عصري فياض - عندما نرثي من نحب...

فقط نتحرر من حبائل علاقتنا بمجاملات الحياة،ونذهب إلى عصب الوجدان والمواقف الإنسانية التلقائية،نستقى منها معادن ألراحلين ونقرأ مواقفهم وتصرفاتهم البريئة التي تثير النفس وتقلع باللسان لضرب أركان الفم الأربعة مقطعا حروف الرحمة، نقلبها على حرارة حزننا حتى تشوى وتنكمش على سطور من الصفاء والصدق، نغسل ايدنيا من الدنيا ونهجر بعض ابتساماتها الصفراء،فهي لن تعطينا الحقيقة، لان الحقيقة ليست كلمات فقط بل أحاسيس، والأحاسيس والمشاعر الصادقة من هول الغرق في الماديات أضحت ثمارا عالية المنال، لاتطالها إلا يد الزارعين...
عندما نرثي من نحب... نخلع الكثير من المعاطف، ونبقى مع دفء الروح، فليس اشد ألما على إنسانية الإنسان من دمعة صماء "بلاستيكية"، فالرثاء حالة رفيعة من ارتداد صدى فاجعة بشخص عزيز، وتعبير أصيل صادق عن المشاعر نحوه، ونحو مصابه، ونحو الملتاعين برحليه....
عندما نرثي من نحب، نبحث عنه في ارشيف الأكثر لمعانا، وألاكثر صدقا ، والأقرب وجدانا،فقد يكون صاحب الموقف هذا لديه صوره.. صادقة وحقيقية ... لكنه أوغر في الحياة ،فنازعت بهارجها ومسمياتها في نفسه ما لون تلك الصور وتلك البراءة، فأصبح مذاق المواقف الماضية عنده حروف وصور باهتة الطعم والألوان...
عندما نرثي من نحب، نحب أن تكون المسافة بيننا وبين المرآة صفرا، والمسافة بين نياط القلب ولسان اليراع معدومة..
فالرثاء كما الحب،كلاهما ينبتان من القلب، رغم اختلاف ألوانهما ومذاقهما، إلا أنهما لا يعيشان إلا فيه، ولا يرتويان إلا من زلال الروح وتجليات الفؤاد..ولا يكتحلان إلا برذاذ ندى العيون الحزينة ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى