مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - أنا هو أبرع من يخدعني!!

من كتاب رحلة إلى شاطئ النار والنور
•نسعى دائما إلى تجميل صورتنا، وتغطية عيوبنا عن أعين الغير، وكلما نجحنا في إقناع من حولنا بذلك ، فإننا نصدق أنفسنا معهم، ونرى ذواتنا في صورة غير حقيقية، وهي ذات الصورة التي يراها الآخرون ،والأصل أننا نرغب بشدة في خداع أنفسنا ذاتها ، ونلتمس طريق ذلك بالتمويه على الغير، وكما نغطي أجسادنا بالثياب ونخفي سوءاتنا المادية، ونتخلص من خبث الجسم وقذوراته، ونخفيه عن الأنظار، بل ولا نطيق حتى النظر إليه، فإننا كذلك نتملص من الحقائق المادية والفسيولوجية ، ونلبس لكل حالة، لبوسا يناسبها، ويخفى مظهرنا الحقيقي حتى عن أنفسنا .
أي أن محاولة إخفاء المظاهر الحيوانية أو الأنانية، لا يتم على الآخر فقط بل، وعلى أنفسنا ذاتها!!
فالإنسان بما نشأ عليه من سلوكيات مجتمعية، ينكر حيوانيته، وأنانيته، وضعفه،رغم وجودها في أعماق كل نفس، ويحاول بشتى الطرق نسيانها، فإن لم يستطع ، فهو يبررها،وويلبسها ثوبا مزيفا...!!
والحقيقة المذهلة :
إن الإنسان يخفى عليه من نفسه أكثر مما يعلم، أو يدرك، فهولا يعرف إلا القليل فقط من أحوالها ، ونزعاتها...
ومما لا يصدق، أن ثمة قوة خفية،فعالة بشدة، تحول بينه وبين معرفة الحقيقة كاملة ،و مهما حاول ذلك، فالنفس تمنع صاحبها بقوة رهيبة عن الوصول إلى حقيقتها أو حتى مجرد الاقتراب منها!!
•على الإنسان أن يدرك أنه لا يعلم إلا القليل عن ذاته!
فقط الذي يعلم حقيقة كل نفس، هو من صنعها.
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
إن الصانع أدري وأعلم بنفس المصنوع من المصنوع نفسه، لذلك فقد يدهشك أنت شخصيا، فعل ينجم عن نفسك ولا تدري من أين أو كيف جاء هذا التصرف المطبوع في ذاكرة خفية عن عينيك، ويعطيك دلالة بأن كل نفس هي على اتصال بصانعها وواضع برامجها الظاهرة والخفية، ولكنه اتصال خفي !!
كما يجري الصانع لها فحصا وصيانة دورية هو أدري بها.
(ألا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير)
•النفس تخفي عن صاحبها ما يغضبه، أو تموهه عليه، حتى يعود السلام لصاحبها، في محاولة منها للحفاظ على العقل الذي قد لا يحتمل نزواتها.
وفقا للمقاييس الخلقية والاجتماعية التي تتسق و صاحبها، فالنفس هي العنصر الأساسي في الإنسان فهي التي تخشع، وهي التي تحزن وتتكدَّر، وهي التي تُسرُّ وتفرح، وترضى وتغضب.
و هي المخاطبة دوماً في كل الكتب السماوية، و المكلَّفة بالسير في طريق الحق.
وما هذا الجسد البالي المكون من اللحم والعظم إلاَّ ثوب النفس ولباسها.
أما الروح فيتوارد شعاعها مباشرة من عند الله إلى الجسد فتبعث فيه الحياة، مثل التيار الكهربائي الذي يلزم لتشغيل أي جهاز إلكتروني!!
وبتشغيل هذا التيار الكهربائي الرباني (الروح) تتمكن النفس من الحياة في الجسد ، ولكنها في الحقيقة سيطرة محدودة ظاهرية، وبقدر وليست مطلقة، و إنما تلفت نظرنا إلى تلك القدرة العظيمة، التي رتَّبت للنفس هذا الترتيب، وسخرت لها الجسد على هذه الصورة الكاملة .
فالعين تُبصر، والأذن تسمع، واللسان يذوق ويتكلَّم، والأنف يشم، والمعدة تهضم الأطعمة، والكبد يفرز الصفراء ، والكلية تصفّي الدم، والقلب يُنظِّم الدورة الدموية، والرئة تنظِّم التنفس، والكريات الحمراء في الدم تمتص من الجسم الغازات المضرة ، والكريات البيضاء تصد الجراثيم ... إلخ.
فمن الذي ربط هذه الأعضاء بعضها ببعض، وجعلها في خدمة الإنسان على هذه الصورة البالغة في الكمال ؟
من الذي جعل للنفس هذه الحواس التي تتعرَّف بها على ما يحيط بها من الأشياء؟
من الذي جهَّز النفس بتلك الملكات من تفكير وذاكرة وتخيُّل وإدراك؟
من الذي جعل لها ذلك العقل الذي تميز به الخير من الشر والنافع من الضار؟
من الذي جعل فيها تلك الغرائز والطباع من خوف وسرور وفرح وحزن ورضا وغضب؟
وجعل لها الشعور باللذائذ والآلام؟
من الذي أوجد النفس فأخرجها من العدم وأبرزها للوجود ؟
ما الذي يجعل نفسك أنت تخفي عنك بعض الأشياء في ذاكرة خفية عن عينيك تسمى اللاوعي وذلك حرصا عليك، كي تستطيع مواصلة الحياة، وإلا سقطت صريع الهم والخوف؟!
ألا يجدر بك أيها الإنسان أن تبحث عن ذلك كله، وتفكِّر؟!
ثم تتعرَّف على هذه اليد الحكيمة التي كوَّنتك، والقدرة العظيمة التي خلقتك وأوجدتك، بل ووضعت برامج داخلية لصيانتك، وطرق لتواصلها مع صانعها ليقوم بفحصها وضبطها بطريقة دورية، دون أن تدري أنت نفسك بذلك ؟
•هل تظن أنك وحدك، وأنك المتحكم الوحيد في نفسك وجسدك ؟!
إذا افترضت حدوث ذلك للحظة واحدة فاعلم أنك ستسقط على الفوز ميتا...
قل لي إذن : متي شعرت أنك وحيد ؟!
وأعني وحدة حقيقية مطلقة، فهل حدث ذلك ولو للحظة؟!
يتبقى لك فقط أن تعلم من ذا الذي يؤنس وحدتك!!
من هو الذي معك دائما، تشعر به، أقرب إليك من أنفاسك،بل أقرب إليك من حبل الوريد؟!
إن من يشرف على الموت غرقا، يرفع رأسه إلى السماء متضرعا ، وهو بين طيات الموج الهادر، طالبا المساعدة ؟!
{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
والإلهام هو أن يعرِّف الله النفس بالشيء.
ومن نعم الله تعالى على النفس أنه خلق فيها الشهوة ، التي لولاها لما ذاق الإنسان لذة ولا وجد للحياة طعماً بل لكان أشبه بالجماد.
لكن هذه الشهوة يمكن الوصول إليها عن طريق نافع، يعود على صاحبه بالسعادة، وعلى المجتمع بالصلاح .
أو أن يسلك طريقا آخر لا يعود على صاحبه إلا بالشقاء، وفيه لا يتوقف الإنسان ولا يشبع أبدا مهما بلغ من غايات مادية،أو سلطوية، فتجده يلهث دائما خلف شهوات ورغبات لا تنتهي حتى يفاجأ بانتهاء أجله، وهو لم يلتقط بعد أنفاسه!!
***.
النفس في القران الكريم :
1-النفس المطمئنة:
وهي النفس الأمنة التي لايستفزها خوف، ولاحزن.
و هي قد وصلت بعناية الله إلى مرحلة الاطمئنان، نتيجة لطاعتها، وقربها من الرحمن، وهي أعلى درجة، وأرقى مرحلة من الممكن أن تصل إليها النفس البشرية.
2-_النفس الراضيه:
وهي النفس التي رضيت بما أوتيت، فهي تلك النفس تعرف المعنى الحقيقي للرضا فهدأت واطمأنت وقنعت بما قسم الله لها.
3-النفس المرضّيّة:
هي تلك النفس التي رضي الله عنها عز وجل .
ودليل هذه الأنفس الثلاثة في كتاب الله العزيز : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية) سورة الفجر
4-النفس الملهمة:
هي النفس التي ألهمها الله (ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها) سورة الشمس الآية( 8)
5 -النفس اللوامة:
وهي التي تندم بعد ارتكاب المعاصي فتلوم نفسها..
(ولا أقسم بالنفس اللوامة ) سورة القيامة الآية ( 2)
6-النفس الأمارة بالسوء:
وهي التي تأمر بفعل السيئات.
وتلك أسوأ الأنواع، وأسوأ الأحوال التي تكون عليها النفس، إذ أنها تكون بلا شك قد وصلت إلى مرحلة مستعصية من الشقاء الذي لا ينتهي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى