العنوان هو المدخل للنص والذي به تتهيأ نفس القارئ لما يحتويه النص، لذلك أُقَدِر من يهتم به ويختار كلماته بما يخدم النص والمحتوى العام له.. واستوقفني عنوان قصيدة د. محمد شحاته، الذي يتكون من كلمتين الأولى معرفة بما يفيد التخصيص، والثانية نكرة بما يفيد الشمولية، وبمجرد قراءة كلمة الصحراء يتحرك خيالنا فنرى أمامنا منطقة قاحلة أمطارها قليلة، لها ظروف طقسية صعبة، ينعدم فيها الغطاء النباتي الحامي من التعرية؛ فتشتد درجة الحرارة نهارا وتقل ليلا بما يتسبب في كسر الصخور، وسألت نفسي أين نجد تلك الصحراء وكانت إجابتي إنها في القارة الإفريقية، ثم أكمل العنوان بكلمة "عجوز" فزادت الكلمة على تعريف الصحراء صفات العجوز، ظروف الصحراء وهي شابة صعبة فما بالكم لو أصبحت عجوز، أي لا تسطيع عمل شيء ولا حتى خدمة نفسها، ولا حماية نفسها، كل ما تمتلكه العجوز ذاكرة بعيدة المدى تتذكر ما عاشته قديما وتنسى حديثها ومستجدها.
على حافة فنجانك كان هولاكو يخيط جرحه
وعيناه تسيلان بين رمال الصحراء
والصحراءُ عجوزٌ
ولا بشرى كي تصكَّ وجهها
إذ لا تبتسم للزائرين
بدأ د. محمد شحاته قصيدته بشبه جملة اسمية مكونة من جار ومجرور "على حافة فنجانك" كناية على وجود ما سوف يسرده في أقصى الذاكرة البعيدة لها، كانت تلك الذكرى "هولاكو يخيط جرحه، هنا أكد لي أن الصحراء المقصودة هي صحراء العرب وعزها ومجدها وقتما كانت شابة قوية قادرة على جرح العدو وإنزال دموعه وقتما كانت فتية يطمع فيها كل من هب ودب، يريدون نيلها والسيطرة عليها، وكان هولاكو حفيد جنكيز خان المغولي الذي اجتاح بغداد بغرض تحطيم الدولة الإسلامية وكانت هزيمة بغداد، ثم زحف على بلاد الشام فأباد الكثير حتى وصل إلى دمشق، ثم حسم أمره بتكملة المسيرة إلى فلسطين ومصر وكانت معركته مع المظفر قطز والظاهر بيبرس سلطان مصر وهزم شر هزيمة في عين جالوت.. وكناية عن هذه الهزيمة جملة "هولاكو يخيط جرحه" قضت جيوش المسلمين على جنود هولاكو، وسالت دماؤهم على الصحراء الشابة التي كسرت عنفوان العدو، وجُرِح هولاكو وبكى على جنوده وصورها لنا أ.د. محمد شحاته بأنها كماء السيول الذي يروي الصحراء "وعيناه تسيلان بين رمال الصحراء" تلك هي الذكرى في الذاكرة البعيدة التي كانت على حافة الفنجان.. وفي جملته التالية أنسنة أو ما نسميه تشخيص أو إنسانوية.. حيث جعل الصحراء التي هي أرض ورمال إنسانا له وجه يعبس ويبتسم "تصكَّ وجهها" "لا تبتسم للزائرين" والتشخيص أو الأنسنة هنا يفيد إضفاء بعض الصفات الإنسانية للجماد بغرض غرس الروح فيه وجعل المتلقي يشعر بأن هذا الجماد يحس ويشعر ويتألم ويفرح ويحزن ويعقل، فأعطى النص مجازا واسعا ساعد في تحريك خيال المتلقي لاستيعاب الشعور الذي يقصده الشاعر.
أترون معي كيف كتب شاعرنا وأديبنا أ.د. محمد شحاتة جملة حكى فيها ما يمكن أن نحكيه في كتاب كامل، الجملة كان بها تشبيه الذاكرة بفنجان به قاع وحافة، وبها كناية عن معركة كبيرة الكتابة عنها تملأ صفحات، وبها إسقاط بأن الماضي كان إشراقة ونورا وعزا وكرامة. بينما اليوم عكس ذلك تماما، اليوم هي لا تستطيع عمل شيء سوى الفخر بتلك الذكريات.. عجوز فقدت ابتسامة الحياة فوجهها تصكه أحزان على ما كان، وما نعيشه بواقعنا الحالي.. فقدت ابتسامتها للزائرين سواء كانوا أعداء أو أحبابا.
لم تعد أحصنةٌ تترك حوافرَها على الصخور
وتسابقُ الريحَ
لم تعدْ دروبٌ ملأى
بجثثِ الهاربين من أحاديثِ المدينةِ
وسيوفِ القادمين
كيف تجاهلَ شروخَ القوسِ بين يديه
وانحاء السهمِ إلى الخلفِ
والطَّعْنَةَ في القلبِ تماما
حرف الجزم "لم" الذي بدأت الجملة به، كناية عن انتهاء الحروب على الأرض، لم تعد تترك آثار حوافرها "كناية عن القوة" على الصخور التي باتت عجوزا، تسابق الريح "كناية عن القوة وأنها فتية عفية" انقلب الحال ولم نعد نبحث عن جثث من يهربون من تلك القوة التي كانت تسيطر بالحق على العالم، ولم نر سيوفا مع من يأتينا دلالة على انتهاء زمن الحروب، لم ير أحد شروخ القوس وانعكاس الحال وتفاوت القوة بيننا وبين العدو حتى أصبح سلاحنا عجوزا مثل الصحراء مليء بالشروخ وأصبحت أسلحتنا موجهة لصدورنا وطعنتها نافذة لقلوبنا.
لم تَعُدْ حدائقُ مُعَلَّقة على جدرانِ القلبِ
ولا قلائِدُ تُكلِّلُ صدورَ النساءِ
لم تَعُدْ نوافذُ مُشْرَعَة على المدى
ولا طيوفٌ تزورُ الأمكنةَ المخبوءةَ في أقاصِي الروحِ
حين يُعانقُ الليلُ ضلوعَ القابضين على عتباتِ الموانئِ
كيف اسْتَقَلَّ مركبَ الهالكين
وصُلِبَ خطباؤه على جذوع النخل
تأكلُ من رؤوسهم الطيرُ
وصار شعراؤهُ مُصَلَّبين على أشْرعةِ السُّفُنِ
تَلْتَهِمُ أعضاءهم أسماكُ القرشِ
راح المجد والآثار اندثرت، حتى الحدائق الملعقة التي تعد من المعجزات السبع لا يتذكرها أحد، بعدت ذكراها عن القلب، ساد الفقر في كل شيء فقد أصبحت الصحراء قفراء عجوزا، وتأثرت النساء ولم تعد تتحلى ولا تتزين بشيء، فقد أخذتهن الحياة ذات الطقس الصعب العجوز، ولم يعد هناك نافذة أمل ولو على المدى البعيد يمكننا أن نصبو إليها ونحاول تحقيق ذلك الأمل ذات يوم، لم نعد نحلم ولا يأتينا طيف قد يكون متواريا بأقصى حافة الروح، وعندما مات الأمل وطيوفه، باتت الموانئ هي المكان المحبب والذي يتمنى الكثيرون عن طريقها شق طريقهم بعيدا عن الصحراء العجوز.. وكم من شباب راح ضحية تلك الأمنية، كم من شباب غرق هربا، أعماهم الأمل في ترك ما هم فيه من رؤية تهالك تلك المركب التي سوف يستقلونها، راح من راح وأصبح غذاءً لأسماك القرش.
تحتوي الفقرة على جمل خبرية وإنشائية، أيضا ترصعت الفقرة بالتشبيه والتشبيه الضمني، والاستعارة.
ولات حين مَنَاص
وحين أخْرَجَ السَّامِريُّ عِجْلَهُ من قاعِ البحرِ
وكذلك سَوَّلتْ له آلاؤه
لملمَ أعينَ عشَّاقِهِ من الطرقاتِ
لِيَصْلِبَ عصا موسى على قوائمِ عِجْلِهِ
فلا السَّامِريُّ يَنْفُضُ غبارًا
تراكَمَ على جثَّةِ طومان باي
ولا ابنُ إياس يتركُ دفاترَهُ نهبًا للقادمين
كم كنتَ قادرًا على استعادةِ عروسِكَ أيها النهرُ
"ولات حين مناص" تناص ظاهر من القرآن الكريم في سورة ص الآية 3" تناص واعٍ فهو تناص شعوري يعيه المؤلف والحدث فقد وحدت بينهما تلك العلاقة التفاعلية بين النص القرآني ثم النص الشعري فنتج ذلك النتاج الشعوري الجديد وقد وفق أ.د. محمد شحاته في استعمال التناص هنا.
لقد وقع عليكم العذاب، وليس الوقت وقت فرار وخلاص من تلك الصحراء العجوز، فقد فات الأوان ولا توبة حين يحل العذاب، فما يفعلونه من لجوء للموانئ والمراكب المتهالكة لهو نفس ما قام به السامري، وفي ذكر السامري والعجل وعصا موسى وطومان باي وابن إياس اقتباسات واعية أيضا يعيها الكاتب والحدث للتماثل الشعوري بينهما مما عضد النص بالجمال البلاغي، إنكم تلجؤون للهرب من صحرائكم إلى من حولها إلى صحراء عجوز، تماما مثلما فعل قوم موسى بعدما نجاهم موسى عليه السلام من جبروت فرعون الإله، فطالبوه بإله آخر يعبدونه، أنتم من تجعلون أشباه السامري يخرجون لكم عجلا تعبدونه من قاع بحركم الذي ترمون بأنفسهم فيه، لأن سامري اليوم لن يختلف عن سامري الأمس، وسوف تجتمع الخصوم على جثة من يحاول الدفاع عن تلك الصحراء العجوز، مثلما علق طومان باي على باب زويلة لأنه أراد أن يحافظ على القاهرة من العثمانيين، وعندما لجأ لمن يرتب أوراقه عنده سلمه من أجل مكافأة، واسألوا كبير مؤرخي الدولة المملوكية "ابن إياس" الذي لم يترك مكانه حتى بعدما علقوا كبير العصر المملوكي على باب زويلة.
لست متخصصة في النحو العربي.. لكن لي رأي شخصي في بعض التقديمات والتأخيرات التي استعملها شاعرنا الكبير في الفقرة السابقة "أخْرَجَ السَّامِريُّ- لِيَصْلِبَ عصا موسى" جاء الفاعل تاليا للفعل دلالة على عظم قدر الفعل، بينما في " فلا السَّامِريُّ يَنْفُضُ غبارًا تراكَمَ على جثَّةِ طومان باي" تقديم الفاعل هنا على الفعل لعظم وتأكيد عدم قدرة الفاعل على فعل الفعل، "ولا ابنُ إياس يتركُ" تقديم الفاعل على الفعل دلالة أيضا على عدم قدرة الفاعل فعل الفعل" التقديم والتأخير هنا لم يكن الإفادة منه القصر والتوكيد والتخصيص بقدر أنه جاء معضدا ومؤكدا عدم قدرة الفاعل على فعل الفعل.
على حافة فنجانِكِ
كان هولاكو يهزُّ صحيفتَهُ
ليوقظَ كهنةَ التاريخِ مِنْ مَراقِدِهِمْ
يطوفون البلادَ ليجمعوا سحرةً
لم يكن هذا ما وَعَدَ الرحمنُ
ولا ما حَدَّثَ المرسلون
كان السامريُّ يُخْفي طلاسِمَ النهرِ
ليعودَ الهكسوسَ يجوسون خلال المدينةِ
متكئين على الأرائك
لا ينزفون
والصحراءُ عجوزٌ
ولا بشرى كي تَصُكَّ وَجْهَها
إذ لا تبتسمُ للزائرين
وكما يقولون "التاريخ يعيد نفسه" فإن مات هولاكو هناك ألف هولاكو، والسحرة لم ينتهوا في عهد موسى عليه السلام، فما أكثر سحرة اليوم، ما زال المخادعون يخفون طلاسم السحرة، ما زال السحرة يمهدون لعودة هولاكو جديد له صحيفة جديدة يضعها ساحر يعمي عيون متلقيه، نحن في شقاء مع الصحراء العجوز وهم متكئون على الأرائك يحاربوننا حربا باردة دون إراقة دماء، هم في تقدم ونحن العكس، وسيظل الوضع هكذا طالما لا طومان باي يحاول إنفاذ العجوز.
على حافة فنجانك كان هولاكو يخيط جرحه
وعيناه تسيلان بين رمال الصحراء
والصحراءُ عجوزٌ
ولا بشرى كي تصكَّ وجهها
إذ لا تبتسم للزائرين
بدأ د. محمد شحاته قصيدته بشبه جملة اسمية مكونة من جار ومجرور "على حافة فنجانك" كناية على وجود ما سوف يسرده في أقصى الذاكرة البعيدة لها، كانت تلك الذكرى "هولاكو يخيط جرحه، هنا أكد لي أن الصحراء المقصودة هي صحراء العرب وعزها ومجدها وقتما كانت شابة قوية قادرة على جرح العدو وإنزال دموعه وقتما كانت فتية يطمع فيها كل من هب ودب، يريدون نيلها والسيطرة عليها، وكان هولاكو حفيد جنكيز خان المغولي الذي اجتاح بغداد بغرض تحطيم الدولة الإسلامية وكانت هزيمة بغداد، ثم زحف على بلاد الشام فأباد الكثير حتى وصل إلى دمشق، ثم حسم أمره بتكملة المسيرة إلى فلسطين ومصر وكانت معركته مع المظفر قطز والظاهر بيبرس سلطان مصر وهزم شر هزيمة في عين جالوت.. وكناية عن هذه الهزيمة جملة "هولاكو يخيط جرحه" قضت جيوش المسلمين على جنود هولاكو، وسالت دماؤهم على الصحراء الشابة التي كسرت عنفوان العدو، وجُرِح هولاكو وبكى على جنوده وصورها لنا أ.د. محمد شحاته بأنها كماء السيول الذي يروي الصحراء "وعيناه تسيلان بين رمال الصحراء" تلك هي الذكرى في الذاكرة البعيدة التي كانت على حافة الفنجان.. وفي جملته التالية أنسنة أو ما نسميه تشخيص أو إنسانوية.. حيث جعل الصحراء التي هي أرض ورمال إنسانا له وجه يعبس ويبتسم "تصكَّ وجهها" "لا تبتسم للزائرين" والتشخيص أو الأنسنة هنا يفيد إضفاء بعض الصفات الإنسانية للجماد بغرض غرس الروح فيه وجعل المتلقي يشعر بأن هذا الجماد يحس ويشعر ويتألم ويفرح ويحزن ويعقل، فأعطى النص مجازا واسعا ساعد في تحريك خيال المتلقي لاستيعاب الشعور الذي يقصده الشاعر.
أترون معي كيف كتب شاعرنا وأديبنا أ.د. محمد شحاتة جملة حكى فيها ما يمكن أن نحكيه في كتاب كامل، الجملة كان بها تشبيه الذاكرة بفنجان به قاع وحافة، وبها كناية عن معركة كبيرة الكتابة عنها تملأ صفحات، وبها إسقاط بأن الماضي كان إشراقة ونورا وعزا وكرامة. بينما اليوم عكس ذلك تماما، اليوم هي لا تستطيع عمل شيء سوى الفخر بتلك الذكريات.. عجوز فقدت ابتسامة الحياة فوجهها تصكه أحزان على ما كان، وما نعيشه بواقعنا الحالي.. فقدت ابتسامتها للزائرين سواء كانوا أعداء أو أحبابا.
لم تعد أحصنةٌ تترك حوافرَها على الصخور
وتسابقُ الريحَ
لم تعدْ دروبٌ ملأى
بجثثِ الهاربين من أحاديثِ المدينةِ
وسيوفِ القادمين
كيف تجاهلَ شروخَ القوسِ بين يديه
وانحاء السهمِ إلى الخلفِ
والطَّعْنَةَ في القلبِ تماما
حرف الجزم "لم" الذي بدأت الجملة به، كناية عن انتهاء الحروب على الأرض، لم تعد تترك آثار حوافرها "كناية عن القوة" على الصخور التي باتت عجوزا، تسابق الريح "كناية عن القوة وأنها فتية عفية" انقلب الحال ولم نعد نبحث عن جثث من يهربون من تلك القوة التي كانت تسيطر بالحق على العالم، ولم نر سيوفا مع من يأتينا دلالة على انتهاء زمن الحروب، لم ير أحد شروخ القوس وانعكاس الحال وتفاوت القوة بيننا وبين العدو حتى أصبح سلاحنا عجوزا مثل الصحراء مليء بالشروخ وأصبحت أسلحتنا موجهة لصدورنا وطعنتها نافذة لقلوبنا.
لم تَعُدْ حدائقُ مُعَلَّقة على جدرانِ القلبِ
ولا قلائِدُ تُكلِّلُ صدورَ النساءِ
لم تَعُدْ نوافذُ مُشْرَعَة على المدى
ولا طيوفٌ تزورُ الأمكنةَ المخبوءةَ في أقاصِي الروحِ
حين يُعانقُ الليلُ ضلوعَ القابضين على عتباتِ الموانئِ
كيف اسْتَقَلَّ مركبَ الهالكين
وصُلِبَ خطباؤه على جذوع النخل
تأكلُ من رؤوسهم الطيرُ
وصار شعراؤهُ مُصَلَّبين على أشْرعةِ السُّفُنِ
تَلْتَهِمُ أعضاءهم أسماكُ القرشِ
راح المجد والآثار اندثرت، حتى الحدائق الملعقة التي تعد من المعجزات السبع لا يتذكرها أحد، بعدت ذكراها عن القلب، ساد الفقر في كل شيء فقد أصبحت الصحراء قفراء عجوزا، وتأثرت النساء ولم تعد تتحلى ولا تتزين بشيء، فقد أخذتهن الحياة ذات الطقس الصعب العجوز، ولم يعد هناك نافذة أمل ولو على المدى البعيد يمكننا أن نصبو إليها ونحاول تحقيق ذلك الأمل ذات يوم، لم نعد نحلم ولا يأتينا طيف قد يكون متواريا بأقصى حافة الروح، وعندما مات الأمل وطيوفه، باتت الموانئ هي المكان المحبب والذي يتمنى الكثيرون عن طريقها شق طريقهم بعيدا عن الصحراء العجوز.. وكم من شباب راح ضحية تلك الأمنية، كم من شباب غرق هربا، أعماهم الأمل في ترك ما هم فيه من رؤية تهالك تلك المركب التي سوف يستقلونها، راح من راح وأصبح غذاءً لأسماك القرش.
تحتوي الفقرة على جمل خبرية وإنشائية، أيضا ترصعت الفقرة بالتشبيه والتشبيه الضمني، والاستعارة.
ولات حين مَنَاص
وحين أخْرَجَ السَّامِريُّ عِجْلَهُ من قاعِ البحرِ
وكذلك سَوَّلتْ له آلاؤه
لملمَ أعينَ عشَّاقِهِ من الطرقاتِ
لِيَصْلِبَ عصا موسى على قوائمِ عِجْلِهِ
فلا السَّامِريُّ يَنْفُضُ غبارًا
تراكَمَ على جثَّةِ طومان باي
ولا ابنُ إياس يتركُ دفاترَهُ نهبًا للقادمين
كم كنتَ قادرًا على استعادةِ عروسِكَ أيها النهرُ
"ولات حين مناص" تناص ظاهر من القرآن الكريم في سورة ص الآية 3" تناص واعٍ فهو تناص شعوري يعيه المؤلف والحدث فقد وحدت بينهما تلك العلاقة التفاعلية بين النص القرآني ثم النص الشعري فنتج ذلك النتاج الشعوري الجديد وقد وفق أ.د. محمد شحاته في استعمال التناص هنا.
لقد وقع عليكم العذاب، وليس الوقت وقت فرار وخلاص من تلك الصحراء العجوز، فقد فات الأوان ولا توبة حين يحل العذاب، فما يفعلونه من لجوء للموانئ والمراكب المتهالكة لهو نفس ما قام به السامري، وفي ذكر السامري والعجل وعصا موسى وطومان باي وابن إياس اقتباسات واعية أيضا يعيها الكاتب والحدث للتماثل الشعوري بينهما مما عضد النص بالجمال البلاغي، إنكم تلجؤون للهرب من صحرائكم إلى من حولها إلى صحراء عجوز، تماما مثلما فعل قوم موسى بعدما نجاهم موسى عليه السلام من جبروت فرعون الإله، فطالبوه بإله آخر يعبدونه، أنتم من تجعلون أشباه السامري يخرجون لكم عجلا تعبدونه من قاع بحركم الذي ترمون بأنفسهم فيه، لأن سامري اليوم لن يختلف عن سامري الأمس، وسوف تجتمع الخصوم على جثة من يحاول الدفاع عن تلك الصحراء العجوز، مثلما علق طومان باي على باب زويلة لأنه أراد أن يحافظ على القاهرة من العثمانيين، وعندما لجأ لمن يرتب أوراقه عنده سلمه من أجل مكافأة، واسألوا كبير مؤرخي الدولة المملوكية "ابن إياس" الذي لم يترك مكانه حتى بعدما علقوا كبير العصر المملوكي على باب زويلة.
لست متخصصة في النحو العربي.. لكن لي رأي شخصي في بعض التقديمات والتأخيرات التي استعملها شاعرنا الكبير في الفقرة السابقة "أخْرَجَ السَّامِريُّ- لِيَصْلِبَ عصا موسى" جاء الفاعل تاليا للفعل دلالة على عظم قدر الفعل، بينما في " فلا السَّامِريُّ يَنْفُضُ غبارًا تراكَمَ على جثَّةِ طومان باي" تقديم الفاعل هنا على الفعل لعظم وتأكيد عدم قدرة الفاعل على فعل الفعل، "ولا ابنُ إياس يتركُ" تقديم الفاعل على الفعل دلالة أيضا على عدم قدرة الفاعل فعل الفعل" التقديم والتأخير هنا لم يكن الإفادة منه القصر والتوكيد والتخصيص بقدر أنه جاء معضدا ومؤكدا عدم قدرة الفاعل على فعل الفعل.
على حافة فنجانِكِ
كان هولاكو يهزُّ صحيفتَهُ
ليوقظَ كهنةَ التاريخِ مِنْ مَراقِدِهِمْ
يطوفون البلادَ ليجمعوا سحرةً
لم يكن هذا ما وَعَدَ الرحمنُ
ولا ما حَدَّثَ المرسلون
كان السامريُّ يُخْفي طلاسِمَ النهرِ
ليعودَ الهكسوسَ يجوسون خلال المدينةِ
متكئين على الأرائك
لا ينزفون
والصحراءُ عجوزٌ
ولا بشرى كي تَصُكَّ وَجْهَها
إذ لا تبتسمُ للزائرين
وكما يقولون "التاريخ يعيد نفسه" فإن مات هولاكو هناك ألف هولاكو، والسحرة لم ينتهوا في عهد موسى عليه السلام، فما أكثر سحرة اليوم، ما زال المخادعون يخفون طلاسم السحرة، ما زال السحرة يمهدون لعودة هولاكو جديد له صحيفة جديدة يضعها ساحر يعمي عيون متلقيه، نحن في شقاء مع الصحراء العجوز وهم متكئون على الأرائك يحاربوننا حربا باردة دون إراقة دماء، هم في تقدم ونحن العكس، وسيظل الوضع هكذا طالما لا طومان باي يحاول إنفاذ العجوز.