14 رسالة من فان جوخ إلي أخيه ثيو

- رسائل فان جوخ إلي أخيه
ترجمة: مرفت عمارة

28 يناير 1873
عزيزي ثيو:
أسعدتني سرعة ردك، وإعجابك ببروكسل، واستطاعتك العثور علي منزل جميل هناك، وإنك لا تفقد الحماس إذا قابلتك صعوبات أحيانا، فكل شئ سيكون علي ما يرام، ولا يمكن للمرء الحصول علي كل ما يتمناه منذ البداية، كم أشفق علي العم هين، آمل من كل قلبي أن يتم الله شفاءه، لكن، ياثيو، أخشي أن لا يتحقق ذلك، الصيف الماضي كان ممتلئا حماسا،متقد الذهن بالكثير من الخطط، وصرح لي بازدهار أعماله، شئ محزن. الأحد الماضي كنت في زيارة عمي لور، أمضيت هناك يوما ممتعا للغاية، ولك أن تتخيل، لقد استمتعت برؤية أشياء كثيرة جميلة، وكما تعرف، كان عمي عائدا لتوه من "باريس"، جالبا معه بعض الصور و اللوحات الرائعة، ظللت في»أمستردام» حتي صباح الاثنين، حيث قمت بجولة أخري بين المتاحف، هل تعلم أنهم بسبيل إقامة متحف جديد ضخم في «أمستردام»، بدلا من»تريبنهوس»؟، أعتقد أنه قرار صائب، فالمكان هناك أصبح ضيقا، تكتظ جدرانه باللوحات، مما يشكل صعوبة في رؤيتها.
كم أتوق لرؤية لوحات كلوسينير، لقد رأيت القليل منها و اعجبتني كثيرا، أعلمني إن كانت اللوحات الأخري من أعمال»الفريد» ستيفنز أو أيا كان اسمه الأول، فكل معلوماتي أن تلك اللوحات بعد روتا، حتي أنني شاهدتها بمعرض في «بروكسل»، تأكد من إعلامي عن أي لوحات رأيتها فدائما يسعدني ذلك، الألبوم الذي ذكرت لي عنوانه، لم يكن ما أقصده، إنه مجرد صور مطبوعة بعد كوروت، عموما أشكرك علي ما تكبدته من عناء، وآمل أن يصلني قريبا خطاب من أختي «أنا» فهي تتقاعس إلي حد ما عن الكتابة حتي يتأخر الوقت، باغتها بخطاب، سوف يسعدها ذلك، يبدو أنك شديد الانشغال، إلا أن ذلك لا يبدو أمرا سيئا، الجو بارد هنا، وقد بدءوا بالفعل في ممارسة التزحلق علي الجليد، أما أنا فأمارس رياضة المشي علي قدر المستطاع، أتمني لو أتحت لنفسك فرصة لممارسة التزحلق، انطواؤك سيؤدي لكشف سر لوحتي، إن كنت تكتب من البيت لا تذكرها، فكما تعرف أنها بمناسبة عيد ميلاد الأب، ولقد بعثت لك بالفعل تهنئة بمناسبة ذلك اليوم، خالص تحياتي للعم و العمة و مستر شميدت و إدوارد.
أخوك المحب دوما فينسنت

***

طريق وعر
باريس 25 سبتمبر 1874
عزيزي ثيو:
إنه طريق وعر، لذا علينا توخي الحذر، تعرف كيف وصل الآخرون لما كنا نتوق إليه، دعنا نتبع ذات الطريق السهل أيضا.
«صلي وأعمل»، دعنا ننجز واجباتنا اليومية، ونبذل أقصي ما في وسعنا، بكل ما أوتينا من قوة، ونؤمن أن الله سوف يجزينا بعطائه، ذلك الجانب لن يضيع هباء، ممن يتضرعون من أجله بالدعاء. ومن ثم إذا ظل المرء مع المسيح سيتحول إلي خلق جديد: وتمضي الأشياء القديمة بعيدا، وتختلف نظرته نحو الأشياء.
سوف أدمر كل كتبي التي حصلت عليها من ميشيليه...الخ، و ارجو أن تفعل مثلي.
كم أتوق للكريسماس، لكن دعنا نتحلي بالصبر، فسوف يأتي أقرب مما نأمل.
تشجع، يا رجل، تمنياتي لجميع الأصدقاء، وثق بي.
اخيك المحب فنسنت

***

بين ليلة وضحاها
باريس 14 أكتوبر 1875
عزيزي ثيو:
أبعث لك مرة أخري كلمات قليلة أسري بها عن نفسي وعنك، لقد نصحتك بتدمير كتبك، وأن تنفذ ذلك فورا، قم بذلك الآن، نعم، أفعل ذلك، فسوف يمنحك شعورا بالراحة، لكن إهتم أيضا أن لا يصبح أفقك محصورا وضيقا، بالخوف من قراءة ما كُتب ببراعة، علي العكس فإن القيام بذلك شيئ مريح في الحياة.
أيا كانت الأشياء حقيقية، وأيا كانت الأشياء صادقة، وأيا كانت الأشياء منصفة، وأيا كانت الأشياء صافية، وأيا كانت الأشياء جميلة، و أيا كانت الأشياء جيدة، إذا كان هناك أي تأثير، وإذا كان هناك أي مدح، تذكر كل ذلك.ابحث عن النور والحرية، لا تتعمق في تأمل شر الحياة.
كم أتوق لوجودك هنا لنذهب سويا لمشاهدة «لوكسمبرج» و»اللوفر»، إلا أن في ظني أنك ستأتي بعد حين، كتب لي والدي في إحدي المرات:»تذكر دائما حكاية «إيكاروس»، عندما أراد الطيران نحو الشمس، وعند بلوغه ارتفاع معين، فقد جناحيه، وسقط في البحر»، سوف تشعر باستمرار أنه لا أنا ولا أنت سنصل لما نتمناه يوما ما، وسنظل أدني بكثير من أبينا والآخرين، عن ما نصبو إليه من الصلابة، والبساطة، و الصدق والإخلاص، المرء لا يصل إلي كل ما يرجوه بأن يصبح بسيطا وصادقا بين ليلة و ضحاها.
لكن قبل كل شئ دعنا نتحلي بالصبر والمثابرة، المؤمنون لا يتعجلون، لا يزال هناك فارقا بين تلهفنا أن نصبح مسيحيين حقيقيين، وما فعله»إيكاروس» بالطيران نحو الشمس، لا أعتقد أن هناك ضررا من بدن معافي نسبيا، اهتم بحصولك علي غذاء جيد، إذا انتابك أحيانا الإحساس بالجوع، أو بالأحري إنفتاح الشهية، كُل جيدا، أؤكد لك أنني أفعل ذلك، وهو ما يحدث في الغالب، خاصة الخبز يا ولد:» الخبز هو عصب الحياة»، مثل سائر الإنجليز» بالرغم من ولعهم باللحم أيضا، وتناوله بكثرة علي وجه العموم «، كل ما عليك فعله الآن هو الكتابة لي وعلي الفور، دعك من الأمور الحياتية اليومية.
أحرص دائما علي التحلي بالشجاعة، وبلغ تحياتي لكل من يسأل عني، أرجو أن نتقابل في غضون شهر أو أثنين. سلامي الحار، علي الدوام.
أخيك المحب فنسنت

***

لأجل خاطر أمي
رامز جيت إنجلترا 31مايو1876
عزيزي ثيو:
برافو، لاستطاعتك التواجد في "إيتن" يوم21 مايو، حيث كان بالبيت أربعة أطفال من أصل ستة، لقد كتب لي والدي تفاصيل أحداث ذلك اليوم. كما أشكرك علي خطابك الأخير. هل حكيت لك عن آخر عاصفة شاهدتها أخيرا؟ كان لون البحر مائلا للاصفرار خاصة بالقرب من الشاطئ، بينما يبدو في الأفق شعاع ضوء يعلوه سحاب هائل رمادي داكن، ينهمر المطر من خلاله في خطوط مائلة، بينما الرياح تثير غبارا عبر ممر أبيض ضيق فوق الصخور داخل البحر، حيث شجيرات الزعرور البري المزهرة، والنباتات العشبية النامية فوق الصخور تتمايل بشدة، وناحية اليمين تقع حقول الذرة الخضراء اليافعة القريبة من بلدة تشبه تلك التي إعتاد البرت دورر رسمها، بأبراجها وطواحينها، وقراميد أسقفها، وبيوتها المبنية علي الطراز القوطي، تحتها يقع المرفأ المحصور بين حاجزين، تم تطويحهما بعيدا داخل البحر.
مساء الأحد الماضي جلست أرقب البحر، حين بدا كل شئ رماديا مظلما، إلا من بزوغ فجر يوم جديد في الأفق.
بالرغم من أن الوقت كان لا يزال مبكرا، إلا أن القنابر كانت قد بدأت تصدح بالفعل، كذلك طيور العندليب في الحدائق المجاورة للبحر، بينما علي مسافة قريبة يظهر ضوء الفنار، وحارسه...الخ.
في نفس الليلة نظرت عبر نافذة حجرتي شاخصا ببصري نحو أسطح البيوت الظاهرة للعين من هذا المكان، عبر قمم أشجار الدردار، حين يكتنف سماء الليل ظلام حالك، بينما هناك في الأعلي فوق الأسطح نجمة وحيدة، لكن جميلة، رحبة، ودودة.
مررتم بخاطري جميعا، سنواتي الماضية، بيتنا، جاشت بداخلي مشاعر وكلمات:» فلأبتعد عن كوني إبنا جالبا للعار، اشملني بنعمتك، ليس بسبب استحقاقي لها، بل لأجل خاطر أمي، الله محبة، تعم كل شئ، بلا دوام النعمة لم نكن لننجح في أي شئ»
ما أرفقته ينسحب قليلا علي مشهد كنت أراه من خلال نافذة المدرسة، حين كان الأولاد يلوحون لآبائهم مودعين إياهم لدي عودتهم للمحطة بعد انتهاء الزيارة، لن ينمحي من ذاكرة أي منا مشهد النافذة هذا إلي الأبد، كان ينبغي لك رؤية ذلك حين سقوط المطر هذا الأسبوع، خاصة عند الشفق عندما تضاء الأنوار، وتنعكس أضوائها علي أرضية الشوارع المبللة.
مثل ذلك اليوم قد تنفلت فيه أعصاب مستر ستوكز، وعندما يثير لأولاد ضجة أكثر مما ينبغي، يحدث أحيانا أن يكون عليهم المغادرة دون تناول طعام العشاء، كنت أتمني لو تراهم وهم ينظرون عبر النافذة، شئ محزن، لم يكن لديهم ما يتطلعون إليه سوي وجباتهم التي تساعدهم علي تحمل مرور الأيام، كنت أتمني أن تري كيف يجتازون السلالم المظلمة مارين بحجرة الطعام، حيث تغمرها أشعة الشمس.
مكان عجيب آخر وهو حجرة ذات أرضية عطنة، بها ستة أحواض استحمام يغتسلون فيها، بينما يتسلل ضوء خافت من خلال ألواح الزجاج المكسورة للنافذة نحو حوض الاستحمام، في مشهد حزين آخر يدعو للاكتئاب، كنت أود قضاء الشتاء معهم أو لو كنت أمضيت شتاء معهم في الماضي حتي أعرف كيف يبدو الأمر، الأولاد يحدثون بقعا زيتية علي لوحاتك، أرجو التماس العذر لهم».
أرفق برسالتك جزء للعم جان، والآن عمت مساء، إذا استفسر أحدهم منك عن أحوالي أبلغه أطيب تمنياتي، هل تزور بورشر من وقت لآخر؟ إذا رأيته أبلغه تحياتي، وكذلك ويليام فالكيز، وكل من في روز، شد علي أيديهم نيابة عني.
أخيك المحب فينسنت

***

برفات الشفق
أمستردام 18 ديسمبر 1877
عزيزي ثيو
اقترب موعد ذهابك المنتظر إلي رحلة عمل ل Messrs,Goupil and CO. لدي شعور مسبق بالاستمتاع لتوقع مقابلتك مرة أخري، أريد منك طلبا واحدا: ألا يمكنك تدبير الأمر بحيث نتمكن من قضاء ولو يوما واحدا علي الأقل في هدوء وسكينة؟
هذا الأسبوع منذر خارج المدينة، ذهب لقضاء بضعة أيام مع القس شودر في»زول»، إنه تلميذه السابق، مما يتيح لي بعض وقت فراغ يمكن استغلاله في تنفيذ خطة قديمة لرؤية لوحات رامبرانت في»تريبنهاوس»، لقد ذهبت إلي هناك صباح اليوم وأنا سعيد لقيامي بذلك، بينما كنت هناك فكرت هل من الممكن أن يأتي اليوم الذي نجيء فيه سويا أنا وثيو لمشاهدتهم؟
فكر في ذلك مليا، إذا كان في وسعك تدبير يوم أواثنين لمثل تلك الأشياء. كيف كان لرجل مثل أبينا، كان غالبية الوقت يرتحل بعيدا، ولو آناء الليل علي ضوء فانوس، كي يزور رجلا مريضا أو يحتضر، ليتبادلا حديثا حول شخص ذي قول مضئ حتي في ليلة من المعاناة والعذاب. فما بالك بإحساسه أمام لوحة رامبرانت»رحلة طيران ليلية إلي مصر»، أو»قبر المسيح»؟ المجموعة المعروضة في»تريبنهاوس» غاية في الروعة، الكثير من اللوحات التي رايتها لم تقع عليها عيناي من قبل علي الإطلاق، قيل لي أيضا عن وجود بعض لوحات رامبرانت بمتحف»فودور»، إذا رأيت أنه في الإمكان، تحدث عنها مع مستر ترستيج، ونوه لي عند قرب مجيئك، حتي أتمكن الانتهاء من عملي وأكون حرا وطوع بنانك عند حضورك.
لم أر مثيلا لها من قبل، سواء اللوحات، أو النقوش، إلا أنك لم تبرح خيالي وجميع من في الوطن.
لكني أصبحت غارقا حتي أذني في عملي، حتي يصبح واضحا لي ما يتوجب معرفته حقا، وما يعرفونه»هم»، ومصدر إلهام»هؤلاء» ممن يجب السير علي نهجهم،»إتبع الكتب المقدسة» عبارة لم تكتب عبثا، فهي دليل هام، أستخلص من كنوزه وهلم جرا أشياء جديدة و قديمة.
(تلا ذلك جزء كتب فيه فنسنت عن الحياة العائلية لكي وزوجها، كما عرفها في زيارة قريبة- بعدها وقع فنسنت في هواها حين أصبحت أرملة- وحول الموعظتين اللتين تلقاهما أخيرا).
كتب لي والدي إنك أمضيت فترة في»أنتورب»، وأتوق لسماع ما شاهدته هناك.
منذ فترة طويلة شاهدت أيضا الصور القديمة داخل المتحف، وأعتقد أنني أتذكر حتي رؤية صور بورتريه لرامبرانت، لو استطاع المرء تذكر الأشياء بوضوح، لكان شيئا رائعا، إلا أن ذلك يبدو مثل مشهد عبر طريق طويل، تبدو فيه الأشياء من بعيد صغيرة و ضبابية.
في إحدي الليالي شب حريق هنا داخل النهر، كان قاربا محملا بشراب العرق، أو ما شابه ذلك، اشتعلت به النار: كنت مع خالي علي سطح»واسينار»، وكان بيننا حوار ذو صلة، ليس هناك أكثر خطورة من نقلهم المركب البخاري بين القوارب الأخري وربطه حتي الصباح، بينما الدخان يرتفع عاليا تظهر «بيتنكانت» حيث صف قصيرأسود من الناس يقفون لمتابعة المشهد، والقوارب الصغيرة تحوم حول لهب النار تبدو أيضا سوداء علي صفحة الماء المنعكس عليها الدخان لا أعرف إن كنت تتذكر الصور التالية لأعمال «الجازيت» التي كانت موجودة في معرض للصور الفوتوغرافية في ذلك الوقت، إلا أنها دمرت حينها، ومنها» عيد الكريسماس» و»الحريق» وغيرها، كان ذلك شيئا مثلها.
لقد هبط الشفق» بارك الله الشفق»، ديكنز استدعاه و بالطبع كان علي حق، بارك الله الشفق خاصة عندما يصبح إثنان أو ثلاثة منسجمين فكريا، مثل أدباء يستلهمون باستمرار من كنوزهم أشياء قديمة وجديدة، بارك الله الشفق حينما يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه، ويكون هو وسطهم، و البركة في رجل يعرف تلك الأشياء و يتّبعها أيضا.
رامبرانت يعلم ذلك، لمن غيره كنوزا ثمينة في أعماقه ظل يستلهمها وهلم جرا من بين أشياء أخري مرسومة باللون البني الداكن، والفحم، والحبر،الخ مثل تلك الموجودة بالمتحف البريطاني وتصور بيت في»بيثاني»، في تلك الحجرة هبط الشفق، رمز إلهنا، نبيلا رائعا، يقف خارجا برصانة،عبر نافذة يتسلل من خلالها شفق الليل.عند قدمي المسيح تجلس مريم مختارة ذلك الجانب الطيب الذي م المستحيل انتزاعه من داخلها، بينما مارتا في الحجرة منشغلة بشئ أو بآخر، علي ما أذكر كانت محدقة نحو النار أو ما شابه ذلك، تلك اللوحة أتمني ألا أنساها قط، أو ما يبدو أن توحي لي به:»أنا نور الكون، من يتبعني لن تكتنف مسيرته الظلام، بل سوف يمتلك نور الحياة».
تلك أشياء يقولها الشفق لمن لهم آذان يسمعون بها، وقلب يفهم و يؤمن بمباركة الرب للشفق! في تلك اللوحة لرويبرز تحت إسم» محاكاة يسوع المسيح» هناك أيضا شفق، وأيضا في رسم آخر لرامبرانت» ديفيد في صلاة للرب».
لكن ليس هناك دائما بركات للشفق، كما تري من خط يدي، وأنا جالس بالدور العلوي بجوار مصباح، لوجود زوار بالدور السفلي بما لا يمكنني من الجلوس مع كتبي.
العم جان يبعث لك تحياته...
استمتع بوقتك، أكتب لي سريعا، وتعالي بسرعة، لأن من الجيد أن نتقابل مرة أخري، نتحاور في أشياء، ربما نتمكن هذا الصيف من الذهاب لزيارة المعرض الذي سوف يفتتح بعد أيام قليلة، تحياتي لآل روز وسلامي الحار.
أخيك المحب
فنسنت
إذا حدث ووقعت في الحب، وجاء رد الفعل»لايمكن، أبدا، علي الإطلاق»، لا تستسلم لذلك، إلا إنك ذلك المحظوظ الذي أثق أنه لن يتعرض لهذا.

***

الهواء الطلق
لاهاي النصف الثاني من شهر يوليو 1882
أخي العزيز
الوقت متأخر حقا، إلا أنني أرغب معاودة الكتابة اليك مرة أخري.
لست بجانبي هنا، إلا إنني كنت أتمني ذلك، وأحيانا يبدو لي أننا غير بعيدين عن بعضنا.
اليوم قطعت وعدا علي نفسي، مع الأخذ في الاعتبار مسألة مرضي، أو بالأحري ما تبقي منه، كأنه لم يكن(كان يجب مكوثه بالمستشفي لمتاعب في المثانة و إصابته بالأرق) يكفي ما ضاع من وقت، لابد من الاستمرار في العمل، لذلك، سواء رضينا أم لم نرضي، يجب البدء في معاودة الرسم بنشاط مرة أخري، وبانتظام منذ الصباح وحتي المساء، لا أريد أحدا يقول لي:»أوه، إنها مجرد رسومات قديمة (عفي عليها الزمان)»
رسمت اليوم لوحة مهد مع لمسات قليلة من الألوان.
وأعمل أيضا في لوحة مثل تلك المحتوية علي مروج التي أرسلتها لك أخيرا، تحولت يداي إلي اللون الأبيض الشاهق، لكن هل علي أي لوم؟
سوف أخرج للعمل في الهواء الطلق، حتي لو تسبب ذلك في معاودة المرض، لن أتحمل البعد عن العمل أكثر من ذلك.
الفن امرأة غيور لا تقبل تفضيل المرض عليها وأنا طوع أمرها.
من أجل ذلك آمل أن تتسلم بعد فترة قصيرة رسوم جديدة جيدة، أناس مثلي ليس لهم أن يمرضوا، إذا جاز التعبير.
عليك فهم وجهة نظري نحو الفن بصورة صحيحة، من أجل إدراك الجوهر، علي المرء بذل جهدا شاق و طويل، ما أريده وأهدف إليه صعب بشكل مربك، علاوة علي عدم اعتقادي أن هدفي مبالغ فيه.
أريد صنع لوحات تمس بعض الناس، الحزن مجرد بداية، وربما بعض من المناظر الطبيعية مثل شارع»ميردرفوت»، أو مروج» ريجزويك»، أيضا مبني مصنع تجفيف الأسماك تعتبر أيضا بداية بسيطة. فيها علي الأقل شئ ينبع من قلبي مباشرة.
كذلك عند رسم شخصية أو مشهد، كنت أتمني التعبير من خلاله ليس عن مشاعر سوداوية، بل عن حزن دفين. باختصار، أود الوصول لأبعد من ذلك، أن يقول الناس عن أعمالي: إن إحساسه عميق، ومشاعره حانية، رغم ما قيل عني من فظاظة، بل وربما بسببه أيضا.
الحديث بتلك الطريقة الآن يبدو طموحا، إلا أن ذلك هو ما دعاني لدفع الأمور بكل قوة.
كيف أبدو في عيون معظم الناس؟- شخص نكرة، أم غريب الأطوار، أم شخص كريه مزعج- شخص ليست له مكانة في المجتمع ولن يحصل عليها أبدا، باختصار، أسفل سافلين، عظيم جدا، إذا كان ذلك حقيقيا، عندها يجب أن أظهر في أعمالي أن لا شئ من هذا القبيل داخل أعماق ذلك الرجل الغريب الأطوار.
ذلك طموحي، الذي، بالرغم من كل شئ، أُسس علي الغضب أقل من الحب، وأسس أكثر علي الصفاء عن العاطفة في الحقيقة أنا في أغلب الأحيان في أعظم بؤس إلا أنه لا يزال هناك بداخلي، إيقاع هادئ صاف، وموسيقي. ففي أفقر الأكواخ، وفي أقذر الزوايا، أري رسوما ولوحات، وبقوة خارقة يتوجه تفكيري منسحبا نحو تلك الأشياء.
وتفقد أشياء أخري أكثر وأكثر أهميتها، وزاد تخلصي منها، الحاجة الملحة للفن تدفع إلي المثابرة في العمل، العمل بالرغم من كل شئ، و الملاحظة الدؤوبة.
بالمثابرة، وأعني في المقام الأول مواصلة العمل، لكن أيضا عدم التخلي عن موقفك تجاه مزايدة شخص أوآخر، أتمني، يا أخي، أني خلال سنوات قليلة، وربما حتي في الوقت الحالي، شيئا فشيئا سوف تري مني أشياء تجعلك راضيا عن تضحياتك.
لقد وطدت علاقات قليلة جدا مع فنانين آخرين الفترة الأخيرة، ولم أكن الأسوأ فيها، ليس بسبب لغة الرسامين بل لغة طبيعة من يجب عليه الإنصات، أستطيع فهم الآن أكثر من ستة شهور مضت سبب قول موف لي:» لا تحدثني عن دوبريه، تحدث عوضا عن ذلك عن بنك في ذلك الخندق، أو شيئا من هذا القبيل»، لقد بدا شئ فظاً إلي حد ما، لكنه أصاب الحقيقة، فالإحساس نحو الأشياء نفسها، في الحقيقة، أهم من الإحساس تجاه لوحات أو صور، علي الأقل هو أكثر فائدة و أكثر حيوية. لأنني حاليا لدي إحساس واضح رحب حول الفن والحياة ذاتها، من حيث أن الفن هو الجوهر والروح، و لي شيئا ثقيلا و غادرا أن يحاول الناس إرغامي علي شئ.
من جهتي أجد في كثير من اللوحات الحديثة سحرا غريبا وهو ما ينقص قدامي الرواد.
بالنسبة لي أجد أرقي و أنبل تعبيرات الفن تأتي دائما من الإنجليز، أمثال ميليه وهيركومر وفرانك هول «يعرفهم فنسنت كرسامين جرافيك»، ما أقصده بشأن الفرق بين الرواد القدامي و الجدد هو أنه ربما يكون فكر الجدد أكثر عمقا،
هناك اختلاف كبير في الإحساس بين لوحة»برد أكتوبر» لميليه، وBleachery at Overveen لرويسدايل، و أيضا بين لوحة»المهاجرين الأيرلنديين» لهول، و»قراءة الإنجيل» لرامبرانت.
رامبرانت وروديسدايل رفيعي المستوي، بالنسبة لنا و لمعاصريهم، إلا أن هناك شئ في الفنانين الجدد يجذبنا شخصيا أكثر وبحميمية.
نفس الشئ بالنسبة لطبع الكليشيه علي الخشب لسوان و الرواد القدامي من الألمان.
لذلك أجد سوء تقدير من الفنانين الجدد في قيامهم بمحاولة تقليد قدامي الرواد منذ بضع سنوات.
علي ذلك أعتقد أن الأب ميليه كان مصيبا في قوله:»يبدو سخيفا لي، أنه ينبغي علي الرجال أن يظهروا مختلفين وعلي غير حقيقتهم».
ومن المعتاد قول، فوق ذلك، أري وجود عمق شديد، مثل المحيط، بينما بدوري أعتقد أن المرء يحسن صنعا إذا استفتي قلبه.
كل ما أريد أن تعرفه، أنني سوف أعاود العمل بهمة و نشاط و بانتظام مرة أخري، برغم كل شئ، أضف إشتياقي لوصول خطاب منك قريبا، وفي تلك اللحظة تمنياتي لك بليلة سعيدة، وأشد علي يدك مودعا.
المخلص فينسنت
أرجو أن لاتنسي النسيج السميك، إن استطعت العثور عليه، سأرسل لك عينة، لا يزال لدي النوع الخفيف، السميك يتيح لي نشر الألوان المائية، بينما الآخر يصبح ملطخا غصبا عني.
آمل الانتهاء من رسم ذلك المهد الصغير بإتقان في أسرع وقت، مع عدم احتساب ما قمت به اليوم.

***

ليلة مزدانة بالنجوم
»إرلز« النصف الأول من إبريل1888
عزيزي ثيو:
شكرا علي رسالتك، وإشعار المائة فرانك المرفق بها، لقد أرسلت لك إسكتشات اللوحات التي ستذهب إلي «هولندا»، طبيعي أن تكون دراسه الرسم أكثر إشراقا من حيث الألوان، لقد كنت قاسيا بشأنها مرة أخري، لاتزال البساتين مزهرة.
الجو هنا ملائم لي بلا أدني شك، أتمني لو استطعت ملء رئتيك منه، هناك تأثير واحد هزلي بما فيه الكفاية، أن كأسا صغيرة واحدة تسكرني هنا، وعلي ذلك لايجب العودة إلي المشروبات الكحولية لتنشيط الدورة الدموية، هذا سوف يقل من توتر مزاجي، الشئ الوحيد هو أن معدتي أصبحت ضعيفة جدا منذ حضوري إلي هنا، لكن قد تكون مسألة وقت.
يحدوني الأمل في تحقيق تقدم هذا العام، الحقيقة أحتاج لذلك جدا.
عندي بستان فاكهة جديد، في جودة أشجار الخوخِ الملوّنةِ الورديةِ، و أشجار المشمش بأزهارها شديدة الشحوب. حاليا أعمل علي بعض أشجار البرقوق البيضاء المائلة للإصفرار، مع آلاف الأغصان السوداء، أستخدم كم هائل من الألوان والقماش، وآمل ألا يكون رغم ذلك إضاعة للمال، فمن أصل اربعة لوحات زيتية علي القماش ربما واحدة علي الأكثر منها تصبح لوحة، مثل تلك المرسومة من أجل ترستيج أو موف، لكن الدراساتن سوف تحقق نجاحا علي سبيل التغيير(التبديل).
متي يمكنني إرسال أي شئ لك؟
تحدوني رغبه عارمة لصنع نسخة مكررة مثلما حدث في «ترستيج» لأنها أفضل من دراسات «آسنيير»(حيث كان يرسم أيام كان في باريس».
بالأمس شاهدت مصارعة أخري للثيران، كان هناك خمسة رجال يلهون الثور بالسهام و الأشرطة، أحد مصارعي الثيران سحقت خصيته بينما كان يقفز فوق السياج الحاجز، كان رجلا وسيما رابط الجأش عيناه رماديتانن قال الناس أنه سوف يظل يعاني طويلا بما فيه الكفاية، كان يرتدي زيا باللون الأزرق السماوي الموشي بالذهب، تماما مثل الفارس الضئيل ببلدتنا «مونتيسللي»، والثلاثة أشخاص بالبرميل.
وكان مشهد الحلبة رائع تحت أشعة الشمس والزحام.
هنيئا لبيساور أعتقد أنه علي الطري الصحيح، آمل أن يحدث تبادل بيننا يوما ما. وسورات بالمثل، وسوف يكون من الجيد الحصول علي دراسة مرسومة منه.
حسنا، أنا أبذل جهدا كبيرا، آملا أن نستطيع تحقيق شيئا من هذا القبيل.
الشهر الحالي سوف يمر بصعوبة علي كل منا، لكن إذا استطعت تدبير الأمور سوف تتاح لنا الفرصة لبذل أقصي ما في وسعنا من البساتين المزهرةن أنا في بداية مبشرة حاليا، و أعتقد أنه يجب أن يكون لدي عشرة أخري إضافية، لنفس الموضوع، أنت تعرف أنني متجدد في عملي، وذلك الجنون في رسم البساتين لن يستمر للأبد، بعد ذلك ربما أرسم حلبات مصارعة الثيران، عندها يجب إنجاز كم هائل من الرسومات، لأنني أريد صنه بعض اللوحات علي نهج لوحات اليابانيين، أنا فقط يمكنني الإستمرار في الطرق علي الحديد طالما هو ساخن.
سأكون آخر تمام عند إنتهاء جميع البساتين، لأن قماشهم بمقاس 25 و30 و20، لن نتمكن من الحصول علي الكثير منهم، حتي لو استطعت جلب ضعف عددهم. يبدو لي أن ذلك ربما في الحقيقة يكسر حدة الجليد في هولندان وفاة موف عصفت بي بشدة، لذا سوف تري أشجار الخوخ الوردية مرسومة بإحساس معين.
يجب علي إجتياز ليلة مزدانة بالنجوم مع اشجار السرو(تزرع عند القبور)، أو ربما قاهرا حقلا من الذرة اليافعة، حيث بعض الليالي الرائعة هنا، أنا غارق في حمي وطيس العمل.
يكاد يقتلني الفضول لمعرفة ما النتيجة التي سوف أتوصل اليها في نهاية العام.
و آمل حتي ذلك الحين أن يقل ضيقي بنوبات المرض، حاليا إلي حد ما أشعر بالسوء في بعض الأيام، إلا أن ذلك لا يقلقني علي الأقل، فهو لا شئ بالمقارنة برد الفعل بعد آخر شتاء الذي كان خارجا عن المعتاد، الدم في عروقي يتدفق جيدا، وهو شئ عظيم.
يجب أن أصل إلي الحد الذي تغطي فيه لوحاتي كل نفقاتي، وحتي ما هو أكثر من ذلك، آخذا في الاعتبار إنفاقي الزائد عن الحد في الماضي، حسنا، سوف يحدث ذلك، لم أحقق نجاحا في كل شئ، أعترف، إلا أنني علي الطريق، حتي الآن لم تتذمر بسبب نفقاتي هنا، إلا أنني أحذرك إذا واصلت العمل علي نفس المستوي سوف أواجه مأزقا حقيقيا، لكن العمل شئ شاق حقا. نصحتك بتدمير كتبك، وأن تنفذ ذلك فورا، قم بذلك الآن، نعم، افعل ذلك،
فسوف يمنحك شعورا بالراحة
سنظل أدني بكثير من أبينا والآخرين، عما نصبو إليه
من الصلابة، والبساطة، و الصدق والإخلاص، المرء لا يصل
إلي كل ما يرجوه بأن يصبح بسيطا وصادقا بين ليلة و ضحاها

***

28 يناير 1873
عزيزي ثيو:
أسعدتني سرعة ردك، وإعجابك ببروكسل، واستطاعتك العثور علي منزل جميل هناك، وإنك لا تفقد الحماس إذا قابلتك صعوبات أحيانا، فكل شئ سيكون علي ما يرام، ولا يمكن للمرء الحصول علي كل ما يتمناه منذ البداية، كم أشفق علي العم هين، آمل من كل قلبي أن يتم الله شفاءه، لكن، ياثيو، أخشي أن لا يتحقق ذلك، الصيف الماضي كان ممتلئا حماسا،متقد الذهن بالكثير من الخطط، وصرح لي بازدهار أعماله، شئ محزن. الأحد الماضي كنت في زيارة عمي لور، أمضيت هناك يوما ممتعا للغاية، ولك أن تتخيل، لقد استمتعت برؤية أشياء كثيرة جميلة، وكما تعرف، كان عمي عائدا لتوه من "باريس"، جالبا معه بعض الصور و اللوحات الرائعة، ظللت في»أمستردام» حتي صباح الاثنين، حيث قمت بجولة أخري بين المتاحف، هل تعلم أنهم بسبيل إقامة متحف جديد ضخم في «أمستردام»، بدلا من»تريبنهوس»؟، أعتقد أنه قرار صائب، فالمكان هناك أصبح ضيقا، تكتظ جدرانه باللوحات، مما يشكل صعوبة في رؤيتها.
كم أتوق لرؤية لوحات كلوسينير، لقد رأيت القليل منها و اعجبتني كثيرا، أعلمني إن كانت اللوحات الأخري من أعمال»الفريد» ستيفنز أو أيا كان اسمه الأول، فكل معلوماتي أن تلك اللوحات بعد روتا، حتي أنني شاهدتها بمعرض في «بروكسل»، تأكد من إعلامي عن أي لوحات رأيتها فدائما يسعدني ذلك، الألبوم الذي ذكرت لي عنوانه، لم يكن ما أقصده، إنه مجرد صور مطبوعة بعد كوروت، عموما أشكرك علي ما تكبدته من عناء، وآمل أن يصلني قريبا خطاب من أختي «أنا» فهي تتقاعس إلي حد ما عن الكتابة حتي يتأخر الوقت، باغتها بخطاب، سوف يسعدها ذلك، يبدو أنك شديد الانشغال، إلا أن ذلك لا يبدو أمرا سيئا، الجو بارد هنا، وقد بدءوا بالفعل في ممارسة التزحلق علي الجليد، أما أنا فأمارس رياضة المشي علي قدر المستطاع، أتمني لو أتحت لنفسك فرصة لممارسة التزحلق، انطواؤك سيؤدي لكشف سر لوحتي، إن كنت تكتب من البيت لا تذكرها، فكما تعرف أنها بمناسبة عيد ميلاد الأب، ولقد بعثت لك بالفعل تهنئة بمناسبة ذلك اليوم، خالص تحياتي للعم و العمة و مستر شميدت و إدوارد.
أخوك المحب دوما فينسنت

***

طريق وعر
باريس 25 سبتمبر 1874
عزيزي ثيو:
إنه طريق وعر، لذا علينا توخي الحذر، تعرف كيف وصل الآخرون لما كنا نتوق إليه، دعنا نتبع ذات الطريق السهل أيضا.
«صلي وأعمل»، دعنا ننجز واجباتنا اليومية، ونبذل أقصي ما في وسعنا، بكل ما أوتينا من قوة، ونؤمن أن الله سوف يجزينا بعطائه، ذلك الجانب لن يضيع هباء، ممن يتضرعون من أجله بالدعاء. ومن ثم إذا ظل المرء مع المسيح سيتحول إلي خلق جديد: وتمضي الأشياء القديمة بعيدا، وتختلف نظرته نحو الأشياء.
سوف أدمر كل كتبي التي حصلت عليها من ميشيليه...الخ، و ارجو أن تفعل مثلي.
كم أتوق للكريسماس، لكن دعنا نتحلي بالصبر، فسوف يأتي أقرب مما نأمل.
تشجع، يا رجل، تمنياتي لجميع الأصدقاء، وثق بي.
اخيك المحب فنسنت

***

بين ليلة وضحاها
باريس 14 أكتوبر 1875
عزيزي ثيو:
أبعث لك مرة أخري كلمات قليلة أسري بها عن نفسي وعنك، لقد نصحتك بتدمير كتبك، وأن تنفذ ذلك فورا، قم بذلك الآن، نعم، أفعل ذلك، فسوف يمنحك شعورا بالراحة، لكن إهتم أيضا أن لا يصبح أفقك محصورا وضيقا، بالخوف من قراءة ما كُتب ببراعة، علي العكس فإن القيام بذلك شيئ مريح في الحياة.
أيا كانت الأشياء حقيقية، وأيا كانت الأشياء صادقة، وأيا كانت الأشياء منصفة، وأيا كانت الأشياء صافية، وأيا كانت الأشياء جميلة، و أيا كانت الأشياء جيدة، إذا كان هناك أي تأثير، وإذا كان هناك أي مدح، تذكر كل ذلك.ابحث عن النور والحرية، لا تتعمق في تأمل شر الحياة.
كم أتوق لوجودك هنا لنذهب سويا لمشاهدة «لوكسمبرج» و»اللوفر»، إلا أن في ظني أنك ستأتي بعد حين، كتب لي والدي في إحدي المرات:»تذكر دائما حكاية «إيكاروس»، عندما أراد الطيران نحو الشمس، وعند بلوغه ارتفاع معين، فقد جناحيه، وسقط في البحر»، سوف تشعر باستمرار أنه لا أنا ولا أنت سنصل لما نتمناه يوما ما، وسنظل أدني بكثير من أبينا والآخرين، عن ما نصبو إليه من الصلابة، والبساطة، و الصدق والإخلاص، المرء لا يصل إلي كل ما يرجوه بأن يصبح بسيطا وصادقا بين ليلة و ضحاها.
لكن قبل كل شئ دعنا نتحلي بالصبر والمثابرة، المؤمنون لا يتعجلون، لا يزال هناك فارقا بين تلهفنا أن نصبح مسيحيين حقيقيين، وما فعله»إيكاروس» بالطيران نحو الشمس، لا أعتقد أن هناك ضررا من بدن معافي نسبيا، اهتم بحصولك علي غذاء جيد، إذا انتابك أحيانا الإحساس بالجوع، أو بالأحري إنفتاح الشهية، كُل جيدا، أؤكد لك أنني أفعل ذلك، وهو ما يحدث في الغالب، خاصة الخبز يا ولد:» الخبز هو عصب الحياة»، مثل سائر الإنجليز» بالرغم من ولعهم باللحم أيضا، وتناوله بكثرة علي وجه العموم «، كل ما عليك فعله الآن هو الكتابة لي وعلي الفور، دعك من الأمور الحياتية اليومية.
أحرص دائما علي التحلي بالشجاعة، وبلغ تحياتي لكل من يسأل عني، أرجو أن نتقابل في غضون شهر أو أثنين. سلامي الحار، علي الدوام.
أخيك المحب فنسنت

***

لأجل خاطر أمي
رامز جيت إنجلترا 31مايو1876
عزيزي ثيو:
برافو، لاستطاعتك التواجد في "إيتن" يوم21 مايو، حيث كان بالبيت أربعة أطفال من أصل ستة، لقد كتب لي والدي تفاصيل أحداث ذلك اليوم. كما أشكرك علي خطابك الأخير. هل حكيت لك عن آخر عاصفة شاهدتها أخيرا؟ كان لون البحر مائلا للاصفرار خاصة بالقرب من الشاطئ، بينما يبدو في الأفق شعاع ضوء يعلوه سحاب هائل رمادي داكن، ينهمر المطر من خلاله في خطوط مائلة، بينما الرياح تثير غبارا عبر ممر أبيض ضيق فوق الصخور داخل البحر، حيث شجيرات الزعرور البري المزهرة، والنباتات العشبية النامية فوق الصخور تتمايل بشدة، وناحية اليمين تقع حقول الذرة الخضراء اليافعة القريبة من بلدة تشبه تلك التي إعتاد البرت دورر رسمها، بأبراجها وطواحينها، وقراميد أسقفها، وبيوتها المبنية علي الطراز القوطي، تحتها يقع المرفأ المحصور بين حاجزين، تم تطويحهما بعيدا داخل البحر.
مساء الأحد الماضي جلست أرقب البحر، حين بدا كل شئ رماديا مظلما، إلا من بزوغ فجر يوم جديد في الأفق.
بالرغم من أن الوقت كان لا يزال مبكرا، إلا أن القنابر كانت قد بدأت تصدح بالفعل، كذلك طيور العندليب في الحدائق المجاورة للبحر، بينما علي مسافة قريبة يظهر ضوء الفنار، وحارسه...الخ.
في نفس الليلة نظرت عبر نافذة حجرتي شاخصا ببصري نحو أسطح البيوت الظاهرة للعين من هذا المكان، عبر قمم أشجار الدردار، حين يكتنف سماء الليل ظلام حالك، بينما هناك في الأعلي فوق الأسطح نجمة وحيدة، لكن جميلة، رحبة، ودودة.
مررتم بخاطري جميعا، سنواتي الماضية، بيتنا، جاشت بداخلي مشاعر وكلمات:» فلأبتعد عن كوني إبنا جالبا للعار، اشملني بنعمتك، ليس بسبب استحقاقي لها، بل لأجل خاطر أمي، الله محبة، تعم كل شئ، بلا دوام النعمة لم نكن لننجح في أي شئ»
ما أرفقته ينسحب قليلا علي مشهد كنت أراه من خلال نافذة المدرسة، حين كان الأولاد يلوحون لآبائهم مودعين إياهم لدي عودتهم للمحطة بعد انتهاء الزيارة، لن ينمحي من ذاكرة أي منا مشهد النافذة هذا إلي الأبد، كان ينبغي لك رؤية ذلك حين سقوط المطر هذا الأسبوع، خاصة عند الشفق عندما تضاء الأنوار، وتنعكس أضوائها علي أرضية الشوارع المبللة.
مثل ذلك اليوم قد تنفلت فيه أعصاب مستر ستوكز، وعندما يثير لأولاد ضجة أكثر مما ينبغي، يحدث أحيانا أن يكون عليهم المغادرة دون تناول طعام العشاء، كنت أتمني لو تراهم وهم ينظرون عبر النافذة، شئ محزن، لم يكن لديهم ما يتطلعون إليه سوي وجباتهم التي تساعدهم علي تحمل مرور الأيام، كنت أتمني أن تري كيف يجتازون السلالم المظلمة مارين بحجرة الطعام، حيث تغمرها أشعة الشمس.
مكان عجيب آخر وهو حجرة ذات أرضية عطنة، بها ستة أحواض استحمام يغتسلون فيها، بينما يتسلل ضوء خافت من خلال ألواح الزجاج المكسورة للنافذة نحو حوض الاستحمام، في مشهد حزين آخر يدعو للاكتئاب، كنت أود قضاء الشتاء معهم أو لو كنت أمضيت شتاء معهم في الماضي حتي أعرف كيف يبدو الأمر، الأولاد يحدثون بقعا زيتية علي لوحاتك، أرجو التماس العذر لهم».
أرفق برسالتك جزء للعم جان، والآن عمت مساء، إذا استفسر أحدهم منك عن أحوالي أبلغه أطيب تمنياتي، هل تزور بورشر من وقت لآخر؟ إذا رأيته أبلغه تحياتي، وكذلك ويليام فالكيز، وكل من في روز، شد علي أيديهم نيابة عني.
أخيك المحب فينسنت

***

برفات الشفق
أمستردام 18 ديسمبر 1877
عزيزي ثيو
اقترب موعد ذهابك المنتظر إلي رحلة عمل ل Messrs,Goupil and CO. لدي شعور مسبق بالاستمتاع لتوقع مقابلتك مرة أخري، أريد منك طلبا واحدا: ألا يمكنك تدبير الأمر بحيث نتمكن من قضاء ولو يوما واحدا علي الأقل في هدوء وسكينة؟
هذا الأسبوع منذر خارج المدينة، ذهب لقضاء بضعة أيام مع القس شودر في»زول»، إنه تلميذه السابق، مما يتيح لي بعض وقت فراغ يمكن استغلاله في تنفيذ خطة قديمة لرؤية لوحات رامبرانت في»تريبنهاوس»، لقد ذهبت إلي هناك صباح اليوم وأنا سعيد لقيامي بذلك، بينما كنت هناك فكرت هل من الممكن أن يأتي اليوم الذي نجيء فيه سويا أنا وثيو لمشاهدتهم؟
فكر في ذلك مليا، إذا كان في وسعك تدبير يوم أواثنين لمثل تلك الأشياء. كيف كان لرجل مثل أبينا، كان غالبية الوقت يرتحل بعيدا، ولو آناء الليل علي ضوء فانوس، كي يزور رجلا مريضا أو يحتضر، ليتبادلا حديثا حول شخص ذي قول مضئ حتي في ليلة من المعاناة والعذاب. فما بالك بإحساسه أمام لوحة رامبرانت»رحلة طيران ليلية إلي مصر»، أو»قبر المسيح»؟ المجموعة المعروضة في»تريبنهاوس» غاية في الروعة، الكثير من اللوحات التي رايتها لم تقع عليها عيناي من قبل علي الإطلاق، قيل لي أيضا عن وجود بعض لوحات رامبرانت بمتحف»فودور»، إذا رأيت أنه في الإمكان، تحدث عنها مع مستر ترستيج، ونوه لي عند قرب مجيئك، حتي أتمكن الانتهاء من عملي وأكون حرا وطوع بنانك عند حضورك.
لم أر مثيلا لها من قبل، سواء اللوحات، أو النقوش، إلا أنك لم تبرح خيالي وجميع من في الوطن.
لكني أصبحت غارقا حتي أذني في عملي، حتي يصبح واضحا لي ما يتوجب معرفته حقا، وما يعرفونه»هم»، ومصدر إلهام»هؤلاء» ممن يجب السير علي نهجهم،»إتبع الكتب المقدسة» عبارة لم تكتب عبثا، فهي دليل هام، أستخلص من كنوزه وهلم جرا أشياء جديدة و قديمة.
(تلا ذلك جزء كتب فيه فنسنت عن الحياة العائلية لكي وزوجها، كما عرفها في زيارة قريبة- بعدها وقع فنسنت في هواها حين أصبحت أرملة- وحول الموعظتين اللتين تلقاهما أخيرا).
كتب لي والدي إنك أمضيت فترة في»أنتورب»، وأتوق لسماع ما شاهدته هناك.
منذ فترة طويلة شاهدت أيضا الصور القديمة داخل المتحف، وأعتقد أنني أتذكر حتي رؤية صور بورتريه لرامبرانت، لو استطاع المرء تذكر الأشياء بوضوح، لكان شيئا رائعا، إلا أن ذلك يبدو مثل مشهد عبر طريق طويل، تبدو فيه الأشياء من بعيد صغيرة و ضبابية.
في إحدي الليالي شب حريق هنا داخل النهر، كان قاربا محملا بشراب العرق، أو ما شابه ذلك، اشتعلت به النار: كنت مع خالي علي سطح»واسينار»، وكان بيننا حوار ذو صلة، ليس هناك أكثر خطورة من نقلهم المركب البخاري بين القوارب الأخري وربطه حتي الصباح، بينما الدخان يرتفع عاليا تظهر «بيتنكانت» حيث صف قصيرأسود من الناس يقفون لمتابعة المشهد، والقوارب الصغيرة تحوم حول لهب النار تبدو أيضا سوداء علي صفحة الماء المنعكس عليها الدخان لا أعرف إن كنت تتذكر الصور التالية لأعمال «الجازيت» التي كانت موجودة في معرض للصور الفوتوغرافية في ذلك الوقت، إلا أنها دمرت حينها، ومنها» عيد الكريسماس» و»الحريق» وغيرها، كان ذلك شيئا مثلها.
لقد هبط الشفق» بارك الله الشفق»، ديكنز استدعاه و بالطبع كان علي حق، بارك الله الشفق خاصة عندما يصبح إثنان أو ثلاثة منسجمين فكريا، مثل أدباء يستلهمون باستمرار من كنوزهم أشياء قديمة وجديدة، بارك الله الشفق حينما يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه، ويكون هو وسطهم، و البركة في رجل يعرف تلك الأشياء و يتّبعها أيضا.
رامبرانت يعلم ذلك، لمن غيره كنوزا ثمينة في أعماقه ظل يستلهمها وهلم جرا من بين أشياء أخري مرسومة باللون البني الداكن، والفحم، والحبر،الخ مثل تلك الموجودة بالمتحف البريطاني وتصور بيت في»بيثاني»، في تلك الحجرة هبط الشفق، رمز إلهنا، نبيلا رائعا، يقف خارجا برصانة،عبر نافذة يتسلل من خلالها شفق الليل.عند قدمي المسيح تجلس مريم مختارة ذلك الجانب الطيب الذي م المستحيل انتزاعه من داخلها، بينما مارتا في الحجرة منشغلة بشئ أو بآخر، علي ما أذكر كانت محدقة نحو النار أو ما شابه ذلك، تلك اللوحة أتمني ألا أنساها قط، أو ما يبدو أن توحي لي به:»أنا نور الكون، من يتبعني لن تكتنف مسيرته الظلام، بل سوف يمتلك نور الحياة».
تلك أشياء يقولها الشفق لمن لهم آذان يسمعون بها، وقلب يفهم و يؤمن بمباركة الرب للشفق! في تلك اللوحة لرويبرز تحت إسم» محاكاة يسوع المسيح» هناك أيضا شفق، وأيضا في رسم آخر لرامبرانت» ديفيد في صلاة للرب».
لكن ليس هناك دائما بركات للشفق، كما تري من خط يدي، وأنا جالس بالدور العلوي بجوار مصباح، لوجود زوار بالدور السفلي بما لا يمكنني من الجلوس مع كتبي.
العم جان يبعث لك تحياته...
استمتع بوقتك، أكتب لي سريعا، وتعالي بسرعة، لأن من الجيد أن نتقابل مرة أخري، نتحاور في أشياء، ربما نتمكن هذا الصيف من الذهاب لزيارة المعرض الذي سوف يفتتح بعد أيام قليلة، تحياتي لآل روز وسلامي الحار.
أخيك المحب
فنسنت
إذا حدث ووقعت في الحب، وجاء رد الفعل»لايمكن، أبدا، علي الإطلاق»، لا تستسلم لذلك، إلا إنك ذلك المحظوظ الذي أثق أنه لن يتعرض لهذا.


***

الهواء الطلق
لاهاي النصف الثاني من شهر يوليو 1882
أخي العزيز
الوقت متأخر حقا، إلا أنني أرغب معاودة الكتابة اليك مرة أخري.
لست بجانبي هنا، إلا إنني كنت أتمني ذلك، وأحيانا يبدو لي أننا غير بعيدين عن بعضنا.
اليوم قطعت وعدا علي نفسي، مع الأخذ في الاعتبار مسألة مرضي، أو بالأحري ما تبقي منه، كأنه لم يكن(كان يجب مكوثه بالمستشفي لمتاعب في المثانة و إصابته بالأرق) يكفي ما ضاع من وقت، لابد من الاستمرار في العمل، لذلك، سواء رضينا أم لم نرضي، يجب البدء في معاودة الرسم بنشاط مرة أخري، وبانتظام منذ الصباح وحتي المساء، لا أريد أحدا يقول لي:»أوه، إنها مجرد رسومات قديمة (عفي عليها الزمان)»
رسمت اليوم لوحة مهد مع لمسات قليلة من الألوان.
وأعمل أيضا في لوحة مثل تلك المحتوية علي مروج التي أرسلتها لك أخيرا، تحولت يداي إلي اللون الأبيض الشاهق، لكن هل علي أي لوم؟
سوف أخرج للعمل في الهواء الطلق، حتي لو تسبب ذلك في معاودة المرض، لن أتحمل البعد عن العمل أكثر من ذلك.
الفن امرأة غيور لا تقبل تفضيل المرض عليها وأنا طوع أمرها.
من أجل ذلك آمل أن تتسلم بعد فترة قصيرة رسوم جديدة جيدة، أناس مثلي ليس لهم أن يمرضوا، إذا جاز التعبير.
عليك فهم وجهة نظري نحو الفن بصورة صحيحة، من أجل إدراك الجوهر، علي المرء بذل جهدا شاق و طويل، ما أريده وأهدف إليه صعب بشكل مربك، علاوة علي عدم اعتقادي أن هدفي مبالغ فيه.
أريد صنع لوحات تمس بعض الناس، الحزن مجرد بداية، وربما بعض من المناظر الطبيعية مثل شارع»ميردرفوت»، أو مروج» ريجزويك»، أيضا مبني مصنع تجفيف الأسماك تعتبر أيضا بداية بسيطة. فيها علي الأقل شئ ينبع من قلبي مباشرة.
كذلك عند رسم شخصية أو مشهد، كنت أتمني التعبير من خلاله ليس عن مشاعر سوداوية، بل عن حزن دفين. باختصار، أود الوصول لأبعد من ذلك، أن يقول الناس عن أعمالي: إن إحساسه عميق، ومشاعره حانية، رغم ما قيل عني من فظاظة، بل وربما بسببه أيضا.
الحديث بتلك الطريقة الآن يبدو طموحا، إلا أن ذلك هو ما دعاني لدفع الأمور بكل قوة.
كيف أبدو في عيون معظم الناس؟- شخص نكرة، أم غريب الأطوار، أم شخص كريه مزعج- شخص ليست له مكانة في المجتمع ولن يحصل عليها أبدا، باختصار، أسفل سافلين، عظيم جدا، إذا كان ذلك حقيقيا، عندها يجب أن أظهر في أعمالي أن لا شئ من هذا القبيل داخل أعماق ذلك الرجل الغريب الأطوار.
ذلك طموحي، الذي، بالرغم من كل شئ، أُسس علي الغضب أقل من الحب، وأسس أكثر علي الصفاء عن العاطفة في الحقيقة أنا في أغلب الأحيان في أعظم بؤس إلا أنه لا يزال هناك بداخلي، إيقاع هادئ صاف، وموسيقي. ففي أفقر الأكواخ، وفي أقذر الزوايا، أري رسوما ولوحات، وبقوة خارقة يتوجه تفكيري منسحبا نحو تلك الأشياء.
وتفقد أشياء أخري أكثر وأكثر أهميتها، وزاد تخلصي منها، الحاجة الملحة للفن تدفع إلي المثابرة في العمل، العمل بالرغم من كل شئ، و الملاحظة الدؤوبة.
بالمثابرة، وأعني في المقام الأول مواصلة العمل، لكن أيضا عدم التخلي عن موقفك تجاه مزايدة شخص أوآخر، أتمني، يا أخي، أني خلال سنوات قليلة، وربما حتي في الوقت الحالي، شيئا فشيئا سوف تري مني أشياء تجعلك راضيا عن تضحياتك.
لقد وطدت علاقات قليلة جدا مع فنانين آخرين الفترة الأخيرة، ولم أكن الأسوأ فيها، ليس بسبب لغة الرسامين بل لغة طبيعة من يجب عليه الإنصات، أستطيع فهم الآن أكثر من ستة شهور مضت سبب قول موف لي:» لا تحدثني عن دوبريه، تحدث عوضا عن ذلك عن بنك في ذلك الخندق، أو شيئا من هذا القبيل»، لقد بدا شئ فظاً إلي حد ما، لكنه أصاب الحقيقة، فالإحساس نحو الأشياء نفسها، في الحقيقة، أهم من الإحساس تجاه لوحات أو صور، علي الأقل هو أكثر فائدة و أكثر حيوية. لأنني حاليا لدي إحساس واضح رحب حول الفن والحياة ذاتها، من حيث أن الفن هو الجوهر والروح، و لي شيئا ثقيلا و غادرا أن يحاول الناس إرغامي علي شئ.
من جهتي أجد في كثير من اللوحات الحديثة سحرا غريبا وهو ما ينقص قدامي الرواد.
بالنسبة لي أجد أرقي و أنبل تعبيرات الفن تأتي دائما من الإنجليز، أمثال ميليه وهيركومر وفرانك هول «يعرفهم فنسنت كرسامين جرافيك»، ما أقصده بشأن الفرق بين الرواد القدامي و الجدد هو أنه ربما يكون فكر الجدد أكثر عمقا،
هناك اختلاف كبير في الإحساس بين لوحة»برد أكتوبر» لميليه، وBleachery at Overveen لرويسدايل، و أيضا بين لوحة»المهاجرين الأيرلنديين» لهول، و»قراءة الإنجيل» لرامبرانت.
رامبرانت وروديسدايل رفيعي المستوي، بالنسبة لنا و لمعاصريهم، إلا أن هناك شئ في الفنانين الجدد يجذبنا شخصيا أكثر وبحميمية.
نفس الشئ بالنسبة لطبع الكليشيه علي الخشب لسوان و الرواد القدامي من الألمان.
لذلك أجد سوء تقدير من الفنانين الجدد في قيامهم بمحاولة تقليد قدامي الرواد منذ بضع سنوات.
علي ذلك أعتقد أن الأب ميليه كان مصيبا في قوله:»يبدو سخيفا لي، أنه ينبغي علي الرجال أن يظهروا مختلفين وعلي غير حقيقتهم».
ومن المعتاد قول، فوق ذلك، أري وجود عمق شديد، مثل المحيط، بينما بدوري أعتقد أن المرء يحسن صنعا إذا استفتي قلبه.
كل ما أريد أن تعرفه، أنني سوف أعاود العمل بهمة و نشاط و بانتظام مرة أخري، برغم كل شئ، أضف إشتياقي لوصول خطاب منك قريبا، وفي تلك اللحظة تمنياتي لك بليلة سعيدة، وأشد علي يدك مودعا.
المخلص فينسنت
أرجو أن لاتنسي النسيج السميك، إن استطعت العثور عليه، سأرسل لك عينة، لا يزال لدي النوع الخفيف، السميك يتيح لي نشر الألوان المائية، بينما الآخر يصبح ملطخا


.



=============



To Theo van Gogh. Auvers-sur-Oise, Wednesday, 23 July 1890

My dear brother,

Thanks for your letter of today and the 50-fr. note it contained.

I would like to try, perhaps, to write to you about a lot of things, but the inclination has passed, and then I feel the pointlessness of it all.

I hope that you found these worthy gentlemen favourably disposed toward you.
As far as the peace of your household is concerned, I am as much convinced that it can be preserved as I am that it is threatened by storms.

I would rather not forget the little French I know, and am certainly unable to see the sense in delving deeper into the rights or wrongs of one side or the other in any discussion. It wouldn’t be my concern anyway.

Things move quickly here. Aren’t Dries, you and I rather more convinced of that, don’t we understand that rather better than those ladies? So much the better for them – but in the long run we can’t even count on talking coolly about it.

As far as I’m concerned, I am giving my canvases my undivided attention. I am trying to do as well as certain painters whom I have greatly loved and admired.

Now I have returned, my feeling is that the painters themselves are fighting more and more with their backs to the wall.

Very well…but hasn’t the moment for trying to make them understand the usefulness of an association already passed? On the other hand an association, should it come about, would go under if the rest were to go under. In that case, you might say, the dealers could throw their lot in with the impressionists – but that would be very short-lived. Altogether, it seems to me that personal initiative is of no avail, and given the experience we’ve had, should we really be starting all over again?

I noted with pleasure that the Gauguin from Brittany I saw is very beautiful, and it seems to me that the others he has done will probably be so as well.

Perhaps you will take a look at this sketch of Daubigny’s garden – it is one of my most carefully thought-out canvases. I am adding a sketch of some old thatched roofs and the sketches of two size 30 canvases representing vast fields of wheat after the rain. Hirschig has asked if you to be kind enough to order for him the list of paints enclosed from the same dealer where you buy my paints.

Tasset could send them to him direct, cash on delivery, but then he would have to give him the 20 per cent discount. Whatever would be the simplest. Or else you could put them in with the package of paints for me, adding the bill, or telling me how much the total amount comes to, and then he would send the money to you. You cannot get anything good in the way of paints here. I have cut my own order to the barest minimum.

Hirschig is beginning to get a better idea of things, it seems to me. He has done a portrait of the old schoolmaster, which he has given to him, good – and then he has some landscape studies which are almost the same colour as the Konings at your place. They may turn out to be quite like these, or like the things by Voerman which we saw together.

Goodbye for now, keep well and good luck in business, etc., remember me to Jo and handshakes in thought.

Ever yours,

Vincent

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى