لطيفة زهرة المخلوفي - الحريم في كتابات فاطمة المرنيسي... الحلقة الرابعة

في مسار تتبع النسوية "رحاب منى شاكر" لتمظهرات "الحريم الجنسي"، تستدعي كتاب "ما وراء الحجاب : الجنس كهندسة اجتماعية" لصاحبته فاطمة المرنيسي، الصادر سنة 1997.
ويعد الكتاب دراسة للبعد الجنسي للحريم. تنطلق المؤلفة من فرضية تقسيم علم الاجتماع المجتمعات إلى صنفين حسب أسلوبها في ضبط الغرائز الجنسية.
الصنف الأول يموقع دور المرأة الجنسي بالسلب، ويسعى الى فرض احترام الضوابط عبر تعميق داخلي للموانع الجنسية خلال عملية التنشئة الاجتماعية. أما الصنف الثاني فيرى دور المرأة الجنسي بالغ الفعالية، ويلجأ إلى حوافز الاحتياطات الخارجية كقواعد السلوك القائمة على التفرقة بين الجنسين بفعل عجزه عن تعميق الموانع الجنسية لدى أفراده. وتنتمي مجتمعاتنا غالبا إلى الصنف الثاني.
ترى المرنيسي أن المجتمعات المصنفة على أنها اسلامية يتميز بتناقض بين "نظرية علنية" وأخرى "ضمنية" عن الحياة الجنسية. بينما تعتمد النظرية العلنية على تناقض دور الرجل الفعال جنسيا (الصائد) مع سلبية المرأة (الفريسة)، تنقلب الأدوار في النظرية الضمنية التي تؤمن بالفعالية التامة للمرأة، لا بل ترى أن الحضارة محاولة لاحتواء قدرة المرأة الهدامة والكاسحة. وينتج عن هذا التوتر بين النظريتين الخوف من المرأة ومهاجمتها كتجسيد للفتنة، وبالتالي عزلها ومرافقتها في كل تحركاتها، أو اللجوء إلى الوسائل الخارجية كالحجاب أو الحجز المكاني، أي الحريم. وتتفق كلا النظريتين على ما يسمى كيد النساء، إما من خلال شيطنة الأنوثة أو التأكيد على ضعفها وسلبتها.
كما تؤكد المرنيسي على أن الحياة الجنسية في العالم الإسلامي مجالية، أي أن للمكان أهميته القصوى في تقسيم العلاقة الاجتماعية بين الجنسين. ومن الطبيعي ألا يكون هذا التقسيم بريئا من تراتبية السلطة. ويشكل كل اختراق تقوم به المرأة لحدود المكان تهجما على السلطة سوف تعاقب عليه بطريقة ما. ويتحدد سكان المكان بكونهم كائنات جنسية يعرفون بواسطة أعضائهم الجنسية وليس بواسطة معتقداتهم. وهم يعانون من الانقسام فيما بينهم : فئة الذكور الذين يملكون النفوذ وفئة الإناث الخاضعات. كما تتحدد هوية النساء بانتمائهن إلى المجال المنزلي، في حين يحمل الرجال جنسية إضافية تنتمي إلى المجال العام، أي المجال الديني والسياسي.
يفضح تقسيم المتعلق بالخاص نسائي والآخر العام رجالي البعد الجنسي لكل تبادل بين الرجال والنساء. وهذا يؤدي إلى أولوية الاستثمار في التبادل الاجتماعي بين أفراد الجنس نفسه، وإلى لعبة الإغراء كوسيلة للاتصال بين الجنسين.
وحسب المرنيسي فالإغراء فن طفولي يعبر لدى الراشدين عن بخل عاطفي وليس عن كرم كما يبدو للوهلة الأولى، كما أن أي نضج عاطفي سوف يقمع في مهده بفضل العزل المجالي.
تأكيدا لكل ما سلف تؤكد رحاب منى شاكر أن هذا أحد أهم أسباب تسمم محاولات الارتباط العاطفي بين الجنسين بسوء الفهم والاغتراب تارة، وبالاستغلال والعنف تارة أخرى. ذلك أن الجنسين لا يتعرفان على بعضهما في بيئة تدعم التعاون والحب بينهما، بل تكرس تسلط أحدهما وضعف الآخر. لذلك لا أستغرب كم الفشل العاطفي المتخفي اجتماعيا خلف أشعار الغزل وموالات الغرام.
وعطفا على كل ما سلف تشدد المرنيسي على أن هندسة الأسرة الإسلامية لها دور أساسي في تمكين قبضة الحريم على حيوات النساء، وتكريس الرقابة على حياتهن الجنسية. ذلك أن الدين الرسمي جاء ليعلن الانتقال إلى الزواج الذكوري بعدما كانت ثمة أشكال متعددة للزواج تتيح للمرأة حرية اختيار الشريك أو الانفصال عنه. فحرمت العلاقة الجنسية خارج اطار الزواج ، ولكن في المقابل منح الرجل حصريا حق تعدد الزوجات والجواري واستبدالهن متى يشاء. كما أنه لا يضع عوائق أمام رغبته بالطلاق، بينما تنعدم خيارات المرأة وتجد نفسها مطالبة بخدمة زوجها جنسيا خوفا من غضب الملائكة. كل هذا تراه المرنيسي أخلاقيات تجعل من الزواج الإسلامي مؤسسة هشة في جوهرها، وغير مبنية على الحب والحميمية، رغم محورية الوظيفة الجنسية فيها.
وفي ذات السياق تؤكد "رحاب منى شاكر"، على نقدها الصارم لتثبيت التشريعات الذكورية ضمن قوانين مدنية "عصرية" في معظم البلدان المصنفة على أنها اسلامية.
ومن هذا المنطلق تقر أن قوانين الأحوال الشخصية عبارة عن عقد يؤسس لحريم قانوني بكل معنى الكلمة.
إن قساوة الحريم الجنسي كأحد أشكال الحريم، تكمن أساسا في كونه مدعوم مجتمعيا دينيا وثقافيا وقانونيا، ومرتبط بشكل مباشر بخطاب الحرام والحلال، ويتملك جسد المرأة حرفيا ومعنويا، وكل هذا يجعل محاولات نقده وتفكيكه للمراكمة لهدمه مهام شاقة ولها صعوباتها الجمة.




1630355199860.png



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى