مجدي جعفر - قراءة في رواية "قنص الأفاعي" للكاتب هيثم القليوبي

( 1 )

منذ أن حصل كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988م، دخلت الرواية دائرة اهتمام القارئ والكاتب العربي، واجتذبت شباب الكُتّاب، حتى بعض الشعراء المتحققين على الساحة، انصرفوا عن الشعر، وكتبوا الرواية، فأجادوا، بل أضافوا إليها فنيا وموضوعيا، وهذا الحضور الطاغي للرواية والاهتمام الكبير بها من قبل الناشرين والنقاد والمترجمين، جعل أحد النقاد الكبار يطلق صيحة أننا في زمن الرواية، وجعل البعض يقول بأن الرواية ديوان العرب، ونحن لا نناقش هذا الكلام، ولكنه يشير بطريقة أو بأخرى إلى ذيوع وانتشار فن الرواية في الحقب الأخيرة التي تلت فوز نجيب محفوظ بها، وربما من أهم أسباب ذيوعها وانتشارها، هو مرونتها، وقدرتها على استيعاب هموم ومشاكل العصر، واقترابها الحميم من اليومي والمُعاش، فهي تقدم لنا الحياة بتفاصيلها ومنمناتها الصغيرة، بل استيعابها واستفادتها من الفنون الأخرى، مثل التاريخ والفلسفة وعلم النفس والعمارة والرسم والنحت والشعر، وحتى العلوم العلمية يمكنها امتصاصها دون أن تتحول أو يضطرب تكوينها، والبناء الخاص بها، تمتص كل العلوم والفنون والآداب ولمرونتها تحافظ على خصائصها وطبيعتها.

وهيثم القليوبي الذي كتب الشعر، وصدر له ديوان بعنوان " رحال "،

اجتذبته الرواية، وفي روايته الأولى، وباكورة انتاجه السردي " قنص الأفاعي " يقدم لنا نصا روائيا قادر على محاورة الواقع وإثارة الأسئلة.

والأفاعي هم أصحاب الفكر الظلامي، من الجماعات المتطرفة، وقد أُبتليت بهم مصر، والعالم كله، من " طالبان " في أفغانستان إلى " بوكو حرام " في نيجيريا، مرورا بكل دول العالم وبالأخص منها العالمين العربي والإسلامي ودول الشرق الأوسط عموما.

ومن يتصدى لهؤلاء الأفاعي بالقنص هم رجال الأمن، ومن خلال العنوان يبدو الصراع جليا، بين أفكار وإرادات، وقد أدار الكاتب الصراع بين الفريقين، رجال الأمن وأصحاب الأفكارالمتطرفة بحنكة ومهارة.

والكاتب يستهل روايته بالحدث، حدث إرهابي بشع، راح ضحيته عشرات الأطفال في مدرسة " الليسيه " بالمعادي، ومن ضحاياه الطفلة خلود، البريئة والجميلة، وحيدة صبري علم الدين وأمها ياسمين، وبموت خلود يتزلزل كيان صبري علم الدين، ونتفاجأ به بأنه يسعى ليسلم نفسه للأمن ليرشد رجال الشرطة إلى الجناة، فهو نفسه من دبر وخطط لهذه العملية، ولكن المنفذين غيروا في الخطة التي رسمها لهم، وبدلا من استهداف البنك المجاور، استهدفوا المدرسة، للإيقاع بأكبر قدر من الضحايا!!.

..........

..........

( 2 )​

حاول الكاتب أن يرصد الأسباب والدواعي التي جعلت بعض شبابنا، يقعوا فرائس سهلة في شباك هذه الجماعات، ومن أهم الأسباب التي رصدها :

أ – الفقر والتفاوت الطبقي.

ب – الإستبداد السياسي.

ج – التفسخ الأسري والأخلاقي.



( أ )

اختار الكاتب شخصية صبري علم الدين ليمثل شريحة كبيرة من المجتمع المصري، الذين يعانون في سبيل الحصول على لقمة العيش، ويسعون لمواصلة الحياة بجد واجتهاد، ومحاولة تجاوز واقعهم الردي، ولا سبيل أمامهم إلا التعليم، الذي يفتح لهم أبواب الإنسلاخ من هذه الطبقة المعدمة، والولوج إلى الطبقة الأعلى، فالأعلى ..

يقول صبري علم الدين في التحقيقات ساردا شذرات من حياته :

" نشأت في أسرة فقيرة بحي الحسين، أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أولاد، الأب لا يملك من الدنيا إلا ورشة نجارة صغيرة بمنزله المتواضع بحارة البدري بحي الحسين خلف المسجد "

ويعاني رب الأسرة من عُسر الحال وقلة ذات اليد، ولكنه يغرس في أولاده أشجار الأمل في غد أكثر اشراقا، ويعزز من إرادتهم للتغلب على قسوة الواقع، والتحق شقيق صبري الأكبر بكلية الطب، وتفوق صبري هو الآخر ويلتحق بكلية الهندسة، وبموت الأب تسود الحياة في وجوههم، وتصبح أكثر قتامة، ولكن الأم العظيمة تشمر عن ساعديها، وتصر على مواصلة إكمال حلم الأب في أولاده، بمواصلة التعليم، فخرجت إلى الشارع تبيع وتشتري في رحاب مسجد الحسين، لتكفيهم مذلة السؤال، وتفوق في كلية الهندسة قسم الأجهزة الطبية، وأحب ياسمين ابنة أحد أساتذة الكلية، وبادلته الحب بحب والهوى بهوى، ولكن والدها يرفض زواجه منها لأنه فقير ومن أسرة متواضعة، فانكسر قلبه، وقرر السفر إلى إنجلترا لإستكمال دراسته، والحصول على الدكتوراه، والهروب من حبه المجهض ومن فقره، وأدرك صبري علم الدين أن التعليم وحده غير كاف لتقريب الهوة بين الطبقات، وأن الحب هو الآخر عاجز عن اختصار المسافة بين الطبقتين، واستقر في داخله، بأن المال وحده هو القادر على تضييق المسافات وتذويب الهوة، فصار المال هدفه ومبتغاه، يقول :

" سافرت وأقسمت بكل عزيز وغال أن اشتري المال بالمال، الحب بالمال، ان أبيع كل شيء، وأشتري المال وحده ".

وفي غضون سنوات قليلة حصل على الدكتورة وأظهر نبوغا وتفوقا جعل المستشفيات الكبرى والأكاديميات العلمية والبحثية في لندن تسعى إليه، للتعاقد معه براتب مجز، وحقق شهرة واسعه، وجنى مالا وفيرا.

والصدفة وحدها ساقته إلى كمال الفرماوي، مصري، يعاني من أزمة صحية خطيره، بعد تعرضه لذبحة صدرية، وبذل معه جهدا كبيرا في تركيب جهاز تنفس صناعي له ذي مواصفات خاصة، وصارا اصدقاء، وتم الاتفاق بينهما على العودة إلى مصر وإنشاء مصنع للأجهزة الطبية بها.

وبعد العودة إلى الوطن يكتشف صبري علم الدين الوجه الآخر لكمال الفرماوي، فهو أحد المتعاونين مع الجماعات الظلامية، ومن الذين يتعاملون معها، ويمدونها بالمال والسلاح والمفرقعات، وعرف الفرماوي كيف يجند صبري علم الدين، من خلال نقطة ضعفه، وهي هوسه بالمال، يقول صبري علم الدين للمحقق :

" ظل كمال الفرماوي يحدثني عن نصرة دين الله وإقامة دولة الخلافة حتى نجح في زعزعة إيماني وتحويل فكري لمبدأ ( نفعني واستنفع ) وانضممت للجماعة، من أجل المال وحده ".

وترقى صبري في الجماعة بسرعة الصاروخ :

" انخرطت في الجماعة وأصبحت المسؤول المالي، ورويدا رويدا تعلقت في الفكر الفاسد حتى أصبحت أميرا للجماعة لقطاع القاهرة ومحافظات بحري والصعيد، حققت ما كنت أرنو إليه من مال وشهرة ونفوذ أكثر مما كنت أتوقع، معتقدا أني أخدم دين الله كما يدّعون، كيف وأنا لم أركع أو أسجد لله سجدة واحدة طيلة حياتي؟! ".

وصبري علم الدين بعد أن امتلك المال والشهرة والنفوذ تاق قلبه إلى ياسمين، حبه القديم والوحيد، وبعد أن تحرى وسأل عنها، عرف أنها ارتبطت بزميل لها بالكلية، وبعد موت والدها، انفصلت عنه وتعيش بمفردها، فحلق إليها، وطرق الباب، لتتعانق العيون وتنبض القلوب فرحا، ويتزوجا، وينجب منها خلود.

وظل عمل صبري علم الدين مع الجماعة خافيا على ياسمين، ولم تكتشف حقيقته إلا في المحكمة، وهو يُحاكم كمخطط ومُدبر لعملية قتل أطفال مدرسة " الليسيه " بالمعادي، وكانت ابنتهما خلود من ضحايا العملية الخسيسة.

( ب )

جلال منصورالطالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، يؤرقه سيطرة الحزب الوطني على الحياة السياسية، فأفسدها، وهذا الحزب في رأيه من أسباب تأخر البلاد، ويتم تزوير الانتخابات لصالح مرشحيه، الذين يقدمون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وعزفت الناس عن الانتخابات، يئسا من التغيير، وانحاز جلال منصور إلى والد صديقه أحمد الذي ترشح في الدائرة متحديا مرشح الحزب الوطني، فعادل شومان صاحب سمعة طيبة، ومُحبا للناس، وقادر على تلبية احتياجات الدائرة ومطالب الناس المشروعة، ويرى جلال أن الحزب الوطني نجح في صرف الناس عن الانتخابات وعزلهم عن الحياة السياسية، وخروج الناس للإدلاء بأصواتهم، وبكثافة تربك الحزب، ولكي تخرج الناس، قال جلال المتحمس لشومان : " يعني علشان نحقق النجاح دا لابد من وجود قضية وهدف، ويا حبذا لو قدرنا نزرع مفهوم التغيير في نفوس أهل الدائرة وخاصة الشباب، وشحذنا هممهم، وخلينا القضية فضيتهم وهدفهم، هم اللي هيسعوا لإنجاحه بشتى الطرق، لأنهم متعطشين لإثبات الذات وكمان لو قدرنا نحقق المعادلة الصعبة بإننا نخلي عمي عادل شومان هو رمز التغيير دا، وإنه وحده القادر على جعل الحلم حقيقة ".

ونجح جلال منصور طالب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جمع شباب البلد والبلاد المجاورو حول عادل شومان، وأحيا فيهم الأمل في قدرتهم على تغيير هذا الواقع السياسي الذي يحتكره الحزب الوطني، وللأسف يتم تزوير النتيجة لصالح مرشح الحزب الوطني، فينتفض جلال منصور، ويقود الشباب في مظاهرات عارمة، وصلت لحرق قسم الشرطة وقطع الطرق، ونجح الأمن في السيطرة على المدينة، وتم عزلها، وتحولت إلى مدينة أشباح، وفُرض حظر التجوال.

ووجد جلال نفسه في دوامة البوليس والنيابة، والتهم الجاهزة في مثل هذه الأحوال، والحكم النهائي البات بخمس سنوات، قضاها الشاب في ظلمات السجن، وفي السجن يلتقي بالسيد الراوي المنتمي إلى جماعة جهادية، تكفر المجتمع، واحتضنه الراوي، وخفف عنه من همومه، ويخرج الراوي من السجن بعد قضاء عقوبته، وبعده بأشهر قليلة يخرج جلال، ويشعر بالخواء بفقده لأمه، وانصراف الناس من حوله، فيذهب إلى السيد الراوي، ليوفر له السكن، والعمل معه في تجارة العطور، ونجح السيد الراوي أن يضمه إلى جماعة الجهاد والتكفير، وأوكلوا إليه عمليات عديدة، وكانت آخر هذه العمليات، عملية المعادي، التي قتلوا فيها أطفال مدرسة " الليسيه ".

( ج )

رجب الراوي الذي يعاني منذ طفولته من توتر علاقته بوالده السيد الراوي، الذي يعيش لأفكاره فقط، ويقدم الجماعة التي ينتمي إليها على أسرته، ورجب كان يرفض أفكار والده التي تكفر المجتمع وتدعو إلى تغييره بالقوة، ونصرة دين الله، وعودة دولة الخلافة، ولجأ السيد الراوي إلى كل الحيل الشيطانية لإجبار ولده رجب على السير على خُطاه، والانخراط في جماعته الجهادية والتكفرية، ونجح في ذلك، ويقول رجب الراوي في التحقيقات عن حياته الأولى :

" من صغر سني وأنا مترف، كل شيء مُجاب وفي متناولي، كل شيء إلا حنان الأب، كان بعيد المنال، فأبي قاسي القلب فظ، لا يعطف علينا ولا يبالي بأمرنا، حتى في الموت لم يبال بأمرنا .. كان يعيش لنفسه ولأفكاره الهدامة المتشددة، حتى أمي عانت منه ومن مرارة تفكيره الظلامي، فأبعدتنا عنه مد البصر، كل هذا أوجد فراغا بيني وبينه، وكبر بداخلي شعور مخيف نحوه، حتى الشعور الأبوي الذي يربطني به مات بموت شقيقتي شيرين، ماتت أختي ولم يعرها أي اهتمام ".

ويواصل سرد محطات من حياته للمحقق :

" اشتد عودي وحصلت على ليسانس الحقوق، وعزمت على تحقيق ذاتي بعيدا عنه، حصلت على ليسانس الحقوق بتفوق وتقدمت لوظيفة وكيل نيابة واجتزت كل الاختبارات بتفوق، لكن تم استبعادي .. "

طبعا تم استبعاده لأسباب أمنية، فوالده منتم لجماعة جهادية تكفيرية، ولكنه لم ييأس، وتقدم للعمل في شركة الروضة التي يمتلكها كمال الفرماوي وصبري علم الدين، وهو لا يعلم شيئا عن الأدوار القذرة التي تلعبها الشركة في الخفاء مع تلك الجماعة وغيرها، وتم الحاقه بإدارة الشئون القانونية بالشركة، واجتهد في عمله، وواصل نجاحاته حتى اعتلى أعلى منصب قانوني بها، وساهم في فتح أفرع عديدة للشركة خارج مصر، وساهم أيضا في ارتفاع أسهم الشركة في البورصة إلى ما يزيد عن الخمسين بالمائة، ولكنه لم يهنأ بهذا النجاح، فتم اختلاس مبلغ مالي كبير من عهدة الإدارة القانونية التي يرأسها، وحامت حوله الشبهات، ولم يستطع أن يثبت براءته في التحقيقات، فتم حبسه لأربعة أيام على ذمة التحقيقات، وفي الحبس اسودت الدنيا في وجهه، وفقد توازنه، ليتفاجأ وهو يعاني من بلبال في رأسه بوالده السيد الراوي، ليأخذه في حضنه، ويعتذر له، فهو لم يعلم بمصيبته إلا من محام صديق، فتدخل السيد الراوي لدي المسئولين بالشركة، وانهى الأمر معهم، وكان كالغريق الذي يتعلق بقشة، فركب مع والده السيارة الفارهة، وذهب به إلى سيناء.

ويقول رجب للمحقق :

" ركبت معه السيارة، ثم اتجهنا إلى مكان بعيد وسط الجبال، أدركت فيما بعد أنه معسكر لتدريب الأخوة على حمل السلاح والقتال بوسط سيناء، مكان به كل مقومات الحياة، استهوتني هذه الحياة البكر، وبدأت أفكر في خوض غمارها .. "

ونجح والده السيد الراوي في تجنيده، ومر عليه العام في سيناء ..

" مر عام وأنا لا أشعر بغير السعادة والحب، نتعلم وندرس كتب أقطاب الجهاد والاشتراك في العمليات الجهادية ومحاربة الطواغيت .. "

وبعد العام تم تسفيرهم إلى غزة ..

" هناك هيدربوكم على صنع المتفجرات والقنابل وتفخيخ السيارات وكافة التفاصيل الفنية الصغيرة .. "

وفي غزة .. " تعرفنا على خيري حامد وكونا أنا وخيري وجلال مجموعة نوعية. سادها الحب والتفاهم والتناغم وبدأنا في تنفيذ العمليات الجهادية الواحدة تلو الأخرى، وآخرها العملية التي أودت بحياة الأطفال بحي المعادي.

( د )

خيري حامد الذي ماتت أمه بسبب ماس كهربائي، فانقلبت حياتهم رأسا على عقب، ويحاول اقناع والده بضرورة الزواج بعد أن رأى مشقته في تدبير شئون البيت من كنس وغسل وطهي وخلافه، فضلا عن قضاء معظم النهار في عمله خارج البيت، واستعان بعمته في اقناعه بالزواج.

وتزوج من هدى، شابة ريفية، واستقرت الحياة في البيت، وأدخلت السعادة على خيري ووالده، ولكنها لم تدم طويلا، فهدى قد أحبت الولد خيري، وهامت به عشقا، وراودته عن نفسه، فأبى واستعصم، ودبرت له المكيده، ليطرده والده من البيت شر طرده، ولم يجد له ملجأ غير عمته هانم، فامتحاناته في نهاية بكالوريوس الصيدلة على الأبواب، احتضنته عمته حتى أنتهت امتحاتاته، ونجح بتفوق، وحاولت العمة رأب الصدع بينه وبين والده وزوجته، ولم الشمل، فاعتذر الأب له واعتذرت زوجة الأب له ووعدته أن تكون له أختا، وذهب إلى البيت وفي قلبه غصة.

وعمل خيري في صيدلية الدكتور علي القرشي، وعند عودته إلى المنزل في غير الوقت المعتاد، أحس بريبة، وبأصوات هامسة، وتفاجأ بزوجة أبيه تمارس الحب على سرير والده مع شخص غريب، فاقتحم عليهما الغرفة، وظل يضربهما وهما عرايا، حتى ماتا، فولى هاربا من المنزل إلى الدكتور على القرشي في الصيدلية، الذي راح يخفف من روعه، وطمأنه ..

وأثنى عليه الدكتور القرشي قائلا :

" - أنت بتنفذ شرع ربنا وعملت الصواب يا خيري، ولازم تهرب وإلا هيكون الإعدام مصيرك.

- أهرب على فين؟.

- ما تقلقش هدبر لك الأمر وهابعتك لأصدقائي في سيناء."

وهرب خيري إلى جبال سيناء الوعرة، وانضم لجماعة الجهاد والتكفير.

ومات خيري بعد أن أدلى بأقواله، ولم تفلح محاولات الأطباء في انقاذه بعد نقله إلى المستشفى.

..............

.............

( 3 )

( أ )

1 - رسم الشخصيات :

لم يهتم الكاتب برسم شخصياته من الخارج، ولكنه اهتم اهتماما بالغا برسمها من الداخل، ونقل أحاسيسها، وأفكارها، وصراعاتها المشتجرة بداخلها، وعني أيضا بحركة شخصياته في المجتمع ومدى تأثيرها وتأثرها إيجابا وسلبا.

.......

2 – شخصيات رجال الأمن ( الشرطة المصرية ) :

قدم الكاتب لرجال الأمن أكثر من صورة :

أ – الصورة النمطية، وهي الصورة الذهنية المعروفة عند الأغلبية من الشعب المصري، صورة الضابط وجنوده الذين يذهبون للقبض على متهم، ويستخدمون العنف غير المبرر أحيانا مع المتهم وأسرته، بل ينشرون الرعب والفزع في الشارع كله، وعند القبض على جلال منصور لم يكن تهديد الضابط ووعيده للسيدة صابره والدة جلال له مايبرره، ودفعه لها وضربها وإهانتها من الأفعال المستهجنة بكل تأكيد، ولكن للأسف هذا ماحدث، حتى جلال الذي نزل إليهم ليستفسر عن سبب تواجدهم، لم يمهلوه ليتم حديثه، واستقبلوه بالركل، وقاموا بتكتيفه كما يفعل الجزار عند ذبح بقرته أو جاموسته.

وأشار أيضا إلى صورة رجال الشرطة، ودورهم في تزييف إرادة الجماهير لصالح الحزب الوطني، وهذا ماجرى في الانتخابات التى ترشح فيها أحد المرشحين، والتفت الجماهير من حوله، ولأول مرة تخرج الجماهير عن بكرة أبيها لتدلي بأصواتها للمرشح المنافس لمرشح الحزب، ولكن الشرطة انحازت لمرشح الحزب، وذهبت أصوات الناس مع الريح.

والكاتب أعطى مساحة قليلة من الرواية لهؤلاء، وأفرد مساحة واسعة لرجل الشرطة المثال والنموذج، احتلت ما يقرب من نصف مساحة الرواية، فقدم لنا لهم الصورة الناصعة غير النمطية والتي يجب أن تسود وتحل محل الصورة السابقة.

ب – الصورة غير النمطية : وهذه الصورة جسدها الكاتب في شخصيات اللواء مدير الأمن عبده الكردي، والعقيد ياسر الشرقاوي، والعقيد سعيد الصناديلي، والعقيد بسام والرائد سامح، الذين تصدوا للإرهابيين الذين قاموا بعملية قتل أطفال المعادي، وأطلقوا على العملية التي قاموا بها " قنص الأفاعي "، وأهم ما تميزوا به :

1 – لم تمتد أيدي أي منهم بالصفع على وجه أي متهم، ولم تمتد رجل أي منهم لركله، ولم يفه أي ضابط بأي لفظ خارج مع الجناة أثناء الاستجوابات والتحقيقات، وهي الصورة التي يجب أن تسود، وتمحو الصورة الذهنية التي تكونت في أذهان الناس بسبب بعض الممارسات للشرطة في أزمنة سابقة.

2 – التخطيط الجيد لعملية " قنص الأفاعي "، ومعرفة كل بدوره، وتنفيذه بمهارة ( سرعة في الأداء ودقة في التنفيذ ).

3 – اللمسات الإنسانية التي ظهرت من كبار الضباط في التعامل مع هؤلاء الجناة، والنظر إليهم معظم الوقت على أنهم ضحايا أكثر منهم جناة.

4 – الفهم العميق لأفكار الجماعات الجهادية التكفيرية الإرهابية ودراستها، والفهم العميق أيضا لصحيح الدين الإسلامي ( الدين الوسطي )، ومجابهتهم لهؤلاء الجناة فكريا وأمنيا، وقدرتهم على محاورتهم وإقناعهم.

5 – التوجيه من مدير الأمن بضرورة دراسة ظاهرة أهل العلم الذين انخرطوا في هذه العملية.

" لكن في شيء محيرني! إن معظم هذه الأسماء من أهل العلم، يعني في حاجة غلط ولازم ندرسها كويس، وما نحطش راسنا في التراب لو إحنا جادين وعازمين على مجابهة هذا الفكر الظلامي والقضاء عليه "

6 – دراسة هذه الشخصيات دراسة وافية وواعية من قبل رجال الأمن، وقدرتهم الفذة على محاورتهم، بأسلوب يجعلهم يواجهون أنفسهم، ويضعونهم في مراجعات مع أنفسهم وأفكارهم، بعيدا عن الشعارات والإنشاء الأجوف، وإظهار قدر من التعاطف معهم، وأنهم قد يكونوا ضحايا، فتتغير حوارتهم مع أنفسهم :

" إحنا هنا علشان كنا ضعفاء وجبناء، وما حاولناش نواجه واقعنا أو مشاكلنا، هربنا من مُر إلى أمر ... كل واحد فينا ما حاولش يواجه مشاكله "

هل هي محاولة للتراجع والتطهير؟ ..

.........

3 - الشخصيات النسائية :

حضور المرأة قليلا جدا، ومعظمها شخصيات ثانوية، ولكن هذه الشخصيات أدت دورها المرسوم لها، ولم تأت عبئا على الرواية، ولكنها جاءت لضرورة فنية وموضوعية، ومنهن على سبيل المثال:

1 – هدى زوجة حامد والد خيري، تكاد تكون هي الشخصية الوحيدة في الرواية التي اهتم الكاتب بوصفها الخارجي :

" فتاة في عقدها الثالث، متوسطة الجمال، خمرية اللون، ملامحها دقيقة، ممشوقة الجسد، متناسقة القوام، ... "

وكأن الكاتب بهذا الوصف، يهيأها للمهمة التي ستقوم بها، ويهيأ القارئ للتفكير في هذه المهمة، فهي بهذه المواصفات الجسدية، ستمثل الأنثى / الغواية، والتي لعبت دورا خطيرا في الرواية، بمحاولتها غواية خيري، ولتجسد أبشع أنواع الخيانة، خيانة الولد لأبيه، وتدبيرها للمكائد له، وطرده شر طرده، لأنه لم يستجب لها، فترتب على فعلها مسارات كثيرة في حياة خيري حامد، أوصلته في النهاية إلى أحضان الجماعات الإرهابية.

وأجاد الكاتب تصوير فتنتها، وغوايتها.

2 – والدة رجب الراوي ولم يذكر الكاتب حتى اسمها، ولم ترد سيرتها إلا في جملة واحدة قالها رجب في التحقيقات، ونستشف من هذه الجملة، أنها سيدة مقاومة، مقاومة للفكر الظلامي المتطرف، ومحاولتها المستميتة في إبعاد أولادها عن زوجها الذي يسعى ما وسعه السعي لنقل أفكاره الهدامة إليهم، فيقول رجب الراوي :

" حتى أمي عانت منه ومن مرارة تفكيره الظلامي، فأبعدتنا عنه مد البصر "

أنظر إلى التصوير الرائع في جملة " فأبعدتنا عنه مد البصر "

3 – والدة صبري علم الدين، تظهر لنا في النص الروائي بعد موت عائل الأسرة الوحيد، امرأة مصرية أصيلة، وتمثل معظم السيدات المصريات اللائي ترملن في سن مبكرة، ويحتضن أولادهن، ويصرن كل عالمهن، شمرت عن ساعديها، وخرجت وهي السيدة البسيطة غير المتعلمة لتعمل، لتقي أولادها شر مذلة السؤال، يقول صبري علم الدين في التحقيقات عنها : " أبت أن تتركنا في مهب الريح، خرجت إلى الشارع تبيع وتشتري في رحاب مسجد الحسين لتكفينا شر السؤال، تمسكت بتحقيق حلم أبي واستكمال ما بدأه، تفوفت في دراستي والتحقت بكلية الهندسة جامعة القاهرة "

4 – والدة خيري التي توفاها الله، وقد غرست فيه بعض القيم النبيلة، فيذهب لزيارة قبرها، فور علمه بنجاحه، وحصوله على بكالوريوس الصيدلة، فيخاطبها :

" ماما كان نقسي تكوني معايا وجنبي النهار دا، ماما أنا نجحت، وحققت حلمك، وبقيت دكتور، وها افتح صيدلية وها اعمل جزء للغلابة زي ما كنت عايزة .. ماما ابنك خيري بقى دكتور، وعلى فكرة يا ماما أنا محافظ على عهدي ووعدي معاك، ومش زي ما بتقول هدى "

5 – السيدة هانم عمة خيري حامد، التي كانت له بمثابة الأم، احتوته، واحتضنته، وأوته عندما طرده والده بسبب مكيدة هدى له، وهيأت له كل الظروف وساعدته على تجاوز محنته، وعلى حصوله على بكالوريوس الصيدلة، وقامت بدور حمامة السلام في لم شمل الأسرة.

6 – ياسمين زوجة صبري علم الدين وأم خلود، وهي من الشخصيات التي ركنت إلى حب صبري لها، وجعلت من خلود عالمها، ورغم أنها متعلمة ومثقفة وأستاذة بكلية الهندسة، ولكنها لم تستطع أن تكتشف حقيقة صبري، وضلوعه في العمليات الإرهابية، والتي راح ضحيتها ابنتهما خلود، مما يضع الكثير من علامات الاستفهام حولها، هل ثقتها فيه وحبها له جعلها لا ترى منه إلا جانب واحد، أم ذكاء صبري وقدرته على إخفاء عنها كل علاقته بالجماعة، آخذا بمبدأ التقية التي يؤمن بها هؤلاء، أعتقد أن ياسمين أخطأت حينما نظرت للحياة من منظور واحد، وخبرتها الحياتية كانت قليلة جدا.

7 – السيدة البسيطة الحاجة صابرة التي عنفها الضابط وامتدت يده إليها دون مبرر وهو يحاول القبض على ولدها جلال منصور، وبضعفها وقلة حيلتها لم تجد غير الله لتلجأ إليه، تبثه آلامها وحزنها وغضبها.

8 – الطفلة خلود، ضحية الحادث الإرهابي، وتكاد تكون أهم شخصيات الرواية، فهي الغائبة الحاضرة، وبموتها كانت اعترافات والدها صبري علم الدين، وأرشد عن الخلية الإرهابية التي كانت تعمل معه وتحت قيادته والتي نفذت الحادث الإرهابي، فخلود هي التي حددت الفضاء الروائي، وهي التي فجرت الأحداث، وكشفت عن الكثير من الخبايا والأسرار.

.......

4 – العلاقات المتشابكة :

نجح الكاتب من خلال العلاقات المتشابكة بين الشخصيات أن يقيم بناء روائي محكم ومتماسك، والروابط الفكرية بين الشخصيات كان لها الغلبة عن روابط القرابة أو النسب أو .. أو ..، فالروابط الفكرية جمعت بين شخصيات تعيش في لندن وشخصيات تعيش في مصر وشخصيات تعيش في غزة، ربطتهم الفكرة، آمنوا بها، وتوحدوا حولها.

ودلالة لندن وغزة لا تقف عند حدود عولمة القضية وتدويلها، والإشارة إلى هذين البلدين تحديدا يجعلنا نتساءل مرارا وتكرارا عن دور لندن التي تحتضن معظم هؤلاء، ويعيشون هناك تحت رعايتها، وينعمون هناك بالمال الوفير والعيش الرغيد، وغزة المتاخمة للحدود المصرية، والتي تأكد ضلوع بعض الجماعات فيها في العمليات الإرهابية، وفي إيواء واحتضان الإرهابيين، وتدريبهم، لماذا يتم توجيهها من غزة إلى مصر بدلا من توجيهها إلى إسرائيل؟

القارئ للرواية يحاول أن يتلمس بعض العلاقات حتى لو آثر الكاتب أن يربط بينها بخيوط حريرية دقيقة قد لا تُرى بالعين المجردة. إذن هناك علاقات مباشرة وعلاقات غير مباشرة، علاقات ظاهرة وواضحة وعلاقات خفية، وكلها، وخاصة الخفية منها، تدعو القارئ إلى إعمال العقل، وإشعال الفكر ليحاول الربط بينها، ويحاول إيجاد الإجابات المقنعة عن الأسئلة التي تتوارد على ذهنه.

الارتباط بالفكرة أقوى من الارتباط بالأسرة ومقدمة على البنوة، فالأب السيد الراوي يؤثر الفكرة التي اعتنقها على أولاده ويقدمها عليهم، فهم في ذيل اهتماماته أمام قناعاته وحبه للفكرة، فكرة نصرة دين الله ومحاربة الطواغيت وعودة دولة الخلافة.

ومن الروابط الخفية أيضا، وجود الشخصيات الخفية، والتي تبدو بعيدة كل البُعد عن الارتباط بهذه الجماعات، ويتم الاكتشاف المفاجئ بضلوعها وانخراطها مع الجماعة، وليس بىعيد عن هذه الشخصيات شخصية الدكتور علي القرشي صاحب الصيدلية الذي أنقذ الصيدلي الشاب وأرسله إلى سيناء، وهنا تظهر لنا قدرة هذه الشخصيات الفائقة على اظهار غير ماتبطن، واستخدامها لمبدأ التقية، ومنهم صبري علم الدين الذي أخفى عن زوجته ياسمين وهي مثقفة ومتعلمة وأستاذة بكلية الهندسة، ولم تعلم با نخراطه في هذه الجماعة إلا في المحكمة، ويستطيع القارئ أن يتلمس هذه العلاقات التي تكشف عن مهارة الكاتب.

......

5 - الحوار :

يبدو الحوار من أبرز التقنيات التي استخدمها الكاتب، ومساحة الحوار في الرواية كبير جدا، فأعطى الرواية حيوية، وخفف من برودة السرد أحيانا، واستاتكيته أحيانا أخرى، وتظل الشخصية مجهولة للقارئ مالم تتكلم، فعندما تتكلم نتعرف عليها، وعلى أفكارها، وهمومها وأحزانها، وتطلعاتها وانكساراتها، ويلعب الحوار دورا مهما في تنمية الحدث، والدفع به إلى الأمام، ومن حوارتهم أثناء القبض عليهم :

" – يعني إيه؟ نستسلم؟

-لا إحنا اخترنا مصيرنا وطريقنا من البداية "

وتكشف هذه الجملة الحوارية عن نظرة الجماعة إليهم :

" الجماعة! جماعة إيه يا جلال؟ فُوق .. فُوق من غفلتك، إحنا مجرد قطع شطرنج انتهى دورنا، ومش بعيد إنهم يحاولوا التخلص منا .. "

ويكشف عن قناعاتهم الفكرية :

" ناقص تقول إننا على باطل وهم اللي على حق، إحنا بنحارب لنصرة دين الله وعن عقيدة "

" إحنا على حق وهم على باطل، إحنا الدين، وكلمة الله وجنوده في الأرض ".

.....

6 – اللغة والأسلوب :

استخدم الكاتب العامية المصرية لغة لشخصياته، واستخدم العامية الراقية التي يتحدث بها المثقف والمتعلم، فجاءت مناسبة لشخصياته الذين تخرجوا في كليات الهندسة والصيدلة والحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية.

وجاءت لغة السرد أقرب إلى لغة الأديب منها إلى لغة الروائي، وتذكرنا بلغة طه حسين والمازني والمنفلوطي والرافعي، وغيرهم من أبناء هذا الجيل العظيم، وهذا ما جعل الهوة واسعة بين لغة السارد / الروائي ولغة الشخصيات، وفي تصوري أن لغة السارد قد تعلو قليلا على لغة الشخصيات، ولكن ساردنا حلق بلغته بعيدا جدا، فاتسعت الهوة وتباعدت المسافات بين اللغتين، فإذا أراد الكاتب أن يرتفع بلغته عن لغة الشخصية، وخاصة إذا كان في مجال الوصف، فليكن ذلك بوعي وبحذر شديد ولا يتجاوز هذا العلو السنتيمترات القليلة.

واستخدام الكاتب للغة الأديب لا الروائي أوقعه في أسر بعض العبارات التقريرية، واستخدم بعض العبارات ( الأكليشيهية ) المكررة والمحفوظة، كما ورد على ألسنة الشخصيات بعض العبارات المحفوظة وبعض الحكم والأمثال.

والكاتب يلجأ كثيرا جدا إلى ترصيع لغته بكلمات قرآنية، وبغض النظر عن مدى توفيق الكاتب في توظيفها من عدمه، فهي تقلق القارئ، مثل :

الوتين، الخزيم، الودق، تأبدت أربضة المكان، تمرمر، الآزفة، ريب المنون، عسف، الرمس،... إلخ.

وننقل بعض الأمثلة :

متأملا جمال النيل وهو ينساب بين المباني كالوتين.

نظر يمينا ويسارا كالخزيم.

تأبدت أربضة المكان المتشح بالسواد.

تمرمر جسده وصرخ كالشاة المذبوحة.

أحس بقشعريرة تسري في جسده كأنها الآزفة.

وظن في نفسه أنه قادر على مجاراة ريب المنون.

وانسالت دموعه كالودق.

بعدما سدى الليل وانقضى.

يحملق في السماء بصفاتها ورباب سحابها الناصع.

عسف الدمع جفون العقيد بسام.

.....

وانظر إلى توظيف بعض الكلمات :

تناول السماعة بنهم ... بنهم أم بلهفة؟

استرق صبري النظر ... استرق السمع أم النظر؟

نظر بعينيه الوارفتين بالدموع.... هل كلمة الوارفتين في مكانها؟

مازال صبري ينتظر بين أجفان السهد المعبق بالتعب. ... هل كلمة المعبق في مكانها؟

......

وبعد :

هذه الرواية الأولى لهيثم القليوبي تشي بكاتب موهوب، ويعي تماما الأصول الفنية التي يقف عليها العمل الروائي، واستطاع أن يقدم لنا نصا روائيا ماتعا وبديعا، قادر على محاورة الواقع وإثارة الأسئلة، ولديه جرأة الاقتحام في موضوعات شائكة وتؤرق المجتمع، وقد عالج موضوع الإرهاب موضوعيا وفنيا معالجة جديدة ورائعة، وكل الشكر للشاعر والكاتب نبيل مصيلحي الذي قدم لنا إطلالة نقدية في الرواية، اقترب فيها من عالم الكاتب، وقدمه للقراء بحب، وانتقد برفق، ووجه بلين، ونثق أن هيثم القليوبي في غضون سنوات قليلة قادمة سيثري حقل السرد العربي، والمكتبة العربية، والله الموفق.

.....

ورقة نقدية لمناقشة الرواية بقصر ثقافة الزقازيق يوم الأثنين الموافق 12 / 9 / 2021م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى