لطيفة زهرة المخلوفي - الحريم في كتابات فاطمة المرنيسي.. الحلقة السادسة

الحلقة السادسة.


تعرفنا في الحلقات السابقة على الحريم الاقتصادي، الحريم العائلي والحريم والحريم الجنسي، وهي تحديدات وضعتها النسوية رحاب منى شاكر من خلال تعقبها لاثر الحريم في كتابات السوسيولوجية المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي.
سنتوقف في هذه الحلقة عند مفهوم الحريم السياسي، من خلال استدعاء كتاب "سلطانات المنسيات" الصادر سنة 1990.
سعت الكاتبة الى فتح كوة ضوء للتعرف على النساء اللواتي وصلن لسدة الحكم في التاريخ الإسلامي. وفي معرض بحثها، تطرقت إلى مفهوم مهم من الناحية السياسية وهو الخلافة. وتطلعنا رحاب منى شاكر على تحيز معجم لسان العرب في أمور توزيع السلطة السياسية، فكلمة "خليفة" لا تصلح إلا للمذكر، ولا يمكن تأنيثها لغويا.
وتتبع المرنيسي ابن خلدون الذي ميز بين الخلافة من ناحية، والمُلك أو السلطان من ناحية أخرى. فالمَلِك ينشغل بإدارة مصالح الرعية على الأرض فقط، بينما يأخذ الخليفة الدنيا والآخرة على عاتقه. يحل الخليفة محل الأنبياء، ولكن تنقصه حرية الملك الطاغية، لأنه مرتبط بالشريعة التي لا يستطيع تغييرها. هذا الفرق بين الخلافة والمُلك مهم، لأن النساء القليلات اللواتي حكمن في التاريخ الإسلامي لا يستطعن ادعاء ما يتجاوز السلطة الأرضية، فلا يمكن لأي كانت بلوغ مرتبة الخلافة، فهي ابتكار محجوز للعرب والذكور فقط. ورغم أنه حصل كثيرا أن تحدى أعجمي هذه المعادلة وأطلق على نفسه لقب الخليفة، كما حصل إبان الخلافة العثمانية مثلا، إلا أنه لا توجد امرأة على مر التاريخ تحدت ذلك التقليد العنصري.
كما أشارت "رحاب منى شاكر" لملاحظة المرنيسي أن الشخصيات النسائية التي فازت بالإدارة الدنيوية للبلاد لم تتمكن من ذلك إلا بعد تزعزُع مركزية الخلافة الإسلامية وتبعثُر السلطان على ولايات. ومع ذلك، كان الخليفة يمتنع في غالب الأحيان عن المباركة الروحية لمنصب المرأة الجديد، فتبقى ضعيفة وتستقوي عليها الولايات المجاورة، كما حصل على سبيل المثال مع "شجرة الدر" في مصر. لذلك كانت المولعات بالسياسة والسلطة يحتجن غالبا إلى سند أب أو ابن محب أو عشيق ولهان بمرتبة خليفة/رئيس دولة، ولذلك أيضا لم يكن يوفرن الحيلة ولا الأساليب الذكورية في الحصول على المناصب (كالحرب والقتل). كن يقمن بكل ذلك انطلاقا من موقعهن في الحريم، لأنهن يعين أهمية الحفاظ على الخط الفاصل بين المجالين العام والخاص. فطالما اضطررن لمواجهة جماعات تريد أن تلحق الأذى بمصالحهنّ باسم الروحانية والدين.
وتورد "رحاب منى شاكر" استنتاجات المرنيسي لتؤكد على أن الجنس والسياسية مرتبطان تماما، بحيث يستحيل تمييز أحدهما عن الآخر، ولا سيما في الثقافة الإسلامية التي ترمز فيها علاقات الرجال بالنساء لعلاقة سلطة المجتمعات التي حددت هوية الرجل ورجولته بقدرته على تحجيب المرأة ومراقبتها.
ومن اللافت أن السلطانات الإسلاميات اللواتي أُذيعت أسماؤهن في خطب المساجد وسُكت النقود على شرفهن أثناء حياتهن، كن دائما مسلمات من أصول غير عربية. هل يدل ذلك يا ترى على أن التقاء الإسلامي بالعربي يزيد من التسلط الذكوري؟ وكيف يحصل ذلك؟ في معرض بحثها عن جواب، تتفاجأ المرنيسي بالعثور على عدد من الملكات العربيات اللواتي نسيهن التاريخ تماما، لا أحد يأتي على ذكرهن، حتى صارت قصصهن تبدو خرافية كما لو أنها قادمة من ألف ليلة وليلة. وهنا نصل إلى أحد أخطر أسلحة الحريم: حجاب النسيان ! نسيان تاريخ جميع النساء، ومن بينهن الملكات، ونسيان مشاركتهن في صنع التاريخ والحياة ودفنها في اللاشعور.
تؤكد المرنيسي على فك حصار هذا الحريم من خلال النبش في المكتبات، وبالأخص كتب الذين عرف عنهم أنهم عارضوا السلطة، لأنهم سيكونون ميالين لالتقاط الأصوات المهمشة والمعارضة أكثر من غيرهم. كما تؤكد على أهمية قيام النساء بهذا العمل بأنفسهن، لأن أهم العلماء الذكور أثبتوا عن جدارة أنهم سوف يتناسون، فينسون النساء.
كما تتساءل المرنيسي ما إذا كان مشاركة المرأة السياسية قد تحسنت في العصور الحديثة، وتجيب أنه رغم قبول بعض البلدان الإسلامية اللعبة الديمقراطية شكليا، إلا أن ميادين السياسة ما زالت حكرا على الرجال حتى الآن، بل هي أشبه بـ "مقصورات الحريم"، كلها جنس واحد. جنس واحد يفكر ويجهد نفسه لتنظيم مسألة الجنس الآخر في غيابه. وهذا لأننا ما زلنا مجبرين ضمنيا على العمل على مسرح مزدوج، فإلى جانب المسرح الخليفي التقليدي الذي يتميز به الشعب بالسلبية، ينتشر منذ نهاية الاستعمار والوصول إلى الاستقلال مسرح ثان، المسرح البرلماني، حيث يمنح الشعب فيه عقلا ويتمتع بكل الحقوق بما في ذلك حقه بتعيين رئيس الدولة الأعلى، الأمر الذي يمكن أن يوصل إلى مزاعم مضللة كانتخاب امرأة. ما زلنا نتأرجح بين هذين المسرحين المتعارضين، وغير قادرين على حسم أمورنا، فتستنفد طاقاتنا في ذلك الرقص المعتوه.

1630776653158.png





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى