منذر عبد الحر - أيها الشعراء... رفقاً بقصيدة النثر

أتذكّر حادثة طريفة في مقهى حسن عجمي , أيّام احتدام الحوار في قصيدة النثر وآفاقها وفضاءات الاشتغال بها , وكذلك الرفض الكبير لها من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية , باعتبارها شروعاً بتدمير اللغة العربية وقواعدها , والخروج بالشعر عن محدداته التقليدية التي عرف بها , الحادثة التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي ,هي أن أحد شعراء الثمانينات كان يمزح مع جليس له في المقهى , حيث قال له بشيء من التهكم والسخرية : لماذا لا تصبح شاعرا ؟
استغرب الجليس هذا السؤال المباغت , وأجاب بأنه لا علاقة له بالشعر , فكيف يصبح شاعرا , فقال له الشاعر الثمانيني , القضية بسيطة جدا , كل ما في الأمر أنك تذهب الآن إلى شارع المتنبي , تقتني عددا من المجموعات الشعرية المترجمة , وكذلك تحصل على صحف فيها شبكات الكلمات المتقاطعة , ترتب جملها , وتأخذ جملا ومفردات أخرى من المجموعات المترجمة , وتختار عنوانا من أحد العناوين اللافتة في قصيدة من القصائد وتغيّر في كلماتها , عندها تكون قد كتبت قصيدة نثر !!
هذه الحادثة قد تبدو طريفة , أو بسيطة , أو مزاحا بريئا , لكنها ليست غريبة في تشخيصها لبعض نصوص عدد غير قليل من الشعراء الذين سرعان ما تواروا , لأنهم تعبوا من هذه اللعبة التي لم تحقق لهم أية نتيجة ...
تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ هذه الأيام نصوصا يدّعي شعراؤها أنها قصائد نثر , لكنها بعيدة كل البعد عن هذا التجنيس , لأن بعضها عبارة عن خواطر عاطفية لا وجود للشعر فيها , أما بعضها الآخر وهو الأكثر شيوعا وانتشارا , فهي النصوص السردية المباشرة التي تسقط في مستنقع ضياع تجنيسها , فلا هي قصة قصيرة , ولا هي شعر نستطيع أن نجعله ضمن تجربة قصيدة النثر , فهذا السرد الذي يخلو من أية لمسة شعرية أو لغة استثنائية , هو استرسال وجداني من الممكن أن يكون خاطرة أدبية بسيطة ..
لا أريد هنا أن أضع شروطا أو محددات لقصيدة النثر , ولا أريد عرض ما طرح حول هذه التجربة من تنظير ورؤى , فهي متاحة معروفة , كما لا أريد أن أذهب كما ذهب أحد النقاد المتطرفين إلى عرض رؤية نشاز يسعى من خلالها إلى حصر قصيدة النثر في اشتراطات يراها هو , فالقضية لا تستدعي كل هذا التعقيد , فالشعر بعمومه , يجب أن يحلق باللغة من مستوى تعبيرها العادي المألوف إلى مستوى مجازي إبداعي غير مألوف , يستخدم فيه الشاعر خياله وطاقته الإبداعية إضافة إلى وعيه وحرفيّته , لا أن يكتب نصا بسيطا ممكنا مثل " أيقظني أبي
وقال لي صباح الخير , يا بني , اخرج للسوق , واجلب لنا بطاطا " وهكذا , المهم أ ن يتم ترتيب الجمل , كل جملة في سطر , ثم ينشر هذا "الشاعر" نصه في مواقع التواصل الاجتماعي على أنه قصيدة النثر , ويعلّق عليه المعلقون إعجابا وإشادة , ثم يطبع في كتاب وهكذا .....
قصيدة النثر ليست هكذا أيها الأصدقاء الشعراء فرفقا بها ..وبنا !


منذر عبد الحر



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى