د. عبدالجبار العلمي - العتبات النصية في رواية "ثقوب في جدار الزمن" للروائية المصرية عواطف أحمد الباتنوني طبعة "روايات الهلال"

1 ـ العتبات النصية :
يلج القارئ عالم الرواية من خلال العتبات النصية الآتية :
1 ـ العنوان : يتكون من الناحية التركيبية من متتالية مركبة من : مبتدإ ، خبره شبه جملة (جار ومجرورـ مضاف ومضاف إليه ). لقد بأَّرت الروائية لفظ " ثقوب " لتثير انتباه القارئ المفترض إلى أنه بإزاء مجرد ثقوب ، يمكنه أن يطل منها على العالم الروائي من خلال جدار الزمن السميك. .وقد استخدمت لفظ " ثقوب " نكرة حتى لا تحدد ، لا عددها ، ولا مدى اتساعها. هل تود المؤلفة بهذا الصنيع أن تقول لنا إن الزمن الذي يحياه الإنسان مليء بالأحداث والذكريات ، بيد أن الذاكرة الإنسانية عاجزة عن التقاط كل ذلك؟ وإلا لسودت آلاف الصفحات. ثم إن الخبر الذي أتى في مكونات العنوان شبه جملة ( في جدار الزمن ) ، يوحي إلينا رغم الإضافة ( الزمن ) ، أننا أمام شبه جملة ، وليس أمام جملة كاملة. وفي ذلك دلالة على عدم الإحاطة بكل ما خلف السور.
يقول جرار جنيت : " احذروا العتبات "،( ) ويورد د.سعيد يقطين بعد مقولة "جينيت" مثلا مغربيا مفاده : " أخبار الدار على باب الدار ". ( ) إن لفظ الزمن في عنوان الرواية رغم هلاميته واستحالة القبض عليه ، فإن المؤلفة صنعت له جداراً صلداً لا يمكن نسفه أو تسلقه لرؤية ما خلفه رؤية واضحة بجميع أرجائه وأبعاده، ولكنْ ثمة ثقوب في ذلك الجدار هي التي تتيح وحدها للناظر رؤية ما خلفه من وقائع وأحداث حدثت في الزمن الماضي. فالذاكرة خؤون ، والزمن مشحون بالأحداث والذكريات التي يطوي معظمها النسيان. ولذلك نلاحظ أن الساردة ـ المشاركة لطالما لجأت في سردها إلى تقنية الحذف الزمني (Ellipse ) في مواطن عديدة من المتن الروائي. نكتفي بذكر بعضها على سبيل التمثل :
" ومضت الأيام بحلوها ومرها .." ،( ص : 103 )
" مرت ثلاث سنوات ولم تبد بشائر حمل على الزوجة "، ( ص : 105 )
" وتمر الأيام ، ويتغير وجه الحياة سريعاً"،( 150)
" مضت سنوات الدراسة " ، ص : 300
" وهكذا مضت السنوات بنا " ، ص : 408
ورغم أن رؤية الزمن الماضي كانت عبر ثقوب في جدار ، فإن المؤلفة استطاعت أن تقدم لنا عالما شاسعا مشحوناً بالأحداث ، ممتلئا ًبالشخصيات ، متشحا بوشاح الوصف الدقيق للطبيعة. وذلك من خلال ثلاثة أجزاء روائية تحتوي على 441 صفحة.
إن العنوان هو نواة الحكاية ، وبؤرتها التخيلية ، وهو أيضاً أول عتبة نلج من خلالها عالم النص ". ( ) وتحضر بعض ألفاظ العنوان ودلالاته بصيغ مختلفة، وعبارات متنوعة دالة على الزمن ، وما يتميز به من ذكريات سريعة المرور في كثير من المقاطع الروائية. نكتفي بالإشارة إلى بعضها على سبيل التمثيل :
ـ" أين يكمن هذا الشريط الكامل من الذكريات بألوانه ورائحته وأصواته وشخوصه ؟ ، ( ص : 306 )
ـ " شيعت آخر أيام الدوار الجميل " ( ص : 112 )
ـ "شيع فيها الزمن الجميل " ( ص : 112 )
ـ" كيف يعيش الإنسان عمره كله في ساعات بل أحيانا يستحضره في لحظات ؟ " ، ( ص : 306 )
ـ " يادي الزمن الرديء " ، ( ص : 118)
ـ " تبكي الزمن الجميل " ، ( ص : 247 )
ـ " ومضت الأيام بحلوها ومرها " ، ( ص : 90 )
ـ " فالأيام تمضي وفاطمة لا يتقدم إليها أحد " ، ( ص : 91 )

2 ـ الإهداء :
توجه المؤلفة الإهداء إلى زوجها الحبيب . تذكره باسمه محمد أبو شادي شريك رحلة العمر، وتوقعه باسمها الشخصي " عواطف ". وهذا ينم عن مدى الروابط الوثيقة ، والعلاقة الحميمة التي كانت تربط بينهما : المودة والعشرة الطيبة والعواطف الصادقة التي سنصادف كثيراً من مظاهرها في حياة الناس ضمن المتن الروائي. وهكذا نلاحظ أن ثمة وشائج تربط دلالياً بين النص الموازي والنص الروائي.

3 ـ العتبة الثالثة : هي عبارة عن مقولة من تأليف الكاتبة ، لها ارتباط وثيق بعنوان النص ، ولها دلالتها في ثنايا الرواية . وهذه المقولة هي:" يصنع الزمن بيننا وبين ما مضى من أيامنا جدارا.يصعب تسلقه، ولكنه جدار ليس أصم" الأمر الذي يوحي للمتلقي بأنه بصدد الانغمار في أعماق الزمن الماضي الذي تحكي عنه الرواية ، رغم صعوبة تذكر أحداثه كلها . بيد أن أهم الأحداث والوقائع تبقى رغم ذلك موشومة في الذاكرة، عصية على النسيان. وهي ما ستقوم بسرده الساردة ـ المشاركة التي ستتولى مهمة السرد في الجزأين الأولين من الرواية: " غسيل الذهب" و"عيون القمر"، بينما سيعهد بمهمة السرد في الجزء الثالث من الرواية " حياة الشوك " للشخصيتين الرئيسين: " هدى " ووالدتها " حياة ".

4ـ المقدمة :
تكشف المقدمة للقارئ أن الساردة المشاركة استقت مادة روايتها من جدتها أمينة أو أم حمادة . وهذه الأحداث تمتد من بداية القرن 20 إلى قيام ثورة الضباط الأحرار 1952 وما خلفته من آثار إيجابية وسلبية على المجتمع المصري سواء في المدر أو الحضر . وتستكملها عند زيارتها للجدة التي كانت تجد في أحاديثها الممتعة المليئة بالمعارف التي تفوق في نظرها كل ما قرأت من كتب ( ص : 9 )




ثقوب.jpg



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى