عمر حمداوي - قراءة مقتضبة في قصيدة ( زجاج يقطع يد العودة) للشاعر عبد الله عوبل

النص

(زجاج يقطع يد العودة)
شعر: عبد الله عوبل اليمن


اغوص في بطن السواد الرهيب
علني اعثر على حقيبة سفري
او أعثر على جنية الشعر ترفعني
من بئر الدم
اتوشح برداء الغيمات الكئيبة
اتوكأ على فراشة ذائبة
وتسير النوارس خلف جثتي
قرب الشاطئ
وفي عين الشاطئ
ينسج الهزار أغنيته الحزينة
أحبس الدمعة في عينين حارقتين
تحنًى وجهي بقشرة شاحبة
تتدلى مني تمتمات خائفة
أمسحها بيدي المبللة
الزجاج يقطع يد العودة
وتتشكل دمعتي خريطة على
الزجاج الموارب
انسحب من بين جدران الفراغ
احتوي الزجاج المتطاير
تلاحقني رشقات من رذاذ
الشرارات الحمراء
النوافذ المحترقة
تنفتح على جرف هاو
لم تعد لي فراشة اتكئ عليها
ربما وقعت بين يدي الثقب الاسود
أو خذلتها أجنحتها
فوق مثلث برمودا
ماتت العصافير التي
بَنَت أعشاشها في صدري
تطايرت اشلاء الزجاج
لكني أحتفظ
بالخارطة الدامعة
معلقة فوق رأسي


--------------------------------


القراءة :


ها أنت تسافر مع عشق القصيد لتطل على حزن اليمن بلد العرب الأول كما يحكي التاريخ أرض عدن الجنة الموعودة كل هذا جميل وحسن وكان يقال عنه أرض المحبة و السلام كل هذا واقعي وممكن ولو أنه فاق ما تتوقعه عقول كاتبي وناقلي الأساطير لأنه امتلأ بما يدعو إلى الفخر والسؤدد وزيادة عبر التاريخ موقع يحسد عليه ممتزجة أرضه بما تحتويه الطبيعة من جميع الفنون ومن أفضل ما تمتلك الطبيعة حين تتفنن في نسج البهاء وعرضه لا شك أن الدنيا كلها تقوم له وتقعد جنة عدن نزلت من السماء على أرض اليمن واستوطنت هناك فمن أحب أن يراها فما عليه سوى أن يقوم برحلة جولة سياحية إلى هناك ليقف على سحر اليمن وشعبه الكريم الطيب و الشجاع الباسل شعب عظيم خلق لمواجهة الحياة وإعطائها حقها فعلم من علم بقدره حين تعامل معه على مختاف المستويات والجبهات عمر مدهش موسيقى تطرب وتلهم ورقص منظم الحركة على إيقاق النغمة يقع وصوت المغنين يقر في القلوب يأخذك إلى عالم اللذة والمتعة والنشوة صوت يسكر دون مدامة يخطف يغيب عن الوعي وإن كان من إختصاص أهدافه أن يضاعف من وعي الإنسان وينميه كلمات ليست كالكلمات وإنما هي كنوز و لآلئ وجواهر ثمينة من نتاج عاطفة نبيلة عميقة متوغلة الحس والمشاعر والأفكار المستنيرة تصنع البهجة و السعادة والفرح و بالبراءة التي تجعل من الحياة تستحة أن تعاش ويقبل عليها بكل رغبة هذا هو اليمن وشعبه حب يدعو إلى الحب.
فمن أين أتته هذه الحرب القذرة من أشعلها ومن غذاها وزادها وقودا كي تظل متأججة متطايرة الأوار واللهب عنف لا يعرف التوقف ولا يقف عند حد من هي الجهات التي فتحت جبهات كثيرة وعمدت إلى إحراق اليمن ما الدوافع لذلك من لديه المصلحة في تخريب اليمن وتضييعه وتفويت فرص التطور وبناء الحضارة من به هذه التوجسات ومن يخاف من عبقرية اليمنيين وقدرتهم وذكاءهم المتفوق الذي امتلك القلوب علما وثقافة و أصالة وإشعاعا من يعارضون اليمن سوف ينكسرون وينهزمون ويولون الأدبار.
ومن هذا الفن الذي وصلنا كثير رائده الأول في العالم امرئ القيس بن حجر الملك الضليل الذي تفنن في القول وترك الدنيا متعقلة بأشعاره وحكمته المدرسة التي لم تغلق أبوابها في وجه القراء منذ قرون ومازالت قائمة ورائدة ومغداقة العطاء عبر الزمن وإلى الآن وغد فهي منبت اللؤلؤ والمرجان ومنبت االقيم والمبادئ واللغة الثائرة المتنناثرة في كل المرابع والربوع ولذلك لا يستبعد أن يكون الجمال مستهدف من طرف الأعداء والحساد الذين يغيضهم هذا التفوق الكبير الذي سطره أهله بالعزة والكبرياء والرفعة والعلو طبيعة في الأخيار والفضلاء والنبلاء والأجاود الأكارم تربة التفرد والتميز والإبتكار والإبداع من هذا كله الذي جعل جهات الشر تتربص وتستعد وتعد العدة والمكر لبث نار الفتنة ومهاجمة منطقة الإشعاع الثقافي والتنوير لكي تطفئ الشعلة فلا يقتبس منها الأجيال معنى الحرية والكرامة جهات تعادي اليمن السعيد ليمكن لها فرض السيطرة والرقابة وجعل الناس عبيدا طوع أمرها ولعبة في يدها وقد وجدت العائق الأكبر في اليمن فتعذر عليها تنفيذ خططها الصهيونية بأرض الممانعة والصمود والتحدي حيث العالم وقف منبهرا أمام قوة وبسالة شعب اليمن المجيد وطبعا في قضية هذا الظلم سيحكم التاريخ لصالح الأصلح والأقوى شكيمة و عزيمة.
وقد قرأت صباح هذا اليوم قصيدة للشاعر عبد الله عوبل فهزتني وجعلتني أناوش أحزانا لها أمد بعيد وهي منزوية في قعر القلب تريد ان تستكين لتبرد من عذابات فرضها تشتت شمل أمة لم ترد أن تعيد النظر في تصرفاتها التي تبدو أنها غير مسئولة حتى ولو تلقاء شعبها ومن هنا نعلم أن الديموقراطية قتلت فلم يعد لها أي دور أو مفهوم أو مفعول شعوب ميتة فقدت سيطرتها على القرار ولم يعد لها إعتبار
حقيقة سارية لا يستطيع إنكارها من يحاول التغطية على السياسات الحمقاء .


******


ماتت العصافير التي
بَنَت أعشاشها في صدري

وماتت في صدر كل إنسان عربي ومسلم جميعنا نتقاسم نفس الإحساس المؤلم والشعوب في واد والحكومات في واد إنقسامات وربيع عربي معارض جاء نتيجة هذه المفارقة وكلنا في المحنة شرق والجامعة العربية خانت العرب ولم تؤدي الواجب المفروض عليها انسحبت في وقت الشدة غابت ولم تعد تظهر حتى للتنديد او الإستنكار على أقل تقدير العالم يتكتل ونحن نتفرق ونتشتت أكثر وأكثر على مستوى الخريطة العربية كلها.


******

تطايرت اشلاء الزجاج

لكني أحتفظ
بالخارطة الدامعة
معلقة فوق رأس

إستطاع الشاعر ان يعبر عن جرح الأمة من خلال نفسه التي هي جزء من الكل والكل في الكل بمعنى الكلمة فليس هناك فرق ببن ابناء الأرض والوطن الواحد ومن قال غير ذلك فهو متوهم فقد حقيقة الأنتماء والإنتساب وكان للشاعر من مزايا تأمله وملاحظاته أن سرد علينا ما فهمه من لغة الكائنات التي حاورت روحه وهو يعاني منذ مطلع القصيدة :


*****


أغوص في بطن السواد الرهيب


أتى على ذكر ... بئر ، غيمات ، فراشة، النوارس ، الشاطئ ، الهزار ، الدمعة ، الوجه، اليد ، الزجاج ، الخريطة ، الجدران ، الفراغ ، الرذاذ ، الشرارات الحمراء ، الوافذ المحترقة ، جرف ، الثقب الأسود ، الاجنحة ، مثلث بر مودا ،
موت العصافير ، الاعشاش ، المحافظة ، الرأس .
كل هذه الأسماء لها دلالات ومعاني حتى حقيبة السفر تستفز الفكر تستنهظه وتعطيه إشارات وإشارات ضوئية كما يفعل القمر عندما تغيب الشمس يحاول ان يشتعل ويتوهج بقوة المحبة الشاعر يريد ان ينبه إلى حالة ضياع وطن مختطف لم تتم المحافظة عليه كما ينبغي كل هذه الأسماء إشارات قوية كل كلمة منها ترسم لوحات للجمال ولو أنها في حالة من الحرب لم تستطع الحرب قتل الحب في روح الإنسان اليمني
وهذا هو المدهش في هذه القراءة وما هو إلا سفر متنقل في الخريطة الدامعة المعلقة في القلب داخليا و فوق الرأس خارجيا وتبقى العلاقة قوية مرتبطة بين ما هو ظاهري وما هو باطني .
ونرجو أن تظل يد العودة طاهرة بيضاء ممدودة للتصافح والعناق وأن لا يصلها الشر أبدا فهي عماد التواصل والأمل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى