حسام الدين مسعد - «هي التي رأت» أننا سجناء أفكارنا.. قراءة في نص مسرحي للكاتب /عبد الفتاح قلعه جي

لا شك في أنني اشعر بالتمزق حقا ولكن هذا التمزق لم يبدأ من وقت الكتابة الآني .لقد وجد قبل ذلك حتما .فأنا منتم بفكري او بالأنا العليا الي العالم الحديث بينما يتصارع إنتمائي هذا بعلاقاته الإجتماعيه اي بالأنا الي مجتمعي الذي نشأت فيه وترعرعت علي قيمه وعاداته وتقاليده .
إن هذا التناقض بين كوننا شكلا في العالم الحديث وكوننا جوهرا في خارجه يضطرنا الي معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم
أليس الفكر الحديث هو الفكر الذي يكف عن حصر نفسه فيما هو معاش او عن المشاركة الصوفيه في عالم مقدس لكي يصير علميا وتكنيكيا ؟
إن ماترتب علي سوء الفهم والنقل والترجمة عن الأصول الأجنبيه في حالات كثيره قد اوقف القارئ والمثقف العربي أمام ذلك الغموض في كثير من الرهبه ثم أختار الصمت حتي لا يتهم بعدم القدرة علي الفهم مما أدي في نهاية الأمر الي جنوح الكتاب الي الإرتماء في أحضان الثقافة الغربيه دون (هوية واقيه) كما ألزم بها «عباس العقاد »العالم العربي كي تحميه من جور الثقافة الغربيه عليه .وبالتالي فإن الكاتب العربي لديه شعور بالتمزق ولن يكون امامه خيار حين يكتب إلا أن يكتب لقارئ علي شاكلته قارئ عربي ينتمي بفكره الي العالم الغربي الحديث.ولذا أضحت التناصات التي ننسخها ونسلخها من النصوص الغربيه تشكل امر جلل علي الثقافة العربيه والعطاء الخاص لها وأضحي البحث عن وسائل جديده تغاير الوسائل الفنيه السائده بغية تقديم رؤيه جديده للعالم أمر ليس باليسير إذ لا يمكن أن يكون لنا منجز خاص في سوق المسرح العالمي ونحن نستورد ونقلد لما ينشأ في الغرب المسرحي إلا إذا انطلقنا الي إنتاج مسرح ينطلق من الفكر والتجربه الطويله وإستقراء الواقع المتغير بإستمرار.
فالتغيرات العاصفه في جميع جوانب الحياة العربيه الإجتماعيه والسياسيه والثقافيه جعلت المسرح العربي يتخلف عن متابعتها وفرض عليه التبعيه للأخر الغربي .
ولذلك احترت أمام نفسي وغدوت ابحث عن نموذج عربي تجريبي استظل بظله واحتمي بهذا الظل عن وهج اللوم المصطرع في النفس حتي وجدت منفذا فتح الله مسالكه في مجموعة نصوص مسرحيه للكاتب العربي «عبدالفتاح رواس قلعه جي » تحت عنوان أربع نصوص مسرحيه أنتقيت منها نص مسرحي بعنوان( هي التي رأت ) ليكون عينة أدلل بها أن العقل العربي مازال ينبض برؤي جديده للعالم تستقرأ الواقع المتغير وتنطلق من فكر مابعد حداثوي .
•نبذة عن الكاتب
««««««««««««
ولد عبد الفتاح رواس قلعة جي في حي الكلاسة بحلب في 21 يوليو 1938/ 24 جمادى الاولى 1357 ونشأ بها. درس الابتدائية في مدرسة العرفان ثم انتقل إلى إعدادية سيف الدولة ومنها إلى ثانوية هنانو. انتسب إلى دار المعلمين في 1953 وتخرج منها عام 1956. تابع دراسته الجامعية في كلية التربية في 1957 ولمدة سنتين على أساس أهلية التعليم. ثم انتسب إلى جامعة دمشق وحصل على الليسانس في اللغة العربية في 1965.
عمل مدرسًا في ثانويات حلب ومناطقها من 1956 حتى 1979. ندب إلى العمل في مكتب الحبوب، وبعدها إلى إذاعة حلب، ثم عاد إلى مديرية التربية وعيّن مديرًا للمكتب الصحفي، ثم في مكتبة المديرية، حتى أحيل إلى التقاعد. عمل في إعداد البرامج في إذاعة حلب، وفي المركز التلفزيوني بها. تسلم رئاسة فرقة المسرح الشعبي بحلب 1968 – 1969.
هو عضو في كل من اتحاد الكتاب العرب بجمعية المسرح، وهيئة مجلة الحياة المسرحية وهيئة مجلة الشهباء الحلبية وجمعية العاديات بحلب .
•الرسالة النصيه لنص «هي التي رأت »
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
إستطاع الكاتب أن يستقرأ الواقع المتغير من خلال فرضية عبثيه ( لو أن الكأس صنعت من مادة مقوّاة
فلا تنكسر، والماء فيها لا ينسكب، لا شك أن الماء يأسن، ومثله الروح إن لم تتحرر من قفص الجسد..)
وتلك هي الحكاية لبطلة نصه (حياة) التي لها جسد ووجه نضرين يمنحاها عمر فتاة في العشرين من عمرها نتيجة لقضمها عشبة الحياه التي تجعل جسدها لا يشيخ ماما تقدمت في العمر إلا أنها تعاني من مرض نادر حيث أنها تدخل في حالة من الموات السريري تستغرق مدد زمنيه طويله فيعتقد زوجها واسرتها أنها فارقت الحياه ولكن تستيقظ بنضارة وشباب عقب كل مره الي أن يتوفي زوجها التي كانت تحبه فيتكشف لها الواقع والوجوه الإنتهازيه ويصبح بقاؤها في هذا العالم المشوه عبث. فيظهر لها شبح زوجها يطالبها بالتخلص من ثقل جسدها عن طريق قضم عشبة الموت السامه التي قضت علي جلجامش. حتي تنعم بحياة ملؤها الحب في العالم الأخر .
وتتخلص من ثقل جسدها حسب فكرة أفلاطون للنفس البشرية ، بوصفها جوهرًا مستقلاً عن علاقته بالجسد ، وقائمًا بذاته ومتميزًا عنه ، وبالتالي فالنفس قديمة في وجودها ، قبل أن ترتبط بالجسد وتحل فيه ، وهي أيضًا خالدة بعد أن تغادر الجسد عند الموت . فالنفس عند أفلاطون تكاد تقترب في التشبيه مع ما هو إلهي وأزلي ، لا يتغير ويتسم بالمعقولية . تلك كانت أهم الصفات الرئيسية التي تتميز بها النفس البشرية لدى أفلاطون عمومًا .
. لذلك فإن النفس البشرية لديه تعتبر بمثابة وسيط يربط بين العالم المعقول أو المثالي ، أو ما يسميه أفلاطون (عالم المُثل)، وبين العالم المادي المحسوس . إنها تشبه تلك المُثل والأفكار الأفلاطونية في كونها لا تنتمي لما هو مادي أو مرتبط الحس والجسد، وكذلك فهي تشبه الأشياء المادية والحسية نتيجة لأنها تحتل حيز أو مساحة في المكان.
ويؤكد قلعه جي علي أفكار ارسطو في نصه إلا أنه يري أن الخلود في هذا العالم المشوه الذي انعدمت فيه الفضيله أصبح نقمة وأن الموت نعمة وراحة لهؤلاء الذين مازالوا يتمسكون بقيد حرية ارواحهم وافكارهم من أن تنطلق في تجربة اساسها الفكر المتجدد الذي يقرأ الواقع بإستمرار .
•منهجية الكاتب وأسلوبه المتفرد في الكتابه النصيه
»»»»«»«««««««««««««««««««««««««««««»
*لغة النص / هي اللغة العربيه الفصحي لكن بمفردات لسانيه بسيطه ومعبره عن الواقع الحداثي وتناسب أيديولوجية كل شخصيه من شخصيات النص
*الحوار / اعتمد الكاتب علي الحوار المكثف البعيد عن الإسهاب والذي توحي فيه اللفظه كدال سيميولوجي تقود الي المعني الذي برهن عليه الكاتب من خلال حوار ديالكتيكي مع الشخصيات كطرف وشخصية حياة كطرف آخر ومع شخصية حياة و ذاتها كمتناقضين ليبرز المعني الدلالي للقارئ
*. التجريب يدخل في إطار الفعل الذي يباده المتلقي فهو يتناقض مع ما يحمل هذا المتلقي من أشياء متعارف عليها ( مألوفة ) فهو يتجاوز حتى الجديد ويناقض السائد وهو فعل مدروس وغير عفوي يحاول أن يجد له مرتكزات تجعل له وجودا مؤثرا فهو يحرك الراكد ويجدد باستمرار إذ يجب أن يفضي التجريب إلى تجديد وكل تجديد بالضرورة يمر بالتجريب .
والتجديد الذي يتبناه« قلعه جي »هو المزج بين كل المتناقضات بحيث يكون فيها الإنسان هو الفكر والمفكر، وهو الهدف في ذاته، لأن قيمة الإنسان لا تأتي من إمكانية القيام بتأملات محضة، بل قيمته تأتي من تصديه للتجربة وللقصدية، ومفهوميته تساعد على تحطيم السائد بفكر مادي وتاريخي يكون الدياليكتيك هو البعد الإبستمولوجي المعاصر، في إطار مناخ مركب يعكس متغيرات الصراع الداخلي على السلطة المعرفية والصراع الخارجي المرتبط بتقسيم هذا المنهج إلى معسكرات فكرية، مما يفرز إيديولوجية متناقضة منها.
فالنص لديه ليس نص للقراءة فحسب بل سيناريو مكتنز بإشارات المؤلف للقارئ التي تتيح له تصور المنظر المسرحي بدقة تفصيليه كمن يشاهد فيلم سينمائي متعدد اللقطات والمشاهد ومحكم الإتقان بل إنه يستهل نصه (هي التي رأت )بمشهد سينمائي يعرض للنظاره علي شاشة عرض سينمائيه في مؤخرة عمق المسرح .

(المسرح معتم، يبدأ عرض سينمائي قصير، فتاة في برية في أوائل العشرينات من عمرها تبحث في الأرض بين الصخور والنباتات البرية عن بعض الزهور والأعشاب، تجمعها في سلة صغيرة تحملها ويتبعها كلبها وهما يتعابثان بين الحين والآخر.
من بعيد وعلى ربوة مطلة يقف رجل كهل بلحية خضراء أنيقة فاتحة اللون، شعر رأسه أخضر فاتح اللون، تحيط به هالة نورانية خضراء، يلبس ثياباً خضراً، ويمسك بيده رمحاً طويلا أخضر بشعب ثلاث يغرسه إلى جانبه في الأرض، يبدو كفارس من القرون القديمة، يراقب الفتاة وهي تقطف الأعشاب والزهور.
الرجل الأخضر يشير برمحه نحو عشبة معينة، ويلتمع من شعب الرمح الثلاث البرق.
الفتاة تعثر بدلالة البرق على عشبة غريبة جداً، تتأملها، تقلبها، كلبها يهجم يختطف قطعة من العشبة ويمضغها، حياة تتذوق العشبة ، تشعر بلذتها، تأكلها وتأتي عليها كلها. تشعر بنشوة غريبة ونشاط، تبدأ الرقص فرحة بعشبتها. الكلب يرقص حولها نشطاً.
الرجل الأخضر يشاهدها، يحمل رمحه ويدير ظهره ويمضي، الفتاة تحمل سلتها وتمضي عائدة إلى البيت.
(ينتهي العرض ويظلم المسرح)
يمزج الكاتب بين الخرافة والواقع في إستلهام يتناقض مع أسطورة جلجامش الذي قضم من عشبة الموت السامه فتأتي (حياة ) لتقضم من عشبة الحياة في فرضية عبد الفتاح قلعه جي التي تناقض الأسطوره وتمزج ما بين القديم والجديد من خلال ثنائيات (الروح /الجسد ) و(الموت /الخلود ) ،(الوجود/العدم )و(الشكل /الجوهر)و(الأنا العليا /الأنا )
لتتصدي للتجربة وللقصدية، والمفهوميه التي تساعد على تحطيم السائد بفكر مادي وتاريخي ليكون الدياليكتيك بين القارئ والنص هو البعد الإبستمولوجي المعاصر، مما يفرز إيديولوجية متناقضة منها تتيح للقارئ بلوغ الغايات الدلاليه من النص . بل إنه يؤكد علي خوض (حياة )للتجربه في المشهد الثاني الذي ينقلنا فيه الي الواقع اليومي وداخل غرفة نومها ليفسر للقارئ أن إستجلاء حقيقة أكثر الأشياء غموضا يسوجب الخوض في تجربة ذاتيه للمعرفه والبحث .

[…لم أصل إلى يقين، وكان لابد لي من الخوض في تجربة ذاتية للمعرفة واستجلاء أكثر الأشياء غموضاً في هذا الوجود، وهكذا تابعت الدراسة والبحث، حتى حصلت على درجة الدكتوراه في علم النبات (بقعة ضوء على الشهادة المعلقة)
[ولكن ماذا يحدث لو أن الكأس كان مصنَّعاً بمادة مقوية للغاية فلا ينكسر، والماء فيه باق لا يهرق ولا يتبخر؟ لا شك أن الماء سيفسد ويأسن مع تقادم الزمن.
يقول العامة: إن الخضر شرب من ماء الحياة فلا يموت حتى القيامة، وأنشؤوا له مزارات في بلدان عديدة، وأن جلجامش حصل على عشبة الحياة ولكنه فقدها فكان مصيره الموت. ٍ]

. إن الكاتب يدخل في إطار الفعل الذي يباده المتلقي القارئ فهو يتناقض مع ما يحمل هذا المتلقي من أشياء متعارف عليها ( مألوفة ) فهو يتجاوز حتى الجديد ويناقض السائد وهو فعل مدروس وغير عفوي يحاول أن يجد له مرتكزات تجعل له وجودا مؤثرا فهو يحرك الراكد ويجدد باستمرار في فرضياته العبثيه التي تنطلق من الوجود الحقيقي للقارئ في ذهنه وبالتالي فهو يحدد نوع القارئ ويحوك النص حسب مقاييس القارئ كي يستميله ويبلغ المعني من خطابه المسرحي ممسكا بالتواصل الدلالي والقصدي له، فالإنسان في عملية التواصل يخضع لخاصيته ككائن اجتماعي يقودنا لمعرفة الوسائط والشروط، وللممارسة الأساسية لوظيفة التحليل المنهجي. إنه يضع شروطا حسب النوعية والكيفية، وحسب الوظيفة الحدسية التي تؤسس التوالد الإيحائي ، فالنص المسرحي حسب قراءتي “ لقلعه جي ” فعل سيميائي مركز إلى أقصى حد، يستخدم كأداة للتواصل، ودلالات تفضي بطريقة تكاد تكون منتظمة دائما إلى بعض المضامين؛ فيتلقاها القارئ، ثم تعمل عملها وفعلها داخل مخيلته وحواسه ليستجيب للنص المسرحي بكل قوانينه.
لكن (قلعه جي ) له قوانين خاصه فهو لا يمزج بين القديم والحديث فحسب بل يمزج بين المدارس الأدبيه والمسرحيه فيعمد بقصديه إستخدام شاشة العرض السينمائي ليجسد لنا بها الماضي وينقل القارئ او المتلقي في غيبيات الزمن ويعود به الي متون الواقع فيصدم بعبثيته لكنه في اللوحة الثالثه يسجل ويوثق لحقبة زمنيه منصرمه لبطلة نصه ومن خلال مشاهد متقطعة علي شاشة العرض يصاحبها صوت آلة التسجيل او الراوي الموثوق [عاشت حياة حياتَها منعَّمة بشبابها الدائم، وزوجها يكبر ويشيخ، وأولادها يكبرون ويكتهلون ويهرمون، وأحفادها يتزوجون ويخلفون ..]لتسقط الإضاءه علي صورة الزوج الموضوع عليها شريط اسود في دلالة علي وفاته وفقد (حياة )للحب والعشق
ولا شك أن الإضاءه في هذا النص تدلل سيميولوجيا علي معان قصدها الكاتب فنراه يشير الي [تضاء الشاشة وتنعكس عليها صورة حياة الأخرى الداخلية. الشكل هو شكل حياة المادي ولكنه طيفي، إنه الشكل الروحي والنفسي المطابق للشكل الجسماني، غير أنه هرِم تماماً، وفيه تتماوج الألوان المعبرة عن الحالات المختلفه ] وهنا يطرح الكاتب من خلال حوار (حياة) الديالكتيكي مع (الأنا) سؤال مفاده هل للخلود معني بعد الفقد ؟ هو طرح جدلي إستفهامي للمتلقي ليبلغ منه أن الحياة ليس لها معني حين نفقد الحب في صورة الحبيب او العزيز .
ثم يعاود الكاتب لإستخدام صوت تسجيلي للأنا العليا (لحياة)
[اسمعي يا حياة، يجب أن تسمعيني، فأنا هي أنت، أنا أناك السجينة العليا، أنا الطائر الذي ضاق بقضبان القفص، لقد هرمتُ، وشاب شعري، وانتابتني الأمراض، أنا الروح المفارقة ولا بد من الفراق، لقد لجَّ َ بي الشوق إلى الحرية فلماذا تحبسينني في هذا القفص؟]
وهنا الكاتب يشير أن الأنا العليا روح حياة(الثقافة/الفكر/المضمون)سجينةداخل جسدحياةالنضر(الشكل/الموروث/التابوات)وشاخت وهرمت وتطوق للحريه وهذه هي الدلالة التي يستطيع القارئ ان يبلغها من أن (حياة ) هي الإنسان العربي الممزق بين الأنا العليا التي هرمت وشاخت وبين الأنا التي تربطها بجسدها النضر الثري والمكتنز والمرتبط ببيئة إجتماعيه ومكونات عرفيه وسلوكيه في تناقض صريح بين النضارة والهرم ليؤكد علي معني غياب الوعي والفكر الحديث
إن هذا التناقض بين كون (حياة ) شكلا في العالم الحديث وكونهاجوهرا في خارجه يضطرها الي معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم ولذا كانت الفرضيه العبثيه التي ساقها الكاتب في نصه
(أن الكأس كان مصنَّعاً بمادة مقوية للغاية فلا ينكسر، والماء فيه باق لا يهرق ولا يتبخر؟ لا شك أن الماء سيفسد ويأسن مع تقادم الزمن.) هو ذاته ما نوهت اليه في مقدمة قرائتي هذه وهو ذاته ما ألزم به عباس العقاد العالم العربي تحت مسمي (الهوية الواقيه ) حتي لا يتم الجور علي الثقافة العربيه فالهوية الواقيه تحميها سطوة الشكل الغربي وتحافظ علي مضمونها الذي لن يفسد او يطمس طالما أن الفكر متجدد .
واري ان قلعه جي في هذا النص ينذر من عواقب جور الجسد علي الروح فنضارة الجسد في هذا النص دلالة رمزيه لنضارة الموروث والتابوات والخرافه والجهل فشكلت المادة المقواه التي سجنت الفكر وقيدت حريته فهرم وشاخ واصبح لا يستطيع ان يحيا إلا من خلال إنطلاقة جديده هي الموت او موت الجسد حتي تتحرر الروح . فيستخدم تقنية المسرح الأسود في كشف زيف الواقع والوجوه المقنعه حتي لا يترك( لحياة ) بابا للإستمرار في هذا الواقع المشوه حتي حفيدها يطلب منها أن تتحرر من ثقل جسدها كأحد الأصوات الرافضه لهذا الواقع المشوه .فيأتي المشهد الأخير متسق مع ما سبقه وتموت (حياة )
لقد انتهج الكاتب منهج تجريبي اعتمد فيه علي الفرضية العبثيه والخيال ليعرض رؤية جديده للعالم أساسها فلسفة ديالكتيكيه امتزجت بالمتناقضات ليبرهن فيها صحة عطائه الخاص والمتمثل في ظلم الإنسان لذاته وقيد حرية آناه العليا من خلال سلطوية الأنا بعلاقاتها الإجتماعيه والسياسيه والتاريخية .
لكن يظل السؤال إن كان لدينا نص يحمل عطاء خاص وفكر متجدد لماذا لا يتلقفه المسرحيين لإنتاجه ؟
إنني أري أن دسامة الفرضيه التي طرحها قلعه جي وإيدلوجيات القارئ العربي هما سببين رئيسين لعزوف المخرجين عن مثل هذه النصوص التي تتسق وميول وإتجاهات المتلقي للمسرح العربي .
لكن مثل هذه النصوص قد تؤسس الي فكر جديد إنطلق من فرضية عبثيه قدمت رؤيه جديده للعالم مؤداها فليمت الفكر الصنمي البائد ولنحرر ارواحنا بفكر حديث ومتجدد حتي لا تفسد ارواحنا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى