حوار مع الشاعرة العراقية أفياء أمين الأسدي

◄ ّيشترك العمل الحقوقي مع الأدب بأمر مهم، هو البحث عن الحقيقة."
◄ ّهاجسي منذ مطلع القصيدة أن أكتبها كما تحضر لا كما تُستحضر."
◄ ّأكتب الموزون والنثر ولكنني أميل إلى التفعيلة، مسرحها مليء بالإحتمالات، وأكاد أسمع خطاها حين تسيرُ على الخشبة."


أجرى الحوار لأنطولوجيا السرد العربي
نقوس المهدي


===============


> المبدعة العراقية أفياء أمين الأسدي مجموعة اهتمامات وانشغالات وهويات وخبرات؟
نود تقريبنا من عالمك وتجربتك الإبداعية؟
>> عالمي هو عالم كل قارئ ينشد الهزّة التي تعترينا في الوجدان حين نقرأ شيئاً جميلاً، إنه إدمانٌ لا فكاك منه، وأزعم أن القريبين من الأدب كُتّاباً وقُرّاء يشعرون بذلك.

> كيف نشأ شغفك بالكتابة؟ ومن كان وراء اكتشاف موهبتك؟
>> نشأ شغفي بالكتابة منذ الصغر، عرف والداي ذلك في وقتها, كنت لا أتوقف عن القراءة والكتابة دون أن أعلم سبباً لذلك، أشعر بجبال على صدري حين لا أكتب، وأشعر أنني في هاوية حين أتوقف عن القراءة، الآن لا أدري أين أقف من ذلك، أعرف فقط أنني لا أستطيع تفسير ذلك.

> من هم الشعراء الذين أثروا في شاعريتك؟
>> قرأتُ في مطالعي المتنبي والجواهري وأغرمتُ بشِعر بني عذرة حتى اتّخذتُ جميل بثينة مثالاً للعاشق الشاعر وللشاعر العاشق، أُصبتُ به منذ الصغر وحتى الآن, وقرأت أيضاً لوركا وسان جون بيرس ونيرودا واللورد بايرون وغيرهم، الأدب الرومانسي بالنسبة لي هو القول الفصل في ميلي إلى الشعراء الذين أقرأ لهم، مَن لا يستطيع التعبير عن حبه لا يستطيع التعبير عن همّهِ وهمّ المجتمعات والبشرية، إنّهُ مفتاح الشاعرية.

> الشعر هو تعبير عن الإحساس.. ما هي الحساسيات التي صنعت تجربتك الابداعية؟
>> قد يقضي الشاعر حياته بأكملها لاكتشاف ما يدفعه للكتابة، هناك من يقول أنّه يعرف، وأغبطه على هذا اليقين، لا يقين عندي عن الشرارة الأم التي تدفعني للكتابة في كل قصيدة، أكتب حين أشعر بالحاجة إلى التنفس، بالحاجة إلى تهدئة روعي، الكتابة تجعل من الصعب بناء القبور داخل الصدور، إنها تبني الصروح وتشيّدها بالمشاعر، لا يمسّني شعر ليس بصادق ولو كان خلاصة الجمال، أستطيع أن أقول ان الحرف الأول في القصيدة يجيء من تفصيلة صغيرة ربما لا تمسّ أحداً، لكن هذه التفاصيل هي التي تنقذني من الداخل وتجعلني أكتب.

> الشاعر أسير مدارس أدبية معينة.. كيف تنظرين للقصيدة وكيف تولد في متخيل شاعرتنا.. وما هو الهاجس الذي يسيطر عليك أثناء ولادة القصيدة؟
>> مَن قال إن الشاعر تسيطر عليه مدارس معينة؟ إذا كان هذا حقيقياً فهو ظالم لنفسه، المدارس الأدبية تصنيف لتسهيل الدراسة لا لتحجيم مناطق الكتابة وليست منطقة خصبة لدلالاتها.
الشاعر المتعصب لنوع معين من المدارس أو لهيكل معين في شكل القصيدة يحرم نفسه من جمال كثير، أشعر بالأسف حين أرى شاعراً لا يقرأ الموزون أو لا يقرأ النثر، بل كيف أنّه "شاعر"؟!، إنه جمال لا يحدّه شكل، يتولّاها القلب فقط ومن المفترض أن لا تعرف عنها الأمزجة شيئاً.
كان هاجسي منذ مطلع القصيدة أن أكتبها كما تحضر لا كما تُستحضر، إنّها منطقة يجب أن لا يتم تحدّيها، وإلّا ضاع الخيط والعصفور وضاعت هيبتها وأصبحت عبارة عن حجارة يرميها منجنيق الرغبة تحاول الدخول عنوة في الوجدان.

> ما رأيك في قصيدة الومضة والهايكو والشذرة التي أصبح لها حضور طاغ في الوقت الحاضر؟
>> الومضة والهايكو والشذرة لها كُتّابها، وهناك مَن يجيدها، أقرأها حين أراها، لكنني لا أبحث عنها، أحتاج أكثر من سطرين للقول وأكثر من سطر لأغذّي الألم الذي تحتاجه القصيدة، ربما سأبحث عنهن يوماً ما، مَن يدري ما سيشعر في الغد؟!

> قديما قال أبو فراس الحمداني (الشعر ديوان العرب وعنوان الأدب) ما رأيك بمقولة إنّ الشعر قد ولى زمانه، وأن هذا هو زمن الرواية؟ وما نوع الشعر المفضل لديك؟
>> لا زمن في الأدب، هناك ميول شخصية لإحدى الألوان الأدبية من شخص لآخر، ما الذي يدفع شخصاً ما لحرمان نفسه من لون معين؟! هذا محزن.. أنا أقرأ ما تقع عليه عيناي, وأقول (يا للجمال) حين يقشعرّ جلدي في كل الالوان ، في الشعر والرواية وفي كل مكتوب.
أكتب الموزون والنثر ولكنني أميل إلى التفعيلة، مسرحها مليء بالإحتمالات، وأكاد أسمع خطاها حين تسيرُ على الخشبة.

> ماذا أضاف العمل بالحقل الحقوقي لموهبتك الإبداعية؟
>> يشترك العمل الحقوقي مع الأدب بأمر مهم، هو البحث عن الحقيقة، ومن الجيد أنك أسميته (العمل) يا صديقي، لأنه مهنة في نهاية الأمر، وإن كانت مدياتها بعيدة وحساسة وترتبط بالإنسانية بشكل مباشر، بينما الشعر هو الناطق باسم الانسانية بل هو الانسانية.

> هل تعتقدين بأن زمن الشعر قد ولى برحيل معظم الشعراء العظام ؟ وكيف ترين حال القصيدة العربية في زمن الفوضى الرقمية؟ وكيف تتصورين مستقبل المشهد الشعري العربي في المستقبل في ظل هيمنة التكنولوجيا، وكثرة التحديات؟
>> لا يخلو زمن ما من شعراء جيدين، إذا أردنا قراءة شعر حقيقي يجب أن نبحث عنه، انه موجود دائماً في مكان ما، هناك أصوات حقيقية يجب أن تُسمع، وتستحق البحث عنها.
لقد أسّست التكنولوجيا اليوم قاعدة كبيرة من الجمهور الذي يغرم بكل شيء يقرأه وان كان لا يفهمه وان لم يكن شعراً أيضاً، لكن غربال الزمن كفيل بالإبقاء على القصائد التي لا تموت وإطفاء ما عداها.

> أنت شاعرة، ما مدى حضور الأجناس الإبداعية الأخرى ضمن دائرة اهتماماتك؟
>> أنا منفتحة على التحديات في المشاريع الأدبية، لا أجزم شيئاً، ربما سأكتب لوناً آخر من الأدب في المستقبل، كل شيء يعتمد على ما تقدّمه الأيام، وأزعم أنني أجيد استلام إشاراتها، حالياً أنا في الشعر وهو أكثر من كافٍ للنفوس الحرّة كما أعرف عن نفسي.

> ( إن الأدب هو أفضل ما تم اختراعه للوقاية من التعاسة) كما يقول ماريو بارغاس يوسا. الى اي مدى تحتمل هذه القولة مقدارا من الصحة؟ وهل تحميك ملكة الشعر من هذا الشعور؟
>> نعم, وبقوة.
الكتابة قادرة على إنقاذ المرء، سواء كان شاعراً أم لا، إنها صرخة الروح ووسيلة دفاعها تجاه الشرور البشرية والشرور الذاتية، لا أعرف كيف كان ليمكنني اجتياز الحروب دون الكتابة، ربما كنت لأكون طائراً في حياة أخرى، لكن في هذه الحياة، إنها الحرية المطلقة، ماء الخلود ومفتاح الاستمرار.

> ما هي رؤيتك للإبداع عموما تحت وطأة الجائحة التي أحدثت شرخا في العادات والعلاقات الإنسانية؟
>> ربما كنتُ لأستطيع الإجابة عن هذا السؤال لو كنتُ عالمة اجتماع، اليوم أنا أكتب، لا جائحة توقفني عن الكتابة وإن قُطعت يدي، الشاعر عموماً لا يستطيع التوقف عن ذلك، إنه أذى نختار الاستمرار فيه، ربما لأننا لا نملك تجاه ذلك خياراً أصلاً، نفضّل أن نصدّق أنه خيار كي لا نُصاب بفقدان التوازن، الشعر يجعل الأوان لا يفوت، ونستطيع بواسطته اختيار مكان شروق الشمس ووقت غروبها.
الشاعر خالق أرضي، وعليه تقع مسؤولية صناعة مخلوقات تجعل من الحياة مكاناً صالحاً للعيش.

> ما هي الأسئلة التي كنت تنتظرين طرحها عليك؟
>> لم أكن أنتظر نوعاً معيّناً من الأسئلة، لكنني استمتعتُ بالأسئلة السابقة لأن الحقائق دائماً تكمن في الذي لا يُنتظر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى