د. محمد عبدالله القواسمة - الاهتمام النقدي بالعتبات النصية

يُقصد عادة بالعتبات النصية، أو النصوص الموازية، أو النصوص المحيطة ما تتضمنه الأعمال الأدبية من جوانب أخرى غير نصوصها الرئيسية، وتشمل العنوان الرئيسي، والعنوان الفرعي، والعناوين الداخلية، والإهداء، والتقديم، والمقدمة، والملحقات، والهوامش، والتوثيق، والفهرس، والملاحظات، وكلمات الغلاف، والمقتبسات، والتنبيهات، والصور وغيرها.

لا شك أن العتبات النصية من القضايا المهمة في النقد الأدبي المعاصر، بل هي حقل معرفي مستقل قائم بذاته، ولأهميتها في استكناه النصوص وبيان خفاياها حظيت باهتمام النقاد والباحثين، وبخاصة عتبة العنوان بوصفها عتبة أساسية تمنح النص هويته وكينونته، وهي المفتاح الذي يساعد المتلقي على فتح مغاليق النص، وسبر أسراره.

وقد تنبه النقد العربي الحديث منذ بواكير ظهوره إلى خطورة العنوان وأهميته حتى إن طه حسين أكد أن العنوان مع أنه عبارة صغيرة إلا أنه يعكس عالم النص المعقد المتشابك الأطراف. أما في النقد العربي المعاصر فنلاحظ أن مؤلفات كثيرة تناولت العنوان من الناحيتين: التنظيرية والتطبيقية. من هذه المؤلفات: "سيمياء العنوان"2001م لبسام قطوس، و"العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي" 1998م لمحمد فكري الجزار، و"العنوان في الأدب العربي: النشأة والتطور" 1988م لمحمد عويس. و"في نظرية العنوان: مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية" 2007م لخالد حسين.

لكن، ما يلفت الانتباه أن الاهتمام الكبير بالعنوان والعتبات النصية دفع بعض النقاد والأكاديميين إلى استهجان ذلك والسخرية منه إلى حد القول: إن الاهتمام بالعتبات النصية يأتي "من قبيل الموضة"، وإن ذكر العتبات يذكّرهم بالفنان فؤاد المهندس وفيلمه" العتبة جزاز والسلم نايلو .. " والعتبة جزاز عنوان أغنية شعبية تغنيها المطربة شويكار في الفيلم.

ليس الهدف من هذا الموقف( كما أرى على غرابته أن يصدر عن نقاد وأساتذة جامعيين) التقليل من أهمية العتبات النصية، فلا أحد ينكر أهميتها خاصة منذ أن ظهرت في كتاب الناقد الفرنسي جيرار جينيت "عتبات" 1987م. كما ليس الهدف الشكوى من تكرار ورودها والإفادة منها في الدراسات النقدية التطبيقية؛ فكثير من الموضوعات يتكرر تناولها ودراستها وخاصة في جامعاتنا العربية، مثل: التناص، والزمان، والمكان إنما الهدف، كما فهمته، التنبيه إلى ضعف كثير من الدراسات والأبحاث التي تستند إلى العتبات النصية، وعدم فائدتها في تطوير البحث النقدي وإثرائه؛ فصرنا نرى عناوين كثيرة لرسائل وأطاريح تنتجها الأوساط الأكاديمية تتناول العتبات في أعمال روائية وشعرية كثيرة، تفتقد إلى العمق، والإضافة المعرفية. ربما لأن القائمين عليها يستسهلون استخدامها؛ فتغدو دراساتهم وأبحاثهم مجرد ملامسات سطحية، وتكرارًا لشروحات ومقولات سابقة.

من الواضح أن دراسة العتبات النصية تتطلب من الباحثين والأكاديميين في جامعاتنا ليس التعمق في فهمها وإدراك دورها في خدمة النصوص الأدبية على المستوى التنظيري حسب، بل الإفادة منها في التحليل، وكشف جماليات النصوص، وبيان تأثيرها في المتلقي، وكيفية اشتغال نظامها، وكشف مظاهر تعدد دلالاتها، وموقعها في النسيج النصي. دون تحقيق هذه الأهداف تفقد العتبات النصية أهميتها ودورها في إضاءة النصوص الأدبية، وتغدو مجرد علامات منطفئة ميتة، تستحق السخرية كما نظر إليها أولئك النقاد الأكاديميون.

أخيرًا، إذا كان لنا القول على مستوى التجربة النقدية الشخصية في التعامل مع العتبات النصية فإن دراستها تبعث المتعة واللذة من خلال التحليق في سماء الخيال، واستنباط أفكار ورؤى تريح العقل وتبهج القلب، فهي من العناصر المهمة تمامًا مثل عتبات البيوت يجب أن نجتازها حتى نتخطى الأبواب، ونلج الداخل، ونتعرف الزوايا والجدران. إنها مثل الوجوه البشرية تثير فينا مشاعر وأفكار وعواطف وذكريات تقربنا من أصحابها أو تبعدنا عنهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى