سبأ جرار - ثقافة العيب.... أم مخافة الله؟؟

" الإحساسُ ضعفْ،والتعبيرُ عن المشاعر عيبْ " ....عبارة إستوقفتني وأنا أستمع لأحد البرامج الاذاعية في الصباح،وكأنها المرة الأولى التي أدرك كم هي المشاعر محرمة وموؤده بمفهوم مجتمعاتنا في ألعلانية وكم هي مقبولة وبغيضة ومخنوقة في السر .
كم نحتاج من الثواني لنجيب على سؤال :- هل التعبير عن المشاعر والاحساس حرام تبعا لقوانين السماء وسنن الاحبة ممن لا ينطقون عن الهوى؟؟
هذا يبعث العديد من الأسئلة البسيطة التي قد تساعد على وصف الحالة التي يستفزها موضوع المشاعر والتعبير عن الصدق في الإحساس أي كان شكله أو وإتجاهه ، والمصارحة في الرفض أو القبول أو الغضب إتجاه الاخر في لحظة نقرر فيها أننا أُرهقنا ؟؟ ...ما هي أولوياتنا...؟؟ ما هي حدودنا...؟؟
كبرنا مع مفهوم مقيت وخاطئ لا يربط المشاعر الا في العلاقات مع الجنس الاخر،ولا يقبل العطف والمودة مع مفهوم الابوة الصارمة،ولا يتقبل المعنى الإنساني لمفهوم الحب والعاطفة في كل علاقة عمل أو خدمة أو تكامل التي تتجسد في العطاء والإحسان،لا النفاق والمراءاة في كل ما عملنا أو علمنا، أو تواصلنا بحب .
ما هي قدرتنا على تقييم أنفسنا وتحقيق غاياتنا ضمن القوانين الذاتية والأحلام الخاصة ، ومنصة الإعدام المنصوبة دائما للأحلام تحت بند العيب والخفاء...ويبقى السؤال الاستفزازي أين يمكننا أن نعبر عن مشاعرنا ؟؟ أصلا كيف يحق لنا أن تكون لنا مشاعر مع الله أو مع الوطن أو مع أنفسنا أو مع الناس أو الانسان في ألشارع؟؟ سواء كان هذا الانسان جنديا، أو موظفا، أو عتالا، أو سائقا ،أو طبيبا، أو طفلا، أو معلما، أو إمرأة، أو أم ثكلى، أو مديرا متمرسا على الفساد،أو شابا يبحث عن وجوده.
المسميات الاجتماعية عانس ،فقير ، عديم الحظ، منكوب ، تعيس ، أرى من منظوري الإنساني الذي يحتمل الخطأ والصواب أنه في كل مكان ،ولكل من تنفس وعرف الله،لان التعبير عن المشاعر والتعامل بحب ، هوية إنسانية لبناء مجتمع لا يخشى فيه الاخرين الآخر ، ولا يتردد فيه الطفل من النزول للشارع وقبول قطعة حلوى من عابر سبيل .
ان هذا الميراث المقيت لبعض تراثنا حول ثقافة العيب لكل ما هو جميل وانساني وعاطفي ، قد خلط المعايير،فأصبح تعبير الاب عن مشاعره كسر للصلابة،وإضعاف للعلاقة مع الأبناء ، وابتسامة المتجهة نحو بيتها في وجه السائق كسر للحياء، ودعوة للخطيئة، وإحتضان المعلمة لمشاعر الطالبة المكسورة المهزوزة امام المعادلات والمفاهيم المعقدة تحطيم لصور الصين العظيم بين المعلم وأتباعه.........
كلها صور تلخصها عبارة واحدة ــ من وجهة نظري أيضا ــ أننا سحقنا حرية وإنسانية المشاعر والتعبير عنها لدرجة انها صلبت على مذبح واهن يقف على كتلة من عالم الخفاء و التظاهر بالشرف والتستر بالكذب ، فلا الحب والإنسانية مات بالطلقة الأخيرة وأحرق روايات عنترة وروميو، ولا سواد الكذب وإمتهان الادعاء إكتسب رداء القبول والسيطرة فنشرة سيرة الشيطان وأتباعه .
إن بلوغ القدرة على اقتلاع هذه المنصة المتربعة في قلب وعقل كل واحد منا تطلب، انتزاع الحق في التواجد بحرية متطلبات أي موقف إنساني ، كما نريد لا كما يتحقق رضاء الاخرين والتوازن مع أحكامهم الحالية وأحكامهم المتوقعة التي قد يعلنون عنها ....لقد أرهقنا من رقابة الاخرين الغير مبررة ، فكانت عوالمنا الداخلية سلسلة من التعقيدات والاحباطات والتناقض ، فلم نتقن الفرح بل نعيش الحزن والتأجيل له في كل تفاصيل الحياة ، حتى بلغنا فقدان الإحساس بالدقائق والساعات والأيام المتحولة لكوابيس من المعاناة والقهر والكبت ، نتمنى لها المضيّ وبلوغ الموت بنوعيه الموت الحي، او الموت المدفون في المقابر .
ما أريد ان اصل اليه ... أن أُخرج من نفسي أولا ذلك الخوف في بلوغ صدق التعبير، لأبلغ مرتبة الناصح للآخرين ودفعهم لتكسير سلاسل القهر والتبعية التي نلبسها لحظة نخرج للحياة فتكتسي اللون الأزرق او الزهري، ويعيش كل منا عقوبة كونه ذكر أو أنثى ...كل ما أريده أن أصبح ونصبح مرئيين لا ظلال منعكسة لحقائق مرتعبة، وأن نبدأ في الإفصاح عن خوفنا قبل فرحنا وعن ضعفنا قبل قوتنا ، أن نتقن التسويق لقيمتنا كما نراها ،ونكسر تماثيل القبص التي وضعت أُطر لقيمة كل واحد فينا تحت مسميات الشهادات والأموال والرضى من الاسياد والعباد، يجب أن نتمرد على الموروث الجاهلي لحقيقتنا المرتبطة بالتعصب والتبعية للآخر،ونستبدلها بحقيقة ما ميزنا الله به عن كائناته بالقدرة على التفكير والتفكر، لنتقن العبادة وصنع الحياة .
يجب أن نبلغ تحقيق " ألهو" فينا لكل من يريد بعدالة وتوفر الفرص والتوازن مع الانا والانا الأعلى ، وأن نتخلص من مسلمة الرهبنة الاجتماعية لتبرير ظلمنا وسرقتنا لأحلام الاخرين ، يجب أن نخرج عن كل ما يفقدنا السعادة ونحطم أوثانه تحت مبرر أن الحزن والتضحية ضريبة الرضى لأولي الأمر وأُولي النعمة وأُولي السلطة ...
هذا فهمي لما شعرت فكتبت وهو محتمل للخطأ أكثر من الصواب، ورؤيتي كيف تستحق الحياة أن نعيشها ، وأخيرا يجب أن نؤمن ان أجمل ما في احتمالية الخطأ أنها تعطينا فرصة جديدة لتشكيل مفهوم أكثر إبداعا وخبرة، لنتابع الحياة بعد النهوض ، وأن تكون أي رابطة إنسانية مع الآخر نابعة من مخزون القيم المستند لعقيدة الايمان لا من ثقافة العيب المصطنع ...
وجدنا لنحيى، وعندما اخطأنا عاقبنا الله بالخروج من الجنة لبلوغ الحياة،والتي تحتضن من الجمال وسمات الجنة الكثير ليكفي إعادة البحث عن العودة للجنة .

- سبأ جرار ــ فلسطين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى