صباح الدين علي - رأيت مثل هذه الأيام.. ترجمتها عن التركية مي عاشور

رأيتُ مثل هذه الأيام، كانت تحتلك السموات المضيئة،
وينهار حَظي فوقي كغيمة.
كُنت أرى وجوهاً آلفها كلما رمشت عيوني،
وكان وهج الأحلام يحرق عقلي.
كان الإحباط والغربة من كل جانب يحاصراني،
والدموع تنهمر داخلي، حتى ولو كان باسمًا وجهي.
كان الضوء الأولي لكل صباح يفقأ عينيّ،
والجدران الحجرية المستيقظة تصغي إلى أنيني.
رأيتُ مثل هذه الأيام، كانت الجدران تتفوه بالكلام،
وتتجسد حكايات قاطعي الطرق أمام عيني.
كانت أيادي عدو خفية لا أبصرها،
تحتضن وجودي بحماسة غادرة.
حتى لو في العقل أفكار كالفولاذ،
فلم يكن يخلو القلب من حالات الضعف هذه:
حيانًا كنت أنجو من قبضتي،
بينما كُنت أعثر على قلبي يعافر في الوحل.
رأيتُ مثل هذه الأيام، الناس الذين قلت عليهم أصدقاء،
كانوا يمتعضون وأنا بجوارهم.
وفي وقت ما كان الصامتون جواري،
يدعمونني، وينصحونني.
والأبطال الذين يهاجمون من يرونه بلا سلاح،
أطاحوا بي أرضًا بأنذل الركلات.
كانت تتهاوى روحي وتتفتت كتمثال،
وكان يظن السامعون لهذه الأصوات أنني أضحك.
رأيتُ مثل هذه الأيام، الطبنجة على صدغي،
تاركًا الدنيا المُنيرة التي طالما رسمتها.
كان فؤادي كسيرًا، في أكثر عصوري حماسة،
كتدفق نجمة مُنطفئ لمعانها إلى الفضاء.
كانت فوهة المسدس تسخن على خدي،
وأصبعي يرفض الضغط على الزناد.
كانت نفسي تبكي كمطر الخريف،
ومع ذلك كانت هناك أشياء أيضًا تربطني بالحياة.
آه يا حبيبتي الوحيدة، لو أعيش اليوم،
فلا تعتقدي أن الحياة جميلة، والناس باتوا طيبين.
لو كنت أقف هكذا كصخرة على قمة جبل،
لكان ما حولي صار فارغًا أكثر من ذي قبل….
أنا مدين لكِ وحدك بوجودي في الدنيا اليوم:
كلما تَذكرتكِ كانت تترقرق بالدموع عيوني.
العُمر نهر، والهموم تتوالى،
والسنون بداخل الدموع تنقضي.
عندما كان يدق قلبي خاليًا من الرجاء،
كأن وجهكِ الباسم كان يقول لي “عِش”.
ووقتما كانت تتمدد ركبتاي على الوحل منهكة،
كانت سرعتكِ هي المانحة القوة لقدميّ.
عندما كانت عيناي تبكيان، وقت غروب الشمس،
وكانت ركبتاك كبيت دافئ باعث للدخان.
كل شيء كان يبتسم، حينما كنت تخطرين على بالي،
كانت الأشجار تُغني، وتعصف بعذوبة النسمات.
آه يا حبيبتي، تعرفين ما عانيته:
فهَم رأسي المسكين هو قلب أحمله.
تفهمين سبب نظري إلى الأماكن البعيدة:
فأنا أعيش دُنيا لا تعاش.
لا تضحكي عند رؤيتي وإياكِ أن تتصادمي بتدفقي،
فأنا أجري إلى بحر دافئ ومضيء.
أنتِ حبيبتي، سواء أحببتِ أم أبيتِ،
فأنا فيكِ وجدت شبهاً من الأماكن التي أبحث عنها.
---
صباح الدين علي (1907- 1948) من رواد تيار الأدب الواقعي، في السنوات الأولى من فترة الجمهورية التركية. اشتهر جدًا بكتابة الرواية والقصة القصيرة، أضاف إلى الأدب بعداً جديداً، وتناول في الكثير من أعماله الظلم وانعدام العدالة الاجتماعية في المجتمع.
---

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى