د. محمد عبدالله القواسمة - صفقة القرن.. (مسرحية من فصل واحد)

(غرفة صغيرة. في الصدر، منصة عليها علمان لأمريكا، وفي وسطهما صورة للبيت الأبيض. أمامها كرسيان فاخران بينهما طاولة قصيرة، عليها مجسم صغير لتوماس جيفرسون، ومجسم آخر لتمثال الحرية. للغرفة نافذتان، ذواتا ستائر طويلة)

  • (يدخل إبليس كبير الشياطين. يرتدي ملابس مميزة)
  • إبليس : (يدير عينيه في الغرفة) أين أنا؟ أول مرة أحس بأني لا أدري أين أنا. ماذا حدث لي؟ من جاء بي إلى هذا المكان؟ هل دب العجز في عقولنا نحن الشياطين حتى بتنا لا نعرف خطواتنا؟ لا لم يتسلل الهرم إلى عقلي بعد. أظن أن في الأمر لغزًا، لا بد من حله. الحل عند لاقيس أين هي هذه الشيطانة؟ لم أعتد على بعدها؟ لعلها هي التي دبرت حضوري إلى هذا المكان. سيكون عقابها شديدًا إذا كانت هي السبب. من هي حتى تنقلني من مكان إلى آخر دون معرفة رأيي؟ (بغضب) يا لاقيس أين أنت يا ابنة الصراصير والذباب؟
  • (تدخل لاقيس)
  • لاقيس : ابنة الصراصير والذباب بين يديك أيها الكبير.
  • إبليس : هنا؟ أين هنا؟
  • لاقيس : على الشرفة، أنصت إلى ما يجري في الخارج.
  • إبليس : الخارج! أي خارج؟
  • لاقيس : (بدهشة) ما زلت في حالة فقدان الإحساس بالمكان أيها الكبير؟
  • إبليس : أنا لا أحس بالمكان؟
  • لاقيس : لكني في غاية الارتياح، لأنك تعود إلى حالتك الطبيعية.
  • إبليس : ما أذكره أني كنت في تلك الأرض التي يتقاتل من أجلها الناس، بعضهم يسمونها فلسطين، وبعضهم يسمونها إسرائيل. لماذا تركتها وجئت إلى هنا؟ هي المنطقة الوحيدة التي تهمنا، والتي تتطلب وجودنا. هي ملعبنا الذي نستطيع منه أن نتحكم في العالم. أخبريني ما الذي حدث لي؟
  • لاقيس : (بدلع) ابنة الصراصير والذباب لا تستطيع الإجابة عن سؤالك.
  • إبليس : تعرفين منزلتك عندي أيتها الشيطانة اللعوب. ثم إننا جميعًا لا نحب العيش إلا في البيئات التي تعيش فيها الصراصير والكلاب. تعالي اجلسي بجانبي، وأخبريني عن حالتي التي أعيش فيها.
  • لاقيس : (تجلس على الكرسي الآخر) مهلًا أيها الكبير. بدأت الحكاية عندما جاء السيد ترامب لزيارة أرض إسرائيل، وقف أمام حائط المبكى، وعلى رأسه الكيباه. كنت تراقبه عن كثب. أعجبت به، واندفعت نحوه. تعرف بعضكما إلى بعض، وأعجب بك. وكانت الكارثة.
  • إبليس : (بدهشة) كارثة أن يعجب شيطان من الجان بشيطان من الإنس!؟
  • لاقيس : نعم. بدأت الكارثة عندما تحول إعجابك به إلى أن سمحت له بأن يتلبسك بدلًا من أن تتلبسه. حادثة لم يسبق لها مثيل بيننا وبين البشر. حاولتُ أن أبعده عنك. لم أستطع. كان التصاقه بك شديدًا، ولم تتعاون معي في ذلك. لم تعد تفكر إلا في البقاء معه. ربما أعجبت بشعره الخروبي، وعينيه الذابلتين، وجسمه الضخم، وشدقيه الواسعين. صحيح هو قريب من جنسنا لكنه يظل غريبًا؛ فهو ليس من مادتنا. إنه من طين ونحن من نار. هكذا وقعت فريسة له.
  • إبليس : إذن، نحن هنا في بلاد العم ترامب.
  • لاقيس : بل في قلب مدينة واشنطن العاصمة الأمريكية. نحن في هذه الغرفة من غرف الطابق العلوي من البيت الأبيض. (تشير بيدها) انظر إلى الخلف، إلى علمي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي وسطهما صورة البيت الذي نحن فيه.
  • إبليس : أنا غاضب من نفسي. أمر غريب حقًا! أن نسمح لبني البشر بالسيطرة على عقولنا، ونحن في العادة من نسيطر عليهم، ونجعلهم يفسدون ويكفرون، ويكرهون وينتقمون.
  • لاقيس : (تضحك) ما غريب إلا الإنسان. ما يفرح كل الشياطين أنك بدأت تنفك عن صديقك الطيني.
  • إبليس : هذا صحيح. كم أحس بالندم؛ لأني سمحت لهذا المجنون أن يعبث بفكري؟ ويتباهى يقول الشاعر:
  • وكنت فتى من جند إبليس فارتقى
  • بي الحال حتى صار إبليس من جندي
  • على كل حال استدعي كل الشياطين على الساحة الشرق أوسطية؛ لأعرف منهم ما حدث بعد تركي تلك البلاد.
  • لاقيس : لا يوجد هناك أي شيطان حتى نستدعيه.
  • إبليس : ماذا تقولين؟
  • لاقيس : كلهم قدموا إلى هنا.
  • إبليس : معقول؟
  • لاقيس : حتى خربط وداسم المسؤولان عن المنطقة وصلا إلى هنا من أيام.
  • إبلس : لمن تركا تلك المنطقة التي هي مركز الكون، ومصدر أحداث العالم قديمًا وحديثًا.
  • لاقيس : لا أدري، ربما لديهما الأسباب المقنعة؟
  • إبليس : استدعيهما في الحال.
  • (تخرج لاقيس)
  • إبليس : (لنفسه) كنت مجنونًا عندما رافقت هذا المخلوق البشري. إنه يستحق الإعجاب فعلًا، لكن ليس بقدر أن يسيطر عليّ، أنا كبير الشياطين. كيف سمحت لبشر أن يتولى أعمالنا، ويلغي وجودنا؟ في قانوننا مباح أن نتعاون ونمد أيدينا لمن يرغب في مساعدتنا من البشر، لكن ممنوع السماح لهم بأن يقودونا. القيادة يجب أن تكون لنا دائمًا.
  • (تدخل لاقيس)
  • لاقيس : عفوًا أيها الكبير خربط وداسم بالباب.
  • إبليس : ليدخلا سريعًا.
  • (يدخلان)
  • خربط : تحت أمرك كبيرنا.
  • داسم : لم أرك سعيدًا منذ وصولنا إلى هنا.
  • إبليس : ما شأنك بسعادتي أيها الشيطان؟
  • داسم : كنت أحس بأنك في غيبوبة عميقة، لن تفيق منها أبدًا.
  • خربط : جميعنا كنا نلاحظ هذا دون أن نجد له سببًا.
  • إبليس : هي غفوة لا غيبوبة أيها الأحمقان!
  • (ينظر الاثنان بعضهما إلى بعض)
  • خربط : غفوة أم خطأ كبير اقترفته أيها الكبير؟
  • إبليس : ماذا تقول؟
  • خربط : ما سمعت.
  • داسم : يقصد أن الغفوة قد تسبب خطأ كبيرًا.
  • خربط : لم لا تعترف بأن ذلك الزميل البشري سيطر على عقلك حتى رافقته دون وعي؟
  • داسم : لا أدري كيف خدعك وأنت كبيرنا.
  • إبليس : لم يخدعني بل أعجبت بأعماله. لقد تفوقت على ما عملناه طوال الخمسين سنة الماضية. أفقر منطقة الخليج العربي، وترك الباب مفتوحًا لخراب البيئة عندما تملص من اتفاقية المناخ، وأشعل الحقد والكراهية في العالم عندما انسحب من اليونسكو، ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والاتفاق النووي مع إيران. وعندما تنصل من كل المواقف الأمريكية السابقة من القضية الفلسطينية، خاصة مما يتصل بحل الدولتين.
  • لاقيس : ولا ننسى أنه نادى أكثر من غيره بالحرية الجنسية.
  • إبليس : المهم، لماذا تركتم منطقة الشرق الأوسط وجئتما إلى هنا؟
  • داسم : لم نجد ما نقوم به في تلك المنطقة، رأينا أن نكون معك؛ فالأوضاع هنا، خاصة بعد الإعلان عن صفقة القرن، تتطور بسرعة، وتؤثر في العالم كله، وليس في الشرق الأوسط فقط.
  • إبليس : ما كان يجب أن تأتيا، وتتركا مهمتكما. فكل الأمور ناضجة هنا، بفضل صديقنا البشري. والخوف كل الخوف أن نفقد السيطرة على الناس في تلك المنطقة.
  • خربط : اطمئن أيها الزعيم. ليس في تلك المنطقة أي أثر لما يسميه الناس الخير، كل ما فيها ينبع من فلسفتنا وفكرنا، ويحقق أهدافنا؛ فهنالك قتل كثير، وغلاء فاحش، وفساد لا نظير له، والكره يخيم على الجميع، ولا تسأل عن السرقة والاغتصاب والاقتتال الطائفي. اطمئن السجون ملأى، والمقابر تعمل بفاعلية، ولا تسمع إلا الصراخ والنحيب والبكاء في كل مكان.
  • داسم : الكل يأكل الكل.
  • إبليس : مع ذلك، ما كان يجب أن تتركا المنطقة.
  • خربط : الوضع مسيطر عليه ذاتيًا.
  • إبليس : ماذا تقصد ذاتيًا؟
  • خربط : الناس يسيّرون الأمور كما نريد دون أن يكون لنا أي دور فيها.
  • داسم : لا تقلق يا سيدي. تركنا تلك المنطقة لنتفرغ إلى هنا.
  • إبليس : لا يحتاج الوضع هنا إلى أعداد كبيرة منا؛ ثم إن العقبات تزول بسرعة بفضل صديقنا الطيني. إنه مبدع في تغيير كل ما لا يتفق وهوانا وسلوكنا؛ فقد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إلى القدس، ورفع الدعم المالي عن وكالة الغوث، وألغى ما يسمى حل الدولتين. ماذا تريد الشياطين أكثر من ذلك؟
  • داسم : حقًا لقد دخل التاريخ حين أعلن عن صفقة القرن.
  • خربط : إنها خطته المحكمة لخدمة إسرائيل، كما فعل بلفور وزير خارجية بريطانيا. إنه وعد بلفور جديد لكنه أهم من الوعد الأول.
  • خربط : لا ننسى أن مصمم الصفقة هو نتنياهو رئيس دولة إسرائيل، وما ترامب إلا الأداة المنفذه.
  • داسم : نتنياهو هنا..
  • إبليس : مصدر فرحنا.
  • داسم : سيعقد الاثنان اجتماعًا مغلقًا، ثم مؤتمرًا صحفيًا للحديث عن صفقة القرن، التي ما زالت تتفاعل في الأواسط السياسية.
  • إبليس : (للاثنين) يجب أن تعودا إلى الشرق الأوسط، وتنخرطا في توجيه الناس، والسيطرة عليهم. البشر أصحاب أمزجة متلونة، وعقول متقلبة؛ يتلونون ويتقلبون بسرعة. يجب ضبط سلوكهم كما نريد. علينا مضاعفة الجهود كي تتحول حياتهم إلى جحيم؛ ليندفعوا في الخلاص منه، إلى الجحيم الآخروي الذي ينتظرهم.
  • داسم : (بتذمر)العودة إلى الشرق؟!
  • إبليس : هيا نفذا ما أمرتكما به.
  • خربط : ألست متسرعًا في هذا القرار؟
  • إبليس : متسرعًا؟ كيف تجرؤ على هذا القول؟
  • داسم : ألا من رجوع عن هذا القرار؟
  • إبليس : (بغضب) تريدان مخالفة أمري؟
  • خربط : لا أيها الزعيم، ولكن ليتك تراجع الأمر في ذهابنا إلى تلك المنطقة، التي انتهت بولائها لنا! هذه المنطقة هي التي تقتضي مصلحة الشياطين التركيز عليها؛ لأن ما يجري فيها سيكون له تداعيات تؤثر في دول العالم كلها.
  • إبليس : لا عدول عن القرار.
  • داسم : اسمح لنا أن نعصي أمرك هذه المرة.
  • إبليس : لا تعرفان مصير من يعصي أمري؟
  • داسم : نرجو أن تقدر موقفنا.
  • إبليس : سيكون عقابكما شديدًا!
  • خربط : ليكن ما يكون. هذا ما نقتنع به الآن.
  • إبليس : ستبقيان هنا في أمريكا، ولكن منفيين في صحراء نيفادا إلى الأبد.
  • لاقيس : متى التنفيذ يا مولاي؟
  • إبليس : فورًا!
  • داسم : هلّا أمهلتنا إلى ما بعد المؤتمر الصحفي الذي سيعقد بعد قليل.
  • إبليس : قلت فورًا.
  • داسم : لم تتعلم من سيد الكون. لقد استمع إلى رأيك، وحاورك، وعندما خالفت أمره بالسجود لآدم لم يسارع إلى عقابك، وأرجأك إلى أجل مسمى.
  • إبليس : ذلك هو الخالق يا غبي. هيا واجها مصيركما بشجاعة الشياطين.
  • خربط : (الداسم بهمس) سنعيش في الصحراء مع الحيوانات والأنهار. هذا أفضل من العيش مع بني البشر.
  • إبليس : سمعت بعض ما قلتماه. لن أحاسبكما لتعرفا كم أنا متسامح معكما. الآن اغربا عن وجهي!
  • (يخرجان)
  • لاقيس : حان موعد الاجتماع.
  • إبليس : نريد كثيرًا من العمل حتى ينتج ما يغير العالم، ويحركه نحو اللاشيء العدم. ابحثي عن الشيطان مطرش وأحضريه إلي.
  • لاقيس : أين أجده؟
  • إبليس : بالتأكيد، يتسكع في مرافق البيت الأبيض.
  • (تخرج لاقيس)
  • (ينظر إبليس باحتقار إلى تمثال توماس جيفرسون، وتمثال الحرية)
  • إبليس : لا أدري ما الفائدة التي يجنيها الشياطين من وجود هذين التمثالين في البيت الأبيض. (يمسك تمثال جيفرسون. يقرأ ما كتب على قاعدته بصوت عال) :" القانون في كثير من الأحيان يكون رغبة الطاغية وسوف يكون ويظل دائما ينتهك حقوق الفرد" (يضعه باشمئزاز) لا ينقصنا، في خضم صفقة القرن غير المناداة بالديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والحرية الفردية.
  • (تدخل لاقيس. يعيد التمثال مكانه)
  • لاقيس : أيها الكبير وصل مطرش.
  • إبليس : دعيه يدخل.
  • (يدخل مطرش)
  • مطرش : كل شيء يسير كما نريد.
  • إبليس : هات ما عندك أيها الشيطان النشيط.
  • مطرش : صفقة القرن تحرك الساحة الدولية. كثيرون يرفضونها، وقليلون يؤيدونها على استحياء. حتى المجتمع الأمريكي منقسم على نفسه. أوروبا لها رأي آخر بعيد عن صفقة القرن، وكذلك روسيا وجامعة الدول العربية. الاختلاف مستمر، وسنعمل على أن يتفاقم. ما يهمنا سوى الفوضى، والقتل، وتشرد الناس، وزيادة المجاعات والحروب. الأيام القادمة حبلى بالتغيرات. من المتوقع أن تشتعل الحروب والتصريحات بعد أن يعقد الرئيس الأمريكي وضيفه المقيم نتنياهو مؤتمرًا صحفيًا يتحدثان فيه عن نتائج لقائهما، ويدافعان عن خطتهما للسلام في الشرق الأوسط.
  • إبليس : أنا معجب بك يا مطرش. بإمكانك الانصراف الآن لتتابع مهماتك قبل اجتماع الزعيمين وانعقاد المؤتمر الصحفي. عسى أن تنجح في زيادة الكراهية والبغضاء بين المجتمعين جميعًا!
  • (يخرج مطرش)
  • لاقيس : هل تظن أنا سننجح في إشعال الفتنة هنا؟
  • إبليس : نحن نرحب بالفتنة هنا، أو في أي مكان من العالم. لكن الذي يهمنا في هذه المرحلة إشعال نيران الشر في منطقة الشرق الأوسط.
  • (يتوقف إبليس عن الكلام. يطرق مفكرًا)
  • لاقيس : هل يوجد ما يقلقك؟
  • إبليس : (يرفع بيده مجسم تمثال جيفرسون) يقلقني هذا التمثال، كنت على وشك أن أخبطه بالأرض. لماذا هنا؟ إنه لا يمثل القيم الشيطانية التي ندعو إليها. متى كنا مع استقلال الشعوب!؟ متى كنا مع حرية العبيد!؟ متى كنا مع حرية المرأة، واحترام الرأي والرأي الآخر، ونشر العدالة بين الناس؟ لو يتحقق هذا لانتهى عملنا على وجه الأرض. أتعرفين ما لقب هذا السيد جيفرسون؟ إنهم هنا يلقبونه "رجل الشعب". يظنون أنهم باحترامهم أمثاله سيدخلون الجنة.
  • لاقيس : أنا لا يضايقني وجود جيفرسون فقط بل تمثال الحرية أيضًا. إذا ما سعى الناس إلى الحرية داسونا بأقدامهم.
  • إبليس : لا بد من وسيلة للتخلص من هذين المجسمين.
  • لاقيس : لا عليك!
  • إبليس : ماذا ستفعلين؟
  • لاقيس : سأفكر في الأمر.
  • إبليس : أعتمد عليك في هذه المهمة. رؤية "رجل الشعب" تكاد تمزقني.
  • لاقيس : سأجعلهم يرمونه في سلة المهملات.
(جلبة في الخارج)

  • إبليس : ماذا يجري؟
  • لاقيس : حان موعد الاجتماع. إنهم قادمون.
  • إبليس : سنختفي عن الأنظار.
  • (يتوارى الاثنان وراء ستارة)
  • (يدخل ترامب ونتنياهو)
  • (يضع كل منهما يده على أنفه)
  • ترامب : ما هذه الرائحة؟ (يلتفت خلفه) أين رئيس التشريفات؟
  • رئيس التشريفات : نعم سيدي!
  • ترامب : رائحة غير عادية في الغرفة.
  • (رئيس التشريفات يدور في المكان)
  • رئيس التشريفات : كما ترى، النوافذ مفتوحة. وأمرتهم أن يرشوا العطر، الذي تحبه في أرجاء الغرفة.
  • ترامب : (يضع يده على أنفه) توجد رائحة نتنة. أليس كذلك يا صديقي نتنياهو؟
  • نتنياهو : فعلًا! على كل حال لن نطيل البقاء هنا.
  • رئيس التشريفات : وجدتها، إنها تصدر من هذا التمثال.
  • ترامب : إنه تمثال توماس جيفرسون. تخلص منه سريعًا.
  • نتنياهو : كيف؟! إنه من رؤساء بلدكم السابقين، وكاتب وثيقة الاستقلال، والمفكر المعروف.
  • ترامب : ليذهب إلى مزبلة البيت الأبيض. ما حاجتنا إلى تمثال رائحته نتنة؟!
  • نتنياهو : إنه يمثل العدالة والديموقراطية والأخوة الإنسانية.
  • ترامب : وماذا فعلنا في صفقة القرن غير هذه؟!
  • (يمسك رئيس التشريفات التمثال بقطعة قماش)
  • رئيس التشريفات : سأخفيه تحت الأرض.
  • (بالباب جلبة الصحفيين ورجال الإعلام)
  • رئيس التشريفات :(لمن بالباب) الآن سيكون اجتماع مغلق، ثم بعد ذلك المؤتمر الصحفي. أرجو البقاء في الخارج. (يستدير إلى من بالداخل) بإمكانكما بدء الاجتماع.
  • ترامب : اتركنا وحدنا.
  • (يغلق رئيس التشريفات الباب عليهما)
  • ترامب : أهلًا بك سيد نتنياهو في البيت الأبيض!
  • نتنياهو : أشكرك أيها الصديق على ما قدمته لدولتنا. إن إعلانكم عن صفقة القرن عمل تاريخي يعادل إعلان الدولة في عام 1948 م.
  • (يجلسان)
  • ترامب : شعب إسرائيل يستحق أن تكون له دولة، تنعم بالأمن والرفاهية، بعد الشتات والمجازر التي لحقت به. الحقيقة كلنا أيها الرئيس يهود، نحس بما تعانونه من جيرانكم العرب. لا بد من نهاية هذا الصراع الذي تخوضونه من أجل البقاء. جاءت صفقة القرن لتعترف بدولتكم يهودية خالصة على كامل ترابكم التاريخي، كما ورد في الكتاب المقدس. الإعلان عن صفقة القرن في هذا الوقت جاء لنا بكثير من المشاكل في الداخل والخارج. مشاكل بيننا وبين الأوروبيين، وبيننا وكثير من الدول العربية والإسلامية، حتى هنا في أمريكا بدأنا نشهد انقسام المجتمع الأمريكي حول بنود هذه الصفقة. أول مرة يحدث هذا في تاريخ أمريكا. لكن نحن سعداء في تقديم ما نقدر عليه من أجل سعادة الشعب الإسرائيلي.
  • نتنياهو : لقد جاء الإعلان عن صفقة القرن في الوقت المناسب. فنحن الاثنين في مواقف حرجة، ونتطلع إلى أن يخدمنا هذا الإعلان كثيرًا في الخروج من الاتهامات التي تحيط بنا، وأن يساعدنا على النجاح في الانتخابات القادمة. أما بالنسبة إلى الأوروبيين فهؤلاء اعتدنا مواقفهم المخالفة؛ ليظهروا أمام شعوبهم بأنهم مستقلون في قراراتهم، وهم في الحقيقة يسيرون في ركاب السياسة الأمريكية. أما بالنسبة إلى الأمريكيين فسرعان ما يلتفون حول رئيسهم، في دعم دولة إسرائيل الصديقة. لكن ما يزعجنا أيها الصديق هو موقف هؤلاء الذين يسمون الفلسطينيين.
  • ترامب : دع عنك هذا الانزعاج من الموقف العربي والإسلامي والفلسطيني. إنهم يقولون كثيرًا ولا يفعلون شيئًا. لاحظتَ أني منذ توليت منصبي في البيت الأبيض بدأت تنفيذ صفقة القرن بهدوء. لم يعترض علينا أحد، مجرد كلمات سمعناها من هنا وهناك، لإرضاء الشعوب، ثم عم الصمت. هذا ما سيحدث. ليتكلموا ما شاؤوا ما دام مشروعكم يسير إلى الأمام. يجب ألا تخشى هؤلاء الفلسطينيين، سنقدمهم اليك ناضجين حتى تصنع بهم ما شئت.
  • نتنياهو : لن تنسى دولة إسرائيل موقفك الشجاع في دعمها.
  • ترامب : هذا واجب العالم الحر. لكن..
  • نتنياهو : ماذا أيها الرئيس؟
  • ترامب : لا شك في أنكم وضعتم خطة صفقة القرن، ولم يكن لنا غير شرف تبنيها وتقديمها للعالم، أتساءل لماذا كنتم متسامحين كثيرًا مع أعدائكم؟
  • نتنياهو :(بابتسام) كيف؟
  • ترامب : صحيح، نجحت صفقة القرن في تبني القدس عاصمة لدولتكم، وضم غور الأردن، والمستوطنات التي أقيمت على مناطق السلطة الفلسطينية إليها، لكنكم كنتم متسامحين في القبول بإقامة دولة فلسطينية بجوار دولتكم، واتخاذ عاصمتها قريبة من عاصمتكم، ثم وافقتم على أن يكون تحتكم نفق بين الضفة وغزة. لقد تنازلتم كثيرًا لأعدائكم.
  • نتنياهو : لا. لم نتنازل عن شيء لأعدائنا. نحن نرى في صفقة القرن ـــ كما قلت لك ـــ فرصة تاريخية لإسرائيل كانت تحلم بها منذ إنشائها. أما عن النفق فهذا ـــ كما تعرف ـــ نستطيع إغلاقه متى شئنا بل ردمه في أي وقت على رؤوس أعدائنا. أما عن دولتهم فهذه لن تكون إلا بالاسم فقط، ولمدة ما، وسنلغيها في لمحة عين بعد أن ننتهي من ترتيب أوضاعنا، وترويض شعوب المنطقة ليتقبلونا بينهم. سياستنا واضحة للجميع، وهي تفريغ الأرض من الفلسطينيين سواء أكانوا من عرب الداخل أم غيرهم. ليذهبوا إلى أي مكان: إلى الأردن، إلى أوروبا، إلى كندا، إلى صحراء الربع الخالي. كل ما جاء في صفقة القرن يصب في هدفنا النهائي، وهو قيام دولة خالصة لليهود فوق تراب أرض إسرائيل المقدسة، التي وعدنا بها الرب.
  • ترامب : ما أسمعه يثلج صدري. كل ما أريده أن أرى دولة إسرائيل مسيطرة على الشرق الأوسط كله، لتحافظ على المصالح الأمريكية.
  • (صوت همهمات وضحكات)
  • ترامب : هل سمعت؟
  • نتنياهو : ماذا؟
  • ترامب : أصواتًا غريبة.
  • نتنياهو : (يرهف السمع) سمعت أصواتًا مثل التصفيق والصفير، لم أخبرك حتى لا تتهمني بأني مريض نفسي. لكن ما الذي سمعته؟
  • ترامب : كأني سمعت من يقول: عاشت صفقة القرن! عاشت إسرائيل دولة يهودية!
  • نتنياهو : لكني سمعت غير ذلك. سمعت من يقول: الانحناء لكما واجب.
  • ترامب : إسرائيل ولدت لتبقى. يبدو أن الرب يباركنا، فأرسل إلينا الملائكة؛ لتحتفي بلقائنا، وتصفق لما قمنا به. لا شك أن الأمور تسير في صالحنا جميعًا.
  • (يدخل رئيس التشريفات دون استئذان)
ترامب : ما هذه الفوضى؟

  • رئيس التشريفات: خبر عاجل سيدي الرئيس لا يتطلب التأجيل.
  • ترامب : خبر؟
  • رئيس التشريفات: نعم ومن الأرض المحتلة..
  • نتنياهو : قل من إسرائيل.
  • ترامب : ليس مهمًا هذا الآن. أسرع ما الخبر؟
  • رئيس التشريفات: عملية خطيرة في القدس. شاب دهس بسيارته عددًا من الجنود الإسرائليين؛ فجرح أربعة عشر جنديًا وقتل واحدًا، وولى هاربًا. قوات الشرطة والأمن تبحث عنه. وهناك أخبار غير مؤكدة عن قتل مستوطن يهودي في عملية إرهابية قرب مدينة جنين.
  • ترامب : لا أظن أن الأمور ستتطور إلى انتفاضة، كما حدث عامي 1987م، و2000م.
  • نتنياهو : الأمر خطير يجب السيطرة عليه.
  • ترامب : ماذا تنوي أن تفعل؟
  • نتنياهو : لا بد من عودتي إلى إسرائيل؛ لأدير المواجهة مع هذه الجماعات المتطرفة حتى لا تتطور الأمور إلى انتفاضة.
  • ترامب : هي حوادث فردية. كما تعرف، انفعالات العرب وقتية. يهبون فجأة ثم يخمدون.
  • نتنياهو : سأقطع زيارتي، وأغادر هذا البلد الوفي، لنرى ما يمكن عمله إزاء ما جرى.
  • ترامب : والمؤتمر الصحفي؟
  • نتنياهو : نعلن إلغاءه.
  • ترامب : (لرئيس التشريفات) أعلن عن إلغاء المؤتمر الصحفي إلى وقت آخر.
  • (يتجهان نحو الباب)
  • نتنياهو : وداعًا يا صديقي. إسرائيل تدعوني إليها.
  • ترامب : اطمئن، الولايات المتحدة إلى جانبكم.
  • (تخلو الغرفة)
  • (يظهر إبليس ولاقيس)
إبليس : نعترف نحن الشياطين بعجزنا عن إبداع صفقة مثل صفقة القرن التي أبدعها هذان المعلمان العظيمان. صفقة ليس لها مثيل في التاريخ السياسي أو الاقتصادي، كان خلفها اثنان: أحدهما ليست له علاقة مباشرة بالمشكلة، فهو بعيد عن الأرض موضوع الصفقة آلاف الأميال، والآخر هو في الأصل بولندي اختلق له ولأهله علاقة بتلك الأرض، وتزعم دولة ساهمنا في إقامتها من خلال مؤامراتنا الشيطانية. وهما مستمران في التعاون معنا في تضليل العالم، وصناعة الشر. سننجح جميعًا في تحقيق أهدافنا. أما الخبر الذي فاجأنا هذا الصباح، وعكر صفو هذه الصفقة، الخبر عن تلك العملية الإرهابية التي حدثت في القدس، فأمر يستدعي التفكر والتدبر في موقفنا نحن؟

  • لاقيس : ماذا سيكون موقفنا؟ إننا ننظر بعين الرضا إلى تصرف صديقنا نتنياهو السريع في العودة إلى القدس. إنهم قادرون هناك على عمل ما نعجز عنه.
  • إبليس : هذا صحيح، لكنهم يحتاجون إلى كثيرين منا لمساعدتهم على تشريد أعدائهم وأعدائنا، ولا ننسى بأن صديقنا يعاني من مشاكل داخلية، وتهم بالفساد والرشوة وغيرها، مما يجعله في حاجة ماسة لينتصر على تلك الظروف.
  • لاقيس : ماذا تعني؟
  • إبليس : لابد من عودتنا سريعًا إلى إسرائيل، لنشرف على ما يجري، ونوجه الأحداث لصالحنا. لا نستطيع ترك أصدقائنا وحدهم في معركة ما بعد الصفقة. إن ترامب ليس بأشجع منا في اتخاذ المواقف الحاسمة.
  • لاقيس : صدقت..
  • إبليس : قررت بأن يتوجه كل الشياطين إلى الشرق الأوسط لتنفيذ بنود صفقة القرن، والتخطيط لما بعدها، في صناعة صفقات جديدة لسيطرة الشياطين على العالم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى