د. صبري محمد خليل خيري - الحصر الثنائى بين الإسلاميين والعلمانيين والدوران فى الحلقة الاستعمارية المفرغة

تمهيد "ملخص":
تهدف الدراسة الى بيان ان الإسلاميين والعلمانيين هما وجهين لعمله واحده " زائفة " ساهم في صنعها الاستعمار القديم والجديد. فهما شطرين لذات الفرقة الهدامه التى كونها الاستعمار لتحقيق غاياته، فهذا الانشطار لم يلغى وحدتهم كأداة . ومن أدلة هذا انه رغم الاختلاف بينهم في المقدمات النظرية – إلى درجة التناقض – إلا أن هناك اتفاق في النتائج العملية التي تلزم- موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأصحابها – من ممارسات الطرفين الفعلية . فما يطرحه الطرفين هو دعاية سياسية ، وليس دعوة " علمية أو عملية ، دينية أو دنيوية"، وهي كدعاية خاضعة لقانون الحصر الثنائي - بين شعار وضده - والذى يحول دون الالتفات إلى القضايا الأخرى، التي يطرحها الواقع – وهو هنا واقع المجتمعات العربية وغيرها من مجتمعات مسلمة - ويهدف إلى إغلاق العقول دون إدراك واقع الحياة - وهى هنا عقول العرب والمسلمين- لتبقى مفتوحة لما يدس فيها من دعاية سياسية ، تحقق أهداف الجهات التي تقف وراءها- وهى هنا قوى الاستعمار القديم والجديد- وهذا الحصر الثنائى على المستوى الفكري " النظري" يلزم منه – فى المجتمعات العربيه والإسلامية - على المستوى العملى " التطبيقى" دوران هذه المجتمعات فى حلقة مفرغة ، وبالتالي عجزها عن حل المشاكل المتعددة المتجددة التى يطرحها واقعها المعاصر. ولا تكتفي القوى الاستعمارية بلزوم هذا الدوران فى حلقة مفرغة عن هذا الحصر الثنائى ، بل تقوم ايضا بتغذيته بوسائل عديدة منها تقوية احد الطرفين-علنا او سرا - الى حد قد يصل الى تسهيل وصوله الى السلطة - فى حين ، ثم العمل على اضعافه- علنا او سرا- الى حد قد يصل الى درجة تسهيل سقوطه - وتقويه الطرف الثانى حينا آخر.

.............................................

متن الدراسه التفصيلى:

وجهين لعمله واحده زائفة ساهم فى صنعها الاستعمار “القديم والجديد : ان الإسلاميين( والمقصود بهم بالأصالة أنصار مذهب التفسير السياسي للدين ( الذي يطلق عليه خطا اسم "الإسلام السياسي"، وبالتبعية المذاهب التي تتبنى الحل الذي قدمه لمشكلة العلاقة بين الدين والدولة- والذي لا يعبر عن الحل الإسلامي الصحيح للمشكلة- كمذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء المحرمة )،والعلمانيين ( والمقصود بهم بالأصالة أنصار الليبرالية كمنهج ومذهب، وبالتبعية المذاهب التي تتبنى الحل الذي قدمته لمشكله العلاقة بين الدين والدولة- كالمذهب الماركسى الذى يتخذ فى الاصل موقفا سلبيا - وليس محايدا- من الدين) هما وجهين لعملة واحدة " زائفة" ساهم في صنعها الاستعمار القديم (العسكري " الاستعمار البريطانى لاغلب الدول العربيه حتى حوالي منتصف القرن الماضى "والجديد " كالسياسات الخارجية الامبريالية لحكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة الحاليه فى المنطقه العربيه " لخدمة غاياته...

القبول المطلق للعلمانية والتغريب: فقد دعم الاستعمار القديم والجديد العديد من الشخصيات والمؤسسات الثقافية والأحزاب الليبرالية ، التي تتخذ موقف القبول المطلق للعلمانية ، والتي هي احد أركان النظام الليبرالي ، كنظام متكامل للحياة ، كان محصلة عوامل ثقافية ونفسية وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون، فهذا الموقف منها إذا هو شكل من أشكال التغريب ، الذي مضمونه أن تستبدل المفاهيم والقيم والقواعد الإسلامية (التي تشكل الهيكل الحضاري للمجتمعات العربية وغيرها من مجتمعات مسلمة )، بالمفاهيم والقيم والقواعد الغربية، لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية..

مذهب التفسير السياسي للدين وضرب وحده الاراده الشعبية الوطنية وتأجيج الفتنة الطائفية:
كما أسس الاستعمار القديم علاقات – سرية أو علنية ، مباشرة أو غير مباشرة – مع جماعات وحركات وأحزاب سياسة تتبنى – بدرجات متفاوتة – مذهب التفسير السياسي للدين، بهدف توجهها نحو ما يخدم مصالحها في استمرار استعمار الشعوب العربية ،عن طريق ضرب الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال ، وضرب وحدة الاراده الشعبية الوطنية ، وتأييد النظم المتعاونة مع الاستعمار… ولاحقا أقام الإستعمار الجديد “الامبريالي “الامريكى علاقات- سرية أو علنية- بهذه الجماعات والحركات والأحزاب ، بهدف توجهيها ضد حركة التحرر القومي العربي من الاستعمار بقياده الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. وأخيرا ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء بعض التنظيمات التي تتبنى مذهب التفسير السياسي للدين في صيغته التكفيرية المعلنة- كالقاعدة وداعش- لتحقيق أهدافها، المتضمنة لتأجيج الفتنه الطائفية في المنطقة العربيه، بما يمهد الطريق أمام تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية.
احد أدوات مشروع الشرق الأوسط الجديد “الصهيوني – الامبريالي” : هذه العملة الزائفة هي احد الأدوات التي استخدمها مشروع الشرق الأوسط الجديد “الصهيوني – الامبريالي” لتحقيق غاياته المتمثلة في الارتداد بالأمة العربية من مرحله التجزئة على أساس شعوبي ” اتفاقيه سيكس بيكو 1916 ،إلى مرحله التفتيت على أساس طائفي – قبلي، مع بقاء إسرائيل كحارس لهذا التفتيت ، وهو المشروع الذي بدء تطبيقه بعد وفاه الزعيم جمال عبد الناصر 1970 ، وتولى الرئيس/ محمد أنور السادات السلطة في مصر بعده ، ثم ارتداده عن سياسات الزعيم الراحل التي جسدت– على وجه الإجمال- الاراده الشعبية العربية ، وغاياتها في الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية ،واتخاذه – وبدعم من الغرب بقياده أمريكا والكيان الصهيوني- فانتقل من مقاومة الاستعمار القديم والجديد”الامبريالي” والاستيطاني”الصهيوني”، إلى التبعية للامبريالية الاميركية ( شعار 99 %من أوراق اللعب في يد أمريكا ) ، وانتقل من الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني إلى الانحياز إلى الصهيونية (اتفاقية كامب ديفيد)،ومن العدالة الاجتماعية ، إلى الانحياز إلى الأغنياء( تطبيق النظام الرأسمالي الربوي تحت شعار الانفتاح الاقتصادي)، ومن التضامن العربي إلى مقاطعة الدول العربية … وكلها مواقف تتسق مع غايات المشروع الشرق الأوسط الجديد " الامبريالي – الصهيوني".

شطرين لذات الفرقة الهدامة التى كونها الاستعمار وهنا ننقل رأى الدكتور عصمت سيف الدولة”رحمه الله تعالى:،والذي مضمونه أن الامبريالية الامريكية وبما تملكه من تفوق في أدوات الإعلام والدعاية وغزو العقول… سلطت بطرق مباشرة وغير مباشرة على الشعب العربي جماعه سبق أن ضربتهم التجزئة وغربتهم..وكونت منهم سواء عرفوا أو لم يعرفوا فرقه هدامة ، غايتها - سواء قصدت أم لم تقصد - الإجهاز على الامه العربية- بأسلوب القهر الدعائي وقوانينه ألخمسه” – غاية هذا اللوبي الفرقة نقض البناء الحضاري العربي” القومي” العربي “الديني”الاسلامى…ولتحقيق هذه الغاية قد انشطرت هذه الفرقة إلى فريقين:فريق لنقض المضمون الحضاري القومي( عنى ما أطلق عليه اسم التيار الاسلامى)، وفريق لنقض المضمون الحضاري الاسلامى( التيار العلماني)، ولكن هذا الانشطار لم يلغى وحدتهم كأداة ووحده غايتهم كوظيفة ، دلالة هذا أن كلا منهم يبرر وجود الآخر ويدعمه ويغذيه ” بتجسيمه لخطر الأخر” (د. عصمت ، عن العروبة والإسلام، مركز دراسات الوحدة العربية،ص437).[/HEADING]
[HEADING=3]اختلاف المقدمات النظريه اتفاق النتائج العمليه : يتسق مع ما سبق انه رغم الاختلاف بين الإسلاميين والعلمانيين ، في المقدمات النظرية – إلى درجه التناقض – إلا أن هناك اتفاق في النتائج العملية التي تلزم- موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأصحابها – من ممارسات الطرفين الفعلية - وبصرف النظر عن الشعارات التي يرفعونها- ومن هذه النتائج محل الاتفاق
أولا: أن كلا الطرفين (الإسلاميين والعلمانيين) هما رد فعل معاكس في الاتجاه ( إثبات أو نفي العلاقة بين الدين والدولة) ، لكنه مساوي في المقدار (التطرف في إثبات العلاقة الى درجه الخلط والدمج “الإسلاميين” أو التطرف في نفيها الى درجه الفصل ”العلمانيين”) . ومرجع تطرف مذهب التفسير السياسى للدين في إثبات العلاقة بين الدين والدولة ، أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة ، كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية تطرفت في نفى اى علاقة للدين بالدولة – كرد فعل على ممارسات الكنيسة السالبة في أوربا في العصور الوسطى”
ثانيا: أن كلا الطرفين قدم حل لمشكلة العلاقة بين الدين والدولة، لا يعبر عن الحل الاسلامى “الصحيح” للمشكلة ، والذي مضمونه أن العلاقة بينهما هي: علاقة وحدة وارتباط ، لان السلطة في الإسلام مقيده بقواعد كليه " كالشورى والعدل والمساواة..." (وليست علاقة خلط أو تطابق كما يرى مذهب التفسير السياسي للدين ،الذي يقارب مذهبي الكهنوت و الثيوقراطيه)، وعلاقة تمييز، لان الإسلام يميز بين التشريع كوضع الهي ثابت، والاجتهاد ككسب بشرى متغير ) وليست علاقة فصل كما في العلمانية).
ثالثا: مصطلحا ” اسلامى وعلمانى او ليبرالي ” حادثان في تاريخ الامه: ومن الناحية اللغوية فان مصطلحا ” إسلامي وعلماني وليبرالي ” حادثان في تاريخ الامه . فمن ناحية اللفظ لم يرد لفظ “ اسلامى” أو “إسلاميين” كصيغه نسب لمفرد أو جماعه من البشر في القران أو ألسنه أو أقوال السلف الصالح، إنما ورد لفظ مسلم ومسلمين، قال الله تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (الحج:78)، وإذا كان بعض العلماء المسلمين في مراحل تاليه لعهد السلف الصالح (رضي الله عنهم) قد استخدم مصطلح (إسلاميين)، فأنهم قد استخدموه بدلالات غير دلالاته المعاصرة التي تقتصر على فئة معينة من المسلمين ولا تمتد لتشمل كل المسلمين. وطوال التاريخ الإسلامى ، فان المسلمين استخدموا المصطلحات ألقرانيه (المسلم المسلمين) في وصف كل من التزم بأصول الدين الثابتة من أفراد وجماعات، أما الجماعات التي تلتزم بأحد المذاهب الاسلاميه،التي هي محصلة الاجتهاد في فروع الدين المتغيرة،فقد نسبوها إلى صاحب المذهب ، كالحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية في الفقه أو الاشاعره والماتريديه و الطحاويه في علم الكلام،كما نسبوا الطرق الصوفية إلى مؤسسيها ”ألطريقه القادرية، الشاذليه، النقشبنديه، الختميه…” ، ولم يتم استخدام مصطلح اسلامى وإسلاميين بدلالاته الحديثة في المجتمعات المسلمة إلا في العصور الحديثة بعد ظهور الاستعمار ( أحمد الريسوني : الحركة الإسلامية المغربية ، ص17 ).أما من الناحية الدلالية فان للمصطلح دلالتين: الأولى هي الدلالة البدعية للمصطلح – وهى الدلالة الشائعة للمصطلح – وتعتبر أن المصطلح هو مصطلح شرعي توقيفي ، وبالتالي فانه يتم استخدامه في هذه الدلالة باعتبار انه أصل من أصول الدين- وهو ما يتعارض مع حقيقة أن المصطلح لم يرد في القران أو ألسنه أو أقوال السلف الصالح – كما تنطلق هذه الدلالة من أو يلزم منها ، جمله من المفاهيم والقيم والقواعد البدعيه، التي تتناقض مع مفاهيم وقيم وقواعد الدين الكلية،كتكفير المخالف في المذهب والكهنوت، فمصطلح “الإسلاميين” في هذه الدلالة يقارب مصطلح “رجال الدين ” ذو الدلالة الكهنوتية ، وفي هذه الدلالة يقارب أو يقابل مصطلح “الإسلاميين” مصطلح” الشيع” ، الذي استخدمه القران الكريم، للإشارة إلى ظاهرة سلبية أصابت تدين اليهود والنصارى ، وهي ظاهرة التفرق في الدين…أما الدلالة الثانية – التي استخدمها بعض العلماء المتقدمين و لم يكتب لها الشيوع – فهي دلالته الاجتهادية التي تعتبر أن مصطلح”الإسلاميين ”اصطلاح بشرى، وبالتالي فانه يتم استخدامه في هذه الدلالة، باعتبار انه فرع من فروع الدين وليس من أصوله، فمصطلح “الإسلاميين” في هذه الدلالة يقارب مصطلح العلماء بالدين “ذو الدلالة المعرفية- العلمية.
أما مصطلح علمانيه فهو تعريب لمصطلح secularism " ” ، وكذا مصطلح ليبرالي” فهو صيغه نسب لمذهب اجنبى”غربي” محدث” liberalism" " ظهر في أوربا في العصور الحديثة”هو المذهب الليبرالي المعروف، أما الموقف الصحيح منه – ومن غيره من مذاهب ومناهج وفلسفات بما هي اجتهادات بشريه – فيتجاوز موقفي القبول المطلق ” الموقف التغريبي الذي تتبناه التيارات الليبرالية ” ، والرفض الموقف ” الموقف التقليدي الذي تتبناه – بدرجات متفاوتة – التيارات التي تنسب نفسها للإسلام ” ، إلى موقف نقدي يميز بين الايجابيات ،التي تتفق مع أصول الدين- على المستوى النظري – وواقع المجتمعات المسلمة-على المستوى العملي- والتي يجوز أخذها- السلبيات التي تتعارض معهما- والتي يجب ردها-
رابعا : صيغ مختلفة للشعوبية المعاصرة ) الاتفاق على إنكار علاقة الانتماء القومية العربية ): وكلا الطرفين(الإسلاميين والعلمانيين) اتخذ موقف سلبي من علاقة الانتماء العربية كعلاقة انتماء قوميه إلى أمه معينة هي الأمة العربية، التي أوجدها الإسلام كأمة واحده، بعد أن كانت قبله قبائل وشعوب متفرقة، ذات المضمون الحضاري اللساني” اللغوي” – وليس العرقي – ،وبالتالي فكلاهما صيغ مختلفة للشعوبية المعاصرة ، التي مضمونها محاولة الارتداد بالشعوب ، التي أصبحت جزء من أمه، إلى الطور الشعوبي السابق على الطور القومي” طور الأمة ”، و التي تأخذ في الامه العربية شكل الدعوة إلى إلغاء أربعه عشر قرنا من التاريخ، أوجد فيه الإسلام للعرب أمة، ليعودوا إلى الشعوب السابقة على الفتح الاسلامى، فهي – موضوعيا- مناهضة للإسلام- وبصرف النظر عن النوايا- الذاتية- لأنصارها.

مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي : حيث تتبنى الجماعات والحركات والأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام على وجه العموم ، والتي تتبنى مذهب التفسير السياسي للدين” الإسلام السياسي “على وجه الخصوص – بدرجات متفاوتة- مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ، القائم على افتراضين خاطئين : الأول هو أن الإسلام ينكر وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة، وهو افتراض يتعارض مع حقيقة إقرار الإسلام كدين لوحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة وهى :الأسرة كما في قوله تعالى ﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾، والعشيرة كما فى قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾ .والقبيلة والشعب كما فى قوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . والامه التي مناط الانتماء إليها هو اللسان وليس النسب لقول الرسول (صلى لله عليه وسلم) (ليست العربية بأحد من أب ولا أم إنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي)، كما تتميز باستقرار الجماعات في الأرض، فتكون ديارها، قال تعالى ﴿أنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومني تولهم فأولئك هم الظالمون﴾ (الممتحنة:9) . الافتراض الثاني ان الإسلام ينكر علاقات الانتماء الى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي وهو ما يتعارض مع إقرار الإسلام كدين لعلاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ( ومنها علاقة الانتماء القومية …) ومن أدله ذلك فى السنة النبوية ورد في الحديث سأل واثلة قال: (يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه) قال (لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم) (رواه أبن ماجه والإمام أحمد).

الليبرالية والتكريس لاستبدال الوجود القومي بالوجود الاقليمى في المنطقة العربية: ورغم أن الليبرالية تقر بالامه كوحدة تكوين اجتماعي – وان كانت تنظر إليها كوجود طبيعي ( خالد ) ، وليس كطور تكوين اجتماعي ، هناك أطوار سابقة عليه ،وستكون في المستقبل أطوار لاحقه عليه – إلا أنها في المنطقة العربية ككل تكرس لاستبدال الوجود القومي بالوجود الوطني” الاقليمى”، واستبدال الانتماء القومي بالانتماء الوطني ، لتصبح ذات مضمون شعوبي مرتد إلى مرحله التطور الاجتماعي السابق(د.عصمت سيف الدولة،عن العروبة والإسلام، ص422). ومرجع ذلك أن الاستعمار(القديم والجديد) الذي هو احد إفرازات الرأسمالية كنظام ليبرالي في الاقتصاد ، هو الذي خلق التجزئة في الأمة العربية ويحرسها.

خامسا: الاتفاق على التناقض مع التدين الشعبي العربي:
هوية التدين الشعبي العربى:
فهوية التدين الشعبي العربي:
ا/ التدين الشعبي العربي سني: طبقا لمذهب الشمول الشرعي لمصطلح “أهل السنة” ، والقائم على أن للمصطلح دلالة عامة مضمونها كل مسلم متمسك بالكتاب والسنة ، يقول الإمام ابن تيميه (فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى (3/346) ، وتندرج تحت هذه الدلالة العامة المذاهب الفقهية : الحنبلي والشافعي والمالكي والحنفي…والمذاهب الاعتقادية الكلامية: الحنبلي و الظاهري و الماتريدي والطحاوي والاشعرى، والتصوف السني، يقول الإمام ابن تيمية ( فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة )(منهاج السنة 2/ 221)، فاغلب الشعب العربي مسلم طبقا لأحد مذاهب أهل السنة التي ينتمي إليها أغلب الأمم والشعوب المسلمة.
ب/ طبقا للمذهب الاشعرى” عقديا”: والتدين الشعبي العربي هو سني طبقا للمذهب الاشعرى عقديا”كلاميا”، فاغلب المسلمين العرب ينتمون إلى أهل السنة طبقا للمذهب الأشعري ، وهو المذهب الذي ينتمي إليه أغلب المسلمين في العالم
ج/ طبقا لأحد المذاهب الاربعه” “فقهيا”: والتدين الشعبي العربي هو سني طبقا لأحد المذاهب الأربعة :المالكي/ الشافعي /الحنفي/ الحنبلي”فقهيا”، فأغلب المسلمين العرب ينتمون إلى أهل السنة طبقا لأحد هذه المذاهب .
د/ مع اثر صوفي”عملى” : وللتصوف ” السني” اثر واضح على التدين الشعبي العربي-خصوصا على المستوى السلوكي- فقد ساهمت الطرق الصوفية في نشر الإسلام في العديد من الشعوب العربية،وأصبح التصوف وقيمه المعرفية والسلوكية “موضوعيا” أحد مكونات الشخصية الحضارية العامة العربية، بصرف النظر عن الموقف “الذاتي”منه.
تناقض مذهب التفسير السياسي للدين مع التدين الشعبي العربي: أما مذهب التفسير السياسي للدين فيستند إلى مفاهيم مخالفة لمذهب أهل السنة ” اى مفاهيم بدعية “، ومن أهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه” بمعنى السلطة” أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه، ويوافق مذهب الشيعة في الامامه، فمضمون مذهب أهل السنة أن الإمامة هي فرع من فروع الدين”الاجتهاديه” ، وليست أصل من أصوله ” النصية”، كما قرر علماء أهل السنة ،يقول الإمام الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات … ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363). كما أن هذا المذهب يلزم منه مفاهيم مخالفه لمذهب أهل السنة ” اى مفاهيم بدعية “، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أولا: تكفير المخالف في المذهب، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على إباحة الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع) (الآداب الشرعية 1/186)، ثانيا:القول بجواز الخروج بالسيف على السلطان ، وهو ما يخالف إجماع علماء أهل السنة على تحريم الخروج بالسيف على السلطان الجائر،والمقصود بالخروج بالسيف محاوله تغيير الحاكم باستخدام القوه المسلحة – وهو ما لا يشمل التغيير السلمي-
تناقض الليبرالية مع التدين الشعبي العربي: أما تناقض الليبرالية مع التدين الشعبي العربي ،فمصدره أن العلمانية “فصل الدين عن ألدوله”هي احد أركانها، ولا شك أن الدعوة إليها في المجتمعات المسلمة، التي يشكل الإسلام هيكلها الحضاري هي شكل من أشكال التغريب.
سادسا: الاتفاق على العداء للزعيم جمال عبد الناصر والمشاركة في الحملة التي تستهدف تشويه صورته: كما أن هناك اتفاق بين كلا الطرفين (الإسلاميين والعلمانيين على العداء للزعيم جمال عبد الناصر(رحمه الله) ، الذي تولى قياده حركه التحرر القومي العربي من الاستعمار القديم والجديد “الامبريالي” والاستيطاني”الصهيوني” ،هذا العداء الذي بدء في حياته واستمر بعد مماته، وهو العداء الذي يتناقض مع المكانة الخاصة للزعيم عبد الناصر ، في وجدان اغلب الشعوب العربية ، في حياته وبعد مماته . فقد اختار مذهب التفسير السياسي للدين، في صيغته القطبية ” التكفيرية المعلنة ” الصدام مع الدولة في عهد عبد الناصر ، في الوقت الذي كانت هذه الدولة تقود معارك مصيريه،ضد الاستعمار القديم والجديد “الامبريالي”والاستيطاني”الصهيوني”، في الساحة المصرية ، وغيرها من ساحات عربيه. كما اختارت شخصيات ومؤسسات ثقافية وأحزاب سياسية ليبرالية أن تكون أدوات بيد الغرب لضرب التجربة الناصرية. كما اشترك كلا الطرفان في حملة تشويه صوره الزعيم الراحل” احد الرموز التاريخية الملهمة للاراده الشعبية العربية، فالهدف منها إلغاء الاراده الشعبية العربية، التي تتعارض أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة ، مع غايات مشروع الشرق الأوسط الجديد “الصهيوني – الامبريالي” ، من خلال تشويه كافه مفاهيمها و قيمها الدينية والحضارية والاخلاقيه ورموزها التاريخية ..ويقف وراءها ذات القوى التي تقف وراء هذا المشروع .
سابعا: الاتفاق على الدفاع عن النظام الاقتصادي الراسمالى:كما أن هناك اتفاق بين كلا الطرفين”الإسلاميين والعلمانيين” في الدفاع عن النظام الاقتصادي الرأسمالي ،الذي يتم تطبيقه في المنطقة العربية،تحت شعارات متعددة الانفتاح الاقتصادي،الإصلاح الاقتصادي، الخصخصة،التحرير الاقتصادي… رفع او ترشسد الدعم كركن اساسى من أركان مشروع الشرق الأوسط الجديد “الامبريالي الصهيوني”، والذي بدا تطبيقه بعد وفاه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر 1970، رغم إن هذا التطبيق لم يؤدى إلا إلى إفقار اغلبيه الشعوب العربية، وتراكم المشاكل التي يطرحها الواقع العربي دون حل ، وتحولها من مرحله المشكلة إلى مرحله ألازمه، وتفكيك وبيع مؤسسات ألدوله ،مما أدى إلى انتهاك السيادة الوطنية للدول العربية، والفساد الاقتصادي ، والانهيار الاخلاقى … ومبرر الليبراليين النظري هو أن الراسماليه هي احد أركان الليبرالية، فهي محصلة تطبيق المنهج الليبرالي على الاقتصاد . كما يدافع اغلب الماركسيين العرب المعاصرين عن تطبيق النظام الرأسمالي انطلاقا من مبررين نظريين: المبررالاول ان الماركسيه فى نسختها الاصليه تقوم على ان الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية حتمى بمعنى انه يتم بدون تدخل الاراده الانسانيه، و يتحقق حين تصل الرأسمالية الى قمة تطورها . والمبرر الثانى هو محاوله التلفيق بين الرأسمالية والاشتراكية تحت شعار " اقتصاد السوق الاشتراكى". أما المبرر النظري لدفاع أنصار مذهب التفسير السياسي للدين،فهو أنهم يتبنون مذهب التفسير الرأسمالي للاقتصاد الإسلامي "الذي يطلق عليه بعضهم اسم اقتصاد السوق الراسمالى "، والذي مضمونه أن الاقتصاد الاسلامى يتطابق مع الاقتصاد الراسمالى، بينهما واقع الأمر أن هناك تناقض جوهري بينهما-على كل المستويات:العقدية، المذهبية، الاخلاقيه…- لا يقبل التوفيق أو التزويق أو التلفيق.

ما يطرحه الطرفين دعاية سياسيه خاضعة لقانون ” الحصر الثنائي ” وليس دعوه: فما يطرحه الطرفين (الإسلاميين والعلمانيين) هو دعاية سياسية ، وليس دعوة – علمية أو عملية ، دينية أو دنيوية- وهي كدعاية خاضعة لقانون الحصر الثنائي، حيث يطرح الطرف الأول “الشريعة الاسلاميه” كشعار ، دون التطرق إلى كيفيه تطبيقها، ودون الدعوة إلى الحوار بين المذاهب الإسلامية حول سبل تطبيقها ، ودون قيامه باى اجتهاد ديني أو فكرى، ويطرح الطرف الثاني “العلمانية ” كشعار، دون التطرق إلى تناقضها مع الهيكل الحضاري "الديني- الإسلامي" للامة العربية.ودون التمييز بين سلبياتها وايجابياتها، ويحول الحصر الثنائي بين شعار (الشريعة الإسلامية) وضده ( العلمانية ) دون الالتفات إلى القضايا الأخرى، التي يطرحها واقع المجتمعات العربية وغيرها من مجتمعات مسلمة ، ويهدف إلى إغلاق عقول العرب والمسلمين دون إدراك واقع الحياة ، لتبقى مفتوحة لما يدس فيها من دعاية سياسية ، تحقق أهداف الجهات التي تقف وراءها.

الدوران فى حلقه مفرغه : وهذا الحصر الثنائى على المستوى الفكري " النظري" يلزم منه – فى المجتمعات العربيه والإسلامية - على المستوى العملى " التطبيقى" دوران هذه المجتمعات فى حلقة مفرغه ، وبالتالي عجزها عن حل المشاكل المتعددة المتجددة التى يطرحها واقعها المعاصر. ولا تكتفي القوى الاستعمارية بلزوم هذا الدوران فى حلقة مفرغة عن هذا الحصر الثنائى ، بل تقوم ايضا بتغذيته بوسائل عديده، منها تقوية احد الطرفين- علنا او سرا - الى حد قد يصل الى تسهيل وصوله الى السلطة - فى حين ، ثم العمل على اضعافه- علنا او سرا- الى حد قد يصل الى درجة تسهيل سقوطه - وتقوية الطرف الثانى حينا آخر.

د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

--------------------------
للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري
2/ د. صبري محمد خليل Google Sites
[/HEADING]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى