
كم كنت محظوظا
افكر في تلك التي صاحبتني في تمام الحُلم، في المشاوير التي كنت انتعل فيها ارجلها لامضي قُدماً، وكانت لجرح الذاكرة اكثر، كانت تهمس في اُذني حين اتذمر من الجامعة، من خواء نافذة الصباح من الضوء الكافي لليقظة، كانت تضع يدها الدافئة على فمي، لتعيق الزفرات الحارة والبصاق المتطاير
-- اشششش الآ كفي لاكونك وطن
هكذا كانت تخرسني دائماً، وكنت يافعا بما يكفي لافهم أن لجسدها رائحة مُدن مُتخيلة، ولكنني رحت ازحف على جسدها ويدها، حتى افلتها في محطة ما، او افلتتنا يد الرب التي ارهقها جمع ما لا يمكن جمعه
هكذا كانت هي
و هكذا كانت التي بعدها
عدة حبيبات، مسلوخات من جلد حدائق الاحلام المستحيلة، لهن الذاكرة، والوجع الوسيم، وجميل الحضور
لهن ما مات مني، او ما نسيته بين مدينتين، اتساءل الآن عنهن
اتساءل عني
حين تفلتني العتمة لصغار الزوار الليليين، يقطعون هذا الجسد العاري، الى شرائح، ثم يأخذنني بكامل التشظي، والدم اللزج في اظافر
اللحظات الباردة
نحو مروج اكثر دموية، يأخذنني هناك
حيث كنا
ولحاجة في نفس الطرقات، كنا ننجوا من انفسنا، الاسئلة الضرورية للموت، نتجاوز دون تعمد الشراك التي تنصبها البلاد الممحونة بالاوباش، العسكر المرابطون في ثياب فتياتنا الداخلية، كن نُجيد مراوغة ايديهم لنظفر، نتركهم عالقين في الفراغ
وكنا ننجو ا
ننجوا دائماً، ذلك أننا كنا مثل الافاعي، كلما زحف الصدأ على اجسادنا، نزعنا عضوا
حتى أننا احياناً نمشي فارغين تماماً، وهنا انا اعني تماماً
حتى ظلالنا، نملصها في صيف المدينة
انني لا اتفقد اطلال الذاكرة الآن، ربما هي مكاشفة، القفز في هاوية سحيقة هي اناي الضائعة في برودة الصحراء وسوء تأدبها مع الزوار البؤساء
والحق يُقال
ليست البلاد هي التي علقتنا من ارجلنا في مداخل المشيئة، ولم يكن للحب دور في ثقب نافذة الاسئلة المجروحة
اننا الضحايا والجلادين في آن واحد، أن الذي يحلم في بلاد لا تنام
يصنع من جسده الطافي، سلالم تصعدها اللصوص لتصادر الدعوات الصادرة
اتذكر جيداً ما كان
لطالما جلسنا هكذا تماماً، تهندسنا الكيمياء كارواح مطلوقة لزندقة الخوف من الغد، نتهامس باشياء كافرة بالامس، وبقصص اباحية حول نساء عرفن سر غيبوبة العاطفة داخلنا
وقد تمرنا مراراً على البكاء ضاحكين، وعلى السير دون احذية وفية لقضية المشوار
رافقتنا لعنة الوطن
الجرح الوطني المتفتق، النزف من اتجاه الصلاة، الخوف من لكزة صديق، الركض ضد الموت، في محاولة ساخرة لاجباره على الترجل
ولم يكن لتهورنا علاقة بالشجاعة
بل كنا نُجرب الهاويات، نحاول الانزلاق لاقصى ما يكون
لنكون
ربما لعنة الصحراء في أنها تجعلنا نتعرف على السراب عن كثب، لا لنكتبه، بل لنميز السراب في غير الصحراء، حتى في المُدن الممسوسة بالاسفلت، ويافطات الدعاية، والسلع غير الضرورية للحب
هي التناقض
هي الاسئلة، المتملصة من نافذة جارة خلعت ثيابها دون أن تنتبه لمُخيلة الجار
هي شجرة اللبخ
ورائحة الغرفة التي تأكل المزاج قبل أن يبصق من تحت اطارات الوقت
هي المساءآت
وارداف الحبيبات في ذات تعنق عنيف، هي الجروح الوسيمة للماضي
حين يخذلنا الكأس، ويدحرجنا في مروج شاسعة الاوجاع
لا ادري، متى بدأت انضج، ولكنني حتماً، قد قرأت من الماضي ما يكفي لاكثر من نافذة، يمكن للذاكرة الآن أن تتنزه ما شاءت نزفا
ذلك أنني
وفي منتصف هذا الكأس، وجسد الفاجعة المترهل داخلي يأبى الثمالة
يمكنني أن اصف لكم الفجوة الداخلية للتصدع داخلي، حتى أنني قد احصي العناكب في السقف، الكتابات الصبيانية على الجدار، يمكنني أن اصف لكم هذا الخراب
وربما بكلمة او كلمتين
هي فقط
انني الآن، لست سوى ذاكرة مسلوخة
فقط ذاكرة مسلوخة

# عزوز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى