دة خديجة زتيلي - كتاب (فنّ الشِعــر) لأرسطو في النُقـول العَربيّة المبكـّرة: (عن أهميّة الترجمة في الحضارة الإنسانيّة)

مقدّمة

يَسْتكشفُ هذا المقال معالم الطريق الذي سارت عليه النقـول العربيّة المبكّـرة للتراث المعرفي اليوناني بشكل عام والفلسفيّ منه بشكل خاص، وسيتّجه التركيز في هذه المسألة على فلسفة أرسطو في ضوء العرض العاجـل لمنجزاته الفكريّة، وصولاً إلى كتابه فنّ الشعـر بوصفه أحد النصوص الخالدة في التراث الإنساني، نظراً لما يتميّز به من عمق الوجـدان وقوّة الملاحظة ونفاذ البصيرة وطرافة الطرح في سياقاته التاريخيّة، وفي مختلف الحضارات اللاحقة التي استضافتْ في نصوصها مفاهيـم الشعر الأرسطي وأُسُسه ومختلف دلالاته لكي تُقَعِّـدَ مبادئ جديدة لهذا الفنّ على غرار ما فَعلهُ سلفهم أرسطو في الحضارة اليونانيّة القديمة.

فقد هاجـر فنّ الشعـر من لغته الأصليّة اليونانيّة إلى اللغة العربيّة مُبكّـرا، وتعاطى معه مترجمون عدّة في نقول وعصور مختلفة في محاولة منهم لتيسيره للقارئ وفكّ رموزه وكشف معانيه العميقة. وتروم هذه الدراسة استحضار محتوياته ومضامينه العلميّة، وسيخلـع تحليلنا لهذا الموضوع مزيداً من الأهميّة على الدور التاريخي والحضاري الهامّ الذي مارسته الحضارة الإسلاميّة في أبهـى عصورها وفي العصر الذهبيّ للترجمة تحديداً، هذه الحضارة التي اتّسـع صدرها للوافد إليها والأجنبي ولم تدّخر جهداً في الانفتاح على الآخر المختلف عنها لغويّا وجغرافيّا وعقائديّا وإيديولوجيّا، بعيداً عن أيّ تعصّب أو تطرّف أو مغالاة، فضربتْ بذلك أروع الأمثلة في العلم والتسامح والرقيّ والثراء والنضج والنفاذ إلى جواهر الأمور، والقدرة على مقارعة النصّ بالنص والحجّة بالحجّة، فذاع صيتها وملئت الآفاق بمنجزاتها العظيمة التي صمدتْ وظلّت مَعيناً لا ينضب للمنتمين إليها أو لغيرها من الشعوب في ديار أخرى.

وغنيّ عن البيان أنّ الرجوع للمصنّفات التي طرحها ذلك العصر البهيّ في أشواط تطوّره المختلفة، لَيُوَضِّحُ بجلاء مقدرة الحضارة الإسلامية على تعاطيها مع الفلسفة ومع مختلف العلوم والفنون والمعارف برحابة أفق، ودونما تشنّج أو تعصّب للرأي أو استخدام انتهازي للدينيّ والسياسيّ. ولعلّ النقـول العديدة التي تمّ إنجازها بشغف فريد وبجهد كبير متواصل وبمحبّة بالغة لهيّ الصياغة الأخلاقية، في أرفع تجليّاتها، لتوطين الثقافة الأجنبيّة أو الدخيلة في متون الثقافة والحضارة العربيّة الإسلاميّة بشكل قلّ نظيـره. لقد تبوّأت الفلسفة اليونانية منزلة رفيعـة عند المسلمين فاستعادوها في نقولهم لها إلى لغة الضـاد، وكانت تلك سابقة في تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة، فقد تعاظـم الدور الهامّ لمصنّفات الأولين/ اليونان مع تقـدّم الدولة الإسلاميّة واتّساع رقعتها وانفتاحها على الأمم الأخرى، وتشهدُ حلقات ومجالس العلم وكذا منابر الدرس على الملامـح الجماليّة والأخلاقية والمنطقيّة والعلميّة والروحية التي تميّز بها ثلّة من النقلة المُقْتَدِرِين المبدعين. فكيف يحْضرُ كتاب فنّ الشعر لأرسطو في النقـول العربيّة المبكّرة، وماهي أشهـر النقـول له، ماهي الأهميّة العلميّة التي اكتساها هذا الكتاب في زمانه، ثمّ في الثقافة العربيّة المبكّرة وفي مختلف الحضارات والأزمنة اللاحقة؟ ولئن كان لابدّ من مدخل موضوعي ووظيفي لهذه الدراسة فهو أن تُستهلَّ بالحديث عن حركة الترجمة في العصر الذهبيّ لها، ولعلّ أهميّة النقل من لغات أخرى إلى اللغة العربيّة أو من أية لغة وإليها، هو أحد المقاصد التي يهدف إليها هذا المقال.



1 ـــــ حركة الترجمة في الحضارة العربيّة الإسلاميّة:

ــــــ لمحة عن العصر الذهبي لهـا ــــــ



بدأت حركة النقـل من اللغة اليونانيّة والسريانيّة إلى اللغة العربيّة بشكل محتشمٍ جدّا في عهد الدولة الأمويّة أثناء ولاية خالد بن يزيد بن معاوية، ولم تكن علـوم اليونان وقتئذ محـطّ اهتمام المسلمين، بل كانت مقصورة على بعض الكتب العلميّة كالمصنّفات المتعلّقة بالكيمياء مثلاً دون سواها، والتي كانت محلّ شغف خالد بن يزيد بن معاوية، وظلّت حركة النقل بطيئة جدّا تُرَاوِح مكانها إلى أن انتقلت الدولة الإسلاميّة إلى الخلفـاء العبّاسييـن، وتحديداً مع بدأ ولاية الخليفة العبّاسي الثاني أبو جعفر المنصور (1) الذي أسّس مدينة بغداد وجعلها عاصمة الخلافة العبّاسيّة، والتي ستتحوّل لاحقاً إلى قِبلة العالم الثقافية. لقد عُرفَ عن ثاني خلفاء بني العباس شغفـه الكبير بالعلوم والآداب والفلسفة، وشهدت حركة الترجمة أثناء ولايته نهضة مشهودة لم تعرفها من قبـل.

لكن العصر البهيّ والخالد للترجمة ولكبار المترجمين هو القرن الثالث الهجري الموافق للتاسع ميلادي، حيث كان النقلة يجيدون أكثر من لغـة: كاليونانيّة والسريانيّة والفارسيّة والهنديّة وغيرها من اللغات الأخرى، و قد مكّنهم إتقـان مختلف اللغات من سهولة النقل منها وإلى اللغة العربيّة، والأمر الملفت للانتباه أنّ جـلّ التراجـم إليها كانت تتمّ من اليونانيّة أو السريانيّة على وجه التحديد، ولعلّ من بين أهـمّ المترجمين كما تُجمع على ذلك الكتب والقواميس و المعاجم القديمة حنين بن اسحاق (2) (194 هجريّ – 810 ميلادي/ 260 هجري – 873 ميلادي) الذي كان حجّة في الترجمة، وقد ذاع صيته بسبب موهبته الفريدة في النقل وسلاسته اللغويّة وسرعته في التنفيذ، أجاد من اللغات العربيّة و السريانيّة والفارسية و اليونانيّة وقد ساهمتْ الجهود التي بذلها في الترجمة في الحفاظ على الآثار الفكريّة الهامّة والنادرة و النفيسة، والمشاركة في بناء الحضارة العربيّة الإسلامية، وقد ألقت جهوده العلميّة وجهود ثلة من المترجمين الكبار في زمانه، التي لا تقدّر بثمن، بظلالها على عصر برمّته.

في دراسته الموسومة بـ ((من الإسكندرية إلى بغداد: بحث في تاريخ التعليم الفلسفي والطبّي عند العرب)) (3)، خاض المستشرق ماكس مايرهوف في موضوع النقـل وأشهـر النقلة السريان، ولاغرو أنّه أفرد مكانة متميّزة لحنين بن إسحاق (4) الذي نزل إلى ميدان الترجمة شاباً صغيراً «ولمّا يتجاوز السابعة عشرة من عمره.. حتى أصبح من بعد زعيم المترجمين العرب والسريان، وقد ترجم حتى موته.. من كتب جالينوس مائة إلى السريانيّة ونصفها إلى العربيّة» (5). لقد كان حنين بن إسحاق موفور الثقافة واسع الاطلاع على علوم الأوّلين وآدابهم وفنونهم، وكان محلّ ثقة كبيـرة جرّاء شخصيّته تلك. ولا تكفّ المراجع القديمة والحديثة، التي تتحدّث عن تاريخ التراث اليوناني في الحضارة السلاميّة، عن ذكره وتثمين جهوده والإشادة بعظيم صنيعه.

أما في باب (( ذكر السبب الذي من أجله كَثُرت كتب الفلسفة وغيـرها من العلـوم القديمة في هذه البلاد)) (6) فيقول ابن النديم (7) في كتابه الفهرست: « أحد الأسباب في ذلك أنّ المأمون رأى في منامه كأنّ رجلا أبيض اللون مشرّبا حمرة واسع الجبهة مقـرون الحاجب أصلع الرأس أشهـل العينين حسن الشمائل جالس على سريره قال المأمون و كأنّي بين يديه قد ملئتُ له هيبة فقلتُ من أنت قال أنا أرسطاليس (8) فسررتُ به وقلت أيها الحكم أسألك قال: سلْ قلتُ: ما الحسن قال ما حسن في العقل قلتُ ثم ماذا قال ما حسن في الشرع قلتُ ثمّ ماذا قال ما حسن عن الجمهور قلتُ ثم ماذا قال ثم لا ثمّ.. فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب فإنّ المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهـر عليه المأمون فكتب إلى ملك الروم مسألة الإذن في إنفاذ ما من مختار من العلوم القديمة المخزونة المدّخرة ببلد الروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجّاج بن مطر وابن البطريق وسلّما صاحب بيت الحكمة وغيرهم فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا فلمّا حملوه إليه أمرهـم بنقله فنقـلَ» (9).

لن نخوض في صحّة هذا المنام من عدمه، فلن يقدّم هذا الجدال أو يؤخرّ في الأمر شيئا، لكنّ الأمر التاريخي الأكيد هو أنّ الفضل الكبير إنّما يرجع بشكل فعليّ إلى الخليفة العباسي المأمون في الاعتناء بحركة الترجمة والنهوض بها والسهـر الدؤوب على نجاحها وازدهارها، وإرسال المترجمين إلى بلاد الروم لاستجلاب المصنّفات العلميّة والأدبية في مختلف التخصّصات: كالطبّ، الهندسة، الموسيقى، الفلسفة، الكيمياء، والفلك، لكي يتمّ الاستفـادة منها في الحياة اليوميّة «من ضرورة معرفة مواقيت الصلاة وبداية الأشهر القمريّة للصوم و الحج » (10). وأغـدق المأمون بعطاياه الثمينة على النقلة وقدّر جهودهـم ورفعَ من منزلتهـم الاجتماعيّة ووضعهم في مكانة رفيعة في دولته وفي بلاطـه. ويذكر ابن النديم أنّ النقلة كانوا يُرزقـون مالاً «منهم حنين ابن اسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرّة وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقـل» (11).
بيت الحكمة في بغداد كان يُعدّ رمزاً من رموز الدولة العباسيّة وهو من أبرز المؤسّسات في ريادة حركة الترجمة، مثّل في عصره مركز إشعاع فكري وحضاري
بيت الحكمة في بغداد كان يُعدّ رمزاً من رموز الدولة العباسيّة
وهو من أبرز المؤسّسات في ريادة حركة الترجمة، مثّل في عصره مركز إشعاع فكري وحضاري



====================================================

ومن الأهميّة بمكان التَذْكير في هذه العجالة أنّ المأمون قد أنشأ ببغداد مدرسة للترجمة في عام 315 هجري الموافق لعام 830 ميلادي و أطلق عليها ((بيت الحكمة)) ووضع على رأسها يوحنّا بن ماسويه، وكان حنين الشاب أنشط أعضائها وهو الذي سَيُصْبح رئيساً لها بعد ربع قرن من الزمن، ويصفُ ماكس مايرهوف في مقاله الآنف الذكر حركيّة الترجمة في ذلك العهد قائلاً: « كانت الترجمة في النصف الأوّل من هذا القرن الثالث (التاسع الميلادي) غالبا إلى السريانيّة، وفي النصف الثاني ازدادت حركة الترجمة إلى العربيّة شيئا فشيئا، وقام المترجمون أيضا بإصلاح التراجم القديمة. وكان هناك بعض الأطبـاء ورجال الدين المسيحيين، وعلى الخصوص كان هناك من المسلمين الكبراء في قصور الخلفاء، من قاموا إلى جانب الخلفاء بمعونة حركة الترجمة وتشجيعها، بأن بذلوا المال من أجل الحصول على المخطوطات، وأجزوا الأرزاق على المترجمين وتكفّلـوا بمعاشهم، ومن أشهر هؤلاء الذين عاونوا الحركة أحمد ومحمّد بنو موسى بن شاكـر» (12).

وربمّا كان مفيداً التذكير، في هذا السياق، بأنّ أوّل العلوم التي تمّ نقلها من الثقافة اليونانية إلى الثقافة العربيّة هي الطبّ والفلك والرياضيّات والعلـوم، وبعدها تمّت ترجمة الكتب النظريّة وكذلك الفلسفيّة بشكل خاصّ. ويُلاحَـظُ أيضا أنّ بعض النقـول كانت تتمّ من اليونانيّة إلى السريانيّة ثمّ من السريانيّة إلى العربيّة، وبعضها الآخر كان يتمّ من اللغة اليونانيّة إلى اللغة العربيّة بشكل مباشر. والسُريانيون أو السُريان هم من النصارى الذين كانت لغتهم هي السريانيّة وهي تُعَدُّ إحدى اللغات الساميّة، أو لنقل إنّ السريان هم عرب ثقافيّا ونصارى دينيّاً. ووفقاً لهذا التوصيف فـ «المترجمون هم عرب مزدوجو الثقافة واللغة بين العربيّة واليونانيّة وربّما السريانيّة. ولاؤهم الثقافي للعرب والعلوم العربيّة. ويستخدمون اليونان ثقافة ولغة لصالح العرب القائمين الجدد» (13). ومن الواضح جدّا أنّ هؤلاء قد خدمـوا الثقافة العربيّة بإدخال المُكَـوِّن اليوناني إليها.

2 ـــــ النقول الفلسفيّة المبكّـرة

كتب المستشرق الأستاذ بول كِرَوْس في مقاله الذي يحمل عنوان ((التراجم الأرسططاليّة المنسوبة إلى ابن المقفّع)) قائلاً: إنّ «حركة الترجمة التي حمل لواءها حنين بن إسحق، والتي استمرّت في غير ما انقطاع إلى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري حتّى يحي بن عديّ وابن زرعة، هذه الحركة قدّمت للمسلمين كلّ الكتب الأرسططاليّة» (14). وهذه الشهادة التاريخيّة، وغيرها من الشهادات في هذا الموضوع، تؤكّد أن الكتب الفلسفيّة اليونانيّة وكتب أرسطو بشكل خاصّ قد تحوّلت إلى اللسان العربي بفعل الترجمة وهذا قبل القرن الرابع الهجري، وذاك جهد عظيم وجليل على نحو غير مسبوق. ولعلّ صورة أرسطو في المخيال العربي بدأت تتشكّل انطلاقاً من تلك النقـول المبكّرة لمصنّفاته الهامّة، وبعدها انخرط المسلمون في متون نصوصه الفلسفيّة وفي القضايا الفكريّة التي طرحتها باستحضار الألفـاظ والمصطلحات ومفاهيمها بعد تعريب الكثير منها، وإن كانت الألفاظ تبدو في أوّل الأمر غريبة ودخيلة على الثقافة العربيّة الإسلاميّة.

لقد جذبَ أرسطو أنظار الشرق إليه وتلقّـى المسلمون المنجز الأرسطي بكثير من الاهتمام، وكان الالتقاء الحضاري بين الفكر الفلسفي اليوناني والحضارة العربيّة الإسلامية أكثر من فعّـال ومثمـر، وسيمتدّ أرسطو في كثير من المصنّفات العربيّة التي أتتْ على ذكر اسمه وشرح فلسفته وتحليـل الكثير من القضايا الواردة فيها. ولم يعد العرب بعد ذلك مجرّد نقلة لأرسطو الذي ينتمي إلى جغرافية أخرى وإلى لسان ودين مختلف، بل أصبحوا متفاعليـن مع أفكاره شارحين لها ومضيفين ما يمكن أن يتناسب ومنظومة قيّمهم الثقافيّة والاجتماعيّة والعقائديّة، كما تجلّت في ذات الوقت مواقفهـم النقديّة لبعض ما ورد في المتن الأرسطـي. ويظهر هذا الاهتمام والتفاعل الإيجابي وطبيعة الفكر النقدي في كتب الفلاسفة المسلمين لاحقاً كالكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد على سبيل المثال لا الحصر.

وفي هذا المضمون يعقّب حسن حنفـي بقوله: «أرسطو التاريخ نقل، وأرسطو الحضارة إبداع. لذلك لا يوجد شيء اسمه ((أرسطو عند العرب)) بل ((الأرسطيّة العربيّة))، ولا يوجد شيء اسمه ((انتقال التراث اليوناني إلى الحضارة الإسلاميّة)) بل ((قراءة المسلمين لليونان))» (15). وهذه إشارة من الكاتب تؤكّد أنّ الفكر الفلسفي الإسلامي في مساراته الحضارية لم يقم بتحويل الفلسفة اليونانية إلى أحرف عربيّة وحسب مثل ما يدّعي بعض الغلاة من الغرب وغيرهم من المتعصّبين غير المنصفين والمستشرقين المتطرّفين، بل أضاف إليها ووسّـع من شروحها، هذه الشروح التي سيتلقفها الفكر الأوروبي ويستعين بها في بداية نهضته وفي مستهلّ عهده بالحداثة لمعرفة الفلسفة اليونانيّة، ولا غرو أنّ معرفة أرسطو في هذه الأثناء كانت لا تحصل إلاّ ّعبر الشروح القيّمة والمستفيضة التي أنجزها ابن رشد.

images (2)



من مخطوطات بيت الحكمة المترجمة إلى العربيّة

============================



3 ـــــ الترجمة بوصفهـا فعـلاً حضارّياً:

ــــ الصعوبات، المخاطر، والرهانات ــــ

لا جدال أنّ النقل –((من وإلى لغة بعينها)) -هو علامة من علامات التقدّم، وهو نافذة على ثقافة الآخر ورصد لموقع الأنا في الثقافة الأجنبيّة، والنقـل إلى اللغة العربيّة ضخّ الحياة في كثير من الكتب اليونانيّة والأرسطيّة على وجه الدقّة، وحافظ عليها من الزوال والنسيان وأحادية التأويـل، وأخرجها من دائرة التاريخ بمفهومه التراكمي إلى التاريخ بمفهومه الحضاري والإنساني، وكلّ الدلائل التاريخيّة تقوم مؤيّدة للدور التنويري المشهود الذي قامت به الحضارة العربيّة الإسلامية في أبهـى عصورها. فكل حضارة موصوفة هي تلك التي تقْـدِر على خلق أشكـال نصوصها ومضامينها وتكون طيّعة لكي تتفاعـل مع ريّاح التغيير التي تهبّ عليها، عندها فقط تحتفظ بتميّزها وألقهـا المستمّر. وعطفاً على ما سبق ذكره وانسجاماً مع نفس الطرح، وحسب توصيف حسن حنفي فإنّ «أرسطو التاريخ هو أرسطو الميّت الذي لا يثير أحداً، لا يحرّك ولا يتحرّك، لا يَعْتَرِض ويُعْتَرض عليه في حين أنّ أرسطو الفكر أو الحضارة أي الأرسطيّة هي التي تبقـى عبر التاريخ نموذجـاً فكريّا وموقفاً حضاريّا يثير ويحرّك، ويبعث على التسـاؤل، ويتجدّد باستمرار» (16). وهذا الموقف الأخير هو مآل النصوص الكبيرة والحضارات الشامخــة.

لذلك «لم تكن الترجمة مجرّد وثيقـة تاريخيّة تقوم على نقل نصّ يوناني إلى نصّ عربيّ مُطابقٍ بل تعبّر عن موقف حضاري ونقـل تصوّرات حضارة الآخـر التعدّديّة إلى تصوّر حضارة الأنا التوحيديّة. لم تكن الغاية أسرار النصّ الأرسطي كتاريخ بل بلـورة التوحيد الإسلامي كرؤية. ليس المهمّ صواب الترجمة أو خطئها قاموسيّا ولغويّا بل إعـادة التعبير عن النصّ ونقله من حضارة إلى حضارة أخرى. لم يكن النصّ الأرسطي هو الأصل والعربيّ هو الفرع بل كان النصّ العربي هو الأصل واليوناني هو الفرع .. كانت الترجمة عملاً جماعيّاً بين أكثـر من مترجم سعياً وراء هدف مشترك وهو إعـادة إخراج النصّ المترجم في ثقافة مغايـرة» (17). وهذا المنطق يسمحُ لنا بمجاراة الرأي القائـل أنّ «الترجمة إعادة تعبير، وإعادة كتابة، وإعادة تأليف، وطبقاً لخصائص كلّ لغة في التركيز والإطناب. قد صاحبتْ الترجمة نشأة المصطلح الفلسفي ونقله من لغة يونانيّة إلى لغة عربيّة في الحياة اليوميّة مثل جوهـر وعرض، ومكان وزمان، وصورة ومادّة، وعلّة ومعلـول. وهي ثنائيات لغويّة» (18). فالترجمة المبدعـة هي إعـادة إنشاء وكلّ ترجمة في حقيقة الأمر هي قراءة تأويليّة للنصّ الأصلي، وتلك مهمّة قديـرة لما تنطوي عليه من معاني عميقة ومشقّات كبرى، وقد قامت بها النقـول العربيّة المبكّرة على نحو طريف.

لكن الأمر هنا قد لا يخلو من إشكاليّات وصعوبات تتعلّق بالترجمة وكيف نُترجم؟ ولماذا تتعدّد الترجمات؟ وهل تعدّدها هو أمر صحّي تقتضيه ظروف موضوعية؟ أم أنّ الإعـادة توحي بأنّ النصّ الأوّل المترجم قاصر وضعيف وبعيد عن الأصل مما يستدعي تجـاوزه؟ وبأية ترجمة يجب الوثوق هل بتلك المتقدّمة أم بالمتأخـّرة وما هو معيار التقييـم؟ تلك إشكاليات وقضايا لها بداية ولكن ليس لها نهاية، ولا يمكن أن نصل في مسائلهـا إلى أي إجماع يمكن أن يُذكر، وستتفـرّقُ بالمترجمين السبل، لا محالة، في الإجابة على هذه الأسئلة، وبالمتلقّي فضلاً عن ذلكً. ورغم كلّ ما قيلَ ويُقال أو سوف يقال ستستمـرّ معركة الترجمة وسَنُقبـِل في كلّ مرّة على النصوص الوليدة من رحم تلك الحركة الإبداعيّة بشغف كبير. ومما لا شكّ فيه أنّ كلّ الترجمات لنصّ قديم أو حديث لا تخلـو من الهوامش التوضيحيّة، وهذا يعنـي في حدّ ذاته أنّ القراءات للنصّ متعدّدة ومختلفة في مراميهـا فهناك «قراءة إحاليّة، وقراءة استنتاجيه، وقراءة إسقاطيّه، وقراءة بانوراميّة، وقراءة تاريخيّة، وقراءة تعليليّة، وقراءة تفسيريّة، وقراءة حديّة ملخّصة، وقراءة قصديّه، وقراءة قلقـة، وقراءة مُعجميّة، وقراءة مُقارنة، وقراءة مُكمّلة، وقراءة نقديّة» (19). ما يعزّز الرأي بضرورة تعدّد الترجمات واختلافهـا، وما يعني في نهاية المطاف أنّه «لا توجد أخطـاء في الترجمة بل مستويات متفاوتة من القراءة من أجل إعادة توظيف النصّ» (20)، وسعياً لتجويده واستعادة المعاني الهاربة منه تلك التي لم ينتبه إليها المترجم، وهذا من أجل الحفاظ على الأثر الفكري.

ولعلّ الفيلسوف الفرنسي المعاصر بول ريكـور، الذي ناقش هذا الموضوع في أكثر من نصّ له عن الترجمة والتأويل، لم يجانبه الصواب عندما اختصر الصعوبات التي تتعلّق بالترجمة في لفظ ((محنة))، «ذي المعنى المزدوج باعتبارها ((معاناة مستديمة)) و ((امتحان)). إنّها وضع أمام الامتحان، كما يقال، لمشروع، أو رغبة، أو حتى دافع، إنّها دافعيّة الترجمة» (21). ولكنّه يضيف، في نفس السياق وهو بصدد شرحه وتفصيله لهذا الموضوع، أنّه علينا أن نحدّد الهدف الذي ننشده من الترجمة، وماذا نبتغـي منها، هل يجب أن نحرص على الدلالة القاموسيّة أم على المعنى التأويلي؟ وحسب تقدير ريكور هناك مدخلان يحيلان إلى هذا التسـاؤل: «أن نأخذ كلمة ((ترجمة)) بالمعنى الدقيـق الذي يعني رسالة لسانيّة من لغة إلى أخرى أو نأخذه بالمعنى الواسع كمرادف لتأويل كلّ مجموعة دالة داخل نفس الجماعة اللغويّة» (22)، ليصل في تحليله إلى القول بأنّ «كلتا المقاربتين لها الحقّ في الوجود» (23)، ومن هذه المسألة سينتقـل بنا إلى إثارة موضوع «اللامترجم النهائي الذي تُظهـره وتُولّده أيضاً الترجمة» (24). ووِفقَ تعقيب ريكور فإنّه لا يمكننا الفصل النهائي في أي نصّ مترجم، لأنّ هذا الأخير سيظلّ في كل مرّة مفتوح الآفاق أمام القارئ والمترجم على تأويلات جديدة تسعى حثيثاً لتحسينه، إنّها على حدّ تعبير ريكور «عظمة الترجمة ومخاطر الترجمة، إنّها الخيانة الخلاّقة للأصل وتملّك خلاّق أيضا من طرف لغة الاستقبال وبناء ما يمكن مُقارنته» (25). فكل ترجمة جديدة تتضمّن وعي وبصمات صاحبها.

4 ـــــ أرسطو في المراجع العربيّة القديمة

كتبَ ابن النديم يُعرّف أرسطو في كتابه الفهرست فقال: «نظرَ في الفلسفة بعد أن أتى عليه من عمـره ثلاثون سنة. وكان بليغ اليونانيين ومترسلهم وأجلّ علمائهـم بعد فلاطـن [أفلاطون] ومن معنى عالي المرتبة في الفلسفة عظيم المحلّ عند الملوك وعن رأيه كان الإسكندر يمضي الأمور وله إليه جماعة رسائل ومكاتبات في السياسة وغيرها» (26). وكتب الشهرستاني في كتابه الملل والنحـل في الفصل الثالث المعنون ((متأخرو حكماء اليونان)) و«هم الحكماء الذين تلوهـم في الزمان، وخالفوهـم في الرأي، مثل أرسطوطاليس ومن تابعه على رأيه مثل: الإسكندر الرومي، والشيخ اليوناني، وديوجانس الكلبي وغيرهم وكلّهم على رأي أرسطوطاليس في المسائل التي تفـرّد بها عن القدماء» (27). ولقد استفاض الشهرستاني في الملل والنحل بشكل خاصّ في الكلام في موضوع الألوهيّة أو الإلهيّات عند ((المعلّم الأوّل)) كما يحلـو له أن يسميه أو ((الحكيم المطلق)) كما يطلق عليه في أحيان أخـرى، ولعلّ المقام وغرض الموضوع كانا يقتضيان منه التوسّع في هذا الأمر وإعطاءه أكبر حيّز من الدراسة في مصنّفه الملل والنحل، أكثر من غيره من الموضوعات الأخرى في فلسفة أرسطو.

من الواضح جدّا أنّ هذه التصنيفات المعجميّة وغيرها من المراجع العربيّة القديمة لتدلّ، بشكل لا غبار عليه، على علـوّ مقدار أرسطو ومكانته الفلسفيّة الرفيعـة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وحتى وإن اختلف الناس في تأويل فلسفته أو في الاهتمام بجانب منها دون سواه وفق ما كانت تتطلّب أغراض توظيف فكره أو مرامي الشارح أو المحلّل أو المعقّب أو المحقّق أو المختصر لهذا الفكـر، ففي كلّ الحالات تلك يمكن القول أنّ حضور أرسطو ظلّ قويّا ومركزيّا ومُستقطبا للاهتمام بدون منازعٍ. ومما لا شكّ فيه أنّ أرسطو يتجلّى في صور كثيرة ومتعدّدة، ليس في الحضارة العربيّة الإسلاميّة وحسب، بل وفي مختلف الحضارات التي تأثّرت بفكره واهتمّت بأطروحات فلسفيّة بعينها في ثنايا فلسفته، أو رجّحت مواضيع دون أخرى، وأكثره كان بما يتناسب والجانب العقائدي في فكر وحضارة بعينها، «فأرسطو عند الرومان غيره عند العرب، وهو عند الأخيرين مختلف عنه عند الغربيين في العصور الوسطى. بل هو في داخل الحضارة الواحدة يتلوّن وفقا لأدوارها» (28). وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على مدى التأثير الذي مارسته فلسفته في الحضارات المختلفة بسبب طرافة ما طرحه فيها.

images (3)



رسم لطلاّب في المكتبة العباسيّة في بيت الحكمة

لمؤسّس مدرسة بغداد للمنمنمات الرسّام والخطّاط يحي الواسطي.

=================

5 ـــــ أرسطو و ” فنّ الشعـر”

لقد توقّف ابن النديم عند مؤلّفات أرسطو التي جرت ترجمتها إلى العربيّة، وقد وافانا بعناوينها المعرّبة، ويُعدّ الفهرست (29) أقدم مصدر عربي تحدّث عن كتاب الشعر أو فن الشعر لأرسطو، والذي سيجري الحديث عن موضوعه ومحاوره الرئيسّة وعن أهميّته والترجمات القديمة له في السطور اللاحقة. لقد كتب ابن النديم في مصنّفه المذكور يقول: «من خطّ اسحاق وبلفظه عاش أرسطاليس سبعا وستين سنة ترتيب كتبه المنطقيّات الطبيعيّات الإلهيات الخلقيات الكلام على كتبه المنطقيّة هي ثمانيّة: قاطيغورياس معناه المقولات باري أرمانيكس معناه العبارة أنالوطيقا معناه تحليل القياس أبودقطيقا وهو أنالوطيقا الثاني ومعناه البرهان طوبيقا ومعناه الجدل سوفسطيقا ومعناه المغالطين ريطوريقا معناه الخطابة أبوطيقا ويقال بوطيقا معناه الشعـر» (30).

وقد أردف ابن النديم حديثه ذاك بذكر وإحصاء أوّل النقلة أو المترجمين لهذا الكتاب، وهذا في باب أطلق عليه ((أسماء النقلة من اللغات إلى اللسان العربي)) قائلاً: «نقله أبو بشر متّى من السرياني إلى العربي ونقله إبراهيم بن عبد الله فسّره الفارابي أبو نصر رأيتُ بخط أحمد بن الطيّب هذا الكتاب نحو مائة ورقة بنقل قديم الكلام على أبوطيقا ومعناه الشعـر نقله أبو بشر متّى (31) من السرياني إلى العربية ونقله يحي بن عديّ» (32)، ووفق شهادة ابن النديم فقد تحدّث هذا الكتاب باللغة العربيّة لأول مرّة في العصر العباسي عندما قام بنقله أبو بشر متّى من السريانيّة إلى العربيّة. ويَذكر ابن النديم أيضاً أنّ «لهذا الكتاب مختصرات وجوامع مُشجّرة وغير مشجّرة لجماعة منهم بن المقفّع بن بهريز الكندي (33) اسحاق بن حنين بن الطيّب الرازي» (34).

وعطفاً على ما سبق عرضه فإنّه لم تصلنا من الترجمات التي ذكَرَتْها بعض المعاجم القديمة سوى نسخة خطيّة عن ترجمة متّى بن يونس وهي محفوظة في مكتبة باريس، وهي ترجمة تُعْوزها الدقّة فقد أساءت فهم الأصل و إدراك المعاني التي قصدها أرسطو في مصنّفه حول الشعر، وجانبها الصواب في تعريب بعض المصطلحات والألفاظ التي يبدو أنّ اللسان العربي لم يكن قد تعوّد عليها بعد، ولم تكن مُسْتساغة في متون ثقافة ليست لها ذات المعاني والمضامين و الدلالات، وهي رديئة بسبب عدم دراية المترجم الكافيّة بأصول اللغة اليونانيّة والعربيّة وبمناخ الحضارة اليونانيّة من جهة. ومن جهة أخرى لكون الشعر العربي آنذاك لا يمثّل سوى الشعر الغنائي، وهو الجنس الذي لم يتحدث عنه أرسطو، في حين أن كتاب فن الشعر يتحدث عن أجناس لم يعرفها العرب وهي الشعر الملحمي والدرامي. لذلك نجد في ترجمة متى بن يونس كلمة ((مديح)) في مقابل ((تراجيديا))، و ((هجاء)) في مقابل ((كوميديا))، مما يؤكد سوء فهم الكتاب، وضياع دلالته الأساسية (35)، لأنه مزج فكرة الأغراض وفكرة الأجناس، وفي ذلك خلط كبير وفرق بيّن وشاسع. وقد جاءت آراء النقاد والمتخصّصين مجتمعة أنّ فهم مقاصد أرسطو في الشعر لم يكن موفّقا في هذه الترجمة.

ومن الترجمات القديمة التي وصلتْنا عن فنّ الشعر فضلاً عن ذلك، تلك التي أنجـزها الفيلسوف والمنطقيّ والشارح أبو نصر الفارابي (36) والموسومة بـ ((رسالة في قوانيـن صناعـة الشعراء)). وهناك ترجمة لابن سينا (37) وهي تحمل عنوان ((فنّ الشعـر)) من كتاب الشفـاء، وترجمة أخرى للفيلسوف والقاضي ابن رشد وهي توسم بـ ((تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر)). وكلّ هذه الترجمات كانت لها بعض المزالق ولم ترْق إلى المستوى الذي كان أرسطو يبتغيه من فنّ الشعـر، أو أنّها كانت تحتاج إلى تعمّق أكثر في المفاهيم والمصطلحات من أجل تجويد النص، بوصف الترجمة الإبداعيّة تسعى دائماً نحو هذا الهدف. وربّما سعياً وراء هذا المبتغى قام عبد الرحمن بدوي بإعادة ترجمة نصّ أرسطو فنّ الشعر من اللغة اليونانيّة إلى اللغة العربيّة في العصر الحديث وأعقبه بضمّ الترجمات الأربع الأخيرة المشار إليها أعلاه إلى ترجمته. وقد يكون بدوي يريد، من خلال هذا العمل، أن يجعل المرء يتتبّع مختلف الترجمات القديمة التي جاءت في سياقات زمنيّة وثقافيّة مختلفة ويقارن بينها، فضلاً عن مقارنتها بالترجمة أو الترجمات (38) الحديثة للنصّ الأرسطي.

وتعدّ ترجمة الفارابي الموسومة ((رسالة في قوانين صناعـة الشعـراء)) من النقول المبكّرة للتراث اليوناني وقد استعان الفيلسوف في أمر الترجمة بشرح ثامسطيـوس (39) ويقول بدوي في نقده لترجمة الفارابي ما نصّه «رسالة الفارابي لم تتناول كتاب أرسطو في ((الشعر)) إلاّ لماماً، ولم تمسّه إلاّ مسّا خفيفاً جدّاً.. واعتذار الفارابي عن التوسّع والاستقصاء اعتذار مُضحك» (40)، وقد جاء تعقيب بدوي استناداً على خاتمة رسالة الفارابي التي يقول فيها: «فهذه قوانين كليّة ينتفع بها في إحاطة العلم بصناعة الشعراء. ويمكن استقصاء القول في كثير منها، إلاّ أنّ الاستقصاء في مثل هذه الصناعة يذهب بالإنسان في نوعٍ واحدٍ من الصناعة، ويشغله عن الأنواع والجهات الأخر. ولذلك ما لم يشرع في شيء من ذلك قولنا… تمت المقالة في قوانين صناعة الشعر لأبي نصر محمد بن محمد بن طرخان» (41). وقد اعتبر بدوي اختصار الفارابي لرسالة الشعر لأرسطو بهذا الشكل من النقائص، فهو لم يُحِط بموضوعها ولم يتعمّق في قضايا الشعر الأرسطي.

أما ابن سينا في ترجمته ((فنّ الشعر)) من كتاب الشفاء فعلى العكس من ذلك تماماً، «فإنّه لخّص نصّ الكتاب كما هو ولم يغادر شيئا من أجزائه الرئيسيّة» (42) على حدّ تعبير بدوي. والسؤال المطروح على أيّ نصّ اعتمد ابن سينا في ترجمته لنصّ أرسطو يا ترى، وهل اتّكأ على نقول عربيّة سبقته إلى هذا الأمر؟ في هذا السياق يستبعد بدوي أن يكون ابن سينا قد اعتمد على ترجمة متّى بن يونس «أوّلا لغموضها بحيث لم تكن تفيد في التلخيص على هذا النحو، وثانياً لأنّ النصوص التي ينقلها عن أرسطو ليستْ واردة بحروفها في ترجمة متّى» (43)، وهو يرجّح اعتماده على ترجمة يحي بن عـديّ (44) «ولا بدّ أن تكون قد جاءت خيراً من ترجمة متّى» (45) على حدّ قوله. ويستهـلّ ابن سينا مقاله في الحديث ((في الشعر مطلقا وأصناف الصيّغ الشعريّة، وأصناف الأشعار اليونانيّة))، ولعلّ ابن سينا أدرك منذ البداية الفرق الموجود بين الشعر والصيّغ المختلفة له، بين الشعر العربي تحديداً والشعر اليوناني بأغراضه وأجناسه، وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه سلفه متّى بن يونس ولأجل ذلك جاءت ترجمته سيّئة. يقول بن سينا «إنّ الشعر هو كلام مخيّل مؤلّف من أقوال موزونة متساويّة، وعند العرب مقفّاة. ومعنى أن تكون موزونة أن يكون لها عدد إيقاعي. ومعنى كونها متساوية هو أن يكون كل قول منها مؤلّفا من أقوال إيقاعيّة، فإنّ عدد زمانه مساوٍ لعدد زمان الآخر. ومعنى كونها مقفّاة هو أن يكون الحرف الذي يختم به كلّ قول واحداً» (46). ولا شكّ أنّ ابن سينا قد اطلّع على ترجمة الفارابي السابقة عن ترجمته في الزمان. ويجب التذكير أنّ تلخيص ابن سينا المذكور كان قد نشره لأول مرة دافيد صمويل مرجليوث David Samuel Margoliouth في لندن عام 1887 في كتابه الذي ضمّنه ترجمة متّى بن يونس.

أما الترجمة العربيّة الأخيرة التي يتمّ إدراجها في هذا العرض لجملة الترجمات القديمة لفنّ الشعر لأرسطو فهي ترجمة ابن رشد (47) الموسومة بـ ((تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر)) والتي يلخّص فيها كتاب أرسطو بشكل إجمالي، وهو تلخيص ينقصه الشرح والتدقيق في المضامين، وبناء على ذلك لا ترقى الترجمة / التلخيص لابن رشد إلى ما كان يُرتجى منها من إصلاح الترجمات السابقة أو الإضافة إليها. إنّ «تلخيص ابن رشد هنا لا يفيد في تحقيق الترجمة التي ينقل عنها لأنه لا ينقل النصوص بحروفها، هذا مع ضآلة ما ينقله واعتماده على التوسّع في البسيط للمعنى فيما يختاره، ممّا تضيع معه حروف النصّ. ومن هنا لم نستفد من تلخيصه هذا في إصلاح ترجمة أبي بشر متّى» (48). أما فيما يتعلّق بتاريخ نشر هذا التلخيص فإنّه يعود إلى عام 1872 عندما نَشَره لأول مرّة ف. لازنيـو F. Lasinio في إيطاليا. ويبدأ ابن رشد بحثه قائلاً: «الغرض في هذا القول تلخيص ما في كتاب أرسطوطاليس في الشعر من القوانين الكليّة المشتركة لجميع الأمم، أو لأكثر، إذ كثير ممّا فيه من قوانين خاصّة بأشعارهم. وعادتهم فيها إما أن تكون نِسَبا موجودة في كلام العرب، أو موجودة في غيره من الألسنة» (49). فجاءت جملة الشواهد الكثيرة المتعلّقة بالشعر العربي، التي أدرجها ابن رشد في تلخيصه، فاسدة نظراً لفساد معنى المسلّمات اللفظية التي انطلق منها الرجل. فقد حاول ابن رشد من خلال هذا الاستهلال أن يطبّق قواعد أرسطو في الشعر اليوناني على الشعر العربي رغم الاختلاف الموجود بينهما، والذي لم يكن يدركه، فأخفقت ترجمته، لهذا السبب، في إدراك المعاني التي كان يقصدها النصّ الأصلي، كما وأنّها لم تنجح أيضا لأنّها سارت على نفس منوال متّى بن يونس في فهمها لمدلولات المصطلحات، فترجمت مثله مصطلح ((مديح)) في مقابل ((تراجيديا))، و((هجاء)) في مقابل ((كوميديا))، وتلك الترجمات كانت فاسدة ما أدّى إلى فساد المعاني وسوء فهم غرض أرسطو في فنّ الشعر.

لا شكّ أنّ الترجمات العربيّة لفنّ الشعر كانت مُبكّرة وكانت لها بعض المزالق، ولكن لاشكّ أيضا أنّ تلك المجهودات، وفي كلّ الأحوال، يجب أن يثمّنها المرء لأنّها عَرّفتْ بنص مهمّ لأرسطو وساهمت في نشره ولفت الانتباه إليه. فتلك النقول المبكّرة على بساطتها وبعض هفواتها فتحت آفاقاً جديدة أمام الدارسين والنقاد لاستعادة المتن الأرسطي مرّة جديدة، ولعلّ هذا ما حصل في الثقافات شرقها وغربها، وإن كانت الثقافة الغربيّة (50) قد استفادت بشكل فعلي وأفضل، من فنّ الشعر، في تطوير منظوماتها الأدبيّة والشعريّة. وينتمي فنّ الشعر لأرسطو إلى مؤلّفات مرحلة النضج وغالباً ما يكون قد تمّ نظمه بعد كتاب السياسة وقبل كتاب الخطابة، فالشعر (51) ضرب من ضروب المحاكاة (52) وقد تحدّث أرسطو في قسمه الأوّل عن المحاكاة وعن أنواع المحاكاة في عالم الفنّ، وقسّم الفنون إلى:

1 ــ قسم يعتمد على اللون والشكل للمحاكاة وهو التصوير والنحت.

2 ــ وقسم يعتمد على الصوت وهو الشعر والرقص والموسيقى.

وأسلوب المحاكاة فيما يرى أرسطو هو الذي يحدّد لنا توصيف نوع الشعر، وتختلف الفنون بسبب اختلاف وسائل المحاكاة، يقول أرسطو «تلك إذن الفروق التي أضعها بين الفنون، وفقاً لاختلاف وسائل المحاكاة» (53). فالمأساة والملهاة (54) لا تستعمل نفس طرق المحاكاة كما في الملحمة، فطريقة المحاكاة تختلف وفقاً لفروق ثلاثة هي «الوسائل، والموضوعات، والطريقة» (55). فالطريقة الأولى التي يتمّ فيها استعمال ضمير المتكلّم نجد تطبيقاتها في الملحمة والهجاء، أما عندما نستعمل ضمير الغائب فهذا يعني أنّنا في قلب المأساة والملهاة، أما الطريقة الثالثة التي يمزج فيها بين الطريقة الأولى والثانيّة معّا فنجدها منتشرة في أشعار هوميروس الذي برع في مَحْكيّاتهِ الدراميّة وفي رسم معالم الملهاة أيضا. والمأساة هي «محاكاة فعل نبيل تامّ، لها طول معلوم، بلغة مزوّدة بألوان من التزيين تختلف وفقاً لاختلاف الأجزاء، وهذه المحاكاة كانت تتمّ بواسطة أشخاص ينفعلون، لا بواسطة الحكاية، وتثير الرحمة والخوف فتؤدّي إلى التطهير من هذه الانفعالات» (56). فالمأساة إذن تعمل على تطهير النفس من الانفعالات ومن الآثار السيئة لتلك الانفعالات.

هذا فيما يتعلّق بالجزء المتعلق بالمأساة، أما الجزء المتعلق بالملهاة والموجود في القسم الثاني من كتاب فن الشعر فلم يصل إلينا، لكن الشواهد والقرائن تقوم مؤكدة أن أرسطو وَعَدَ بطرق باب الملهاة لاحقاً، فقد ورد في فنّ الشعر: «أما المحاكاة بالوزن السداسي فسنتحدث عنها هي والملهاة فيما بعد» (57). كما وأنّ القارئ يجد من الدلائل، في كتاب الخطابة في الفصل الأوّل من المقالة الثالثة (58)، ما يؤكّد صحّة تلك الاستنتاجات التي مؤداها أنّ أرسطو كان سيتحدّثُ عن الملهاة، أو أنّه أنجز هذا الموضوع بالفعل ولكنه ضاع. وقد جاء ذكر هذه المسألة أيضا عند ابن أبي أُصَيْبِعَة فقال: «كتاب في صناعة الشعر، مقالتان..» (59)، فالمقالة الأولى تتعلّق بالمأساة والثانية بالملهاة.

قَعّدَ أرسطو قوانين الشعر في كتابه المذكور، فالشعر ضروري للنفس الإنسانيّة الميّالة إلى المحاكاة والتقليد، والفنون تبعث الراحة والبهجة في النفوس، وقد «نشأ عن سببين، كلاهما طبيعي فالمحاكاة غريزة في الإنسان تظهر فيه منذ الطفولة (والإنسان يختلف عن سائر الحيوان في كونه أكثرها استعداداً للمحاكاة، وبالمحاكاة يكتسب معارفه الأوليّة)، كما أنّ الناس يجدون لذّة في المحاكاة» (60). ومهمّة الشاعر الحقيقيّة ليست في رواية الأحداث كما وقعتْ فعلاً بل في رواية ما قد يقع، وفي هذا إشارة إلى الفرق الموجود بين وظيفة الشاعر ووظيفة المؤرّخ، «فالأوّل يروي الأحداث شعراً والآخر يرويها نثراً… ويتميّزان من حيث كون أحدهما يروي الأحداث التي وقعتْ فعلاً، بينما الآخر يروي الأحداث التي يمكن أن تقع» (61). وهذا الذي يتمّ تسميته بالواقعيّ والمحتمل. لقد تحمّس أرسطو للشعر وللفنون (62) بشكل عام من أجل تربية وإعداد المواطن الحرّ والصالح على عكس أفلاطون الذي طرد الشعراء من جمهوريّته (63)، فلنتأمّل هذا الحوار الوارد على لسان أفلاطون: «فاستطردتُ قائلا: إنّ في دولتنا سمات متعدّدة تَجعلني أعدّها قائمة على مبادئ سليمة تماماً، ولا سيما تلك القاعدة الخاصّة بالشعر.

ــــ أية قاعدة؟

ــــ تلك التي تنصّ على حظر الشعر القائم على المحاكاة. فبعد أن ميّزنا الآن بين الأجزاء المتعدّدة للنفس، يبدو أنّ لدينا أسباباً قويّة لاستبعاد هذا النوع من الشعر تماماً» (64).

هذا ونلفت عناية القارئ أنّ كتاب فنّ الشعر لأرسطو لا يمكن قراءته بمعزل عن كتاب السياسة، فلا شكّ أنّ التربيّة الفنيّة أولاها أرسطو عناية فريدة في الإعداد للمواطن المتوازن، الذي بإمكانه أن يحافظ على استمرار الدولة وقوّتها وديمومتها.

حاولت هذه الدراسة أن تُعرّج على النقول المبكرّة لفنّ الشعر لأرسطو لافتة الانتباه إلى أهميّة هذا الكتاب ومضامينه في تشكيل الذوق العربي والغربي معاً، وأهميّة مساهمة الثقافة العربيّة والإسلاميّة في تمكيننا من أحد المصنّفات الهامّة والنفيسة. ورغم أنّ النقول المبكّرة قد تُعْوِزُها الدقّة والتعمّق فستظلّ أهميّتها التاريخيّة حاضرة في الضمير الإنساني، فلولاها لما عرف الغرب لاحقاً فنّ الشعر، أو لتأخّر بالأحرى في معرفته. لقد ساهمت حركة الترجمة النشيطة في العصر العباسيّ في نقل التراث اليوناني والأرسطي بشكل خاصّ وبذلتْ جهوداً جباّرة في التفاعل مع الثقافات الأخرى في وقت كان فيه الغرب الأوروبي يغطّ في سباتٍ عميقٍ ويعيش عصر الانحطاط الفكري. إنّ الترجمة علامة من علامات التقدّم الحضاري والإنساني ووسيلة لمدّ جسور التواصل بين الشعوب وبين لغاتها وعقائدها وأيديولوجياتها، فهي تُتيح إمكانية الحوار الفعّال والتعايش السلمي وتضخّ الحياة في المصنّفات العلميّة والأدبيّة وتحافظ عليها من الزوال والنسيان ومن أحاديّة التأويـل، كما تخرجها فضلاً عن ذلك من دائرة التاريخ بمفهومه التراكمي إلى التاريخ بمفهومه الحضاري والإنساني. فبإمكان الترجمة أن تؤسّس لأخلاق كونيّة ولحوار عالمي لا يُقصي أحداً من مُتونه، وقد حصلتْ هذه اللحظة التاريخيّة في الحضارة العربيّة الاسلاميّة مبكّراً حين تبنّت أخلاق التسامح الديني والتعددّية المذهبيّة والثقافيّة واللغويّة.

لا شكّ أنّ هذا الطرح يدعونا إلى تفعيل دور الترجمة في عالمنا المعاصر وخاصة في عالمنا العربي والتأكيد على أهميّتها الملحّة لتقريب المفاهيم والرؤى والأفكار بين الشعوب من جهة، وبين هذه الشعوب والعالم الغربي من جهة ثانيّة، وسوف لن يتمّ بلوغ هذا الهدف بدون تمويل مشاريع الترجمة وتسخير ميزانيّات ماليّة مُعتبرة وهيئات متخصّصة مخلصة ومتفانية في عملها، ترفع على عاتقها هذه المهمّة الحضاريّة بكلّ ما تحمله من متاعب وصعوبات جمّة. فلا يمكننا في عالمنا العربي من حلحلة أوضاعنا السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة البائسة إلاّ بالاطّلاع أوّلا على معارف وعلوم وفنون غيرنا المتراكمة، ثمّ استيعابها بالتحليل والنقد ومقارنتها بما تمّ إنجازه عندنا من أجل التفكير في حلول بديلة لمآسينا، وهذا يتطلّب منّا الانخراط الجادّ والاستراتيجي في حوار علمي متعدّد الثقافات والرؤى واللغات، لعلّه يمكّننا من الانتقال من فكرة تصادم الحضارات إلى حوارها.



===================

هوامش المقال

«كان مولعا بالطبّ والنجـوم والفلك والهندسة..، ثم جاء من بعده الرشيد وترسّم خطى من سبقوه. ثمّ آلت الخلاقة إلى المأمون.. وكان يميل إلى المنطق والفلسفة، فاستقدم مؤلّفات أرسطو وأفلاطون وأبقراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس وغيرهم، وكلّف صفـوة المترجمين بنقلهـا». أنظر بهذا الصدد كتاب: محمد أحمد منصور، الترجمة بين النظريّة والتطبيق: مبادئ ونصوص وقاموس المصطلحات الإسلاميّة، (القاهرة: دار الكمال للطباعة والنشر، ط2، 2006)، ص 22.
وهناك إسحاق/ إسحق بن حنين (215 هجري -830 ميلادي/ 298 هجري – 910 ميلادي) وهو «أبو يعقوب إسحاق بن حُنين بن إسحاق العِبادي، الطبيب المشهور، كان أوحد عصره في علم الطبّ، وكان يلحق بأبيه في النقل، وفي معرفته باللغات وفصاحته فيها. وكان يُعرّبُ كتب الحكمة التي بلغة اليونانيين إلى اللغة العربيّة كما كان يفعل أبوه، إلاّ أنّ الذي يوجد من تعريبه في كتب الحكمة من كلام لأرسطاطايس وغيره أكثر ممّا يوجد من تعريبه لكتب الطبّ». أنظر كتاب: ابن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، المجلّد الأوّل، حقّقه إحسان عبّاس، (بيروت: دار صادر 1978)، ص 205. ونستدّل من المراجع القديمة أنّ إسحاق بن حنين قد دأب على الترجمة من اليونانيّة إلى العربيّة مباشرة، على عكس والده حنين بن إسحاق الذي كان يترجم من اليونانيّة إلى السريانيّة أوّلا، ثم يكلّف تلامذته بعد ذلك بالترجمة من السريانيّة إلى العربيّة رغم أنّه كان يجيد اللغة العربيّةً.
وردت هذه الدراسة في كتاب عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميّة: دراسات لكبار المستشرقين، (مصر: مكتبة النهضة العربيّة، 1940)، ص 58.
يَذْكر المستشرق مايرهوف في ذات الدراسة أسماء لمترجمين آخرين مثل ثابت بن قرّة الصابئ الحراني الذي «ترجم عدداً وافراً من الكتب الفلكيّة والرياضيّة من تأليف إقليدس، وأبلونيوس بيبس، ونيقوماخوس، وأوطولوقس، وثيودوسيوس، وبطليموس إلى العربيّة»، كما يأتي على ذكر المترجم قسطا بن لوقا النصراني من سوريا، الذي «ترجم كثيراً من المؤلّفات الطبيّة والرياضيّة.. والفلكيّة، وترجم إلى جانبها مؤلّفات فلسفيّة صحيحة أو منحولة.. ثم إنّ ثابت بن قرّة قد أصلح عدداً كبيراً من مترجمات اسحق بن حنين الفلسفيّة والرياضية». ص 59.
عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميّة: دراسات لكبار المستشرقين، ص 59.
المقصود بها علوم اليونان، وتسمّى أيضا علوم الأوائل أو الأوّلين أو الأمم السابقة.
ابن النديم هو محمّد بن إسحاق الوراّق المعروف بابن أبي يعقوب النديم أبو الفرج البغدادي، توفي سنة 385 هجريّة.
هكذا ورد في النصّ، وهو أرسطو أو أرسطوطاليس.
ابن النديم، كتاب الفهرست، (بيروت: دار إحياء التراث العربي)، ص 244.
عامر النجار، في مقدّمة تحقيق كتاب ابن أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء، ج 1، (مصر: دار المعارف، ط 1، 1996)، ص 35.
ابن النديم، كتاب الفهرست، ص 245.
عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميّة، ص ص 58 -59.
حسن حنفي، «أرسطو في علوم الحكمة: ملحمة البداية والنهاية» في: أرسطو وامتداداته الفكريّة في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة (أعمال الملتقى الدولي الثاني للفلسفة بالجزائر، فيفري 2001)، (الجزائر: دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع)، ص 34.
ورد هذا المقال في كتاب: عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميّة: دراسات لكبار المستشرقين، ص 118.
حسن حنفي، «أرسطو في علوم الحكمة: ملحمة البداية والنهاية» في: أرسطو وامتداداته الفكريّة في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة، ص 26 – 27.
المرجع نفسه، ص 26.
المرجع نفسه، ص ص 34 – 35.
المرجع نفسه، ص 36.
سندس محسن حميدي العبّـودي، النصّ بين الأصل والنقـل، (بغداد: كليّة التربيّة، جامعة بغداد)، (ورد هذا الكلام في المقدّمة).
حسن حنفي، «أرسطو في علوم الحكمة: ملحمة البداية والنهاية» في: أرسطو وامتداداته الفكريّة في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة، ص 36.
بول ريكور، عن الترجمة، تر: حسين خمري، (الجزائر، لبنان: منشورات الاختلاف، الدار العربيّة للعلوم ناشرون، 2008)، ص 15.
المرجع نفسه، ص 30.
المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
المرجع نفسه، ص 36.
المرجع نفسه، ص 67.
ابن النديم، الفهرست، ص 248.
الشهرستاني، الملل والنحـل، أشرف على تعديل هذا الكتاب وقدّم له صدقي جميل العطّار، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1997)، ص 300.
عبد الرحمن بدوي، أرسطو عند العرب، (الكويت: وكالة المطبوعات، ط 2، 1978)، ص 6.
أحصى ابن النديم في عصره جملة الكتب المنقولة من الأمم الأخرى المختلفة إلى اللغة والثقافة العربيّة وضمّنها كتابه الفهرست، وقد تنوّعت ــ حسب دراساته ــ مواضيع النقـول في مختلف العلوم والمعارف. وقد ألقي الكاتب الضوء، فضلا ًعن ذلك، على المؤلّفين والمترجمين والشارحين وحياتهم الشخصيّة والفكريّة حتى أواخر القرن الرابع الهجري، وركّز بشكل كبير على المصنّفات اليونانيّة والفارسيّة والسريانيّة التي انتقلت إلى اللسان العربي. ما يجعل هذا المصدر من أمّهات الكتب التي لا يستطيع الدارس الاستغناء عنها في موضوع النقول العربيّة للتراث اليوناني ومقارنة تلك النقول بأخرى معاصرة، ومواضيع كثيرة في الكتاب لا تقّل أهميّة عن سابقاتها.
ابن النديم، الفهرست، ص 250. والتركيز على هذه العبارة ليس في الأصل بل هو مضاف إلى النصّ. هذا ونلفتُ عناية القارئ إلى خلوّ هذه الفقـرة من الفواصل والنقاط، وقد كان هذا الأمر شائعاً في الكتب القديمة.
«أبو بشر متّى بن يونس وهو يونان [يوناني]من أهل دير قنى ممن نشأ في أسكول مرماري قرأ على قويري وعلى دوفيـــــــــــــــل وبنيامين وعلى أبي أحمد بن كرنيب وله تفسير من السرياني إلى العربي وإليه انتهت رياسة المنطقيّين في عصره. فمن تفسيره كتاب تفسير الثلاث مقالات الأواخر من تفسير ثامسطيوس كتاب نقل كتاب البرهان الفص كتاب نقل سوفسطيقا الفصّ كتاب نقل كتاب الكون والفساد بتفسير الإسكندر كتاب نقل كتاب الشعر الفص كتاب نقل اعتبار الحكم وتعقب المواضع لثامسطيوس». ورد هذا الكلام في كتاب الفهرست، ص 263.
ابن النديم، الفهرست، ص 251.
تشير بعض المراجع القديمة إلى أنّ الكندي (توفي عام 252 هجري) قد اختصر هذا الكتاب، لكنّ لا شيء وصل إلينا.
ابن النديم، الفهرست، ص 250.
راجع الجزء الموسوم بـ (اختلاف ضروب الشعر باختلاف موضوعاته) وباب (نشأة الشعر وأجناسه). متّى بن يونس، كتاب أرسطوطالس في الشعر، في: عبد الرحمن بدوي، أرسطوطاليس فنّ الشعر، ترجمه عن اليونانيّة وشرحه عبد الرحمن بدوي، (القاهرة: مكتبة النهضة المصريّة، 1953).
أبو نصر محمد بن طرخان الفارابي (260 هجري ـ 874 ميلادي / 339 هجري – 950 ميلادي) هو «أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان أصله من الفارياب من أرض خراسان من المتقدّمين في صناعة المنطق والعلوم القديمة وله من الكتب كتاب مراتب العلوم كتاب تفسير قطعة من كتاب الأخلاق لأرسطاليس وفسّر الفارابي من كتب أرسطاليس مما يوجد ويتداوله الناس ككتاب القياس قاطيغورياس كتاب البرهان أنالوطيقا الثاني كتاب الخطابة أروطوريقا كتاب المغالطين سوفسطيقا على جهة الجوامع وله جوامع لكتب المنطق لطاف». أنظر كتاب الفهرست، ص 263.
الرئيس أبو عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا (370 هجري – 980 ميلادي / 427 هجري – 1037 ميلادي) هو «الحكيم المشهور. اشتغل بالعلوم وحصّل الفنون ولما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن الغزير والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة.. نظر في النصوص والشروح وفتح الله عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك في علم الطبّ وتأمّل الكتب المصنّفة فيه، وعالج تأدّبا لا تكسّبا، وعلّمه حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدّة.. صنّف كتاب ” الشفاء” في الحكمة، و ” النجاة ”، و ” الإشارات ”، و” القانون”، وغير ذلك ما يقارب مائة مصنّف ما بين مطوّل ومختصر ورسالة في فنون شتى». أنظر كتاب: ابن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، المجلّد الثاني، حقّقه إحسان عبّاس، (بيروت: دار صادر 1978)، ص ص 157 – 158 – 160.
لا تعدّ ترجمة عبد الرحمن بدوي الترجمة الحديثة الوحيدة التي يتم تداولها، بل هناك ترجمات أخرى سنوردها فيما يلي: أ ــ كتاب الشعر لأرسطوطاليس، ترجمة إحسان عبّاس، عن دار الفكر العربي بالقاهرة، عام 1942، وهي أوّل ترجمة حديثة له. ب ــ أما الترجمة الثانيّة فهي تلك المعنونة نقد لبعض التراجم والشروح العربيّة لكتاب أرسطو في صنعة الشعر (بويطيقا) لصاحبها محمد خلف الله أحمد، عن مجلّة كليّة الآداب، جامعة فاروق الأول، مطبعة التجارة، الإسكندريّة عام 1946. ج ــ والثالثة كتاب أرسطوطاليس في الشعر نقل أبي بشر متى بن يونس القنائي من السرياني إلى العربي، من إنجاز شكري محمد عياد، عن دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة عام 1952. د ــ والترجمة الرابعة لـــ عبد الرحمن بدوي، وهي التي أشرنا إليها في هذه الدراسة، وتمّت عام 1952. ه ــ أما الترجمة الخامسة كتاب أرسطو (فن الشعر) فهي لـإبراهيم حمادة، عن مكتبة الأنجلو مصريّة، عام 1982.
ثامسطيـوس بن يوجينيـوس (317 م – 390 م) فيلسوف وخطيب وشارح لأرسطو.
أرسطوطاليس، فن الشعر، ترجمه عن اليونانيّة وشرحه عبد الرحمن بدوي، (القاهرة: مكتبة النهضة المصريّة، 1953). راجع تصدير المترجم، ص 53.
رسالة في قوانين صناعة الشعراء للمعلّم الثاني الفارابي، في: أرسطوطاليس فنّ الشعر، تر: عبد الرحمن بدوي، ص 158.
أرسطوطاليس، فنّ الشعر، تر: بدوي، أنظر تصدير المترجم، ص 53.
المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
«أبو زكريا يحي بن عدي بن حميد بن زكريّا المنطقي وإليه انتهت رياسة أصحابه في زماننا قرأ على أبي بشر متىّ وعلى أبي نصر الفارابي وعلى جماعة وكان أوحد دهره ومذهبه من مذاهب النصارى اليعقوبيّة قال لي يوما في الوراقين وقد عاتبته على كثرة نسخه فقال من أي شيء تعجب في هذا الوقت من صبري قد نسخت بخطّي نسختين من التفسير للطبري وحملتهما إلى ملوك الأطراف وقد كتبت من كتب المتكّلمين ما لا يحصى ولعهدي بنفسي وأنا أكتب في اليوم والليلة مائة ورقة وأقّل.. وله من الكتب والتفاسير النقول كتاب تفسير طوبيقا لأرسطاليس..». أنظر كذلك كتاب الفهرست، ص 264. وجاء في كتاب عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ص 81. الذي ذكرناه سابقاً، أن يحي بن عديّ المتوفى عام 364 هجرية، الموافق لـ 975 ميلاديّة «كان تلميذا ًكبيراً للفارابي وإليه انتهتْ رياسة أصحاب المنطق في عصره.. وقد عدَّ أشهر فيلسوف عربي ّنصراني.. كان نصرانياً يعقوبيّاً من تكريت (على الدجلة في شمال العراق).. وتراجمه من السريانيّة إلى العربيّة تشمل أولا المقولات، والطوبيقا، والتحاليل، والشعـر، والسوفسطيقا لأرسطوطاليس».
المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
فنّ الشعر من كتاب ”الشفاء” لابن سينا، في أرسطوطاليس فنّ الشعر، تر: عبد الرحمن بدوي، ص 161.
أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المعروف بابن رشد الحفيد (520 هجري – 1126 / 595 هجري -1198 ميلادي) هو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي وفلكي وفيزيائي أندلسي، تعرّض ابن رشد في آخر حياته لمحنة حيث اتّهمه علماء الأندلس والمعارضين له بالكفر والإلحاد ثم أبعده أبو يعقوب يوسف إلى مراكش فتوفيّ فيها. من كتبه المجتهد ونهاية المقتصد، ومناهج الأدلّة، وفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، وتهافت التهافت. وقد اشتهر بشروحه وتلاخيصه لأرسطو.
أرسطوطاليس، فنّ الشعر، تر: بدوي، أنظر تصدير المترجم، ص 55.
تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، في أرسطوطاليس فن الشعر، تر: عبد الرحمن بدوي، ص 201.
عرفت أوروبا كتاب فنّ الشعر لأرسطو عن طريق تلخيص ابن رشد الذي تمت ترجمته.
قسّم أرسطو الشعر إلى ثلاثة أقسام: الملحمي ــ التمثيلي ــ الغنائي، وجعل هذا الأخير في دائرة فنّ الموسيقى، أما الشعر التمثيلي فهو المأساة والملهاة.
تختلف المحاكاة في معناها الأرسطي عن مفهومها عند أفلاطون، فهيّ لا تعدّ تقليداً للواقع لما يوجد في عالم المثل عند أفلاطون، بل هي غريزية في الإنسان وهي تكشف عن الطاقات والمواهب الموجودة في النفس الإنسانيّة.
أرسطوطاليس، فنّ الشعر، تر: بدوي، ص 7.
كلاهما «نشأتا في الأصل من محاولات تلقائية فجّة ـ الأولى من أغاني الديثرامب الدينيّة والثانية من الأغاني الجنسيّة التي سادت الكثير من الاحتفالات في معظم المدن الإغريقية». راجع بهذا الصدد: رشا رشدي، نظريّة الدراما من أرسطو إلى الآن، (بيروت: دار العودة، ط 2، 1975)، ص 8.
أرسطوطاليس، فنّ الشعر، تر: بدوي، ص 10.
المرجع نفسه، ص 18.
المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
أرسطو، الخطابة، تر: عبد القادر قنيني، (المغرب: أفريقيا الشرق، 2008).
ابن أبي أصيبعة، كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ج1، ص 299.
أرسطوطاليس، فنّ الشعر، تر: بدوي، ص 12.
المرجع نفسه، ص 26.
أنظر باب ((ما هي الغاية من تعلّم فنّ الموسيقى)) وما يليه: في: أرسطو، في السياسة، نقله من الأصل اليوناني إلى العربّية وقدم له وعلّق عليه الأب أوغسطين برباره البولسي، ط 2، (لبنان: اللجنة اللبنانيّة لترجمة الروائع، 1980).
أنظر الكتاب العاشر من الجمهوريّة المعنون: ((المحاكاة في الشعر والفنّ)). أفلاطون، الجمهوريّة، دراسة وترجمة فؤاد زكريا، (الإسكندريّة: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر).
المرجع نفسه، ص 504.

======================================

(*) أكاديميّة وكاتبة من الجزائر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى