كرة القدم د. زياد العوف - العرب والمونديال

ليس لمثلي- بالتأكيد- أنْ يخوض في مثل هذه الأمور ؛ فقد بُعُد العهد بيني وبين كرة القدم منذ أمد بعيد.
نعم ، لقد مارست هذه الرياضة الشعبية المحبّبة طفلاً ومراهقاً مع أقراني من أبناء الحيّ كغيري من أبناء جيلي تحقيقاً للذات ، وتصريفاً للطّاقة، وتزجية لأوقات الفراغ بما يُدخل السرور على النفس ، ويجدّد فيها النشاط، ويعين على مشاقّ الدّرس والتحصيل العلميّ.
ومازالت أصداء صوت المغفور له المعلّق الرياضي الشهير( عدنان بوظو) وهو يعلّق على المباريات المنقولة عبر الإذاعة أولاً ، ثمّ التلفزيون لاحقاً ،تتردّد في مسمعي شجيّة عذبة وكأنّها لحن موسيقيّ جميل يصف ، بل يجسّد، بكلّ الكفاءة والإخلاص والتفاني والحماس أدقّ التفاصيل الفنية والإنسانية لهذه اللقاءات الرياضية الكرويّة.
عادت هذه الذكريات الجميلة إلى نفسي وأنا أتابع بقلق وحزن وغضب ، ليس النتائج السيّئة للفرق العربية المشاركة في هذه البطولة العالمية، فهذا شأن الرياضة دائماً ؛ إذ إنّها تحتمل الربح والخسارة. وإذا كان ثمّة تقصير فنّي رياضي- وهو حاصل بكلّ تأكيد- فهذا شأن القائمين على الرياضة والمسؤولين عنها في دولنا العربية المعنيّة.
ما لفت نظري ، واستقطب اهتمامي إنّما هو ردود أفعال جمهور الرياضة العربي ، كما تجلّى على صفحات التواصل الاجتماعي.
إنّني أتفهّم - بالطبع- مشاعر الإحباط والغضب التي انتابت هذا الجمهور بسبب نتائج الفرق العربية السيئة، بل والمهينة حيناً، لكنّني عاجز تماماً عن فهم هذا الدرك الأسفل الذي انحطّتْ إليه كثير من التعليقات والمهاترات والمشاحنات، بل لقد تردّى الحال لدى بعضهم إلى السّبّ والشتم وإظهار الشماتة الفظّة بخسارة هذا الفريق أو ذاك.
وهذا يستدعي منّا جميعاً وقفة فاحصة متأنية أمام هذا الواقع المهين الذي آلتْ إليه الأمور في هذا العالم العربي المتردّي ، ليس في المجال الرياضيّ فحسب ، بل في شتّى المجالات دون استثناء يُذكَر.
من الواضح أنّ مشكلتنا الحضارية أخلاقية سلوكية في جوهرها.
لقد بات لزاماً علينا- نحن العربَ- جميعاً أنْ نقوم بمراجعة عميقة وصادقة مع النفس ، نقف فيها عراة تماماً أمام المرآة لتوصيف أحوالنا،
وبيان أدوائنا، طمعاً في الوصول إلى دوائنا الشافي من هذه العلل والأسقام التي مافتئتْ تنخر في جسد الأمّة منذ أمد بعيد.
إنّ محاكاة النّعام بدفن الرؤوس في الرمال لن يغيّر من واقعنا المريض في شيء.
ولعلّه من المفارقات الغريبة أنّ هذا المظهر الأخلاقي من التّخلّف الحضاري الذي أشرت إليه قد أتى في أعقاب شهر رمضان المبارك ، ومتزامناً مع حلول عيد الفطر المبارك بما يتناقض تماماً مع القِيَم والمبادئ السامية لهاتين المناسبتين العظيمتين !؟
لنستذكر معاً أنّ جوهر الرسالات السماوية الخالدة- وفي طليعتها الإسلام- بل جوهر القيم الإنسانية النبيلة جميعها، إنّما يكمن في السمو بأخلاق الإنسان والارتقاء بالفضائل النفسية والسلوكية لديه ، سعياً نحو بناء المجتمع الإنساني الآمن المتحضّر السعيد.
أَوَلم يحدّد الرسول الكريم هذه الغاية النبيلة السامية بقوله:" إنّما بُعِثْتُ لأتمّم مكارم الأخلاق" ؟
بل إنّ الله -جلّ شأنه -عندما أراد أن يثني على نبيّه الكريم قد اختار هذه الفضائل الخلقية دون سواها، حيث يقول" وإنّك لعلى خلق عظيم"
ما أحرانا جميعاً أن نضع هذه المعاني العظيمة نُصْبَ أعيننا ونحن نباشر شؤون حياتنا جميعها ، المادية منها والمعنوية، لعلنا بذلك نعود إلى جادة الصواب مستشرفين آفاق مستقبلنا المشرق بين الأمم الراقية المتحضّرة.

دكتور زياد العوف


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى