لا يمرّ عليّ يوم دون أن اُطالع شبحه الفضيّ المُنساب يترامى عن بُعدٍ ، تتلألأ قطرات ماءه العذب ،و تنساب أمواجه الرقيقة في صفاءٍ ورونق ، يسرّ الناظرين ، كُنتُ صغيرا اشاهد من فوق سطح بيتنا القديم خياله ، اتسائل في دخيلةِ نفسي مُقشعرِا في وجل: تُرى إلى أين يتدفق هذا السّيل العرمرم ؟! .
ما أشدّ احتياله ، وما أقسى اختياله حينَ جريانه ، يختال في وهجِ النّهار كسلسلةٍ ملتوية ، تتراقص تحتَ خيوطِ الشّمسِ المُرتعشة ، ما أشبهه بابتسامةٍ رقراقة ، فوقَ شفاه معشوقةٍ لعوب ، يحتضن جروفه المُخضرّة شرقا وغربا ، والتي استسلمت لتيارهِ الغاضب ، ينخرها في خضوعِ التابع الضعيف.
يقول عجائزُ قريتنا عنه :إنّ طابعه الغدر والعسف ، نهمٌ لا يشبع ولا يؤتمن ، تستيقظ في نفسهِ كُلّ كوامن الشّرّ ، لا يعرف الوهن ، لا ينضب ماءه أبدا ، ما إن تُداهِمه السّدة الشتوية كغيره من الترعِ ، حتى تعمل ينابيعه السِّحرية ، التي تفورُ من أعماقهِ ، فتتفجّر عيونا هدارة ، يُعاود معها اهتياجه ، ويتجدّد بها شبابه ، ما إن تنطِق اسمه ، حتى تطل عليك الصّور وتثور الأفكار في تناوحٍ غريب ، هنا مشى يوسف الصِّديق عزيز مصر مع حاشيتهِ وأبّهة ملكهِ ، وهذا المجرى أثر مبارك لسيفهِ ، الذي خطّ الأرضَ حين غفا فوقَ دابتهِ ، فشاءت إرادة الخالق ؛ أن يصبح اسمه ملء الأفواه ، تيمّنا به ، على ضفتيهِ يلقي السُّكون سجوفه فوق الحقولِ ، فتنشقّ فيها نسمات السّعادة والحُب بردا وسلاما ، تزحف ساعتئذٍ فوق جروفه الهانئةُ مجاميع العُشاق خِلسة ، يستروحوا نسماته النّدية في دِعةٍ واطمئنان ، يرشفون كؤوس الهيام عذبة شهية، قد صفا لهم الدّهر وهادنهم بعد طولِ حرمان ، تتلاقى نضارة الصِّبا ، وبكرة الشّباب على أديمِ الأبديةِ والخلود .
في ساعاتٍ كثيرة ؛ تجفّ تلكَ النّضارة وتضمحل مظاهر الاعجاب رويدا رويدا ، لحظة يلتطم الجمهور الصّاخب ، تحمله " الصنادل " تعبر للبرِّ الغربي ، هناك حيث تستقرّ أجساد الموتى من الآباءِ والأجداد ، تعوّدت صغيرا هذا الموقف ، انظر من فوق ِ " الصّندل " بعينٍ حمئةٍ نحو مائه الهادر ، اندسّ بجسدي الصّغير وسط الجمع المشيّع الحزين ، أجدني ارميه بابتسامةٍ المداهنة صفراء باهتة ، وإن كنتُ في قرارةِ نفسي اسبه وألومه ، يؤمّن أحد العجائز على أحاسيسي ، فيلقي عقب " سيجاره " غاضبا ، يمسح جبهته المنضدة عرقا ، ويُقسِم : إن عدد الغرقى فيه بعددِ قطراته ، زار قريتنا بائع العسل الأسود ، لكنته صعيدية جافة ، رجل أسمر ، نحيف البدن ، ملامحه وضاحة بارزة ، قال لاهث الأنفاس ، وأسنانه تصرّ غيظا : لقد سحرتني امرأة من الجنوب زمنا طويلا ، ربطت سحرها حول رأسِ " قرموط سمك" واطلقته في بحرِ يوسف .
كان لكلماتهِ نشوة في نفسي ، عاجلته في حمأةِ الكلام ، بصوتٍ راجف النبرات في غيرِ ترددٍ ولا أناة : وكيف برئت من سحرك يا عم ؟ نظرَ إليّ مُرتعد الفرائص ولم يجب ، وحتى الآن لم أعرف كيف برئ صاحبنا من سحرهِ
ما أشدّ احتياله ، وما أقسى اختياله حينَ جريانه ، يختال في وهجِ النّهار كسلسلةٍ ملتوية ، تتراقص تحتَ خيوطِ الشّمسِ المُرتعشة ، ما أشبهه بابتسامةٍ رقراقة ، فوقَ شفاه معشوقةٍ لعوب ، يحتضن جروفه المُخضرّة شرقا وغربا ، والتي استسلمت لتيارهِ الغاضب ، ينخرها في خضوعِ التابع الضعيف.
يقول عجائزُ قريتنا عنه :إنّ طابعه الغدر والعسف ، نهمٌ لا يشبع ولا يؤتمن ، تستيقظ في نفسهِ كُلّ كوامن الشّرّ ، لا يعرف الوهن ، لا ينضب ماءه أبدا ، ما إن تُداهِمه السّدة الشتوية كغيره من الترعِ ، حتى تعمل ينابيعه السِّحرية ، التي تفورُ من أعماقهِ ، فتتفجّر عيونا هدارة ، يُعاود معها اهتياجه ، ويتجدّد بها شبابه ، ما إن تنطِق اسمه ، حتى تطل عليك الصّور وتثور الأفكار في تناوحٍ غريب ، هنا مشى يوسف الصِّديق عزيز مصر مع حاشيتهِ وأبّهة ملكهِ ، وهذا المجرى أثر مبارك لسيفهِ ، الذي خطّ الأرضَ حين غفا فوقَ دابتهِ ، فشاءت إرادة الخالق ؛ أن يصبح اسمه ملء الأفواه ، تيمّنا به ، على ضفتيهِ يلقي السُّكون سجوفه فوق الحقولِ ، فتنشقّ فيها نسمات السّعادة والحُب بردا وسلاما ، تزحف ساعتئذٍ فوق جروفه الهانئةُ مجاميع العُشاق خِلسة ، يستروحوا نسماته النّدية في دِعةٍ واطمئنان ، يرشفون كؤوس الهيام عذبة شهية، قد صفا لهم الدّهر وهادنهم بعد طولِ حرمان ، تتلاقى نضارة الصِّبا ، وبكرة الشّباب على أديمِ الأبديةِ والخلود .
في ساعاتٍ كثيرة ؛ تجفّ تلكَ النّضارة وتضمحل مظاهر الاعجاب رويدا رويدا ، لحظة يلتطم الجمهور الصّاخب ، تحمله " الصنادل " تعبر للبرِّ الغربي ، هناك حيث تستقرّ أجساد الموتى من الآباءِ والأجداد ، تعوّدت صغيرا هذا الموقف ، انظر من فوق ِ " الصّندل " بعينٍ حمئةٍ نحو مائه الهادر ، اندسّ بجسدي الصّغير وسط الجمع المشيّع الحزين ، أجدني ارميه بابتسامةٍ المداهنة صفراء باهتة ، وإن كنتُ في قرارةِ نفسي اسبه وألومه ، يؤمّن أحد العجائز على أحاسيسي ، فيلقي عقب " سيجاره " غاضبا ، يمسح جبهته المنضدة عرقا ، ويُقسِم : إن عدد الغرقى فيه بعددِ قطراته ، زار قريتنا بائع العسل الأسود ، لكنته صعيدية جافة ، رجل أسمر ، نحيف البدن ، ملامحه وضاحة بارزة ، قال لاهث الأنفاس ، وأسنانه تصرّ غيظا : لقد سحرتني امرأة من الجنوب زمنا طويلا ، ربطت سحرها حول رأسِ " قرموط سمك" واطلقته في بحرِ يوسف .
كان لكلماتهِ نشوة في نفسي ، عاجلته في حمأةِ الكلام ، بصوتٍ راجف النبرات في غيرِ ترددٍ ولا أناة : وكيف برئت من سحرك يا عم ؟ نظرَ إليّ مُرتعد الفرائص ولم يجب ، وحتى الآن لم أعرف كيف برئ صاحبنا من سحرهِ
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com