فاطمة مندي - العقل والجنون..

فر العقل هارباً خارج نطاق الجسد، بين العقل والجنون ، تصرخ، تهذي تُكسر كل شيء أما مها، دون وعي،
تلقي بكل شيء في هستيرية، أصابها الجنون، والزوج يميط بشفاة ممتعضة،
وأسارير ملتهبة، يكسوه من الحزن، ودموع لا يخفيها أمام الجميع، لقد إنهارت حياته بجنون زوجته، التي لا تستقيم ولا تهدأ حتى بعد تناولها أقوى المهدئات، مما جعل الأطباء النفسين
يلجأوا إلى الأدوية المهدىة والمنومة، كي يأمنوا ثورتها التي لا حدود لها.
وبعد مرور عدة أشهر أيقن الزوج إستحالة عودتها لطبيعتها، حتى قل من
زيارتها.
كُتب التقرير وأُرسل إلي المحكمة، من داخل قاعة المحكمة الكبيرة،
ووسط حشود الكثيرين من الأهل الصحفيون، ومختلف القنوات الفضائية، وبعد عدة جلسات، علي مدار عدة شهور، نطق القاضي بالحكم بإيداعها مستشفي الأمراض العقلية.
وتحولت حالتها من الجنون إلي رغبة ملحة في الإنتحار..لقد زهدت الحياة، بل كرهتها.
تريد التخلص من حياتها مع كل إفاقة لها، ومع هروب عقلها من واقعها إلي عالم
اللاعودة، حتى جاءتها الفرصة علي طبق من ذهب، أثناء تغير وردية طاقم التمريض، استجمعت قوتها، والقت بنفسها من الطابق الثالث، من فوق منور السُلم، بعد أن تسللت خفية في رواق المستشفي، فسقطت مدرجة في دمائها.
جاء سقوطها أمام البعثة الطبية أثناء زيارتهم للمستشفي.
وضع كبيرهم أناملة على رقبتها، يتحسس نبضها، فوجدها على قيد الحياة، سأل عن حالتها بعد تعنيفهم جميعاً، وطلب من إدارة المستشفى أن تنقلها إلي مصحته النفسية الخاصة على مسؤليته، لأنها ستعاود الإنتحار.
يعلم كبير الأطباء قضيتها، كان يتابعها أثناء محاكمتها، يريد فحصها ودراسة حالتها، وإدراجها في أبحاثة الطبية، كي يقف على أسباب قتلها للإبنتها الوحيدة التى لا يتعدي عمرها العشرة أعوام،
صرعتها بمسدس كان على طاولة بجانب غرفتها نومها، في مشهد مأساوي، لا يعلم أحد شيء عن الحقيقة،
سوى ما ذكره الزوج في محاضر التحقيق أنه دلف من الخارج وجد زوجته قتلت إبنته وتصرخ في هيستريا ودون وعي، حتى وقعت فاقدة للوعي .
بعد الكثير من الجلسات والمهدئات على مدار عامين، هدأت هستيريتها نوعاً،
كما قلت رغبتها في الإنتحار، لكنها تهذي بكلمات غير مفهومة، والطبيب المحنك يعطى لنفسه شيء من ثقة، وفسحة من أمل؛ للوقوف على أعتاب إنهيارها، يريد التقاط الذكرى الهاربة والعقل الذي إنزوى بعيداً عن الواقع، بملقط الخبرة المدربة، والعدو بمهارة خلف الحقيقة الآفلة، قتل قطعة من نفسها، بل هي روحها كما ذكر أشقائها في محاضر التحقيق، لم ير الطبيب آية بارقة أمل في إستعادة وعيها.
بل تملك اليأس من الطبيب، وأيقن أنها ذهبت إلي عالم اللأعودة، قرر الطبيب أن تلك الجلسة سوف تكون جلستها الأخيرة، ربت على كتفها، وهى تنظر إليه بعيون جاحظة، خائفة، تكومت في جلستهاوضع القرفصاء، كما لو أنها ترى مارداً يريد ألتقامها، يرتعد جسدها، المرتخي كالنبتة التي تتعطش للماء، واصابها الذبول
وغادرتها الحيوية.
هدئها الطبيب، وأعطاها حقنة مهدئة ومعها شيء يساعدها على تذكر ما أنزوى بعيداً عن ذاكرتها، كدئبه في كل جلسة وإرشاد عقلها الهارب لوميض ذاكرتها، عله يعدل عن فراره.
طلب الطبيب منها أن تتحدث عن أي شيء.
شردت بعيداً عدة دقائق ثم سردت ما بخاطرها : عشقتُ العلم، بل أنا قارئةٍ جيدةٍ لكل شيء، حصلت على دبلومة في تخصص القانون، ثم أكملت بعد ذاك للماجستير . كنت أحاضر في كلية الحقوق، أنا أستاذة قانون مدني، أحببت الطلبة، أحببت أساتذتي،
أحببت جميع أقاربي، جاتني بعثةلتفوقي للحصول علي الدكتوراة، من فرنسا فنحن نتبع قوانينهم، لم يعترض زوجي فهو دائماً مشغول بأبحاثه في الكمبيوتر، ودائماً يقضي معظم أوقاته أمامه، قليلً ما كان يجالسنا، أنا وأبنتي، أبنتي، أبنتي، أبنتي، اهههههههه.
وكادت أن تقبض على تلك الذكرى الهاربة.
الدكتور محدثا نفسه: ربما يرى العقل طريقه إليها، شاهد العقل مطاردة الذكري له في رواق الذاكرة، فأنزوى بعيدا ً ثم لاذ بالفرار، قبل ملاحقتي إياها .
هدئها الطبيب وأعطاها منوماً وتركها لجلسات مقبلة،
بعد عدة أشهر وعدة جلسات متفرقة، لقد فقد زوجها حياتة آثر حادث أليم، لم يخبرها الطبيب بألخبر، بدأ الطبيب جلساته بعد أن أيقن أنها تستجيب بخطى متكاسلة، يريد إلتقاطها من إنهيارها في بحور نفسية متلاطمة الأمواج التي تشبه الأعاصير، والتي عصفت بكل حياتها، كما لو أنها شخص تلاطمه أمواج عاتية وسط عواصف قاتلة.
طلب الطبيب منها بعد إعطائها جرعة زائدة من المهدئات، وشيء يساعدها على النبش في بهو ذكرياتها المنفلتة.
عاودت الحديث : لقد سافرت إلى فرنسا، هناك رأيت القوانين تفعل
بمصداقية، بداية من المرور ، الصحة ، التعليم .
بهرني التزامهم، بدأ من عامل النظافة إلى أعلى المناصب.
بعد أن قطعت شوطاً لا بأس به من رسالتي، قتلني الحنين والإشتياق لأبنتى وزوجي وجميع أهلي، قررت قطع كل هذا والقيام بأجازة.
تعربد الذكرى في حناياها، ويتهرب العقل في رواقها ، هارباً من تلك الذكرى الدامية، تصرخ عالياً تتوقف عن السرد، تشرد بعيداً، تستكمل، ودون أن أخبرهم نزحت إليهم، كنت راغبة في مفاجئتهم، دخلت المنزل لم أسمع صوتاً لأحد، توجهت إلي غرفتي فتحتها ، تصرخ عاليا.
لقد قبض الطبيب على تلك الذكرى المنفلتة والهاربة التى كانت السبب في إيداعها المصحة النفسية، وصعدت على سطح الذاكرة، ومعها العقل الذي فر هارباً من واقعها، وتعقب مكملة : لقد وجدت طفلتي علي فراشي مع أبيها عاريةفي وضع الأزواج.
نظرت أمامي وجدت مسدسة أمامي، أخذته.
لحقني، وأخذه من يدي، جريت على أبنتي، صوبه نحوي،
فصرعها بدلا مني.
فاطمة متدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى