شوقيه عروق منصور - هيا نتضامن مع الحمار أبو استفزاز

في عصر السيارة والطائرة وكافة وسائل النقل السريعة لم يعد للحمار مكاناً في الواقع والذاكرة الحضارية ، المستقبلية ، الا في بعض الأماكن التي ما زالت الحضارة فيها تحبو ومستنقعات الفقر والطبيعة القاسية التي هي جميعها حالة خضوع لميراث الأجيال ، حيث تحول الحمار الى جزء من عالم العوز والحاجة والتنقل ومن الصعب الاستغناء عن ذلك الحيوان .
عندما انطلقت اغنية " بحبك يا حمار " للمطرب الشعبي المصري سعد الصغير ضحكت ورددت بيني وبين نفسي ها هم اعادوا للحمار كرامته وقيمته وحبه بعد ان تم تجاهله من قبل الناس و الفنانين والادباء ، ونحن نعرف أن الحمار قديماً كان له الأهمية التاريخية والدينية في القصص والحكايات ، من الحمار الذي حمل السيدة مريم العذراء وطفلها السيد المسيح عندما قدموا الى مدينة الناصرة ، الى الحمار الذي اهداه المقوقس عظيم القبط الى الرسول الكريم والى حمار جحا ، الا ان الكاتب المصري توفيق الحكيم استطاع عبر حماره أن يسجل أدباً عربياً تميز بالحوار بينه وبين الحمار حتى أطلق على أحد كتبه ( حماري قال لي ) والغريب أن النقاد أصروا عبر انتقادهم على أن توفيق الحكيم قد سرق كتاب (حماري قال لي ) من الكاتب الاسباني " خمبيث " وقد قاموا بتصوير الصفحات وعرضها على الملأ تأكيداً على سرقات توفيق الحكيم ، لكن رغم الضجة الأدبية بقي توفيق الحكيم من أشهر الادباء العرب في العصر الحديث الذي جعل من الحمار عالماً يوحي للكثير من القيم والسلوكيات والاحداث ، مع العلم أن عام 1930 تأسست في مصر جمعية للحمير من أشهر الأعضاء فيها طه حسين ، عباس العقاد ، توفيق الحكيم ، وقد وصلت العدوى الى الاديب الأردني حسني فريز الذي كتب " مغامرات حمار " ، وكذلك الكاتب السوري عبدالله عبد فقد أطلق على الحمار لقب فهيم وكان يوقع قصصه بهذا اللقب . أما الحمار الذي له الحظ الكبير في التفوق والاهتمام ، فهو حمار الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي هو الشعار الكبير للحزب الذي يحاول السيطرة على العالم .
الفنان دريد لحام - غوار الطوشة - أطلق على حماره الذي شاركه بعض مسلسلاته اسم " أبو صابر " لأنه صبور ويتحمل الشقاء والتعب ويتحمل مقالبه . لكن الحمار الفلسطيني تفوق على الحمار" أبو صابر" لأنه نزع الصبر ورمى به بعيداً ، ودخل في مناطق الاستفزاز ، وقد أطلقتُ عليه لقب " أبو استفزاز " ويجب على السلطة الفلسطينية إدخاله الى موسوعة " غينس " بدلاً من أكبر صحن تبوله أو أكبر فستان ، لأن الحمار يلخص عالم الاحتلال بتفاصيله من خلال رؤيته
استطاع الحمار " أبو استفزاز " أن يتحدى الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية فهو يريد التحرر والتنقل في أرض الوطن حسب مزاجه وطبيعته ، وليس حسب قوانين الاحتلال التي تمسك الممنوع وتصنع منه خلطة تبدو محشوة وغنية بالدسم ، ولكن في الحقيقة خلطة فارغة أشبه بفراغ التصريحات البالونية التي يطلقها المسؤولين على الفاضي والمليان في المناسبات العديدة .
لكن ها هو الحمار " أبو استفزاز " يسقط في شباك الحبس ويكشف عن وجه الاحتلال القبيح ، يمرر الإعلان أمام العيون لتقرأ السطور وخلفها وتحتها .
( تعلن الإدارة المدنية في الضفة الغربية عن تحرير وبيع الحيوانات الضالة التي تم وضع اليد عليها ، وذلك حسب الشروط التي تم تحديدها كالمفصل أدناه ، نوع الحيوان حمار والكمية 40 ) .
إسرائيل تدعي أن الحمير تم احتجازها بعد دخولها مناطق عسكرية ، مع العلم ان إسرائيل تستولي على الحيوانات من أبقار وخيول وأغنام وحتى مواد زراعية بزعم أن عبورها طرقاً أو أرضي تصنف مناطق عسكرية .
المضحك ان الإدارة المدنية تطالب كل صاحب حمار بدفع مبلغ 1500 شيكل أي نحو 400 دولار كغرامة مالية لتحرير الحمار ، مع العلم أن الحمار لا يتجاوز سعره 300 شيكل أي 80 دولار ، مما يدفع صاحب الحمار لتركه فتقوم الإدارة بالاستيلاء عليه وبيعه ، وقد أضيف للإعلان عن فتح سوق المزاد للحمير التي تخلى عنها أصحابها ولم يدفعوا ثمن تحريرها ، وعلى المشتركين في المزاد التسجيل المسبق .
علمنا التاريخ عندما يهيمن الاحتلال والاستعمار بقسوته ودماره وبطشه على شعب ترصد ملايين الصور التي تهز الروح و الوجدان والمشاعر ، لكن هناك أيضاً ملايين الصور التي تهز الخصر من الضحك حتى ذرف الدموع ، وحكاية الحمير الفلسطينية التي تطالب الآن بتحريرها من قبضة الاحتلال وعدم بيعها في سوق المزاد العلني هي حكاية لن تكون عابرة الا اذا اعتبرنا كل صورة مؤلمة هي عابرة ، بل هي تلخص قصة احتلال يكون الموقع عليها " حمار " .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى