لطيفة زهرة المخلوفي - الحريم في كتابات فاطمة المرنيسي.. الحلقة الخامسة

الحلقة الخامسة


استمرارا في عرض مفهوم "الحريم الحنسي" كأحد تمظهرات الحريم في الانتاج الفكري للراحلة فاطمة المرنيسي، وتتمة للحلقة الرابعة التي تناولت هذا المفهوم، تستدعي الكاتبة النسوية "رحاب منى شاكر" مقالة "العذرية والبطريركية" المنشورة سنة 1982 لصاحبتها فاطمة المرنيسي.
وةتقر النسوية "رحاب منى شاكر" أن المرنيسي من خلال هذا العمل قاربت أحد أهم رموز الحريم الجنسي وهو: العذرية، منطلقة من كونها مفهوما اجتماعيا، وليس بيولوجيا، فمن المعروف أن أجساد الرجال والنساء على حد سواء مصممة لتكون قادرة على ممارسة الجنس اعتبارا من السنوات الأولى للشباب. وترى المرنيسي أن العذرية أمر يخص علاقة الرجال فيما بينهم بالدرجة الأولى، ولا تلعب المرأة فيه سوى دور الوسيط لا غير. والأساطير التي تحيط بالعذرية تبوح بحجم وطبيعة انشغالات الرجل في مجتمع مبني على اللامساواة والخضوع والهيمنة.
فالرجل لا يضمن نفوذه من خلال النجاح في تجاوز الصعاب والتحديات ، وإنما من خلال السيطرة على حركات وسكنات قريباته من النساء، ومنعهن من الاختلاط بالغرباء. وكل هذا بجعل العذرية عرضا شفاف لصراعات مدفونة، وحامل قوي لدلالات لا تمت لغشاء البكارة _كعضو بيولوجي_ بأي صلة.
تواصل "رحاب منى شاكر"، عرضها لمآسي الحريم الجنسي حيث يكلف المجتمع المرأة بحراسة حريمها، وتتحمل وحدها عواقب أي اتصال جنسي يجري بين شخصين، ويؤطر العقاب الاجتماعي في مفهوم "العار" كقاموس متكامل من تعبيرات الشرف الذكوري، في المقابل يفتح الباب على مصراعيه للرجل ليفاخر بعدد من ضاجهن وهو بذلك ينسجم مع العرف الاجتماعي الذكوري الذي يرى علاقات الرجل فحولة مطلوبة، وتقوي رصيده الاجتماعي كرجل. لكن نفس هذا الرجل حين يرغب بالزواج يشترط في زوجته المستقبلية العذرية وأن لا يكون قد لمسها أحد.
ان هذا التناقض والازدواجية في تعريف الشرف في مجتمعاتنا، نتيجته الحتمية هي الفصام الاجتماعي، حيث تلجأ المرأة إلى الحيلة لإخفاء نشاطهن الجنسي (رتق غشاء البكارة - بكارة اصطناعية -ممارسات جنسية دون افتضاض البكارة ..) لتتجنب وسمها بالعهر وبالتالي ضياع فرصة حصولها على زوج كأقصى الأماني لنيل الاعتراف الاجتماعي.
إن الطابع العام الذي يتم انتاجه من خلال مسلسل التربية الاجتماعية هذا هو خلق علاقات عاطفية مشوهة ومزيفة خالية من الصدق المتبادل، اضافة الى استمرار ربط الجنس كحق طبيعي قوامه الرشد و الرضائية، بالتدنيس والخطيئة، وغض الطرف بل وتبرير مختلف العلاقات المشوهة (بيدوفيليا- اغتصاب زوجي- تحرش- اغتصاب..).
كما تشير الاستاذة "رحاب منى شاكر" الى عدة أسئلة راودتها وهي تقسم الحريم إلى أصناف، ومثالها : هل جاء الحريم الجنسي تاريخيا قبل الحريم الاقتصادي أم بعده؟ بمعنى: أيهما الأساس الذي انبنى عليه الآخر؟.
لتعقب على الأسئلة أعلاه باستشهاد للمرنيسي من المقالة ذاتها تقول فيه إن الجنسانية هي الصفة الإنسانية الأكثر طواعية في يد المجتمعات لعرك أفرادها وفق مآربها، هذا يعني أنها وسيلة أكثر من كونها هدفا بحد ذاته، فأستنتج أن الجنسانية قد تكون استخدمت لضبط الحريم الاقتصادي. ولكن المرنيسي لا تنسى من ناحية أخرى أن تشير إلى مقولة فرويد بأن الذاكرة البشرية البدائية مبنية على خوف الرجل المتأصل من قدرة المرأة على الإنجاب، فيبقى تساؤلي عالقا إلى حد ما. ولكني أميل إلى تصديق أن كلا الحريمين، الاقتصادي والجنسي، ينقلبان مع مرور الزمن إلى أداة جبارة لإقصاء المرأة عن حقل السياسة الذي بوسعه منحها حق التغيير والقرار حول مصيرها، وتحقيق ذاتها كإنسانة كاملة القيمة. وهنا تنقلنا الدارسة "رحاب منى شاكر" الى غوض غمار مفهوم جديد هو الحريم السياسي، والذي سنخصص له الحلقة القادمة اي السادسة.

لطيفة زهرة المخلوفي -




1630530860936.png


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى