رسالة نور الدين محقق إلى محمد برادة

- رسالة نور الدين محقق إلى محمد برادة

أستاذي العزيز

الكاتب الألمعي محمد برادة

تحية طيبة

كان أول كتاب شدني إلى تجربتك النقدية المتينة هو كتاب ” محمد مندور وتنظير النقد العربي ” .لقد كنت فيه سباقا إلى تبني المنهج البنيوي التكويني وسبر أغواره ، كما كنت فيه رائدا من رواد نقد النقد ، حيث تناولت فيه بالدراسة و التحليل والتقييم أعمال هذا الناقد المصري العربي الكبير، وحددت خصوصياتها وأبعادها الفكرية كما يكون التحديد العلمي الدقيق . أما في مجال الترجمة ، فقد كان كتاب ” درجة الصفر في الكتابة” لرولان بارت الذي ترجمته بطريقة فنية كبيرة محطة أساسية في مجال انفتاح النقد العربي على المناهج الغربية الحديثة في بعدها الأكثر أصالة وعمقا ، والأكثر إبداعا وفنية ، خصوصا في مجال البنيوية والسيميائية المنفتحة على مجالات الفكر الإنساني .كما كانت ترجمتك لباختين في كتابه / كتابك “الخطاب الروائي” نافذة عميقة في جعل الأدب المغربي والعربي ينفتح على كتابات هذه الناقد الحواري الكبير ، خصوصا في مجال الدراسات السردية . وسيستمر اللقاء بك بعد ذلك مبدعا قويا في مجال القصة العربية الحداثية وتجريبيا كبيرا في منعرجاتها مع مجموعتك القصصية الرائدة ” سلخ الجلد” ثم روائيا ألمعيا بعدها في رواية ” لعبة النسيان” التي شكلت حدثا ثقافيا لحظة صدورها ، وكانت من بين أكثر الروايات العربية التي تركت بصمات واضحة في مسيرة الرواية العربية وليس المغربية فحسب ، ثم جاءت بعدها روايات أخرى مثل : ” الضوء الهارب” و” مثل صيف لن يتكرر” و”امرأة النسيان” و ” حيوات متجاورة” إضافة طبعا إلى مجموعة قصصية ثانية هي ” ودادية الهمس واللمس” .

هكذا كنت وما زلت مثقفا عربيا كبيرا ، قطع مسارا تحديثيا متميزا وشم به مسيرة الأدب المغربي والعربي ، وجعله ينتقل من إطار التقليد إلى إطار التجديد الفاعل وشكل صحبة أقلام ثقافية عميقة ،مغربية وعربية منارات ثقافية مضيئة بالوهج الإنساني العميق .

أما اللقاء الواقعي بك، فكان في مدرجات كلية الآداب بمدينة الرباط، مدينة العرفان بامتياز. كنت أستاذا لامعا فيها، متميزا بعمق تفكيره وبقدرته النافذة على تفكيك النصوص الأدبية وتحديد أبعادها، وكنت موجها تربويا كبيرا ومشجعا على الغوص في الأصول المعرفية للثقافة العالمية في بعديها العربي والغربي معا.

هكذا قضينا معك سنوات البحث العلمي بجدية كبيرة، واستطعنا خلالها أن نتمكن من أدوات البحث العلمي الجاد، وأن نسعى بدورنا في عملية ترسيخه، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

بعد ذلك امتدت اللقاءات بك متنوعة ، إما عن طريق التحاور الفعلي معك ضمن اللقاءات العلمية والثقافية الحية المباشرة ومن بينها اللقاء الأدبي الرائع الذي قدمت فيه الكاتب الفرنسي الشهير ج .م. غ. لوكليزو بمناسبة ترجمتك الباهرة لرائعته القصصية ” الربيع وفصول أخرى” قبل أن ينال جائزة نوبل للآداب بسنوات ،أو عن طريق متابعة ما تنتجه في مجال الدراسات النقدية بمختلف تجلياتها النقدية والتنظيرية وفي مجال الابداع السردي بمختلف تمظهراته القصصية منها والروائية.

لقد اشتغلت تحت إشرافك العلمي في دبلوم الدراسات العليا حول ” المكونات التراثية في الرواية الحديثة ” باحثا منقبا عن الخصوصيات والتجليات التي تميز هذه الرواية الحديثة خصوصا العربية منها ، متخذا من عوالم نجيب محفوظ وإميل حبيبي ووليد إخلاصي مجالا تطبيقيا لذلك ، كما اشتغلت تحت إشرافك قبل ذلك في “عوالم ألف ليلة وليلة” مفككا بنياتها ومعيدا تركيبها من جديد ، فكنت نعم الأستاذ الموجه وكنت نعم الأستاذ المتفهم ، الحريص على الدقة العلمية والانفتاح العلمي معا، ليمتد بي البحث العلمي بعد ذلك في نفس الاتجاه ، أي اتجاه السيميائيات السرديات بنفس الجدية ونفس الحرص العلمي اللذين عودتنا عليهما في دروسك ومحاضراتك وفي أبحاثك . وقد التقيت في هذا المسار مع أساتذة رائعين ،في مقدمتهم الأستاذ الجليل سعيد يقطين الذي شجعني كثيرا على مواصلة البحث العلمي في هذا المجال ونشر مؤلفاتي فيه .

أذكر الآن أن من بين اللحظات الجميلة التي التقيت بك فيها في معرض الكتاب بالدار البيضاء ، لحظة زمنية منفلتة في السنة الماضية حين سلمتك نسخة من روايتي الجديدة آنذاك “وقت الرحيل” والتي صدرت عن منشورات وزارة الثقافة المغربية ضمن سلسلة “ابداع”، ففرحت بها وشجعتني على مواصلة الكتابة ،ولحظة يوم السبت 14/2/2009 في هذه السنة حين سلمتك كتابك النقدي -التنظيري” الرواية ذاكرة مفتوحة ” هذه المرة ، لتضع عليه كلمة اهداء تذكارية، ففعلت ذلك بأريحية رغم ضيق الوقت ساعتها وتحدثنا قليلا قبل أن يأخذك الأصدقاء الذين أتوا لتحيتك هم أيضا . وأكيدا سألتقي بك يوم الجمعة 20/2/2009 وأنت توقع روايتك الجديدة ” حيوات متجاورة” التي سعدت كثيرا بقراءتها ، لأنها رواية كبيرة تستحق الاحتفاء بها كما هي رواياتك دائما .

دمت أستاذا كبيرا كعادتك دائما ومثقفا استثنائيا بكل معنى الكلمة ، وتقبل مني هذه الرسالة كتحية محبة وتقدير جديرين بأستاذ من طينتك النادرة.

الإمضاء: نور الدين محقق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى