إيمان فجر السيد - قراءة نقدية لنص القصة القصيرة جداً "هامان" للأستاذ نظام صلاح

هذا النص فلسطينيّ النكهة.يقوّض المسافات التي تعرقل الوصول إلى حقيقة الاحتلال الاسرائيلي لوطن العرب فلسطين!

هامان

أرخى أذنيه، متحوِّلاً إلى نعجةٍ جرباء؛ ذلك المستذئب، عريض المنكبين مفتولٓ الساعدين.
وقد تخطى رقاب الجميع، عندما استوقفَُه صوتُ تلك المجنّدة التي لا يزيدُ طولها عن أقصر شتيمةٍ وجهها لبني جلدته، وهي تُلٓوِّحُ سبّابتها بازدراء، وبلكنةٍ مشلولةٍ :
- اِغجع (اِرجع) إلى البيت..مَغْفوض

رؤيتي النقدية:

يأتي العنوان المستفز : هامان
ليستوقفنا عنوةً عند ناصيته.
لنلج بشغفٍ إلى النّص فنجده متخماً بالتّناقضات والتّنافرات.
تنافر جسدي:
أرخى أذنيه
عريض المنكبين
مفتول الساعدين

تنافر حيواني :
نعجة جرباء/ مستذئب

تنافر لغوي عصبي :
تخطّى / استوقفته

تنافر قياسي :
لا يزيد طولها/ عن أقصر شتيمة

تنافر انتمائي :
مجندة/ بني جلدته

تنافر لفظي :
صوت / شتائم

تنافر حركي :
تخطّى / استوقفته / ارجع

كل تلك التنافضات المشهديّة تجلعنا نغوص في النص وثيمته بعمق وقد تجلّى فيه
القوة و الضعف
الانتصار و الانهزام
التّقدّم و التقهقر
السّلام و الاستسلام
التّمرد و الانصياع
تناقضات لها شؤون وشجون ترمي إلى رصد المفارقات التي يرزح تحت سطوتها المجتمع الفلسطينيّ بكل شرائحه وعلى كافة معابره وعلى عتابات مساجده.
ثم تعالوا لنضع أنفسنا (كعرب) تحت المجهر ونتساءل :
هل الجهل والغباء والاستنزاف والتّردّي والانحلال والابتعاد عن شريعة الله وسنّة رسوله وحب التّسلط والأثرة المجبولة عليها نفوسنا
من جعل( هامان) -وهنا نعود للعنونة الذّكية للنّص-يتجبّر على بني جلدته؟!
وكلّنا يعرف من هو هامان وكيف أنَّ فرعون كسر شوكته عندما أراد أن يعلو في الأرض علوًا كبيرًا.
هذا التناص القرآني الذي استثمره الكاتب في النص من خلال العنوان كشف لنا ثيمة النّص المُضمرة
إذ ذُكر هامان في القرآن الكريم كواحدٍ من أهمّ حاشية فرعون؛ حيث كان وزيرًا لفرعون يستشيره في أمور البلاد والعباد وينفّذ أوامره ويطيعه طاعةً عمياء، وقد اشترك هامان بلا شكٍّ في جرائم فرعون العديدة تجاه شعبه وتجاه بني إسرائيل المستضعَفين في الأرض حينما كان يقتّل أبناءهم ويستحيي نساءهم.
قال الله تعالى في كتابه العزيز عن سيدنا موسى :
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}
سيدنا موسى بُعث ليكون عدواً لفرعون وهامان لا عوناً لهما، وهامان هنا في النص كان عوناً لاسرائيل على بني جلدته فخذله من هم دون بني قومه دينًا وخلقًا
{كيفما تكونوا يولّى عليكم}
تلكمُ المشهديات المتناقضة :
بين التّحرر والاستعمار
بين القوة و الضّعف
بين التّمرد والانصياع
كلّها تضعنا أمام مرآة عنوان النّص "هامان"
الذي يُعتبر مفتاح الولوج إليه!
ممّا يدلّل ويشير إلى مرمى الكاتب البعيد بإضمارٍ جميل يستحثُّ ذهن المتلقّي لتتبّع أحداث النّص المُغرقة بالمشهديّة لتُحيلنا إلى قصص الأوّلين وتمازجها بحاضرة قصصنا التي تجري على الساحة العربية بتأريخٍ سابق لأحداثٍ لاحقة، وقد تبلورت تلك المشاهد في التّباين الجسدي والفكريّ و الثّقافي والحضاريّ والإنسانيّ والدينيّ و الخُلقيّ
ممَّا أفضى إلى السقوط في بؤرة الفشل بدايةً من استعمار شهواتنا لأنفسنا مروراً بالأثَرَة وانتهاءً بالطغيان فالطوفان!
ولعلّ كلّ تلك المحاولات الخاسرة التي رصدها الكاتب
تضاعفت أمام الجمل المسموعة والمرئية التالية
(بلكنة مشلولة) مسموعة
تجسيد للّغة العبرية التي لا تجيد لفظ كلمة "واحدة" عربية لفظاً سليماً؛ لكنه واخزاً في عمق الضمير العربي الذي نحره الغادرون ذات خيانة
(إرغجع / مغفوض) مشهدية لفظية مضافًا إليها مشهديةٌ تزدري الهوية العربية مرئية
"تلوح بسبابتها بازرداء"
مشاهد مؤلمة ينداح لدى رؤيتها من ناصية العروبة "الكاذبة" ألف خذلان!
وهي على تكثيفها تُنقص الكثير من عروبتنا و تُبهت الرّفيع من شأننا وتجعل منه ماضٍ كان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى