محمد السلاموني - الرواية والبوح بما هو داخلى واللغة الكونية :

كثيرة هى الروايات التى تتخذ من "البوح بما هو داخلى" موضوعا لها...

هذا النوع من الروايات يقترب من رواية "السيرة الذاتية" ومن رواية "المذكرات الشخصية" بمسافات متفاوتة .
ومع ذلك، فما من رواية لا تتخذ من العالم الداخلى للمؤلف مادة لها .
أعمال كثيرة تنتمى لهذا النوع من الروايات، بمنحاها السيكولوجى "البوحى"، وغالبا ما تكون "اعترافا" أو "مواجهة للنفس"- نفس المؤلف. وعادة ما يشعر المؤلف بالإرتياح أو التطهر، بعد الإنتهاء من كتابتها.
هنا لا أتحدث عن "الإرتياح- العام" الذى يشعر به كل كاتب بعد الإنتهاء من إنجاز عمله ، بل فقط عن "الإرتياح- التطهرى"، بعد الإنتهاء من "البوح" نفسه .
هذا النوع من "البوح- الإعترافى" تمتد جذوره "تاريخيا وأنثروبولوجيا" إلى العقائد الوثنية القديمة، حين كان الإنسان القديم يقف "طقسيا" أمام الآلهة، خاضعا وممتثلا، طالبا العون فى التخلص أو التحرر مما يؤرِّقه .
فى هذا الموقف؛ الذى لم ينقطع الإنسان عن ممارسته منذ بدء الخليقة إلى الآن، يتواصل "العالم الداخلى للإنسان" مع خارجه "ممثَّلا فى الإله- كرمز للعالم الماورائى"، وقد انفتح هذا الخارج، منذ زمن طويل أيضا، على المجتمع... ومع ذلك، فالطقس يظل هو نفسه، وإن اتخذ شكلا آخر؛ هو نوع من "البوح الجماعى" يؤمّ فيه المؤلف القُرَّاء...
فى مثل هذا النوع من الرواية؛ "التى تقترب بمسافات متباينة من "الرواية الأنثروبولوجية"، تنفتح الكتابة على الكونى، إذ تحتشِد بـ "الرموز أو الأنماط الفطرية"، المقيمة فى اللاوعى الجمعى، بكثافة بالغة...
تلك الرموز "الكونية" هى اللغة التحتية التى يصاغ بها هذا النوع من الروايات .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى