إيمان فجر السيد - قراءة نقدية لنص القصة القصيرة جداً "تُراث" للأستاذ نظام صلاح

نظام صلاح
تُراث

تشاجروا على معابر رزقهم، لا أحدٓ يرى جوعٓ أحد.
اِبتسم جنديٌّ بسخريةٍ متمتمًا :
لن ينتصرٓ العرب!
رؤيتي الإنطباعية

العنوان : تراث

ورث: تَرَكَ تُرَاثاً هَائِلاً إِرْثاً
تُرَاثُ الأُمَّةِ مَا لَهُ قِيمَةٌ بَاقِيَةٌ مِنْ عَادَاتٍ وَآدَابٍ وَعُلُومٍ وَفُنُونٍ ويَنْتَقِلُ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ التُّرَاثُ الإنْسَانِيّ
فالتُراث
1 - ما يُخَلِّفه الميِّت لورثته { وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أكلاً لمّا وتحبون المال حبّاً جمّاً}
وأعتقد أن الكاتب عنى هذا المعنى الأخير من عنوان نصه الجميل (تراث)
فليس الثراث أمجاداً فقط!
تشاجروا على معابر رزقهم / بداية موفّقة للنص تأخذنا بسرعة خاطفة إلى قلب الحدث الساخن فضولاً لنعرف سبب ذاك الشجار؟
تشاجروا / فعل حركي فوضوي خلّاق يدل على ثلة من الأشخاص وقد ارتبط بواو الجماعة ويأتي في البحث عن معناها
شاجرَ تشاجرَ بـ يتشاجر تشاجُرًا فهو مُتشاجِر والمفعول مُتشاجَر به
تشاجر الرَّجُلان اشتجرا تنازعا واختلفا .
• تشاجرت الأغصانُ : اشتبكت، وتداخل بعضُها في بعض، تشاجَرتِ الرِّماحُ في المعركة .
تطاعنوا وتضاربوا بها .

"على معابر رزقهم" ترى هل يقصد الكاتب في كلمة معابر تلك المعابر الحقيقية التي نعبر بواسطتها من مكانٍ إلى مكان؟
وهذا إن صحّ كتأويل يُدلّل على أنّ مكان الأحداث مليئ بالمعابر وما أشدّ قسوتها!
معبرجمع : مَعَابِرُ ع ب ر
1- اِجْتَازُوا الْمَعْبَرَ بِسَلاَمٍ مَكَانُ العُبُورِ الْجِسْرُ
2 - صَعِدُوا إِلَى السَّفِينَةِ بِوَاسِطَةِ الْمَعْبَرِ أَلْوَاحٌ تُتَّخَذُ لِلْعُبُورِ عَلَيْهَا ولا أعتقد أنّ ما اتخذ من الشجار سبيلاً سيعبر بسلام أو سيفتح الله له باب رزقٍ مكفول
وكأنّ الرزقَ مرهونٌ بشجار أو اقتتال أو أسبقيةٍ في الوصول!
{في السماء رزقكم زما توعدون}
ولكن من يرعوي؟
لا أحد يرى جوع أحد
جملة وجدانية عميقة وقرت في نفسي حتى نهشتها بضرواة!
لكز الكاتب بقسوة إنسانية الضمائر النائمة في جيوب الطّمع والموؤدة في وحشية الجشع.
تلك الأنا الطاغية على النفس البشرية متجسدةً بالمقولة الشهيرة :
( أنا ومن بعدي الطوفان)
من أين لنا بالرزق الوفير والخير العميم
وما يحكم نفوسنا أثرَةً و مصلحة!
ناسين قول الله تعالى :
{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يَوقَ شُحّ نفسه أولئك هم المفلحون} ورغم ذلك لن نفلح ولن يرى أحد جوع أحد وعوز الخُلق سيفٌ مسلطٌ من الشيطان على رقاب من نزغ بينهم!
"ابتسم جندي متمتماً لن ينتصر العرب"
كم من ابتسامةٍ ساخرة نرسمها على شفاه الخيبة!
عندما يصدمنا الواقع المرّ الموسوم بالخذلان؟
ترى من هو الجندي الذي ابتسم،لعله جنديّ الكفاح والسعيّ وراء لقمة العيش؟
ذلك الجندي المجهول الذي يحمل بندقيته على كتف الشقاء قاطعاً مسافة العناء واصلاً الخيط الأسود بالخيط الأبيض متعاقداً مع وعثاء الطريق بعقد تجاري رابح شهوده قطرات عرق تتفصّد من جبين الشرف؟
فأيّ سخريةٍ بعد.كل ذلك لا يدعه ببتسم في وجه هوامٍ غفلوا عن وجدان مسفوح على أرصفة الأنانية
متمتماً لن ينتصر العرب
حق لذلك الجندي أن يتمتم بينه وبين نفسه بما وقر فيها؛ لأنه مدرك تماماً
أنّ الله نهى عن الجهر بالسوء من القول، وهل أسوء من هذا قولاً
لن ينتصر العرب؟!
رغم أن القفلة هنا أتت إخبارية إلا أنها واخزة
ورغم حقيقة هزائمنا المتتالية لكن تبقى الحقائق مرّة والهزيمة واحدة ابتداءً من هزيمة أنفسنا الآمارة بالسوء وانتهاءً بعروبتنا المطعونة في ظهرها والتي (ورثناها) -وهنا نعود إلى العنونة الذكية تراث
منذ بدء الخليقة من بني إسرائيل،
، وذلك من خلال قصة سيدنا داود التي ذكرها الله عزّ وجل في كتابه العزيز
إذ قال:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ*إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ* قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ}
ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس، وكان معروفاً بذلك ومقصودًا من قبل الناس.
ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنةً لداود، وموعظةً لخلل ارتكبه، فتاب اللّه عليه، وغفر له، وقيّض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ}فإنه نبأ عجيب إِذْ تَسَوَّرُوا على داود الْمِحْرَابَ أي: محل عبادته من غير إذن ولا استئذان، ولم يدخلوا عليه من باب، فلذلك لما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم وخاف، فقالوا له: نحن خَصْمَانِ فلا تخف {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} بالظلم { فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ } أي: بالعدل، ولا تمل مع أحدنا { وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ }
والمقصود من هذا، أن الخصمَين قد عرف أن قصدهما الحق الواضح الصِّرف، وإذا كان ذلك، فسيقصان عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبيُّ اللّه داود من وَعظهما له، ولم يؤنّبهما، فقال أحدهما:{إِنَّ هَذَا أَخِي} نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره. { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } أي: زوجة، وذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه.
{ وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } فطمع فيها { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } أي: دعها لي، وخلها في كفالتي. { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } أي: غلبني في القول، فلم يزل بي حتى أدركها أو كاد.
فقال داود - لما سمع كلامه - ومن المعلوم من السياق السابق من كلامهما، أن هذا هو الواقع، فلهذا لم يحتج أن يتكلم الآخر، فلا وجه للاعتراض بقول القائل: { لم حكم داود، قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر } ؟
{ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ } وهذه عادة الخلطاء والقرناء الكثير منهم؛ فقال: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بعض لأنّ الظلم من صفة النفوس
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن ما بهم من إيمان والعمل الصالح يمنعهم من الظلم وقليل ماهم
قال الله تعالى :
( وقليل من عبادي الشكور)
أعتقد أن هذا هو الإرث السيء الذي قصده الكاتب وقد ورثناه منذ بدء الخليقة عن نفوسٍ ضعاف!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى