حاتم السيد مصيلحي - هداية الحيارى من ضلالة البرايا

ظل الخوف من الناس ومن كلامهم هو الرادع الأول عن الوقوع في الخطأ، فتلوكهم الأفواه، وتفضحهم الأسمار، وتلاحقهم النظرات في الغدو والآصال، فترتعد فرائسهم، ويفرون منهم فرار الفريسة من قانصيها، يهيمون على وجوهم دون تحديد اتجاه يضمن لهم النجاة.. وشريعتهم في ذلك العرف والعادات، إذا أخطأ فيهم الشريف آزروه ونصروه وعضدوه، وإذا أخطأ فيهم الوضيع الفقير آذوه وقوموه بسيوفهم وعلى المقصلة علقوه، ولو أنهم خافوا الله، لهابهم الناس وتركوهم يختارون طريقهم إليه، فتتعلق بهم النظرات بانكسار لايدركون معه منتهاه محكمين شرع الله ومنهجه، فتعتدل به كفتا الميزان، لا فضل فيه وبه بين غني وفقير أو شريف ووضيع.
فبتعاقب العصور، وتغيير عادات الناس وأعرافها، وتبدل الأحوال والولايات، شرعت الدساتير بما تحمله من مواد وقوانين تنظم حياة الناس وفق الواقع المعيش آخذين شريعة المعتقد جسرا للتواصل والعبور إليها حاضرا في بعضها يُسكت الألسن، وتغييبا لبعضها الآخر تغافلا متعمدا مع سبق الإصرار والترصد لصعوبة التطبيق أواستحالته مع دروب السياسة ومسائلها،وتعدد القضايا وتشعبها، ولحن الحجج وثبوتهاعلى حساب الحقوق ومنطقها، فصار للناس شرعان:
أولهما: مايضعه الناس وفق مصالحهم وحاجاتهم، وإليه يحتكمون، وبه يفصلون في قضاياهم وخصوماتهم.
وآخرهما: ماأنزله الله من فوق سبع سماوات، وأرسل به أنبياءه وأصفياءه المرسلين، وهو لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من احتكم إليه فاز وهدى، ومن ضل عنه خسر وغوى.

فينشــــــــأ ناشئ الفتيان بين حيرتين، وبين قبلتين لا يدري إلى أيهما يول وجهه، أإلى الأولى فينجو من عواقب الخطأ وزلاته، ويعش بين الناس مصانا لا يقع في مرمى نيرانهم؟! أم إلى الآخر: فيصير بين الناس منبوذا محبوبا، قلوبهم معه وسيوفهم عليه؟!
وللخروج من هذا المأزق المحير، علينا أن نتصالح مع أنفسنا، وأن نحتكم إلى كلمة سواء مفادها قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 64].
فالحق أبلج، والباطل أدلج

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى