- رسالة هنري ميللر الى رجل القانون النرويجي السيّد تيريفي هيرش

Big Sur ، كاليفورنيا
السابع و العشرون من شباط 1959
السيّد تيريفي هيرش Terygve Hirsch
أوسلو ، النرويج
السيد هيرش المحترم !
هذا جوابي على رسالتك من التاسع عشر من كانون الثاني مع الرجاء بتقديمها كبيان لي يكون تحت تصرف المحكمة العليا في أثناء المحاكمة التي ستبدأ في آذار أو نيسان من العام الجاري ... ومن الصعب الحصول على شهادة أكثر وضوحا من تلك التي قدّمتها في الرسالة من التاسع عشر من ايلول عام 1957 عندما نظر ت إحدى محاكم أوسلو ، في القضية الموجهة ضد كتابي ( Sexus ) ، رغم ذلك أقدّم لك بضع ملاحظات حول هذا الموضوع. و آمل أن تكون بالمناسبة a propos .
عندما قرأت قرار محكمة مدينة أوسلو و الذي كنت يا سيدي قدبعثته إليّ قبل بضعة أشهر إنتابتني مشاعر متضاربة. إذ لايمكن إعتباري مذنبا بأنني عند مطالعة مثل هذا النص أغرقت بالضحك – جزئيا بسبب تلك الترجمة الركيكة وكذلك بسبب طبيعة و عدد التجاوزات المذكورة هناك. و إذا كنت أقبل واقع أن العالم والناس الذين يشرّعون القانون و ينفّذونه هم هكذا فأنا أعتبر أن القرار كان صحيحا وعادلا لدرجة أقل من أيّ فرضية لأقليديس. فقد لاحظت و حاولت أن أقدّر مسألة أن المحكمة جهدت في تجاوز النص الجاف للقانون. ( ولقلت إن ذلك مهمة لايمكن تحقيقها إذا قبلنا واقع أن القوانين هي للناس و ليس الناس للقوانين فحينها سيكون حقيقيا القول بأنه يوجد أناس قد خلقوا من أجل القانون وهم يرون كل شيء من خلاله ).
أعترف بأنه لم تحدِث في نفسي أيّ أثر كبير تلك الآراء الثقيلة و المفخّمة في الغالب و المليئة بالرياء ، والتي يعبّر عنها الضليعون بالمعرفة وجهابذة القلم و علماء النفس و الأطباء وماشاكلهم. و في الأخير هل هناك غرابة في الأمر طالما أن سهامي تصيب بالضبط ، وفي الغالب ، مثل هذه النماذج البشرية السطحية و المحرومة من حسَّّّ الفكاهة؟
عندما قرأت اليوم مرة أخرى هذه الوثيقة الدسمة أدركت بصورة أكثر وضوحا لامعقولية هذا الأجراء بكامله. ( يالها من سعادة بأنهم لم يوجهوا إليّ تهمة ( ا لشذوذ) و( الجنوح ) بل مجرد تهمة قيامي بتحويل الجنس الى شيء ممتع و بريء! ) و غالبما يتكرر السؤال : لماذا ألحقت بالنص هذه المشاهد الإيروسية غير المسّرة و التي تتضارب الآراء حولها ، بينما كان لديّ الكثير لتقديمه ؟. و لكي يجيء الجواب صحيحا ينبغي العودة الى الأصل – سواء بمساعدة المداوي أو بدونها .. إن كل واحد ، سواء أكان طبيبا أو قسّا أو محاميا أو قاضيا ، سيملك جوابه الخاص و الجاهز عادة. ولكن أيّ واحد منها سوف لن يكون جريئالحد كاف و عميقا و مسهبا. و الجواب الرباني يبدو بالتأكيد هكذا: في البدء أخرج القشّة من عينك!
ولو كنت جالسا هناك على مقعد المحلفين لأصدرت حكمي: "مذنب ! يتحمل ذنب كل التجاوزات السبعة و التسعين ! وبئس المصير !”. و عندما أنظر الى ذلك عن قرب كإنسان يعاني من قصر النظر ، أجزم بأنني مذنب وقبل أن أؤلف هذا الكتاب . أنا مذنب و لأنني هكذا . وهي معجزة بأنني ما زلت أتمتع بالحرية . فمن المفروض أن يصدر الحكم ضدي في اللحظة التي خرجت فيها من بطن أمي.
إنه شيء مثير للعواطف وصف عودتي الى أحضان العائلة و الذي جاء في كتابي ( إتحاد من جديد في بروكلين Reunion in Brooklyn )، وكنت قد أنهيته بهذه الكلمات التي تملك كل واحدة منها بالنسبة لي معنى عميقا : ( إن بيتي هو العالم كله. أنا أسكن على الأرض وليس فقط في جزء منها يسمى أميركا ، فرنسا ، ألمانيا ، روسيا ... أن تكون مخلصا – نعم ، ولكن للبشرية و ليس لبلد معيّن أو جنس أو شعب. أنا مسؤول أمام الرب وليس أمام السلطة. أنا هنا ، على الأرض من أجل أن أحقق مصيري . وهو مصير يرتبط بجميع الكائنات القاطنة على هذا الكوكب – و من يعلم ، ربما تلك التي تحيا على السيّارات الأخرى ؟ ليس في نيتي العمل خلافا لمصيري و النظر الى الحياة وفق مراتب مباديء ضيقة خلقت لكي تقيّد الحياة. أنا لا أقبل الآراء الملزمة اليوم حول الجرائم و الأديان و المجتمع و الرفاهية. سأجهد في العيش وفق تصوراتي الخاصة عن كل ما هو أبدي. إذن ( السلام عليكم ). و إذا لم تعثروا عليه فهذا يعني أنكم لم تبحثوا عنه أبدا.
بإعتقادي أنها ستكون مثيرة للإهتمام وغيرمحرومة من المعنى في هذا المكان إشارتي الى رد فعلي على قراءة هوميروس في الأونة الأخيرة. نزولا عند رجاء الناشر غاليمار Gallimard كتبت مقدمة قصيرة للأوديسا في طبعة جديدة . قبلها لم أقرأ الأوديسا أبدا.بل قرأت الإلياذة وحدها وحصل هذا قبل بضعة أشهر. أريد القول هنا إنه ولو أنني قد أنتظرت67 عاما كي أقرأ مثل هذه الكلاسيات المعتبَرة وجدت هناك الكثير من الأشياء التي يجدر أن تعتبر مآخذا عليها ، كذلك فعددها في الإلياذة ( وأسميها بالمناسبة " دليل الجزّار " هو أكبر من عددها في الأوديسة. و لكن لم يخطر ببالي أبدا أن أطالب بمنعهما أو حرقهما. بعد قراءتهما لم أخش من أنني سأقفز من البيت و الزبد يغطي فمي والفأس في يدي . إبني الذي قرأ الإلياذة ( وهناك طبعة خاصة للأطفال ) بعمر يقارب التاسعة ، و إعترف بأنه ( من وقت الى آخر يحب حالات القتل ) قال لي إن هوميروس يضجره ومعه كل هذا القتل و السخافات عن الآلهة. أنا لم أخش أبدا من أن إبني الذي يكاد يبلغ الحادية عشرة ولايزال يلتهم ،بشراهة ، هذه القصص المصوّرة الكريهة، هو مغرم بوولت ديزني( وهو لا يلائمني أبدا ) و أفلام ال( ويسترن ) خاصة - أقول لم أخش اأدا من أنه سيكون قاتلا ( وحتى لو إستدعوه الى خدمة الجيش ). بالأحرى أنا أفضل لو شغلته إهتمامات أخرى، وهنا أنا أفعل ما بمقدوري لترغيبه. و لكنه مثلنا جميعا نتاج العصر. وبالتأكيد ليس عليّ أن أدلل على الأخطار التي تترصد في الأوقات الراهنة بنا جميعا وخاصة الشباب. و جوهر المسألة أن الخطر يتبدل بالإعتماد على العصر. فقد يكونه الأشباح ، عبادة الأصنام ، الجذام ، السرطان ، الشيزوفرينيا وأيّ شيء آخر ، فعراكنا لانهاية له. ومن النادر حقا أن نفلح في قهر العدو الذي يتقمص هيئات أكثر فأكثر جدة. وفي أحسن الأحوال نحن نملك مقاومة. و لكن لانعرف أبدا أيّ أخطار تتربص بنا في أقرب منعطف. كما أننا لا نقدر على تجنبها. وحتى لو كنا نملك معرفة بالغة العظم وحكمة و يقظة و حذرا كبيرا فنحن لسنا بقادرين على التخلص من كعبنا الآخيلي. فالأمن ليس مملكتنا. و الإستعداد و اليقظة و الرد السريع هي كل عدّتنا في الدفاع أمام ضربات المصير.
أنا أبتسم عندما أقدم للمحكمة الموّقرة هذه الرسالة ، إلا أنني أملك رغبة كبيرة في أن مسك ، وكما يقال ، الثور من قرنيه. و هل يكفي المحكمة المبجّلة بياني بأن الرأي العام يراني شخصا طبيعيا وذا عقل و جسم سليمين ؟ و أن لا أحد يعتبرني مهووسا إيروسيا أو شاذا ولا حتى عصابيا ولا كاتبا مستعدا لأن بييع روحه مقابل النقود؟ وأنه كزوج و أب و جار يعتبَر ( فخرا ) لمحيطه ؟ إن كل هذا يبدو أمرا غير معقول ، أليس كذلك؟ و هو ممكن هذا السؤال : أليس هو ذاك الطفل المرعب enfant terrible الذي ( ومن المخجل القول ) كتب Tropics , The Rosy Crucifixion, The World of Sex و Quiet Days in Clichy ؟وهل غيّر إيمانه يا ترى ؟ و لربما أصابه الخرف في هذا السن ؟
و من الملائم جدا أن يجيء هذا السؤال : هل مؤلف هذه الأعمال المثيرة للريبة و أحدهم المسمّى هنري ميللر هما الشخص نفسه؟ و جوابي هو كالآتي: نعم! إضافة الى ذلك فأنا المكافح من أجل هذه ( الروايات الغرامية للسيرة الذاتية ).وقد يصعب على بعضهم قبول هذا الأمر. و لكن لماذا ؟ هل السبب في أنني قد عرّيت ( بلا خجل ) كل قطعة من حياتي ؟ وربما لست أول مؤلف يقوم بالإعتراف و يعرّي حياته أو يستخدم كلمات غير مناسبة ، وكما يزعَم ، لسمع الفتيات ؟ ولو كنت قديسا يروي عن حياته الخاطئة السابقة لكان ممكنا إعتبار إعترافاتي الصادقة عن عاداتي الجنسية ذات قيمة وخاصة لدى القساوسة و الأطباء . و قد تعتبر تثقيفية.
لكني لست قديسا و أكيد أنني سوف لن أكونه. و في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات تذكرت بأنه قد إعتبرت قديسا و فعل ذلك أشخاص لما شككت المحكمة العليا بحملهم مثل هذه الآراء. كلا ، والحمد لله ، لست قديسا و لا أدعو الى نظام جديد أيضا. أنا ببساطة إنسان ولد لكي يكتب و إعتبر موضوعه هو تأريخ حياته. أنا من أكد بقوة في كتبه على أنه عاش حياة طيبة مكتنزة ، مرحة ، رغم تقلبات الحظ، رغم شتى المصاعب و الحواجز ( الكثير منها تحملته لوحدي ) ، و الكثير من العقبات التي نشات بسبب اللوائح و العادات الغبية. و آمل أنني قلت بكل وضوح شيئا أكثر من ذلك إذ ما لدي لقوله عن حياتي يخص الحياة كحياة ، ولأكثر من مرة أردت ، بكل ثمن، القول بالصورة الأكثر وضوحا ، إن الحياةكما أراها هي شيء طيب وبغض النظر عن كل شيء ، و بإعتقادي أننا بإنفسنا نجعلها لا تطاق ، وليس الآلهة أو الحظ أو الظروف .
وعندما أقول هذا الكلام تخطر ببالي تلك النتف من قرار المحكمة والتي تشكك بصراحتي وكذلك بقدرتي على التفكير المنطقي. إن هذه النتف تفيد ضمنيا بأنها في فوراتها ( الميتافيزيقية و السوريالية ) تسعي عامدة الى ( غير المفهوم و الخيلاء ). وأنا أدرك جيدا أن مثل هذه الحالات من ( الزيغان ) تثير في أذهان قرائي آراء شتى. وكيف عليّ أن أصدّ إتهامات شبيهة بهذه طالما تخص جوهر كتابتي ذاته ؟ هل عليّ القول ما هذا الهراء الذي تطلقونه )؟ وهل علي الإستناد الى السماء الكبيرة - ( المرجعيات )- كي أصد مثل هذه الاحكام ؟ وقد يكون من السهل القول : نعم ، وكما فعلت قبلها : ( أنا مذنب. مذنب كما تقول جميع التهم ،إيتها المحكمة الموقرة! ).
أرجو أن تصدقوني بأنها ليست محض ألاعيب تدفعني الى المزاح عندما أقول كلمة ( مذنب). طالما أنني أنتمي الى الناس الذين يؤمنون بصدق وعمق بما يقولونه و يفعلونه وحتى إذا كانوا على خطأ ، أليس من المفروض علي الإعتراف ب(الذنب ) و ليس أن أجهد في الدفاع عن النفس أمام الذين يتشدقون بتلك الكلمات ؟ و لنكن صريحين . هل هؤلاء الذين يصدرون الأحكام عليّ و يدينونني- و ليس بالضرورة في أوسلو بل في العالم كله – يعتبروني ، حقا ، مذنبا و ( عدوا للمجتمع ) كما نعتوني أكثر مرة ؟ أيّ شيء يقلقهم الى هذه الدرجة ؟ هل هو الحقيقة التي قمت بوصفها ، حقيقة وجود و شيوع السلوك اللاأخلاقي و اللاإجتماعي أم مظاهر مثل هذا السلوك والتي قد يلقاها المرء في الكتب؟ واليوم ،في هذه الحقبة الراهنة ، ألايتصرف الناس بهذه الصورة ( الخسيسة ) أو ليست هذه الأفعال مجرد نتاجات عقل ( مريض ) ؟ ( هل يقال عن مؤلفين من أمثال بيترينيوس ، رابيليه ، روسو ، ساد بأنهم عقول ( مريضة ) ؟ ) أكيد أن بعضكم ممن يأخذون بمثل هذا الأسلوب القائم على الإرتياب أو حتى أنهم يقومون بأفعال أسوء ، و أنا كإنسان خبر الناس و العالم أعرف جيدا أن لباس القس و رجل القانون أو البروفسور ليس بالدفاع الكافي أمام إغراءات الجسد. إن مصيرنا واحد – نحن جميعا مذنبون أو أبرياء ، والأمر يعتمد كيف ننظر الى ذلك : أمن ذرى الأولمب أم من على مستوى نظر الضفدعة؟. وهذه المرة لن أجهد في تقدير وتحديد الذنب و إصدار الحكم ، مثلا هل المجرم هو أقل أو أكثر ذنبا من المنافق. و ليس سبب وجود الجرائم و الحروب و الثورات و الحملات الصليبية و محاكم التفتيش و الإضطهادات وأحوال التعصب هو أن بعضنا شرير و سافل أو يملك أفكارا دموية . إن هذه الحالة المَرضية للعلاقات البشرية قائمة ولأن لا أحد منا ، لا العادلون و لا الجهلة و الخبثاء ، يعرف ما هو التفهم الحقيقي وما هو التعاطف الحقيقي و المعرفة الحقيقة و فهم طبيعة الإنسان.
وإذا أردت الكلام بأكبر إيجاز و بساطة تكون فلسفتي الحياتية أو بعبارة أخرى : صلاتي ، كالآتي : ( لنكف عن أن يغدر أحدنا بالآخر ، لنكف عن إصدار الأحكام و الإدانات، ولنكف عن أن يقتل أحدنا الآخر.). أنا لا أتوسل إليكم كي تكفوا عن الحكم علي وعلى كتبي. فلا أنا ولا ما كتبته بالمهم الى هذه الدرجة.( هناك واحد آت و آخر راحل ) . وسبب همومي هو الضرر الذي تلحقونه بأنفسكم عندما تمحصون بدون توقف مسألة الذنب و العقاب و والتجريم و المنع و هذا التبييض المستمر و الإدراج في القائمة السوداء، و التغاضي المريح عن الخروقات عندما تفتقد السبل الأخرى للبحث عن أكباش الفداء. إذن أسأل بدون مواربة : هل قيامكم بمثل هذا الدور الدال على ضيق الافق يسمح لكم بأن تأخذوا الأحسن من الحياة ؟ ومتى ستدرجونني وكتبي في ( السجل ) وهل ستتذوقون أحسن، الطعام والنبيذ وهل ستنامون مطمئنين وهل ستكونون أفضل من السابق كناس و أزواج و آباء ؟ ليس بالمهم ما ستفعولونه بي بل ما سيحصل لكم.
أنا أعرف بأن قفص المتهم ليس مكانا لتوجيه الأسئلة بل لتقديم الأجوبة. و لكنني لا أعرف كيف أعتبر نفسي مذنبا. فأنا ( آخر ) ببساطة. ولكنني ، كما لو كنت قائلا ، باق في التقاليد. و قائمة من سبقوني تسلب الألباب حقا. وهذه العملية مستمرة منذ زمن بروميثيوس أو حتى أنها أطول – منذ زمن الملاك جبرائيل. ولغاية زمن ليس بالبعيد عاش واحد من أصحاب العقول الأكثر صحوا ووعيا من بين السائرين على الأرض. ونحن الذين هم عرضة للهجوم في المحاكم يكون اكبر ما نقدر على القيام به هو اللجوء الى طريقة سقراط ذات الصيت. وجوابنا الوحيد هو أن نقلب السؤال .
هذه هي كل الأسئلة التي يمكن توجيهها الى المحكمة. ولكن هل السائل سيحصل على الجو اب؟ وهل يمكن عموما وضع علامة السؤال على معنى وجود المحكمة العليا ؟ أخشى أن الجواب هو النفي. فالجسد القانوني هو جسد مقدس . وهي مصادفة غير موفقة ، فبإعتقادي من المفروض أن يكون الرأي العام في القضايا ذات الأهمية الكبيرة آخر مرتبة من القضاء. وعندما تكون فكرة العدالة عرضة للتهديد لايمكن إلقاء كامل المسؤولية على عدد غير كبير من المختارين ، فبهذه الصورة ينشأ الظلم ،ولكي تقوم كل محكمة بوظيفتها عليها أن تمضي في سكة مطروقة للسوابق و التابو و الأحكام المسبقة.
أعود الآن الى تلك الوثيقة الدسمة التي تحوي قرار محكمة أوسلو – الى ذلك التعداد لجميع تجاوزاتي للقانون الأخلاقي المعّد هناك. في مثل هذا الإتهام هناك شيء هو مرهب و مكدّر على السواء .وهنا هبّت ريح القرون الوسطى. والأكثر من ذلك فهذه الوثيقة لاتملك أيّ صلة بالعدالة - وبهذه الصورة يحصل بالأحرى الهزء بالقانون. أود أن أؤكد هنا بأنني لا أدين المحاكم في أوسلو ولا القوانين النرويجية : في الأخير يلقى المرء في العالم المتحضر كله الكثير من الكلمات المنمّقة و البرّاقة التي تصلنا صوتا للقصور الذاتي. و الجاني لايحكم عليه من طرف أناس هم على قدم المساواة بل من قبل اسلاف موتى. و القوانين الأخلاقية القادرة على السريان بالإتفاق فقط مع قوانين الطبيعة أو الإلهية سوف لن تكون محمّية من قبل مثل هذاالمتراس غير الدائم بل على العكس فالآن تبدو للعيان كم هي هشّة وغير مجدية هذه السدود.
و في الأخير أصل الى لبّ المسألة . هل سيصعّب صدور حكم من هذه المحكمة لغير صالحي، وبصورة ناجعة، الوصول الى كتابي ؟. إن التأريخ يعلمنا بأنه أمر غير ممكن : تشهد على ذلك حالات أخرى مشابهة . إن مثل هذا الحكم لايفعل شيئا غير صبّ الزيت في النار. والمنع يعمل فقط على التمرد.. و الكفاح ينتقل الى تحت الأرض و يزداد بإستمرار ، عدد الكمائن و الصعوبات في السيطرة عليها .. ولو أن نرويجيا واحدا يؤمن مثل المؤلف بأن كل شخص ينبغي أن يملك حرية التعبير فسينتصر حينها الكفاح. و لايمكن طرد الفكرة عن طريق منحها الشهرة ؟ ، والمقصودة هنا فكرة الحق في قراءة ما يعجب المرء. بعبارة أخرى : الحق في قراءة ما هو مضرّ وماهو طيب ،إذن غير المضر. إذ كيف من الممكن إتقاء الشر إذا كان المرء لا يعرفه ؟
أنا لا أقترح على القاريء النرويجي في كتابي ( Sexus ) لا الشر ولا السمّ بل مجرد جرعة من الحياة نفسها أخذتها انا نفسي. وهي لم تصبني بالإنهيار البتة بل أفادتني. بالتأكيد لما نصحت بتقديمها للرضّع وكذلك لما أعطيت الطفل مشروبا روحيا aqua vitae. و في معرض الدفاع عنها أنا أعطي ،بكل جرأة ، جرعة أخرى : إنها واهبة للحياة بالمقارنة مع القنبلة الذرّية. هنري ميللر )



_____________
ترجمة : عدنان المبارك

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى