بهاء المري - خروج المشرع في جرائم الإرهاب على بعض القواعد العامة في القانون(*)

لقد خرج المشرع في قانون مكافحة الإرهاب على القواعد العامة في التحريض، وفى الاتفاق الجنائي، والمساعدة، والقواعد العامة في الاشتراك.

الفرع الأول
الخروج على القواعد العامة في التحريض:
---------------------------------------------------
نصت المادة (6) من قانون مكافحة الإرهاب على أن "يُعاقب على التحريض على ارتكاب أية جريمة إرهابية بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة وذلك سواء كان هذا التحريض موجها لشخص محدد أو جماعة معينة أو كان تحريضا عاما علنيا أو غير علني وأيا كانت الوسيلة المستخدمة فيه ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر.
كما يُعاقب بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة كل من اتفق أو ساعد بأية صورة على ارتكاب الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك الاتفاق أو تلك المساعدة".

- القاعدة العامة في التحريض:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصت المادة 40 من قانون العقوبات على أن "يعد شريكا في الجريمة: (أولا) كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.

(ثانيا) ...................
والمستفاد من نص المادة 40 عقوبات أن صور الاشتراك كما حددها القانون هي التحريض والاتفاق والمساعدة على اقتراف الجريمة.
والتحريض هو دفع الغير إلى ارتكاب جريمة لم يكن لديه النية على ارتكابها، أي خلق التصميم عليها في ذهن الفاعل ودفعه نحو ارتكابها. والتحريض هو أحد صور الاشتراك في الجريمة، أي مساهمة تبعية فيها.
ويقصد بالتحريض، بث فكرة الجريمة في نفس الفاعل أو دعمها لديه إن كانت غبر راسخة أو غير حاسمة، ويشترط في التحريض المعاقب عليه بوصفه اشتراكا، أن يتجه إلى شخص أو أشخاص معينين يختارهم المحرض لعلاقة تربطه بهم، أما إذا كان التحريض عاما، أي موجها إلى كافة الناس أو إلى جمهورهم بغير تحديد، فالأصل أنه لا يعد اشتراكا ولو استجاب له أحد الأفراد فأقدم على ارتكاب الجريمة( ) إذ يعد التحريض في هذه الحالة جريمة مستقلة مؤثمة بنص المادة 171 من قانون العقوبات هي جريمة تحريض واحد أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علنا.
ولابد لاعتبار المتهم شريكا بالتحريض أن تقع هذه الجريمة فعلا بناء على تحريضه، فإذا حرض الشريك الفاعل على ارتكاب جريمة ولكنها لم تقع فلا عقاب على المحرض.
فيلزم إذن طبقا للقواعد العامة في التحريض لاعتبار المحرض على الجريمة شريكا فيها أن تقع الجريمة بناء على تحريضه وأن يكون بينها وبين هذا التحريض اتصال السبب بالمسبب.

- خروج قانون مكافحة الإرهاب على القاعدة العامة في التحريض:
------------------------------------------------------------------------
لقد خرج المشرع في قانون مكافحة الإرهاب على هذه القاعدة العامة في التحريض فيما نصت عليه المادة (6) من عبارة "سواء كان هذا التحريض موجها لشخص محدد، أو جماعة معينة، أو كان تحريضا عاما علنيا أو غير علني، وأيا كانت الوسيلة المستخدمة فيه، ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر" ولم يتطلب وجود علاقة سببية بين التحريض وبين تحقق الجريمة الإرهابية حيث تقع الجريمة تامة في جانب المحرض ويعاقب بعقوبتها حتى لو لم يستجب للتحريض من تم تحريضه أو كان قد استجاب ولم يرتكب الجرم.

- خروج تعديل قانون العقوبات على القاعدة العامة في التحريض:
---------------------------------------------------------------------------
نصت المادة 88 مكررا (ب) من قانون العقوبات على أنه "تسري أحكام المواد ....، 95، ....... إلخ من هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم".
ونصت المادة 95 المذكورة على أنه "كل من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد 87، 89، 90، 90 مكررا، 91، 92، 93، 94 من هذا القانون يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر" وهذه الجرائم هي (محاولة قلب أو تغيير دستور الدولة بالقوة، وتأليف عصابات تهاجم السكان أو تقاوم رجال السلطة العامة، وتخريب المباني أو المنشآت العامة، ومحاولة احتلال المباني العامة بالقوة، والاستيلاء على فرقة أو قسم من الجيش أو ..... إلخ، وعدم تنفيذ أوامر الحكومة .... إلخ، وتولى قيادة العصابات المسلحة .... إلخ، وإدارة حركة عصابة مسلحة .... إلخ.
وما قررته هذه المادة من أن كل من حرض على ارتكاب هذه الجرائم يعاقب إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر، يعد خروجا على القاعدة العامة في التحريض باعتباره صورة من صور الاشتراك التي حددتها المادة 40 عقوبات التي لا يعاقب عليها القانون إلا إذا وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض. ومؤدى ذلك أن المشرع اعتبر التحريض هنا جريمة مستقلة في مجال الجرائم الإرهابية.

الفرع الثاني
الخروج على القواعد العامة في الاتفاق والمساعدة:
------------------------------------------------------------ــ
نصت الفقرة الثانية من المادة (6) من قانون مكافحة الإرهاب على أن "...... كما يُعاقب بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة كل من اتفق أو ساعد - بأية صورة - على ارتكاب الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك الاتفاق أو تلك المساعدة".
ونصت المادة 40 من قانون العقوبات على أنه "يعد شريكا في الجريمة :
(أولا) ................................
(ثانيا) من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
ووفقا لهذا النص فإن الاتفاق على ارتكاب الجريمة يعد صورة من صور الاشتراك متى وقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق.

- القاعدة العامة في الاتفاق والمساعدة:
-------------------------------------------------
"الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يتحقق باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وأن هذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة.
ويتحقق الاشتراك بالمساعدة بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلا مقصودا يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطا لعقاب الشريك"( ).
فالاتفاق يتحقق باتحاد أو تلاقى إرادتين أو أكثر على ارتكاب جريمة أي انعقاد عزمهما، ولا يقتضى الاتفاق على ارتكاب الجريمة أكثر من تقابل إرادة المشتركين فيه فلا يشترط لتوافره مضى وقت معين فمن الجائز عقلا وقانونا أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة.
ومن صور الاتفاق سبق الإصرار، بمعنى أن ثبوت سبق الإصرار في حق المتهمين يستلزم بالضرورة توافر الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه منهم.
والمساعدة تتحقق بكل عون تبعي يقدمه الشخص إلى فاعل الجريمة من أجل تمكينه من ارتكابها أو بأي وسيلة كإمداد فاعل الجريمة بسلاح أو آلة أو أي شيء آخر.
ولاعتبار المتهم شريكا بالاتفاق أو المساعدة في جريمة ما، يجب أن تقع هذه الجريمة فعلا بناء على هذا الاتفاق أو تلك المساعدة، فإذا لم تقع لا يعتبر شريكا.
كما يجب استخدام الوسيلة التي قدمها من أراد المساعدة على ارتكاب الجريمة، بحيث إذا لم تستعمل في الجريمة بالفعل لا يعتبر هذا الأخير شريكا بالمساعدة.
كما أنه إذا عدل الشريك عن اتفاقه ووقعت الجريمة استقلالا عن هذا الاتفاق فلا عقاب عليه.
فوجود صلة بين الاتفاق أو المساعدة وبين الجريمة التي ارتكبت أمر لازم في سبيل التسليم بوجود الاشتراك.

- تسهيل ارتكاب الإرهاب يعد مساعدة:
----------------------------------------------
نصت المادة (7) من قانون مكافحة الإرهاب على أن "يُعاقب باعتباره شريكا، كل من سهل لإرهابي أو لجماعة إرهابية بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة ارتكاب أية جريمة إرهابية أو الإعداد لارتكابها أو وفر مع علمه بذلك لمرتكبها سكنا أو مأوى أو مكانا للاختفاء أو لاستخدامه في الاجتماعات أو غير ذلك من التسهيلات".
وبموجب هذه المادة، فقد عاقب قانون مكافحة الإرهاب كل من سهل لإرهابي أو لجماعة إرهابية بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة ارتكاب جريمة إرهابية أو الإعداد لارتكابها وهذا "التسهيل" هو صورة من صور المساعدة على ارتكاب الجريمة.

- خروج قانون مكافحة الإرهاب على القاعدة العامة في الاتفاق والمساعدة:
------------------------------------------------------------------------------------
لقد خرج المشرع في قانون مكافحة الإرهاب على هذه القاعدة بما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (6) منه على أنه" ...... كما يُعاقب بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة كل من اتفق أو ساعد بأية صورة على ارتكاب الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك الاتفاق أو تلك المساعدة" ومن ثم فهذا النص يعاقب – خروجا على القواعد العامة – على الاتفاق والمساعدة ولو عدل الفاعل عن الاتفاق وكذلك لو لم يستخدم الفاعل وسيلة المساعدة.
- خروج تعديل قانون العقوبات على القاعدة العامة في الاتفاق والمساعدة:


أولا: نص المادة 82 عقوبات:
---------------------------------
نصت الفقرة الأولى من المادة 88 مكررا (ب) من قانون العقوبات على أنه "تسري أحكام المواد 82 و ....... إلخ من هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم".
ونصت المادة 82 عقوبات على أنه " يعاقب باعتباره شريكا في الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب:
(1) كل من كان عالما بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكنى أو مأوى أو مكانا للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات.
وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه.
(2) كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك.
(3) كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمدا مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها.
ويجوز للمحكمة في هذه الأحوال أن تعفي من العقوبة أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة إذا لم يكونوا معاقبين بنص آخر في القانون".
لما كان ذلك وكانت المادة 40 عقوبات قد بينت صور الاشتراك في الجريمة، وهى ثلاثة صور: التحريض، والاتفاق، والمساعدة على اقتراف الجريمة.
ويتضح وجه الخروج على هذه القاعدة، في أن المشرع قد اعتبر أفعالا ليست من صور الاشتراك التي حددتها المادة 40 من قبيل الاشتراك في الجريمة الإرهابية، خروجا على القاعدة العامة في الاشتراك.
والحكمة من هذا الخروج وضَّحتها المذكرة الإيضاحية لهذه المادة (82) "أن الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة، تكاد تشبه الاشتراك في الجرائم المنصوص عليها في المواد الخمسة المذكورة، وقد تبلغ مبلغه في بعض الصور، وإنما تختلف عنه عند التشابه، ولا حاجة لإثبات أن الجريمة الأصلية لم تكن لتقع لولا التسهيلات أو الإخفاء، أو حمل الرسائل المشار إليها في المادة، ثم إنه في كثير من الحالات تباشر هذه الأفعال بعد ارتكاب الجريمة الأصلية. ويقصد بالفقرة (1) من المادة السابقة أن ينطوي على تقديم الإعانة أو وسائل التعيش أو السكنى ...... إلخ. عمل إيجابي يخرج عم المألوف عرفا في صلات مقدم هذه الأشياء بالشخص الآخر، فلا يدخل في حكم هذه الفقرة الحالات التي يشترك فيها شخص مع آخر في المعيشة أو السكنى كحالة الزوجة مع زوجها أو الزوج مع زوجته أو الولد مع أبيه( ).
- الأفعال التي اعتبرها المشرع بموجب نص المادة 82 عقوبات اشتراكا هي:
(أ) كل من كان عالما بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكنى أو مأوى أو مكانا للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات:
وفى هذه الحالة لم تشترط المادة 82/1 عقوبات وقوع الجريمة من فاعلها وإنما اكتفى بتوافر نية ارتكاب الجريمة لدى المحرض من خلال إتيان فعل من الأفعال المبينة بهذه المادة متى كان عالما بنيات الجاني في ارتكابه للجريمة الأصلية.
وجعل المشرع الاشتراك متحققا في هذه الحالة ولو وقعت تلك الأفعال من الشريك بعد وقوع الجريمة من الفاعل الأصلي، وذلك خلافا للقواعد العامة التي تتطلب وقوع أفعال الاشتراك قبل وقوع الجريمة أو متى كان معاصرا لها.
(ب) كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك:
وفى هذه الحالة اعتبر المشرع بموجب نص المادة 82 عقوبات إخفاء أشياء استعملت أي بعد وقوع الجريمة أو أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك اعتبر ذلك صورة من صور الاشتراك على خلاف القاعدة العامة في المادة 40 عقوبات التي لا تعتبر الإخفاء اللاحق جريمة.
كما اعتبر المشرع مجرد أن الأدوات أو الأشياء كانت موجودة صورة من صور الاشتراك ولو لم تستعمل في الجريمة، وهو ما يخالف القاعدة العامة من وجود علاقة سببية بين الفعل المادي والجريمة.
(ج) كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمدا مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها:
وفى هذه الحالة اعتبر نص المادة 82 عقوبات شريكا في الجريمة كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير متعمدا مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبها، أي بعد وقوع الجريمة وهو ما يخالف القاعدة العامة في الاشتراك التي لا تعتد بما يقع بعد حصول الجريمة ولا توجد بينه وبين وقوعها علاقة سببية.

ثانيا - نص المادة 96 / 1 عقوبات:
------------------------------------------
نصت الفقرة الأولى من المادة 88 مكررا (ب) عقوبات على أن تسري أحكام المواد .....، 96 من هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم"
ونصت المادة /96/1 عقوبات على أن "يعاقب بالعقوبات المتقدم ذكرها كل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد 87، 89، 90، 90 مكررا، 91 و92 ،93، 94 من هذا القانون أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه ويعاقب بالسجن المؤبد من حرض على هذا الاتفاق أو كان له شأن في إدارة حركته.
فقد عاقبت الفقرة الأولى من هذه المادة على الاشتراك في اتفاق جنائي في الجرائم المبينة بها، سواء كان الغرض من هذا الاتفاق ارتكاب هذه الجرائم أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض منه، ولم تشترط وقوع الجريمة التي تم الاشتراك فيها بالاتفاق الجنائي وهو ما يعد خروجا على القاعدة العامة في الاتفاق كصورة من صور الاشتراك في الجريمة والتي لا يعاقب عليها القانون إلا إذا وقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق، ومن ثم فقد اعتبر المشرع مجرد الاتفاق على ارتكاب جريمة من الجرائم الواردة بنص المادة 96 عقوبات جريمة مستقلة بذاتها.

ثالثا - نص المادة 96 / 2 عقوبات:
-----------------------------------------
نصت الفقرة الثانية من المادة 96 من قانون العقوبات على أن "يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن كل من شجع على ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد 87، 89، 90، 90 مكررا، 91، 92، 93 ،94 من هذا القانون بمعاونة مادية أو مالية دون أن تكون لديه نية الاشتراك مباشرة في ارتكاب تلك الجرائم".
فقد عاقبت هذه الفقرة من المادة 96 عقوبات كل من شجع على ارتكاب إحدى الجرائم المبينة بها وذلك بمعاونة مادية أو مالية دون أن تكون لديه نية الاشتراك مباشرة في ارتكاب الجرائم.
والعقاب بموجب هذا النص على مجرد المساعدة بالتشجيع دون اتجاه إرادة الجاني إلى المساهمة في الجريمة الأصلية التي ارتكبها الفاعل واعتبار ذلك جريمة مستقلة يعد خروجا على القاعدة العامة التي تتطلب توافر نية الاشتراك في الجريمة ليكون الجاني شريكا بالمساعدة.
- هل يندرج الاتفاق على ارتكاب جرائم الإرهاب تحت مفهوم المادة 48

عقوبات المقضي بعدم دستوريتها:
----------------------------------------------
كانت المادة 48 من قانون العقوبات قبل الحكم بعدم دستوريتها تنص على أنه "يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ويعتبر الاتفاق جنائيا سواء أكان الغرض منه جائزا أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه.
وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء أكان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن، فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس.
وكل من حرض على اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولى المنصوص عنها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية.
ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة.
ويعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة. فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلا إلى ضبط الجناة الآخرين"( ).
فهل ينسحب حكم عدم الدستورية بشأن "الاتفاق" المنصوص عليه بالمادة 48 عقوبات، على الاتفاق الوارد بنصوص قانون مكافحة الإرهاب.
للإجابة على هذا التساؤل نقول إنه لما كانت أسباب حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة 48 عقوبات ( ) أشارت إلى أنه من أسباب عدم دستورية النص المذكور أنه لم يشترط جسامة معينة في الجريمة المتفق على ارتكابها، وكان قانون مكافحة الإرهاب قد حدد جسامة الجريمة المتفق على ارتكابها وهى الجريمة الإرهابية كمعيار للإرهاب، فإن حكم المحكمة الدستورية لا يُسقط الاتفاق الجنائي الوارد بنصوص قانون مكافحة الإرهاب.
المبحث الثالث

تجريم الأعمال التحضيرية
------------------------------------
نصت المادة 34 من قانون مكافحة الإرهاب على أن "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بأي عمل من أعمال الإعداد أو التحضير لارتكاب جريمة إرهابية حتى ولو لم يتعد عمله هذا الإعداد أو التحضير".
إن البدء في تنفيذ جريمة يقتضي ممن سيقدم عليها أولا التفكير فيها والتصميم عليها، وثانيا التحضير لها، ثم ثالثا البدء في تنفيذها، والتفكير في الجريمة هو مرحلة نفسية، حيث تكون الجريمة في هذا الوقت مجرد فكرة في نفس المتهم.
والقانون لا يعاقب على مرحلة التفكير في الجريمة حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات على أنه "لا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك".
أما الأعمال التحضيرية للجريمة، فهي كل الأعمال التي يعبر من خلالها الجاني على اتجاه نيته إلى ارتكاب الجريمة من خلال أفعال ملموسة ولكنه لم يرتكبها بعد، وإنما يحضِّر لارتكابها، فهي تتعلق بتهيئة الوسائل اللازمة لإتمام ما عقد العزم على إتيانه، فتأتى بعد مرحلة التفكير في ارتكاب الجريمة وتبرز ماديا في العالم الخارجي بأعمال مادية ملموسة، ومن أمثلة هذه الأعمال المادية الملموسة شراء سلاح، أو تجهيز المادة السامة ... إلخ. وفى الجملة كل ما يهيء به الفاعل نفسه ليكون على مقدرة على تنفيذ الجريمة، والقاعدة العامة في ذلك وفقا لعجز الفقرة الأخيرة من المادة 45 من قانون العقوبات أنه لا عقاب على الأعمال التحضيرية للجريمة أي أنها لا تعد شروعا في الجريمة لأن هذه الأعمال التحضيرية لا تنطوي على خطر يهدد حقا محميا أو مصلحة، فشراء السلاح في حد ذاته لا يكشف على نحو مؤكد نية المشترى له في ارتكاب جريمة، فقد يكون الشراء بقصد الدفاع عن النفس.
وبالرغم من ذلك، فقد جرَّم المشرع بعض الأعمال التحضيرية في الجرائم الإرهابية إذا كانت تكشف عن خطر، وإذا شكلت في حد ذاتها جريمة تامة مستقلة، وليس لأنها من وسائل ارتكاب جريمة أخرى ومثال ذلك إحراز سلاح ناري أو أبيض بدون ترخيص.
فإذا كانت هذه هي القاعدة العامة بشأن الأعمال التحضيرية، وكان قانون العقوبات لا يعاقب عليها، إلا أن المشرع في قانون مكافحة الإرهاب قد خرج عليها بما نص عليه في المادة 34 منه على أن "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بأي عمل من أعمال الإعداد أو التحضير لارتكاب جريمة إرهابية حتى ولو لم يتعد عمله هذا الإعداد أو التحضير".

المبحث الرابع
تقييد استعمال المادة 17 عقوبات بصدد الجرائم الإرهابية:
--------------------------------------------------------------------
نصت المادة (10) من قانون مكافحة الإرهاب على أنه "استثناء من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة المقضي بها في إحدى الجرائم المنصوص عليها بالمواد (12/1، 15/1 16/1، 2، 17 /1، 2، 18/1، 30) من هذا القانون إلا لدرجة واحدة".
والأصل أن المادة 17 عقوبات أجازت في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه التالي:
- عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد.
- عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن.
- عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور.
- عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور.
وهذا التقييد الذى فرضه المشرع على القاضي إذا وجد مقتضى لإعمال المادة 17 عقوبات بصدد الجرائم الإرهابية، يؤدى بهذه المادة إلى السقوط في دائرة عدم الدستورية، ذلك "أن العقوبة التخييرية أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة، أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة، ذلك التبديل عملا بنص المادة (17) من قانون العقوبات أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه، أو الظروف العينية التي لابست الجريمة، ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها بحسب ظروف كل دعوى لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استغلق عليه تماما بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة والقضايا، ومثل هذه النصوص تكون قد أهدرت من خلال إلغاء سلطة القاضي في تفريد العقوبة جوهر الوظيفة القضائية، وتكون قد انطوت على تدخل في شئونها مقيدة الحرية الشخصية في غير ضرورة ونائية عن ضوابط المحاكمة المنصفة ومخلة بخضوع الدولة للقانون وواقعة بالتالي في حمأة مخالفة أحكام الدستور.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من كتاب (شرح جرائم الإرهاب).




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى