غياث المرزوق - ٱلْأَنَــــا: ظَاهِرِيَّاتُ ٱلْتَّدْلِيْلِ وَبَاطِنِيَّاتُ ٱلْتَّذْلِيْلِ (القسم الأول)

حَتَّى لَوْ تَشَيَّأَتْ فِي عُقْرِ دَارِهَا ٱلْخَاصِّ
اَلْأَنَا لَيْسَتْ فِي شَيءٍ مِنَ ٱلْسَّيِّدِ ٱلْمِخْمَاصِ
زيغموند فرويد

(1)

يدرسُ هذا المقالُ مسألةَ «الأنا (الشاهدةِ)» The Ego بوصفِهَا، في ذاتِ الإطارِ التنظيريِّ عندَ زيغموند فرويد، مَاهيةً نفسانيةً تضمُّ مَاهيَّتَيْنِ نفسانيَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ألا وهُمَا: «الأنا الغائبة» The Id، التي تكمنُ في المستوى الأدنى للأنا (الشاهدةِ)، و«الأنا العُلْيَا» The Super-Ego، التي تستقرُّ في المستوى الأعلى لهذهِ الأنا (الشاهدةِ)[1]. إذ ينبني تمثيلُ النفسِ بأبعادِهِ الثلاثةِ هذهِ، في الأساسِ، على ذلك النظامِ الثلاثيِّ الذي سبقَ أن تمَّ وضعُهُ وضعًا نظريًّا لكي يشملَ «اللاوعيَ» و«مَا قبلَ الوعيِ» و«الوعيَ» بتثليثٍ تراتبيٍّ، فيما يظهرُ. فمن خلالِ الإشارةِ إلى حتميةِ الصراعِ المتبادَلِ بين ظاهرةِ «التماهي» وظاهرةِ «عقدةِ أوديبَ»، سيصبُّ هذا المقالُ، عندئذٍ، جامَ التوكيدِ على النواحي التطوريةِ للأنا (الشاهدةِ) من حيثُ العلاقةُ التي تنشأ بينَها وبينَ الماهيَّتَيْنِ النفسانيَّتَيْنِ الأُخريَيْنِ (الأنا الغائبةُ والأنا العليا). بناءً على هذا التوكيدِ، كذلك، سيتطرَّقُ المقالُ إلى إمكانيةِ السيرِ المتوازي لسيرورَتَيِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنَوِيِّ كلتَيْهما، وسيتطرَّقُ، من ثمَّ، إلى «العواقبِ» النفسانيةِ التي تنجمُ عن هذا التوازي. ووفقًا لذلك، ها هنا، سيعالجُ المقالُ إشكاليةَ التعاضُدِ الذي يحدثُ بينَ الماهياتِ النفسانيةِ الثلاثِ هذهِ، وذلك من منظورَيْ مقدارِ انجلاءِ الوعيِ ومدى احتواءِ الدوافعِ الغرَزيةِ[2]، لكيما يصارَ إلى اقتفاءِ المسارِ الذي يسيرُ فيهِ تطوُّرُ محتوياتِ الأنا (الشاهدةِ) من طورِ «الحالةِ القبْليةِ» للنفسِ (أي الحالةُ التي تشيرُ إلى ما يقبعُ في «دُكنةِ» الأنا الغائبةِ) إلى طورِ «الحالةِ البَعْديةِ» لهذهِ النفسِ (أي الحالةُ التي تشتملُ على «رقابةِ» الأنا العليا). بعدئذٍ، سيشرحُ المقالُ قضيةَ ذلك الصراعِ المتأصّلِ مستديمًا، فيما يبدو، بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا الغائبةِ لدى الحضورِ (الناشئِ) للأنا العليا، وذلك باعتبارِها قضيةَ نزاعٍ مترسّخٍ بينَ ما يسمِّيهِ فرويد بـ«مبدأ الواقع» Reality Principle، بوصفِهِ المبدأَ الذي ينظِّمُ عملَ الأنا (الشاهدةِ)، وبينَ ما يسمِّيهِ كذاك بـ«مبدأ اللذَّة» Pleasure Principle، بوصفِهِ المبدأَ الذي يتحكَّمُ في عملِ الأنا الغائبةِ، على أثرِ التكوُّنِ (ناجمًا) لما يمكنُ أن نسمِّيَهُ هنا بـ«مبدأ الخُلْق» Morality Principle، على اعتبارِهِ المبدأَ الذي يهيمنُ كلِّيًّا (أو جزئيًّأ) على عملِ الأنا العليا. أخيرًا، سَيُسْعَى إلى رصدِ ذينك التبايُنِ والتغايُرِ الصارخَيْنِ بينَ ما يُعَرِّفُهُ جاك لاكان، من طرفٍ أوَّلَ، بـ«الأحكام الخاطئة»، تلك الأحكامِ التي تطلقُها الأنا (الشاهدةُ) إطلاقًا «واعيًا» (وعلى الأخصِّ من منظورِ ما يصطلحُ عليه في اللغةِ الفرنسيةِ اصطلاحًا بـ«سوء الإدراك»، أو «سوء التبيُّن» Méconnaissance)، وبينَ ما يمكنُ أن نُعَرِّفَهُ هنا أيضًا، من طرفٍ آخَرَ، بـ«الأحكام الصحيحة»، تلك الأحكامِ التي تطلقُها الأنا الغائبةُ إطلاقًا «لاواعيًا»، وذلك من جرَّاءِ ذاك التوسُّطِ (أو التفاوضِ، بالأحرى) الذي تُجريهِ الأنا (الشاهدةُ) بينَ العالَمِ الظاهريِّ (عالَمِها بالعَيْنِ) وبينَ العالَمِ الباطنيِّ (عالَمِ الأنا الغائبةِ بالذاتِ). وهكذا، سَيُسْعَى كذاك إلى توضيحِ هذا التناقضِ الكاملِ والتامِّ بين نوعَيِ الأحكامِ هذينِ (من حيثُ إطلاقُها خطأً وصَحًّا)، وذلك بالإشارةِ إلى السيرةِ السريريةِ لذاك «المريضِ» المُلقَّبِ بـ«أبي الجُرَذ» Rat Man (وقد خضعَ هذا بالإتباعِ لتحليلِ فرويد) لكيما يُعمدَ إلى صَبِّ جامِ التشديدِ على نوعِ التمايُزِ التطابقيِّ بينَ ما يُمكنُ أن ندعوَهُ بـ«القَسِيم الموضوعي» للأنا الواعيةِ و«القَسِيم الذاتي» للأنا اللاواعيةِ – حَادِيًا حُدُوًّا بهذا القَسِيمِ النفسانيِّ الأخيرِ إلى إلقاءِ الضوءِ، بدورِهِ هو الآخَرُ، على تلك النيابةِ الإنسانيةِ التي يُشارُ إليها في عَيْنِ الإطارِ التنظيريِّ اللاكانيِّ عمومًا بـ«المُسْنَد إليهِ» The Subject.

كما نُوقشَ من قبلُ في مقالٍ سابقٍ، «ٱلْتَّمَاهِي: إِيْجَابِيَّاتُ ٱلْتَّأْثِيلِ وَسَلْبِيَّاتُ ٱلْتَّمْثِيلِ (1-2)»، يُمكنُ لظاهرةِ التماهي أن تحرِّضَ بيُسْرٍ وسهولةٍ على العَكْسِ الفعليِّ لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، بحيثُ إنَّ العكسَ الفعليَّ هذا يجسِّمُ تحوُّلاً نفسانيًّا يميلُ المُتَمَاهِي من خلالِهِ إلى الإنماءِ الحقيقيِّ لتركيزِ طاقتِهِ النفسيةِ (أو الذهنيةِ) كلِّيًّا، أو جزئيًّا، على المُتَمَاهَى (فيهِ) بالذاتِ – هذا التركيزِ (التَّمَاهَوِيِّ) الذي يُوَصَّفُ توصيفًا باصطلاحِ «المَرْكَزَةِ (النفسانيةِ)» Cathexis، في السياقِ العلميِّ المعتادِ[3]. ففي هذا السياقِ تحديدًا، فإنَّ التمييزَ المُدْرَكَ بينَ «الإضفاءِ المثاليِّ»، بمعنى أن يُضفِيَ المُتَمَاهِي على المُتَمَاهَى (فيهِ) صفةً مثاليةً، وبينَ «التشْيِيءِ اللبيديِّ»، بفحوى أن يتَّخذَ المُتَمَاهِي من المُتَمَاهَى (فيهِ) شيئًا لبيديًّا، إنَّمَا يطابقُ على التراتبِ ذلك التمييزَ القابلَ للإدراكِ بينَ «النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ»، بمعنى أن ينزعَ المُتَمَاهِي إلى أن يكونَ مثلَ كينونةِ المُتَمَاهَى (فيهِ)، وبينَ «النُّزُوعِ التَّمَلُّكِيِّ»، بفحوى أن ينزعَ المُتَمَاهِي إلى أن يملِكَ كلَّ كينونةِ المُتَمَاهَى (فيهِ) بدلاً من أن يكونَ مثلَها[4]. ومهما يَكُنْ من أمرِ هكذا تطابُقٍ، فقد يتوقَّفُ ذلك التمييزُ بينَ الإضفاءِ المثاليِّ (أو النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ) وبينَ التشْييءِ اللبيديِّ (أو النُّزُوعِ التَّمَلُّكِيِّ) على وجودِ، أو عدمِ، تلك الكيفيةِ التي يسعى بها الارتباطُ العاطفيُّ الناتجُ (أو التي تسعى بها الصلةُ اللبيديةُ الناتجةُ) إلى صياغةِ الأنا (الشاهدةِ) المكنونةِ في المُتَمَاهِي على غرارةِ الأنا (الشاهدةِ) المكنونةِ في المُتَمَاهَى (فيهِ): إذْ أنَّ حدوثَ هذا السعيِ حدوثٌ ممكنٌ في كلٍّ من الحالاتِ السويةِ والحالاتِ اللاسويةِ (أو المَرَضيةِ المنشأ). ففي إبَّانِ التحطيمِ الحتميِّ لعقدةِ أوديبَ وإذعانِها المحتومِ لما يُسَمَّى بـ«الكبْتِ الأوَّليِّ» Primary Repression، يتحتَّمُ على النفسِ الإنسانيةِ أن «تقمعَ» أيَّمَا إرهاصٍ ابتدائيٍّ للدوافعِ الغَرَزيةِ (البدائيةِ) في الأنا الغائبةِ ذاتِ الوجودِ «السَّبْقِيِّ»، هذا الوجودِ الاستنتاجيِّ الذي يسبقُ عالَمَ التجربةِ الدنيويةِ بادئًا، ممَّا يجعلُ هذه الدوافعَ الغَرَزيةَ في حالةٍ من السُّباتِ «الجنسيِّ» خلالَ ذلك «الدورِ الكُمُونيِّ» الذي ينتهي في سنِّ البلوغِ، على وجهِ التقريبِ. وهكذا، في مرحلةٍ متأخرةٍ من مراحلِ سيرِ الارتباطِ الناشئِ بينَ المُتَمَاهِي والمُتَمَاهَى (فيهِ)، يتمُّ استبدالُ تلك الأشكالِ الواهنةِ من حيثُ نَشْأُ تركيزِ الطاقةِ النفسيةِ، أو مَرْكَزَتِها (النفسانيةِ)، على الشخصِ/الشيءِ بتلك الأشكالِ الأكثرِ انتعاشًا ونشاطًا لإشرابِ التَّمَاهِي، في حدِّ ذاتِهِ: بحيثُ يجري إشرابُ السلطةِ (التحريميةِ) للمُتَمَاهَى (فيهِ) إشرابًا في الأنا (الشاهدةِ) المكنونةِ في المُتَمَاهِي ذاتِ الوجودِ «الوَسْطيِّ»، هذا الوجودِ الاستبيانيِّ الذي يقومُ بمهمَّةِ الوسَاطةِ بينَ الأنا الغائبةِ والأنا العليا تابعًا، فيشكلُ هكذا إشرابٌ سلطويٌّ في نفسِ المُتَمَاهِي، بعدئذٍ، عينَ النواةِ لتطوُّرِ الأنا العليا ذاتِ الوجودِ «اللَّحْقِيِّ»، هذا الوجودِ الاستقرائيِّ الذي يلحقُ عالَمَ التجربةِ الدنيويةِ ناهيًا. وبالتالي، تستتبعُ الأنا العليا ميلَها اللاواعيَ نحوَ انتحالِ، ومن ثمَّ نحوَ إدامةِ، نوعِ الصرامةِ المستمَدِّ من عَيْنِ السلطةِ (التحريميةِ) المرغوبِ عنها، في الأصلِ، لكي تمنعَ الأنا (الشاهدةَ) من إعادةِ تنميةِ الأشكالِ الواهنةِ من حيثُ نَشْأُ تركيزِ الطاقةِ النفسيةِ ذاتِها – أو، كبديلٍ آخَرَ في المقابلِ، لكي تجيزَ لهذهِ الأنا (الشاهدةِ) عينِها بناءَ وإنعاشَ تلك الأشكالِ (الواهنةِ) من جديدٍ، وذلك عن طريقِ «تقويضِهَا الجنسيِّ»، في الاصطلاحِ الفرويديِّ الأوَّلِ[5]، أو حتى عن سبيلِ «تطبيعِهَا اللبيديِّ»، في الاصطلاحِ اللاكانيِّ المُؤَوَّلِ[6]. وبما أنَّ مضمونَيِ التَّمَاهِي الإيجابيِّ والسلبيِّ (أو المَرَضيِّ) يفترضانِ مقدَّمًا أنَّ لهُ طبيعةً ازدواجيةً ازدواجًا تأرجُحِيًّا (أو حتى تناقُضِيًّا)، من جهةٍ أولى، ويفترضانِ أيضًا أنَّ لهُ (أي للتَّمَاهِي) وظيفةً ثنائيةً مناظرةً، من جهةٍ أُخرى (تلك الوظيفةَ التي تتجلَّى في تأسيسِهِ المباشرِ لأنماطٍ بدائيةٍ من أشكالِ تركيزِ الطاقةِ النفسيةِ، أوَّلاً، وتتجلَّى في إسهامِهِ اللامباشرِ في التقويضِ الجنسيِّ، أو التطبيعِ اللبيديِّ، لهذهِ الأنماطِ البدائيةِ، ثانيًا)، فإنَّ الترسيخَ الأكثرَ بُكورًا للتَّمَاهِي بشكلِهِ «البدائيِّ»، فيما يتبدَّى، إنَّمَا يدلُّ على التجلِّي الأكثرِ بُكورًا للأنا (الشاهدةِ) بشكلِها «البدائيِّ» كذلك، تجلٍّ ناقصِ النموِّ يتحتَّمُ عليهِ أن يمرَّ بعددٍ معيَّنٍ من أطوارِ التطوُّرِ الأنويِّ (الشاهدِيِّ) عَيْنِهِ في تزامُنٍ جدِّ محتمَلٍ معَ عددٍ محَّددٍ موازٍ لهُ من أطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ عَيْنِ عَيْنِهِ. ووَفقًا لذلك كلِّهِ، فيما يتبدَّى كذلك، يترتَّبُ على هذا التوازي التطوُّريِّ حشدٌ من «عواقبَ» نفسانيةٍ معيَّنةٍ ومحدَّدةٍ، بدورِها هي الأُخرى.

يستتبعُ ممَّا تقدَّمَ، إذن، أنَّ «العواقبَ» النفسانيةَ التي تنجمُ عن التوازي بين أطوارِ التطوُّرِ الأنويِّ وأطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ لَعواقبُ قد تُبدي للعيانِ تجسيداتٍ متواليةً بعضَ الشيءِ لكيفياتٍ لبيديةٍ لها مدلولاتُها الخاصَّةُ في مرحلةِ الطفولةِ، كيفياتٍ تتميَّزُ بها إلى حدٍّ بعيدٍ أطوارُ التطوُّرِ الأخيرِ (أي التطوُّرُ اللبيديُّ): إذْ يمكنُ لتلك «العواقبِ» النفسانيةِ أن تفضيَ إلى تشكيلِ كيفياتٍ أنوِيَّةٍ كذاك، كمثلِ «الأنا الفمِّيةِ»، و«الأنا الشرجيةِ»، و«الأنا القضيبيةِ»، أو ما يُشابهُ ذلك، كيفياتٍ تتجلَّى بمثابةِ معاييرَ تطوُّريةٍ من المحتملِ أن تكونَ مصدرَ الإلهامِ المباشرِ لما يصنِّفُهُ أريكسون تسميةً بـ«مراحل الإنسان»[7]. لهذا السببِ، في الدورِ ما قبلَ الأوديبيِّ الذي يسودُ فيهِ تأثيرُ كلٍّ من الأطوارِ الثلاثةِ النظائرِ لهذهِ المراحلِ (أي «الطورُ الفمِّيُّ»، و«الطورُ الشرجيُّ»، و«الطورُ القضيبيُّ»، على التناظرِ)، قد يوحي الاختلافُ الجوهريُّ بين الأنا الغائبةِ والأنا (الشاهدةِ)، في أرجحِ الظنِّ، إلى أنَّ التغيُّراتِ الأدنى للتطوُّرِ اللبيديِّ (كمثلِ التغيُّراتِ التي تحدثُها الدوافعُ الغَرَزيةُ ذاتُها) يجري تحفيزُها في الماهيةِ النفسانيةِ الأولى – أي الأنا الغائبة، في حينِ أنَّ التغيُّراتِ الأعلى للتطوُّرِ الأنَوِيِّ (كمثلِ التغيُّراتِ التي تسبِّبُها العملياتُ الفكريةُ، في المقابلِ) يتمُّ تحريضُها في الماهيةِ النفسانيةِ الأخيرةِ – أي الأنا (الشاهدة)[8]. وبناءً على ذلك، يُصَارُ، من جانبٍ أوَّلَ، إلى توجيهِ التغيُّراتِ الأدنى للتطوُّرِ اللبيديِّ توجيهًا لاواعيًا، من خلالِ حَفْزِ الطاقاتِ «الرَّغبيةِ» المُوَلَّدةِ داخليًا، تلك الطاقاتِ التي تقترنُ بالدوافعِ الغَرَزيةِ المعنيةِ، ويُصَارُ، من جانبٍ آخَرَ، إلى تنظيمِ التغيُّراتِ الأعلى للتطوُّرِ الأنَوِيِّ تنظيمًا واعيًا (أو حتى لاواعيًا)، من خلالِ دَفْقِ القوى «اللارَغبيةِ» المُنَشَّطةِ خارجيًا، تلك القوى التي تمكِّنُ النيابَةَ المعنيَّةَ من التغلُّبِ، ومن ثَمَّ من السيطرةِ، على الدوافعِ الغَرَزيةِ ذاتِها. وفضلا عن ذلك، في أثناءِ التفاعلِ اللازمِ بينَ الطاقاتِ الرَّغبيةِ والقوى اللارَغبيةِ هذهِ، فإنَّ القدرةَ الاقترانيةَ «الأكثرَ تطوُّرًا» للطاقاتِ الرَّغبيةِ عينِها قد تؤدِّي، هي أيضًا، إلى اقترانِ تجلٍّ لبيديٍّ معيَّنٍ بتجلٍّ أنويٍّ محدَّدٍ، فيكونُ هذا الاقترانُ، هو أيضًا، باعثًا على تشكيلِ «اللبيدو الأنويِّ» مُشْتَقًّا بذاك اشتقاقًا لحظيًّا من نقيضِهِ، «اللبيدو الشيئيِّ»، وبالأخصِّ حينَ يمتدُّ اقترانُ التجلِّي اللبيديِّ المعنيِّ امتدادًا أبعدَ كي يبلغَ مستوَى ما يُعَرَّفُ ها هنا بـ«تمثيلِ الشيءِ» Object Presentation، مشيرًا بذاك إلى التمثيلِ النفسانيِّ (أو حتى الذهنيِّ) للعالَمِ الظاهريِّ[9]. من هذهِ الحيثيةِ، إذن، فإنَّ مجرَّدَ تحوُّلِ اللبيدو الشيئيِّ إلى اللبيدو الأنويِّ (ذلك التحوُّلِ الذي يحدثُ باللزامِ حدوثًا نرجسيًّا، والذي يقتضي عينَ التقويضِ الجنسيِّ للبيدو الشيئيِّ، أو عينَ تطبيعِهِ اللبيديِّ، كما هي الحالُ في التماهي)، فإنَّهُ سيتيحُ للأنا (الشاهدةِ) اكتسابَ إمكانيةِ المَنَالِ الموجَّهِ من الأنا الغائبةِ، وسيفضي من ثمَّ إلى توطيدِ، و/أو إلى تعميقِ، العلاقةِ بين هٰتَيْنِ الماهيَّتَيْنِ النفسانيتَيْنِ. وفي هذا ما يُبَيِّنُ كيفَ أنَّ الاختلافَ الأساسيَّ بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا العليا، بدورِهِ هو الآخَرُ، سيُحْدَى إلى تخفيفِهِ، و/أو إلى تسطيحِهِ، كذلك، نظرًا لكونِ التقويضِ الجنسيِّ، أو التطبيعِ اللبيديِّ، مهمَّةً مَنوطةً بالأنا العليا، تلك المهمَّةَ التي يجري تحفيزُها أصلاً عن طريقِ السلطةِ (التحريميةِ) للمُتَمَاهَى (فيهِ)، كما تمَّ ذكرُهُ آنفًا. وبالتالي، من جرَّاءِ ذاتِ التخفيفِ، و/أو التسطيحِ، للاختلافِ الأساسيِّ بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا العليا، فإنَّ مجرَّدَ تحوُّلِ اللبيدو الشيئيِّ إلى اللبيدو الأنويِّ سيبيحُ للأنا (الشاهدةِ) هذهِ، بصورةٍ مماثلةٍ، اكتسابَ إمكانيةِ المَنَالِ الموجَّهِ من الأنا العليا، بالإضافةِ إلى الأنا الغائبةِ.

يتضحُ ممَّا سبقَ تِبْيَانُهُ، إذن، أنَّ أيَّ كمٍّ من اللبيدو يقترنُ بشخصٍ، أو بشيءٍ، لكي يمثِّلَ كمًّا من اللبيدو الشيئيِّ، سيُصَارُ إلى اقترانِهِ، في آخرِ الأمرِ، بالأنا (الشاهدةِ)، لكيما يمثِّلَ، بدورِهِ هو الآخَرُ، كمًّا من اللبيدو الأنَوِيِّ. وتبعًا لذلك، ينزعُ اللبيدو الأنَوِيُّ الناجمُ، من طرفٍ أوَّلَ، إلى التوسيعِ من مجالِ الوعيِ الذاتيِّ لدى المولودةِ أو المولودِ (وعيٍ قد يتأوَّجُ في الحُبِّ الذاتيِّ حتى)، ويسعى، من طرفٍ آخَرَ، إلى التضييقِ في نطاقِ ارتباطِهِما العاطفيِّ، أو صلتِهِما اللبيديةِ، بالوالدةِ أو بالوالدِ. لهذا السببِ، يشيرُ التطوُّرُ اللبيديُّ، في المسارِ المعتادِ، إلى التبدُّلِ العاطفيِّ في الغاياتِ الموقفيةِ نحوَ إشباعِ الرغبةِ الحسِّيةِ/الجنسيةِ في الحصولِ على اللذةِ، بينما يوحي التطوُّرُ الأنَوِيُّ، في المسارِ المعتادِ كذاك، إلى التحقُّقِ المتدرِّجِ شدَّةً من التعارضِ بينَ الأنا الغائبةِ ذاتِ الوجودِ السَّبْقِيِّ (القائمِ على الاستنتاجِ) وبينَ الأنا (الشاهدةِ) ذاتِ الوجودِ الوَسْطِيِّ (القائمِ على الوساطةِ)، ذلك التعارضِ الذي يتجلَّى تجلِّيًا أكثرَ فأكثرَ أمامَ الأنا العليا ذاتِ الوجودِ اللحْقِيِّ (القائمِ على الاستقراءِ). من هنا، يكشفُ هذا التطوُّرُ الأنَوِيُّ النقابَ عمَّا يُحَدَّدُ بالتمثيلِ الثلاثيِّ الأبعادِ للجهازِ النفسانيِّ (أو الحياةِ الذهنيةِ)، تمثيلٍ يبلغُ من التجريدِ حدًّا بعيدًا في إطارِ نظريةٍ «ما وراءَ نفسيةٍ» Metapsychological، في منتهى العِيَاصِ والتعقيدِ، خُصُوصًا وأنَّ هذا التمثيلَ الثلاثيَّ قد سبقَ لَهُ أن أُخْضِعَ لبنيتَيْنِ طوبوغرافيَّتَيْنِ متميِّزتَيْنِ تميُّزًا لافتًا على الرَّغمِ من وثاقةِ الاتصالِ ببعضِهما البعضِ. ففي ظاهرِ الأمرِ من هذهِ القرينةِ، تمَّ افتراضُ الوجودِ الوَسْطِيِّ للأنا (الشاهدةِ)، بوصفِها ماهيةً نفسانيةً آبدةً، لكي يضمَّ الوجودَيْنِ «المتناظرَيْنِ» و«اللامتناظرَيْنِ»، في آنٍ معًا، للماهيَّتَيْنِ النفسانيَّتَيْنِ الأُخريَيْنِ: أولاً، الوجودُ السَّبْقِيُّ للأنا الغائبةِ في المستوى «الأدنى» للأنا (الشاهدةِ)؛ وثانيًا، الوجودُ اللحْقِيُّ للأنا العليا في المستوى «الأعلى» لها – أي للأنا (الشاهدةِ). واستنادًا إلى ذلك، يتمُّ النظرُ إلى الماهياتِ، أو «النياباتِ»، النفسانيةِ الثلاثِ هذهِ باعتبارِها المكوِّناتِ الأساسيةَ الثلاثةَ التي تشكِّلُ ما هو معروفٌ على الإجمالِ بـ«البنيةِ الطوبوغرافيةِ الثانيةِ»، لكيما يُنظرَ من خلالِ هكذا مكوِّناتٍ أساسيةٍ ثلاثةٍ بالإتباعِ في تحديدِ حدودِ الجهازِ النفسانيِّ برمَّتِهِ. إذْ ليستْ هذهِ البنيةُ الطوبوغرافيةُ الثانيةُ، في حقيقةِ الأمرِ، سوى تبلوُرٍ نظريٍّ ناتجٍ عمَّا يُعرفُ على العمومِ كذاك بـ«البنيةِ الطوبوغرافيةِ الأولى» للجهازِ النفسانيِّ ذاتِهِ، تلك البنيةِ التي تمَّ اقتراحُ مكوِّناتِها الجوهريةِ الثلاثةِ، بدلاً من ذلك، على أساسِ أنظمةٍ متواشجةٍ ثلاثةٍ، أوَّلُها نظامُ «اللاوعيِ» The Unconscious، وثانيها نظامُ «ما قبلَ الوعيِ» The Preconscious، وثالثُها نظامُ «الوعيِ» The Conscious، بالتحديدِ – مع أن هٰتَيْنِ البنيتَيْنِ الطوبوغرافيَّتَيْنِ لاتعكسانِ، فيما يبدو، علائقَ متقابلةً متكافئةً بين مكوَناتِهِمَا الثلاثةِ حتمًا. وهكذا، فإنَّ محتوى الأنا الغائبةِ، والحالُ هنا، لمحتوىً يدخلُ في نطاقِ نظامِ اللاوعيِ دخولاً قَطْعيًّا، في حينِ أنَّ أيًّا من محتويَيِ الأنا (الشاهدةِ) والأنا العليا لا ينتمي إلى نطاقِ نظامِ الوعيِ انتماءً قَطْعيًّا بَتَّةً، نظرًا لنزوعِ جزءٍ ما من كلٍّ من هٰذَيْنِ المحتويَيْنِ إلى البقاءِ في نظامِ اللاوعيِ، من جهةٍ أولى، ونظرًا لميولِ جزءٍ آخَرَ من كلٍّ منهُمَا إلى الدخولِ في نظامِ ما قبلَ الوعيِ لكي يصبحَ، فيما بعدُ، جزءًا من نظامِ الوعيِ، من جهةٍ أُخرى. يعني ذلك، بكلامٍ آخَرَ، أنَّ كلاًّ من محتويَيِ الأنا (الشاهدةِ) والأنا العليا إنَّمَا يتحتَّمُ عليهِ أن يقيمَ علاقةً من العلائقِ بينَهُ وبينَ محتوى الأنا الغائبةِ. وحسبما يرتئيهِ مفهومُ فرويد، في هذا السياقِ النفسيِّ، فإنَّ العلاقةَ التي تنشأُ بينَ محتويَيِ الأنا العليا والأنا الغائبةِ لَأوطدُ، أو لَأعمقُ، من العلاقةِ التي تنشأُ بينَ محتويَيِ الأنا (الشاهدةِ) والأنا الغائبةِ[10]. ناهيكُمَا، بطبيعةِ الحَالِ، عن أنَّ فرويد نفسَهُ كانَ قدِ اشتقَّ الاصطلاحَ The Id «الأنا الغائبة» في اللغةِ اللاتينيةِ، أصلاً، من الاصطلاحِ Das Es «الهُوَ/الهيَ» في اللغةِ الألمانيةِ، ذلك الاصطلاحِ المُحَايِدِ الذي استخدمَهُ غروديك (1866-1934)، منذُ البدايةِ، في مؤلفاتِهِ النفسيةِ[11]. وناهيكُمَا، علاوةً على ذلك، عن أنَّ هذا الأخيرَ (أي غروديك)، بدورهِ هو الآخَرُ، كانَ قدِ اشتقَّ الاصطلاحَ المعنيَّ، فعلاً، من أستاذِهِ، شفينينغَر (1850-1924)، وعن أنَّ هذا الأخيرَ (أي شفينينغَر)، بدورهِ هو الآخَرُ، كانَ قدِ استعارَ الاصطلاحَ ذاتَهُ، في الأساسِ، من فكرةِ ذاك «الكائنِ اللاشخصيِّ» الذي يقبعُ في خَفِيَّةٍ من خفايا الطبيعةِ الإنسانيةِ، حسبَما يرتئيهِ مفهومُ نيتشه (1844-1900) من طرفِهِ، في ذلك السياقِ الفلسفيِّ[12].

كما تمَّ ذكرُهُ آنفًا، فإنَّ الاختلافَ الجوهريَّ بينَ الأنا الغائبةِ والأنا (الشاهدةِ) لَيمكنُ عزوُهُ إلى ذلك الصراعِ الدائمِ بينَ التغيُّراتِ الأدنى للتطوُّرِ اللبيديِّ، تلك التغيُّراتِ التي توجِّهُهَا الطاقاتُ الرَّغبيةُ توجيهًا لاواعيًا في الأنا الغائبةِ، من طرفٍ أوَّلَ، وبينَ التغيُّراتِ الأعلى للتطوُّرِ الأنَوِيِّ، تلك التغيُّراتِ التي تنظِّمُهَا القوى اللارَغبيةُ تنظيمًا واعيًا، أو لاواعيًا، في الأنا (الشاهدةِ)، من طرفٍ آخَرَ. وبناءً على ذلك، فللاختلافِ الجوهريِّ المعنيِّ أن يذكِّرَ بذلك التضادِّ القياسيِّ بينَ «العملياتِ الجسمانيةِ الأوَّليةِ»، تلك العملياتِ التي تستمدُّ منها الدوافعُ الغَرَزيةُ طاقاتِها الرَّغبيةَ في الأنا الغائبةِ، من جهةٍ أولى، وبينَ «العملياتِ النفسانيةِ الثانويةِ»، تلك العملياتِ التي تستمدُّ منها العملياتُ الفكريةُ قواها اللارَغبيةَ في الأنا (الشاهدةِ)، من جهةٍ أُخرى. فعندَ الانطباعِ الأوَّليِّ، إذن، قد يوحي هذا الاختلافُ الجوهريُّ الصريحُ والفصيحُ بالمعالِمِ، فيما يتبدَّى، إلى أنَّ الأنا (الشاهدةَ)، من حيثُ تكوينُهَا التطوُّريُّ الحاضرِيُّ نَسْبًا، سبقَ لها أن خضعتْ لطورٍ معيَّنٍ من أطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطورِّ الأنَوِيِّ، على أقلِّ تقديرٍ (إن لم يسبقْ لها أن خضعتْ لهذهِ الأطوارِ كلِّهَا)، وإلاَّ فلن يتمَّ افتراضُ التشابهِ الجوهريِّ بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا الغائبةِ في ذلك الجزءِ المحدَّدِ من نظامِ اللاوعيِ، كما أُشِيرَ إليهِ قبلَ قليلٍ. وكما تمَّ ذكرُهُ آنفًا أيضًا، ثَمَّةَ صنفانِ رئيسيَّانِ متغايرانِ (متضادَّانِ) من الدوافعِ الغَرَزيةِ التي تستمدُّ طاقاتِهَا الرَّغبيةَ من العملياتِ الجسمانيةِ الأوَّليةِ (في الأنا الغائبةِ، في الأغلبِ والأعمِّ). أوَّلاً، «الدافعُ الغَرَزِيُّ الحياتيُّ» (أو إيروس)، ويشتملُ هذا الصنفُ الرئيسيُّ الأوَّلُ، بدورِهِ، على صنفَيْنِ فرعيَّيْنِ هما: «الدوافعُ الغَرَزيةُ الصَّائنةُ للجنسِ»، و«الدوافعُ الغَرَزيةُ الحافظةُ للذاتِ». ثانيًا، «الدافعُ الغَرَزِيُّ المماتيُّ» (أو ثاناتوس)، ويتضمَّنُ هذا الصنفُ الرئيسيُّ الثاني، بدورِهِ كذاك، صنفَيْنِ فرعيَّيْنِ أيضًا هما: «الدوافعُ الغَرَزيةُ الساديةُ»، و«الدوافعُ الغَرَزيةُ المازوخيةُ» (انظرا الحاشية: 8). وبما أنَّ الدوافعَ الغَرَزيةَ الحافظةَ للذاتِ لَدوافعُ مُخَصَّصَةٌ للأنا (الشاهدةِ)، أو مَعْزُوَّةٌ إليها تحديدًا، فإنَّ التشابهَ الجوهريَّ الحاسمَ بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا الغائبةِ، إذن، لَوشيجُ الاتصالِ بأيٍّ من الأَقْسِمَاءِ اللاواعيةِ لهذهِ الدوافعِ الغَرَزيةِ (إذِ الواحدُ من هذهِ الأَقْسِمَاءِ هو: «القَسِيمُ اللاواعي» لغةً). وفي هذا ما يفسِّرُ الجزمَ على محتوى الأنا (الشاهدةِ)، أو على محتوى الأنا العليا، بقدرِ ما يتعلَّقُ الأمرُ بها كذلك، باعتبارِهِ محتوىً لا ينتمي إلى نطاقِ نظامِ الوعيِ انتماءً قَطْعِيًّا البتَّةَ. ويدلُّ هذا الجزمُ، أيضًا، على أنَّ الشكلَ الأكثرَ بدائيةً للأنا (الشاهدةِ)، ذلك الشكلَ الذي يحرِّضُهُ بدئيًا عينُ التماهي «البدائيِّ»، كما سبقَ شرحُهُ في البدايةِ، إنَّمَا هو شكلٌ يضمُّ الأقسِمَاءَ ما قبلَ الواعيةَ لكافَّةِ الدوافعِ الغَرَزيةِ التي يتمُّ تخصيصُها للأنا الغائبةِ تخصيصًا لاواعيًا. لهذا السببِ، يميلُ فرويد إلى وصفِ الأنا (الشاهدةِ)، تارةً، وإلى وصفِ الأنا الغائبةِ، تارةً أُخرى، بتعبيرٍ واحدٍ من هذا الخصوصِ، تعبيرٍ يشيرُ إلى أنَّ كلاًّ من هٰتَيْنِ الماهيَّتَيْنِ النفسانيَّتَيْنِ يمثِّلُ «الاحتياطيَّ المديدَ» لِلِّبِيدُو، تحديدًا[13]. إذا كانَ ما يقصدُهُ فرويد من هذا التعبيرِ صحيحًا، بالفعلِ، فليستِ الأنا (الشاهدةُ) والأنا الغائبةُ، إذن، سوى نسختَيْنِ (متفرِّعتَيْنِ) من ماهيةٍ نفسانيةٍ أصليةٍ (أو بدائيةٍ) واحدةٍ، بحيثُ يمكنُ القولُ إنَّ الأنا (الشاهدةَ) ماهيةٌ نفسانيةٌ (فرعيةٌ) متحوِّلةٌ وإنَّ الأنا الغائبةَ ماهيةٌ نفسانيةٌ (فرعيةٌ) ثابتةٌ، في المسارِ الطبيعيِّ لسيرورتَيِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنَوِيِّ.

فمن خلالِ هذا التعاضُدِ «الحَرِيِّ» بينَ الماهياتِ النفسانيةِ الثلاثِ وإدراكِهِ من منظورِ مقدارِ الوعيِ، تتبيَّنُ، في حَيِّزٍ مَاثِلٍ بالإبداءِ، تلك العلاقةُ الثنائيةُ التي تنشأُ بينَ الأنا الغائبةِ وبينَ كلٍّ من الماهيتَيْنِ النفسانيتَيْنِ الأُخريَيْنِ – الأنا (الشاهدةِ) والأنا العليا، تتبيَّنُ من مجرَّدِ تحوُّلِ اللبيدو الشيئيِّ إلى اللبيدو الأنَوِيِّ، كما سبقتِ الإشارةُ إليهِ: إذ يجري تنشيطُ اللبيدو الشيئيِّ في الأنا الغائبةِ، من ناحيةٍ أولى، ويجري تحريكُ اللبيدو الأنَوِيِّ في الأنا (الشاهدةِ) تحتَ «رقابةِ» الأنا العليا، من ناحيةٍ أُخرى. ويظهرُ، في حَيِّزٍ مَاثِلٍ بالإتباعِ، أنَّ تحوُّلَ اللبيدو الشيئيِّ إلى اللبيدو الأنَوِيِّ ذاتهِ ليلقي الضوءَ على العلاقةِ الثنائيةِ التي تحدثُ بينَ الأنا (الشاهدةِ) وبينَ كلِّ من الماهيتَيْنِ النفسانيتَيْنِ الأُخريَيْنِ – الأنا الغائبةِ والأنا العليا، لأنَّ هذا التحوُّلَ يُمَكِّنُ الأنا (الشاهدةَ) من اكتسابِ إمكانيةِ المَنَالِ الموجَّهِ من الأنا الغائبةِ والأنا العليا في آنٍ واحدٍ، فينجمُ عن ذلك توطيدٌ، أو تعميقٌ، في التجاورِ بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا الغائبةِ، من زاويةٍ أولى، وينجمُ عنهُ تخفيفٌ، أو تسطيحٌ، من التنائي بينَ الأنا (الشاهدةِ) والأنا العليا، من زاويةٍ أُخرى. ووَفْقًا لذلك، في حَيِّزٍ مَاثِلٍ بإتباعِ الإتباعِ، فإنَّ العلاقةَ الثنائيةَ التي تتولَّدُ بينَ الأنا العليا وبينَ كلٍّ من الماهيتَيْنِ النفسانيتَيْنِ الأُخريَيْنِ – الأنا (الشاهدةِ) والأنا الغائبةِ، إنَّمَا هي علاقةٌ مرهونةٌ بالتوسُّعِ التدريجيِّ في وعيِ الأنا (الشاهدةِ) إلى محتواها، من طرفٍ أوَّلَ، ومتوقفةٌ كذاك على الكيفيةِ التي تمثِّلُ بها هذهِ الأنا ذاتَها بإزاءِ الأنا الغائبةِ، من طرفٍ ثانٍ. فمن الجليِّ أنَّهُ، لدى التوسُّعِ التدريجيِّ في وعيِ الأنا (الشاهدةِ) إلى محتواها، ذلك الوعيِ الذي يتناسبُ طردًا معَ وعيِهَا إلى محتوى الأنا الغائبةِ، لابدَّ للأنا (الشاهدةِ) من أن تُكِنَّ الكُمُونِيَّةَ في تنسيقِ محتواها ذاتِهِ، على وجهِ التحديدِ، لكي تُعِينَهَا هذهِ الكمونيةُ في التعاملِ بانسجامٍ مع أصولِ ذلك «الشَّوَاشِ» المتأصِّلِ في محتوى الأنا الغائبةِ. ومن الجليِّ أيضًا أنَّ الأنا الغائبةَ، بمحتواها اللاواعي لاوعيًا قطعيًّا، تميلُ إلى تأديةِ دورِ الوكيلِ اللبيديِّ، أو حتى العاطفيِّ، للنزوعاتِ الرَّغبيةِ (كالرغباتِ أو الأماني) في العالَمِ الباطنيِّ بغيةَ السَّعْيِ وراءَ الإشباعِ اللاموجَّهِ، في حينِ أنَّ الأنا (الشاهدةَ)، بمحتواها الواعي وعيًا غيرَ قطعيٍّ، تميلُ إلى تأديةِ دورِ الوكيلِ التفكيريِّ، أو الإدراكيِّ، للنزوعاتِ اللارَغَبيةِ (كالصُّوَرِ أو الفِكَرِ) في العالَمِ الظاهريِّ بغيةَ السَّعْيِ وراءَ التكييفِ الموجَّهِ بدلاً من الإشباعِ اللاموجَّهِ. وهكذا، فإنَّ الأنا العليا، بوَصْفِهَا تلك الماهيةَ النفسانيةَ التي تعي إلى محتوى الأنا الغائبةِ وعيًا أكثرَ مِمَّا تعي إليهِ الأنا (الشاهدةُ)، لَتَتَّسِمُ بسمةِ القيامِ بدورِ الوكيلِ الاجتماعيِّ، أو الأخلاقيِّ، للنزوعاتِ الرَّغبيةِ في العالَمِ الباطنيِّ – أي عالَمُ الأنا الغائبةِ بالذاتِ. لهذا السببِ، كثيرًا مَا يجري استخدامُ مصطلحِ «الأنا العليا» The Super-Ego (في مؤلفاتِ فرويد، على الأخصِّ) كمُرادفٍ علميٍّ لمصطلحِ «المثالِ الأنويِّ» The Ego-Ideal (في كتاباتِ لاكان، في المقابلِ)، كما سيتمُّ إيضاحُهُ فيما بعدُ في القسمِ الثاني من هذا المقالِ. وبالتالي، يظهرُ أنَّ الأنا العليا، كما هي بدلالةِ دورِهَا بحرفيَّتِهِ، تتمثَّلُ بوصفِهَا ماهيةً نفسانيةً «مكتسبةً»، ماهيةً وظيفتُهَا الرئيسيةُ، إذا جازَ التعبيرُ، هي أن تأمرَ الأنا (الشاهدةَ)، بوصفِهَا ماهيةً نفسانيةً «فطريةً-مكتسبةً»، أمرًا «حَرِيًّا» بالسيطرةِ على كلِّ الدوافعِ الغَرَزيةِ التي يتمُّ قمعُهَا في الأنا الغائبةِ، بوصفِهَا ماهيةً نفسانيةً «فطريةً»، فتأمرُهَا (أي تأمرُ الأنا (الشاهدةَ)) من ثمَّ بالمحافظةِ على التوازنِ «المرغوبِ فيهِ» بينَ العالَمِ الباطنيِّ (عالَمِ الأنا الغائبةِ) والعالَمِ الظاهريِّ[14].

[انتهى القسم الأول من هذا المقال ويليه القسم الثاني]
_________

المراجع

Edwards, Paul (1972): The Encyclopedia of Philosophy. Ed. Paul Edwards. Macmillan, vol. 3.
Erikson, Erik (1950): Childhood and Society. Norton (1963).
Freud, Sigmund (1900): The Interpretation of Dreams. Penguin Freud Library, vol. 4.
Freud, Sigmund (1908a): Hysterical Phantasies and Their Relation to Bisexuality. Penguin Freud Library, vol. 10.
Freud, Sigmund (1908b): Creative Writers and Day-Dreaming. Penguin Freud Library, vol. 14.
Freud, Sigmund (1909): Notes Upon a Case of Obsessional Neurosis. Penguin Freud Library, vol. 9.
Freud, Sigmund (1911): Formulations on the Two Principles of Mental Functioning. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1914): On Narcissism: An Introduction. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1915): The Unconscious. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1920): Beyond the Pleasure Principle. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1923): The Ego and the Id. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1924a): The Dissolution of the Oedipus Complex. Penguin Freud Library, vol. 7.
Freud, Sigmund (1924b): The Economic Problem of Masochism. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1926): Inhibitions, Symptoms and Anxiety. Penguin Freud Library, vol. 10.
Freud, Sigmund (1930): Civilization and its Discontents. Penguin Freud Library, vol. 12.
Freud, Sigmund (1933): New Introductory Lectures on Psychoanalysis. Penguin Freud Library, vol. 2.
Freud, Sigmund (1938): An Outline of Psychoanalysis. Penguin Freud Library, vol. 15.
Groddeck, Georg (1923): Das Buch vom Es. Vienna. [The Book of the It. New York (1950)].
Lacan, Jacques (1938): Les Complexes Familiaux dans la Formation de l’Individu. Paris: Navarin.
Lacan, Jacques (1953): Some Reflections on the Ego. International Journal of Psychoanalysis, 34:11-17.
Lacan, Jacques (1953-4): The Seminar. Book I. Freud’s Papers on Technique. Trans. John Forrester. Cambridge: Cambridge University Pesss (1988).
Lacan, Jacques (1960-1): Le Séminaire. Livre VIII. Le Transfert. Paris: Seuil.
Lacan, Jacques (1966a): Écrits: A Selection. Trans. Alan Sheridan. Routledge (1997).
Lacan, Jacques (1966b): Écrits. Trans. Bruce Fink. Norton (2006).
El-Marzouk, Ghiath (2007): Identification. Damascus: Maaber.

***

الحواشي

[1] لاحظا، هُنَا، أنَّ مصطلحَ «الأنا الغائبة» في اللغةِ العربيةِ هو أقربُ ما يكونُ معنًى لمصطلحِ The Id في اللغةِ اللاتينيةِ ممَّا هو معروفٌ بمصطلحِ «ألْهٰذَا» أو مصطلحِ «الهُوَ» في معظمِ التراجمِ العربيةِ، وذلك لسببَيْنِ أحدُهُمَا لغويٌّ والآخرُ نفسيٌّ. فأمَّا السببُ اللغويُّ، فيشيرُ إلى كونِ المصطلحِ في اللغةِ اللاتينيةِ ترجمةً، في الأصلِ، عن مصطلحِ Das Es في اللغةِ الألمانيةِ، ذلك المصطلحِ الذي يقابلُهُ مصطلحُ The It في اللغةِ الإنكليزيةِ (أي ضميرُ الغائبِ المفردِ المحايدِ «الهُوَ/الهِيَ»). يعني ذلك أنَّ صفةَ «الغيابِ» التي أُضْفِيَتْ على تسميةِ «الأنانةِ» في مصطلحِ «الأنا الغائبة» لَصفةٌ ضروريةٌ من حيثُ مفهومُهَا اللغويُّ، كما سيتمُّ تفصيلُهُ في النصِّ بعدَ قليلٍ. وأمَّا السببُ النفسيُّ، فينوِّهُ عن كونِ الأنا والأنا الغائبةِ مَاهيَّتَيْنِ نفسانيَّتَيْنِ متفرِّعَتَيْنِ، في الأساسِ، من مَاهيةٍ نفسانيةٍ واحدةٍ ليسَ غير، مَاهيةٍ نفسانيةٍ أصليةٍ (أو بدائيةٍ) تحتوي على ما تحتويهِ المَاهيَّتَانِ الاثنتانِ معًا. ففي أثناءِ التطوُّرِ النفسيِّ، فيما بعدُ، اكتسبتِ الأنا درجةً، أو كميةً، من الوَعْيِ لم تكتسبْهَا الأنا الغائبةُ، فأصبحتِ المَاهيةُ الأولى «شاهدةً» بوَعْيِهَا إلى حدٍّ مَا، وظلَّتِ المَاهيةُ الأخيرةُ «غائبةً» عن هذا الوَعْيِ. يدلُّ ذلك على أنَّ تسميةَ «الأنانةِ» التي اقترنتْ بصفةِ «الغيابِ» في مصطلحِ «الأنا الغائبة» لَتسميةٌ ضروريةٌ كذلك من حيثُ مفهومُهَا النفسيُّ، كما سيتمُّ توضيحُهُ في النصِّ أيضًا.

[2] في كلٍّ من نصوصِ وشروحِ «الطبعة [الإنكليزية] المعتمدة للأعمال النفسية الكاملة لزيغموند فرويد» (ترجمة وتحرير جيمس سترايتشي وآخرين، 1953-1974)، يجري على نحوٍ نظاميٍّ نَقْلُ المصطلحِ Trieb في اللغةِ الألمانيةِ إلى المصطلحِ Instinct «الغريزة» في اللغةِ الإنكليزيةِ. غيرَ أنَّ معظمَ المترجمينَ والشُرَّاحِ ما بعدَ سترايتشي يميلونَ إلى استخدامِ المصطلحِ Drive «الدافع» بدلاً من المصطلحِ Instinct «الغريزة»، مُؤَيِّدِينَ بذلك فَهْمَهُم (العلميَّ) للتمييزِ «الحاسمِ» بينَ هٰذَيْنِ الصطلحَيْنِ. فمن طرفٍ أوَّلَ، يتضمَّنُ اصطلاحُ «الغريزةِ» معنى قدرةِ المتعضِّي الفطريةِ على الاستجابةِ لحافزٍ معيَّنٍ من الحوافزِ (يعني ذلك أنَّ الغريزةَ مُحَتَّمةٌ قَبْلِيًّا وقابلةٌ للتنبُّؤِ، على حدٍّ سواءٍ). ومن طرفٍ آخَرَ، يدلُّ اصطلاحُ «الدافعِ» على الاستجابةِ المُحَرَّضَةِ التي تحدو بالمتعضِّي إلى بلوغِ هدفٍ محدَّدٍ من الأهدافِ (يعني ذلك أنَّ الدافعَ مُحَتَّمٌ بَعْدِيًّا وغيرُ قابلٍ للتنبُّؤ على حدٍّ سواءٍ). علاوةً على ذلك، ثَمَّةَ في علمِ وظائفِ الأعضاءِ (أو الفيزيولوجيا) عمليتانِ وظائفيتانِ متصارعتانِ، على الدوامِ: إحداهُمَا عمليةُ «الابتناءِ»، تلك العمليةُ التي تمثِّلُ الجانبَ البنائيَّ للأيْضِ الحيويِّ (والتي يقابلُهَا في علمِ النفسِ المصطلحُ اليونانيُّ Ëρως «إيروس»، ممثِّلاً عن «غريزةِ/دافعِ الحياةِ»)؛ والأُخرى عمليةُ «الانتقاضِ»، على النقيضِ، تلك العمليةُ التي تمثِّلُ الجانبَ الهَدْميَّ للأيْضِ الحيويِّ (والتي يقابلُهَا في علمِ النفسِ المصطلحُ اليونانيُّ Θάνατος «ثاناتوس»، ممثِّلاً عن «غريزةِ/دافعِ الموتِ»). بما أنَّ كلاًّ من الاصطلاحَيْنِ الفاردَيْنِ، «الغريزةِ» و«الدافعِ»، يرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بكلٍّ من هٰتَيْنِ العمليتَيْنِ الوظائفيتَيْنِ، سَيُعْمَدُ في هذا المقالِ بالذاتِ إلى استخدامِ الاصطلاحِ الجامعِ، «الدافع الغَرَزي» Instinctual Drive (وجمعُ الجامعِ: «الدوافع الغَرَزية»)، كاصطلاحٍ يشتملُ على الاصطلاحَيْنِ معًا.

[3] را: المرزوق، 2007.

[4] را: المرزوق، 2007، الحاشية: 13.

[5] قا: فرويد، 1924 آ، ص 319.

[6] قا: لاكان، 1966 آ، ص 2؛ لاكان، 1966 ب، ص 76.

[7] قا: إريكسون، 1950.

[8] ممَّا يجدرُ ذكرُهُ، في هذهِ القرينةِ، أنَّ مصطلحَ «الدافع الغَرَزي» (انظرا الحاشية: 2) يشيرُ إلى صنفَيْنِ رئيسيَّيْنِ متغايرَيْنِ (أو متضادَّيْنِ) من الدوافعِ الغَرَزيةِ، ذينك الصنفَيْنِ اللذين كانَ فرويد قد صَنَّفَهُمَا في إطارِ صيغتِهِ عمَّا يُعرَفُ بـ«المفهومِ الثَّنَويِّ» Dualist Concept، عن كنهِ الطبيعةِ منظورًا إليها بكلِّيَّتِها. أوَّلاً، «الدافعُ الغَرَزِيُّ الحياتيُّ» (أو إيروس)، الدافعُ الغَرَزِيُّ الذي يسعى بغايتهِ إلى تنشيطِ (أو تعقيدِ) العالَمِ العضويِّ وإلى الحفاظِ عليهِ في آنٍ واحدٍ. ويشتملُ هذا الصنفُ الرئيسيُّ الأوَّلُ، بدورِهِ هو الآخَرُ، على صنفَيْنِ فرعيَّيْنِ من الدوافعِ الغَرَزيةِ الحياتيةِ، هما: «الدوافعُ الغَرَزيةُ الصَّائنةُ للجنسِ» (أي المُتَغرِّضةُ واللامُتَغرِّضةُ، على حدٍّ سِوًى)، و«الدوافعُ الغَرَزيةُ الحافظةُ للذاتِ» (أي المُخَصَّصَةُ للأنا (الشاهدةِ) أو المَعْزُوَّةُ إليها، تحديدًا). ثانيًا، «الدافعُ الغَرَزِيُّ المَمَاتيُّ» (أو ثاناتوس)، الدافعُ الغَرَزِيُّ الذي يميلُ بمرامِهِ إلى الرجوعِ بالعالَمِ العضويِّ إلى الحالةِ اللانشِطةِ (أو اللاحيَّةِ)، على النقيضِ. ويتضمَّنُ هذا الصنفُ الرئيسيُّ الثاني، بدورِهِ هو الآخَرُ أيضًا، صنفَيْنِ فرعيَّيْنِ من الدوافعِ الغَرَزيةِ المَمَاتيةِ، هما: «الدوافعُ الغَرَزيةُ الساديةُ» (نسبةً إلى الماركيز دو ساد) و«الدوافعُ الغَرَزيةُ المازوخيةُ» (نسبةً إلى ليوبولد فون زاخَر-مازوخ). وبما أنَّ إوَالِيَّتَي إيروس وثاناتوس تقترنانِ، على الترتيبِ، بعمليَّتَيِ الابتناءِ والانتقاضِ (تينك العمليتَيْنِ الوظائفيتَيْنِ المتصارعتَيْنِ الآنفِ ذكرُهُمَا في الحاشية: 2، كذلك) فإنَّ صنفَيِ الدوافعِ الغَرَزيةِ الرئيسيَّيْنِ هٰذَيْنِ إنَّمَا يتمُّ تحفيزُهُمَا (أو حتى تنشيطُهُمَا) معًا في كلِّ خليةٍ من خلايا المتعضِّي على نحوٍ لامتكافئٍ لكيما يُصارَ إلى تحفيزِ التحامِهِمَا وانفصالِهِمَا، سواءً بسواءٍ (انظرا: فرويد، 1920، ص 275 ومايتبعها؛ فرويد، 1923، ص 380 ومايتبعها؛ فرويد، 1924 ب، ص 418 ؛ فرويد، 1938، ص 379 ومايتبعها).

[9] قا: فرويد، 1914، ص 68 ومايتبعها، ص 94 ومايتبعها؛ فرويد، 1923، ص 368 ومايتبعها، ص 386 ومايتبعها، إلخ؛ قا: أيضًا المرزوق، 2007، الحاشية: 6.

[10] قا: فرويد، 1923، ص 389 ومايتبعها.

[11] قا: غروديك، 1923. أنظرا أيضًا الحاشية: 1.

[12] قا: فرويد، 1923، ص 345، ص 362، الحاشية: 2.

[13] قا: فرويد، 1923، ص 369، الحاشية: 1، ص 387، ص 404 وما يتبعها.

[14] قا: فرويد، 1923، ص 367.

*** *** ***

غياث المرزوق
دبلن (إيرلندا)، لندن (إنكلترا)

/ عن المجلة الثقافية الجزائرية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى