رسائل الأدباء رسالة الشاعر: محمد بن رقطان الى الأديب/ عبد الحميد شكيل

• بسم الله الرحمن الرحيم
▪ إلى صديقنا المحترم الأديب/ عبد الحميد شكيل
تحية عطرة وبعد:
يسرني أن أمسك قلمي، لأرد على الرسالة الكريمة التي بعثتم
بها إليّ،ضمن الأسئلة الصحفية، وأنني لجد سعيد بهذا الجسر الثقافي الذي فتحتموه بيننا، وكان الفضل لكم في بعثه، وإنكم لتجدون في طي هذه الرسالة، نص الأسئلة مع الأجوبة
الموجزة التي حاولت- قدر الإمكان- أن أتحرى فيها الإيجاز غير المخل، وإن كنت أعترف بأن من بينها أسئلة من الدقة بمكان، و الجواب عليها يتضمن دراسات ضافية، كقضية - الكلاسيك، والحداثة،والتراث، والمعاصرة، القافية المقيدة، والتحرر- إلى غير ذلك من المواضيع الجادة.
▪وقد تركت لكم مجالا للحذف والتصرف في بلورة الأجوبة، حسب ظروف المراسلة والصفحة المخصصة لها، لذلك اكتبها كتابة مجهزة للنشر، حتى تتمكنوا من أخذ ما يروقكم منها، كما أنني وحّدت الإجابة بين السؤالين- 10-11-
لتواجد العلاقية العضوية بينهما، وقد لا تجدون ما كنتم تنتظرونه مني، فمعذرة عن قصوري وليغفر لي جهلي، وما توفيقي إلا بالله، ودمتم للذي يقدركم ويرجو لكم مستقبلا زاهرا في رحاب الكلمة القدسية.
قالمة في03 ربيع الثاني1395 ه- الموافق ل15/04/75
أخوكم: إبن رقطان محمد



▪ ملاحظة:
__________
الصورة الشمسية الثانية سوف أبعث بها إليكم في الرسالة الثانية، لأنني لم أجد عندي سوى صورة واحدة هذه المرة وشكرا.


▪ نص الحوار:
___________

▪س1: لو طلب إليك أن تعرف نفسك فماذا تقول؟
▪ج1: إنني أشعر بحرج كبير للإجابة على هذا السؤال، ذلك لأنني أمثل علامة استفهام كبيرة، ولم أدر بما سأجيبكم مادمت أجهل لحد الساعة من أنا؟ أما إذاكنتم تريدون التعرف على هويتي فدونكم ما يلي:
ولدت عند مطلع الشمس من يوم الإثنين الثالث فيفري 1948م ، والتحقت بالكُتّاب وعمري خمس سنوات، وحفظت القرآن وعمري اثنتي عشرة سنة ، ثم التحقت بمدرسة حرة ،
حيث تعلمت مبادىء العربية، وأتيح لي أن أدرس متون النحو، والصرف، والفقه، والتفسير بشيء من الفهم.. انخرطت
في سلك التربية والثقافة سنة1965 م كمعلم للتعليم الابتدائي، ثمترقيت إلى درجة أستاذ للتعليم المتوسط، مرورا
بالترقية الخاضعة للاحراز على الشهادة المخولة للترقية،وما زلت أبحث عن فتاة أحلامي إلى الآن..
▪س2: متى بدأت الكتابة الشعرية وماهي الظروف الموضوعيةالمساهمة في ذلك؟
▪ج2: لقد أحسست منذ حداثتي بميل كبير إلى الشعر، ولعل الفضل في الإحساس بذلك الميل يعود إلى الأناشيد الوطنية، التي كنا نترنم بها أثناء الثورة المسلحة، فنجد فيها نشوة الفخر والاعتزاز بمدى البطولات الرائعة التي سجلها جيش التحرير المظفر، كنا نستشف من خلالها صدى الصراع المرير،وإصرار الشعب على الصمود والاستماتة والتضحية في سبيلالحرية..ومن هنا توطدت صداقتي مع الشعر الوطني، ولهذا كانت أول قصيدة أكتبها تحمل عنوان:《 بلادي》 وقد بعثت بها إلى مجلة 《 المجاهد الأسبوعية》 فنشرتها وكان ذلك سنى1970م وما كدت أراها منشورة حتى تشجعت وكتبت قصيدة ثانية تحت عنوان:《 من وحي نوفمبر》 وهكذا واصلت الكتابة باستمرار إلى يومنا هذا، وقد أعددت مجموعتي الأولى تحت عنوان:《 ألحان من بلادي》 وهي تشتمل على نيف وأربعين قصيدة..وربما يكون هذا العدد ضخما بالنسبة لحداثة تجربتي الشعرية..
▪س3.. يقول نزار قباني عن القافية.. القافية ضوء مؤشر حركة القافية مثل حركة القطار على سكة حديدية ..حركة طولانية ، القصيدة المتحررة من القافية مثل انفجار نووي..وقال أودنيس《 أحمد علي سعيد》 "الشعر هو الكلام الموزون المقفى" عبارة تشوه الشعر العربي، فماذا تقول أنت؟
▪ج3 : كم كنت أوثر أن ألازم الصمت في هذه الاثناء التي يحتدم فيها الصراع الجدلي بين دعاة الحداثة وأنصار الأصولية التي أطلق عيها مصطلح《 الكلاسيكية》 أما وقد
وضعتني أمام رأي لأحد الأسماء اللامعة - نزار قباني- ذات الوزن الثقيل في الحركة الأدبية المعاصرة، فإنني لا أوافق على ماجاء في تعريفه للقافية، لأنها لم تقف في يوم من الأيام عقبة في طريق الإبداع، كما أنها لم تشل حركة التكور السريع، وأنني أكاد أجزم بأن الأصولية في الشعر تتفق مع غنائية لغة الضاد الشاعرة ، أما بالنسبة للشطر الثاني من سؤالكم ، فأنا مع رأي" أدونيس" في رفضه لمفهوم الشعر عند القدماء، لأن الشعر قبل أن يكون قوافي وأوزانا، فهو قيم فنية جميلة، تحتوي على تراتيل إنسانية خالظة، تنقل الإنسان من عالمه المادي إلى عالم رحب، عالم القيم الأخلاقية والمثل
العليا، عالم المعاناة الوجدانية المعبرة عن آلام وتطلعات الآخرين.
▪س4: عهدتك مناصرا، ومدافعا عن الشعر القديم، وللأسلوب النظمي فيه ماهي الأسباب الجوهرية لذلك..؟
▪ج4: لعل من نافلة القول أن أحاول الإجابة على هذا السؤال ، بعد أن أدليت برأيي في القافية، ولكن يمنعني ذلك من أن أضيف بعض الجمل قصد توضيح ما انبهم من موقفي الذي تعرفونه ، فأول شيء تجدر الإشارة إليه ، هو أن الشعر
الأصولي يمثل وجودا عربيا تاريخيا، يتفاعل مع واقع ملموس ، ثم أنه يملك القدرة على العطاء والاستجابة لروح العصر،وانطلاقا من هذه المعطيات تبلور لدي مفهوم الشعر القديم كما أسميتموه.
▪س5: الشعر الحديث《 كوة》 في عمارة الثقافة العربية المعاصرة، ألا تؤمن بضرورة هذه 《 الكوة》 ضمن المعطيات الفكرية، والأيديولوجية المعاصرة..؟
▪ج5: إن الشعر الحديث قد برهن على وجوده على امتداد ساحة الوطن العربي، وقد استطاع أن يشق طريقه إلى ذهنية
القارىء العربي، تحت سهام حملات المعارضين له،والواقفين منه موقف التحفظ، لأنه جاء استجابة لحتمية التطور الكاسح الذي يجتاح - على أوسع نطاق- البنى الثقافية، والتركيبات الاجتماعية المعقدة ، وليس في إمكان أي مثقف أن يقف أمام سيل حتمية التطور، مهما كان وزنه،لكن هناك بعض القيم الفنية، ينبغي الخفاظ عليها كعناصر أساسية تدخل ضمن التركيب الفني، وتشكل معه الرؤى والظلال والإيقاع الموسيقي،ومن هنا تبدو أهمية الوزن في بناء وحدة
القصيدة التكاملية، وأنا لم أكن في صف المناوئين للتجديد في إطار الأصول ، فقد كتبت مؤخرا قصائد تنتمي إلى الشعر الحر، وقد نشر بعضها تحت اسم مستعار، ولكنني رفضت، ومازلت أرفض التخلي عن الوزن《 التفعيلة》 بدعوى الاستعاضة عنه بموسيقى داخلية، على أن هناك قيما جمالية
ينبغي توفيرها في الشعر الحر بغض النظر عن كونه ،أصوليا أم حرا ،فمتى توفرت هذه الشروط في أي نوع منهما فهو شعر.
▪س6:متى تأتيك الحالة الشعرية ، وبماذا تشعر بعد أن تنتهي من نظم القصيدة؟
▪ج6: إن هناك مواقف تفرض على المرء نفسها فرضا، وما أكثر ما تفقده وعيه وتخرجه عن إطاره العادي تبعا لقوة التأثير الذي تتركه في نفسه قوة وضعفا، وتحت غمرة الألم الممض،أو نشوة الفرحة الطافرة ، تجود القرائح وتتدفق العواكف، وعادة ما انتهي من هذه الحالة، وقد حبّرت مقطعا أو مقاطع،فأعود إليها مرة أخرى لأتعهدها بالزيادة والتبديل أو التغيير،ناقدا ومحللا، حتى يتم التناسق والتلاؤم بين المبنى والمعنى.
▪س7: هل القصيدة لديك وليدة اللحظة القسرية،أم وليدة اللحظة العفوية؟
▪ج7: القصيدة لديّ تأتي عادة نتيجة معاناة وجدانية تدفعني للكتابة دفعا، لكن مطلع القصيدة يأتي دوما نتيجة اللحظة العفوية، وأنا أحتال في اختيار الوقت المناسب لتكملة القصيدة،فالعفوية إذًا هي التي تتحكم في اختيار البحر والمطلع معا، ومابقي يكون معاناة وآلاما ، على أن عامل الموهبة كما يراه أحد الفلاسفة الكبار يشكل1، أو 2 % من العمل الفني التكاملي.
▪س8: كشاعر ناشىء ماهي ماهي المعوقات الأساسية التي تحد من التفجر الشعري لديك؟
▪ج8: الحقيقة أن المعوقات التي تحد من التفجر الشعري لدي، منها مايعود إلى عالمي الشعري، ومنها ما يعود إلى العالم الخارجي، فبالنسبة لعالمي الداخلي مازلت أتلمس طريقي وسط لجي من الظلام الحالك الذي يغشى سبيلي ، وإن كنت أعترف بأنتي اكتشفت جزءا من طريقي الطويل بالنسبة
للوطنيات بمفهومها العام، أما بالنسبة لمعالم طريقي المتشعبة
فما زال الظلام يجثم عليها، أما ما أعانيه من العالم الخارجي
فالقسط الأوفر يعود إلى العزلة الثقافية التي تعتبر عاملا مساعدا على تنمية قدرة الإبداع وبلورة المفاهيم ، وفقدان الحوافز الأخرى كالتشجيع المعنوي ولا أقول المادي،ولم أجد
لحد الساعة من ينظر إلى صاحب الموهبة نظرة عطف ومساعدة،بل كثيرا ما يتعرض إلى انعكاسات سافرة، وتهكمات مزرية، على أنني قد وجدت بعنابة رجلا واحدايحنو على المواهب، ويتعهدها بالرعاية، ذلك هو الأستاذ《 محمد بوحجة》 مدير المعهد التكنولوجي الذي أتاح لي ولصديقي الأديب《 عبدالله بن الضيف》 فرصة تقديم أمسيات شعرية وقصصية شارك في الإشراف عليها
صديقنا الأستاذ الشاعر 《 محمد زكي الفقي》 ولما عدت إلى قالمة ، انخرطت في سلك الحياة الرتيبة وغمار الصمت الرهيب..
▪س9: الشاعر نبي المجتمع إلى أي حد توافق على هذه المقولة؟
▪ج9: بين الشاعر والنبي صلة وثيقة، ورابطة روحية متينة، فهما يلتقيان في منعطفات كثيرة، ويفترقان في أخرى أحياناغير أن الشاعر يخالف النبي في مصادر الوحي وينابيعه، فالنبي يتلقاه من قوة سماوية، والشاعر يستقي تراتيل وحيهمن من قوة أرضية من تركيب بني المجتمع الذي يتغمس في صميم حياته ، يحس بإحساسها، ويتفاعل معها، ويشعر بشعورها،ثم يترجم عنها بصدق وإخلاص، وهو من خلال ترجمته عنها يعبر في نفس الوقت عن آلام الإنسان وأحاسيسه- فرحا ،او حزنا- إزاء البيئة والمحيط الإنساني وما يتطلع إليه من مبادىء ومثل عليا.
▪س10: التراث والمعاصرة عنصران مهمان كيف تتعامل أنت معهما؟
▪ج10: إن الماضي حي خالد في ذواكرنا لايبرحها أبدا، لأنه جزء من حاضرنا ، وقاعدة أساسية لبناء مستقبلنا ، والمعاصرة استجابة حتميةلروح التطور، وتلبية لنداء العصرنة، وأنا أحاول قدرالامكان أن أوفق بين الأصولية والعصرنة، ومفهومي للحداثة يكمن في عصرنة المضمون والتىاكيب اللفظية،لأن الألفاظ شبيهة بالظواهر الموسمية ، منها ما يولد ليموت بعد مرور جيل او جيلين ، ومنها ما يعمر كثيرا، ومنها ما يواكب مسيرة الحياة إلى ما لا نهاية..فعصرنتها إذن تعني حداثة لبنات النظام الهندسي في المضمون..أما الشكل..إلخ
▪س11: ماذا تريد أن تضيفه؟
▪ج11 : أود أن أشكر أسرة تحرير مجلة《 الشباب》 على المجهودات المشكورة ،والخدمات الجليلة التي ما فتئت تقدمها للأدباء الشباب وشكرا.






1635867685206.png













1.jpg 2.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
رسائل الأدباء (ملف)
المشاهدات
699
آخر تحديث
أعلى